اللبيب من الاشارة يفهم – حكاية شعبية

ا

نذر أحد الرجال، إن رزقه الله بولد، أن لا يخرجه من البيت قبل أن يكتمل عمره خمسة عشر عاماً. وفعلاً، جاء يوم حملت امرأته ووضعت مولود ذكراً، ففرح به وظل يحوطه بعنايته ويحافظ على أن لا يخرج من البيت، فلما اكتمل السنوات التي حددها سمح له بالخروج.
حينما خرج الفتى رأى مجموعة من الناس في سفر وموكب، اعجبته، فذهب إليهم يسألهم فقالوا: ذاهبون إلى الحج. فأسرع إلى أمه يطلب إليها أن يشارك هؤلاء الناس سفرهم. عارضت الأم ذلك، وعرضته على الأب فعارض أيضاً، ولكن ابنها ما زال يلح عليهما حتى وافقا.
حطت القافلة في بعض المواقع للاستراحة، فاتفق إن كانت خيمة هذا الشاب قريبة من خيمة خضراء لابنة أحد الملوك، وكانت جميلة تعلق بها قلبه، وعند العودة من الحج أبصر الشاب هذه الفتاة تشير بإشارات ظلت غامضة بالنسبة إليه، رآها تغمز مرة بإحدى عينيها، ومرة بطرف كمها، وثالثة باصبعها إلى الأعلى ليظهر عليها الخاتم.
عاد إلى أهله فوجد أنهم قد خطبوا له فتاة من بين الأقارب، رفضها، وأصر على البحث عن الفتاة التي رآها في الحج، ولكن مقاومته لم تستطع أن تصمد لإصرار أبويه وأهله، في وجوه ممن خطبوها له على غير رغبة منه فيها.
لذلك جعل يضع بينه وبين زوجته، عند النوم، سيفاً، وحينما تكرر منه ذلك أخبرت زوجته أمها به. فأشارت عليها أن تسأله عن السبب، فسألته فأخبرها بقصة الفتاة التي تشغل ذهنه منذ أن ذهب للحج، وذكر لها الإشارات الغامضة فقالت له: غمزة العين هي الإشارة إلى بنات الملوك، وإشارة الأصبع التي بها الخاتم تعني أنها وحيدة أبويها، وأن مسكنهم بجوار صائغ، والإشارة بالكم معناها أنهم يسكنون أيضاً بجانب خياط (ترزي).
في الصباح خرج الشاب يبحث عن صاحبة هذه الأوصاف، فنال منه الجهد والتعب وهو يبحث حتى وصل إلى صائغ وخياط يشتغلان قريبين بعضهما من بعض، ففرح بذلك وشعر بتحقق آماله، فقرر أن يتقرب من الصائغ لتنشأ له سمعة من التعامل معه فلعل اسمه يعرف في هذا الحي وتكون الفتاة من بعض المتعرفين عليه، فطلب إلى الصائغ أن يصنع له خاتماً من الذهب، وبعد أن صاغه الصائغ قاسه على إصبعه ثم قال خذه لك هذا صغير على اصبعي، ثم طلب منه أن يصوغ خاتماً آخر. ثم أهداه إياه لأنه -في رأيه- أكبر من اصبعه، ثم طلب إليه أن يصنع له خاتماً ثالثاً، فحدد له الصائغ ساعة محددة ليأتي ويتسلمه.
تحدث الصائغ إلى زوجته في أمر هذا الشاب وأعطاها الخاتمين، فتحدثت زوجته مع الفتاة، وكانت تسكن قريبة منها، في الأمر نفسه، فأخذت الفتاة منها أحد الخاتمين، وطلبت إليها أن تريها هذا الشاب حينما يعود لتسلم الخاتم الثالث فوافقت.
حين مجيئه إلى الصائغ كانت الفتاة تقف بإحدى النوافذ فظهر البشر على وجهها بشكل واضح كما هو على وجهه، فلم تتمالك نفسها من أن تشير إليه بابريق من الزجاج ومزهرية ورد. لكنه لم يحصل من هذه الإشارات شيئاً.
عاد إلى زوجته فحكى لها ماحدث معه، فقالت له: إن إبريق الماء يرمز إلى نافورة الماء، والمزهرية ترمز إلى الحديقة، وكانت بالمدينة حديقة كبيرة جميلة يقصدها الأعيان والوجهاء.
ذهب الشاب إلى هذه الحديقة ليتقابل مع هذه الفتاة في مكان حددته له فمنعه الحارس من الدخول لأن ابنة الملك سوف تزور الحديقة بعد قليل، فجعل يقنع الحارس بأنه مريض ويحتاج إلى مكان صحي هادىء يريح فيه جسمه وأعصابه، فلم يوافق الحارس إلا ببعض قطع النقود التي رماها في جيبه، حيث قال له: لا تطل المكوث داخل الحديقة.
أخذ الشاب يطوف ويطوف حتى انتهى إلى النافورة فجلس إليها، فسيطر عليه النعاس فنام، وحينما وصلت الفتاة إلى مكانها وجدته نائماً فلم توقظه واكتفت بأن وضعت بضع حصوات في جيبه وعادت من حيث أتت.
وجد في جيبه عدداً من الحصى حينما أفاق، فعجب لها من أين أتت إلى جيبه وخرج من الحديقة فقال له الحارس: قلت لك لا تطل المكوث في الحديقة. لئلا تراك ابنة الملك. وها قد أتت إلى الحديقة وخرجت منها فماذا لو رأتك فيها؟ فأدرك أنها هي التي وضعت الحجارة الصغيرة في جيبه.
عاد إلى زوجته وأخبرها بهذه الإشارة الجديدة فقالت له: إنها تريد أن تقول لك من خلال هذه الحصوات أنك لا زلت صغيراً على الحب، لا زلت طفلاً يلعب بالحصى مع الأطفال، وهذه هي الآن لعبة تناسبك أكثر من غيرها.
عاد إلى بيتها ثانية وجعل يحوم حوله، فرأته، فأشارت له بسبع حبات من الرمان مشققات وسبع غير مشققات. لم يفهم مغزى هذه الإشارة كما لم يفهم ما سبقها من إشارات. قالت له زوجته في البيت، إنها تقول له: اذهب إلى قصرها وستجد فيه سبعة أبواب وعليك أن تقفل كل باب تفتحه بعد أن تدخل.
أسرع إلى قصرها واجتاز الباب الأول وظل يخترق الأبواب دون أن يغلقها مما لحقه من الفرح وانشغال الذهن، وأخيراً وصل إلى غرفتها فألقاها تجلس على سريرها، فسرت به سروراً بالغاً، واستغرقهما الحديث في أول لقاء صريح ولم يفطنا إلى مرور ساعات الليل وهي تنقضي، وما زالا في سهر وسمر حتى غلبهما النعاس ولم يعلما متى أخلدا إلى النوم، ولم يطفئا الضوء الذي كان يضيء عليه الغرفة.
لفت الضوء المشتعل إلى ساعة متأخرة من الليل انتباه الحراس فنظروا إلى غرفة ابنة الملك فوجدوها نائمة وعندها شاب غريب، أذهلهما المنظر، ثم حملا الشابين وأدخلوهما السجن، وأوصلا الخبر إلى الملك، فلم يصدق ما يسمع، حيث أصر أن يتأكد بنفسه مما يقولون. فأتى إلى السجن،
أما الشابان فحينما استيقظا وجدا نفسيهما في السجن، طلب الشاب من بعض الناس الذين رآهم أن يقولوا لزوجته «يا قطان قطنك احترق» ففهمت زوجته ما يريد فأحضرت طبقين من الحلوى وأسرعت بهما إلى السجن، منعها الحراس من الدخول لأن الملك على وشك زيارة السجن، فقالت لهم: لقد نذرت أن أوزع هذين الطبقين من الحلوى على المساجين، وهذا نذرا للمحابيس، وبما أنكم موظفون في السجن فإني أعطيكم هذا الطبق، واسمحوا لي أن أدخل لأوزع الطبق الآخر على من بداخل السجن.
ألهت الحلوى حراس السجن فاجتازت البوابة إلى حيث زوجها، فألبسته ثيابها ولبست ثيابه، وأعطته الحلوى وقالت له اخرج فورا من السجن.
غادر الشاب السجن ولم يفرق الحراس بين الداخل إليه والخارج منه.
وصل الملك إلى السجن وطلب أن يرى بسرعة الشاب الذي ينام عند ابنته فحينما تحقق منه أمر أن يساق الاثنان إلى ساحة الإعدام، فجعلت زوجة الشاب تصرخ وتولول وتقول: هكذا تقابلون ضيوفكم. لأفضحنكم بين الناس جميعاً، ثم كشفت عن نفسها فتحقق الملك أنها امرأة لا شابا كما قد كان يحسب، فاعتذر لها الملك عما بدا منه من تسرع، ثم رجاها أن تخبره بقصتها.
فقالت له: لقد وصلت إلى ابنتك لأخطبها لأخي، ولم أكن أستطيع أن أصل إليها بغير هذه الطريقة، وأخذنا السهر والليل فنمت بجانبها، ماذا في ذلك من جريمة تستحق أن نساق من أجلها إلى السجن، إنني سوف أفضحكم في جميع أقطار الدنيا.
هدأ الملك من روعها ثم ذكر لها أنه موافق على فكرة زواج ابنته من «أخيها» لقاء ما أخطأوا في معاملتها، ثم عاقب الحراس الذين أخبروه أن شاباً ينام عند ابنته.
تزوج الشاب العاشق من معشوقته صاحبة الإشارات والألغاز، تزوج من ابنة الملك وعاشا معاً حياة سعيدة.
وتوتة توتة خلصت الحدوتة

“منقول”

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات