الزوجات المخلصات -حكاية شعبية

ا

منذ زمن بعيد كان لأحد شيوخ قبائل جنوب فلسطين امرأة يحبها حبا جما ، ولكن القدر فجعه بها وتوفيت وهي في ريعان شبابها، فحزن حزنا شديدا عليها وأقسم ان لا يتزوج من نساء القبيلة بعدها . وبعد سنة من وفاتها ركب فرسه وسار الى أحد القبائل التي تسكن في منتصف البلاد، وحلّ ضيفا على شيخ تلك القبيلة . فرحب به اجمل ترحيب وأكرمه بما يليق بمقامه كشيخ قبيلة . ولما انتهت مدة ضيافته وهي ثلاثة ايام وثلث ، طلب الشيخ الضيف الزواج من إبنة الشيخ المضيف، فوافق الثاني بعد مشاورة ابنته التي اشترطت بدورها أن يدفن زوجها معها اذا ماتت وتدفن معه اذا مات هو، فوافق على شرطها، فجهز لها أبوها ما يليق ببنات الشيوخ وأرسلها في قافلة محملة بالهدايا مع نفر من قبيلته حتى أوصلوها قبيلة الشيخ الضيف، وهناك تزوجها في ليلته، ولما أصبح الصباح قام شيخ القبيلة العريس عابس الوجه فسألوه عن سبب حزنه، فقال لهم بأنه أفاق في الصبح فوجد زوجته ميتة، ولما ذهبوا ليحفروا لها قبرا أمرهم بحفر قبر لإثنين، وأخبرهم عن شرطها، ولما حاولوا أن يقنعوه بأن لا يدفن نفسه رفض، وفي عصر ذلك اليوم تم دفن الإثنين، الزوج والزوجة .

وعندما بزغ فجر اليوم التالي للدفن، نهضت الزوجة “الميتة” فقال لها زوجها بأنها ماتت، وأنه قد دفن نفسه معها، فأخبرته بأنها حية ترزق ، وجاءت قريبات الزوج ليبكينه في قبره فأخذا يصيحان من داخل القبر، فسمعن صوتهما وحفرن القبر عليهما وأخرجنهما .

وأخذت قصتهما تنتشر بين الناس، وذلك بأن رجلا دفن نفسه مع زوجته الميتة وأنهما عادا الى الحياة في اليوم الثاني، ووصلت قصتهما الى شيخ قبيلة من قبائل الأردن، وكان هذا الشيخ متزوجاً من ثلاث نساء، فأقسم أن يطلق نساءه إن لم يستطع إحضار تلك المرأة صاحبة القصة، وركب فرسه وسار في طريقه الى أن وصل مدينة القدس، وهناك اشترى بعض الحلويات والقهوة العدنية، والفواكه اللذيذة، وواصل مسيره الى أن وصل الى قبيلة الشيخ صاحب القصة . وحل عليه ضيفاً فأُكرم وفادته، ونحر بعض أغنامه قرى للشيخ الضيف، ولما قدم له الطعام، قال هذا الطعام لا نحبه، وأخرج بعض الحلوى وقال : هذا طعامنا المفضل ، فأكل منه المضيف والحضور، ثم قال الضيف : أعطوا قليلاً منه لربّة البيت، فأعطوها، وقد سعدوا كثيرا بهذا الطعام وخصوصاً أنهم لم يأكلوه من قبل طيلة حياتهم .

ولما قدموا له القهوة قال : هذه ليست كالقهوة التي نشربها في بلادنا، فأعطوه(الدلّة) وعمل قهوة عدنية مبهرة من التي يحملها معه، ففاحت رائحتها في البيت فشربوا وتمتعوا بها، فطلب منهم أن يعطوا فنجاناً لربّة البيت أيضاً، ففعلوا .

وبعد أن سهروا الى ساعة متأخرة من الليل، وضعوا فراشهم ليناموا، وبعد أن غطوا في نومهم، خرجت ربة البيت الى شيخ القبيلة الضيف وأيقظته، وطلبت منه أن يهرب بها الى قبيلته فوافق وهربا .

وعندما أصبح الصباح ولم يجد الشيخ امرأته والضيف، عرف ما حدث وجلس دون أن ينبس ببنت شفة .

وبعد مدة ليست ببعيدة جاء بعض الشعراء الى مضارب القبيلة ليتكسبوا بمدح شيوخها، وكان من ضمن أشعارهم أن تحدثوا عن امرأة هربت من هذه القبيلة مع شيخ من قبائل الأردن، وهي الآن تنام مع الكلاب، وتأكل وتشرب من أكلها وتشرب من مائها، وعندما سمع الشيخ هذا الكلام، ركب فرسه وقصد القبيلة الأردنية، وحلّ ضيفاً على شيخها الذي اختطف زوجته، فأكرمه وأحسن وفادته، وطلب منه أن يمكث عندهم شهراً كاملاً .

وبعد أسبوعين طلب شيخ القبيلة الأردنية من والدته أن تتزوج شيخ القبيلة الضيف: فقالت له كيف أتزوجه وأنا امرأة عجوز وشعري أشيب وأسناني قد عفا عليها الدهر؟ لكنه أقنعها ووافقت في النهاية .

ولما نامت العجوز مع زوجها الضيف قال لها : بأنه لن يلمسها الا اذا قامت وقتلت إبنها، ولما رأته مصمماً على طلبه، حملت الخنجر وقصدت إبنها الذي تعود أن ينام بين الإبل والأغنام ويتغطى ” بفروة ” وكان الإبن قد وضع تحت غطائه قربة مليئة بالدماء وغير مكان نومه .

فذهبت الأم وغرست الخنجر في المكان الذي تعودت أن ترى إبنها ينام فيه، فخرج الخنجر ملوثاً بالدماء، فحملته وعادت به الى العريس الضيف الذي أبى معاشرتها بعد ذلك وقال : أنا لن إعاشر امرأة تقتل إبنها .

ولما اصبح الصباح ورأت العجوز إبنها يتمشى بين إبله وأغنامه، أخذت تعض أصابعها ندما وخوفا، في حين أن شيخ القبيلة الضيف استأذن للعودة الى مضارب قبيلته، فجهز له المضيف الهدايا، وأعطاه زوجته القديمة والزوجة الجديدة ” أي العجوز والدة المضيف ” فسار في طريقه عائدا الى أهله، ولما وصل نهر الأردن قال لزوجته الأولى : اذا كنت تحبين الحلوى الى هذا الحد فلماذا لم تطلبي مني كي اشتري لك منها؟ وقطع رأسها وألقى بها في النهر، وقال للزوجة العجوز أما انت فلماذا قبلت قتل إبنك من أجل أن تنامي معي ليلة؟ وقتلها أيضا وألقى بها في النهر . وفي هذه الأثناء كان فارسان من القبيلة التي استضافته يلحقان به، فأمراه بالعودة الى شيخهم … فأوجس منهما ريبة وظن أنه سيقتله لا محالة، لكنه أكرمه ورحب به بعد أن عرف أنه قتلهما، ثم ذهب الى زوجته الأولى وقال لها : اذا زوجت إبنتك من الشيخ الضيف فهل تسترنا ؟؟ فقالت : لا لأنه عندما جاء فلان ليخطبها ورفضت أنت قالت : إنه رجل وسيم….حبذا لو أن والدي وافق، فذهب الى زوجته الثانية وسألها نفس السؤال فأجابت بالنفي أيضا، وعللت إجابتها بأنه عندما كانت تطبخ قرى الضيف كانت تلحس إصبعها، فذهب الى زوجته الثالثة وسألها نفس السؤال : فردت بالإيجاب، ولما سألها عن السبب قالت ” لأنها منذ كبرت لم يدخل الحب الى قلبها ولم تنظر الى رجل . فقال لها : اذا جهزيها للرجل، وزوجها له .

 

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات