الحمار في أعمال جميل السلحوت الأدبية: بقلم نورا وتد

ا

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

يختلف الكتاب والمؤلفون والرواة في طريقة عرض قصصهم وطرح موضوعاتهم، وفي كيفية نقل المعلومة والأهداف المرموقة، للفرد وللأسرة وللمجتمع، وكل وسيلة سليمة، ما دام الهدف قد وصل لمتلقيه، وعالج مرضا عضالا قد استشرى في أواسط المجتمع.

إن ما يستدعي الكاتب عادة للكتابة عن المجتمع، والدعوة لإصلاح الحالة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية… هو حال المجتمع الذي يعيش به، فلا يخفى على كل ذي عين بصيرة مبصرة، ظواهر الانحراف والانحلال، والفساد الخلقي، الذي عَمَّ وطَمَّ بين صفوف أبنائنا ومجتمعاتنا، في أي مكان من قرانا ومدننا العربية، والتي تزداد كل يوم تعقيدا وفسادا، حتى يأتي من يقوم على إصلاحها وتقويمها إلى جادة الصراط، ولو بالكلمة، ولو بالنصيحة، ولو بالكتاب.  

لذا، فإن الباحث عن مثل هذه القضايا، سيجد أن مكتبتنا حظيت ليس بالشيء اليسير منها، ابتداء من حكايات “كليلة ودمنة” لابن المقفع منتهيا بكتابات وروايات معاصرينا أمثال الكاتب الشيخ جميل السلحوت.

وعادة ما يستخدم هؤلاء الكتاب في الكتابة بمثل هذه المواضيع أسلوب الرمزية والسخرية، كما استخدمها كاتبنا جميل السلحوت، بحيث جعل من حماره حكيما، فاهما، ذكيا، لا يخلط بين الأمور.

لقد تتبعت شخصية الحمار في الأمثال والأشعار فوجدتها مليئة فاستثارني هذا الأمر، فرغبت أن ابحث عنه في الأدب الحديث وذلك بعد أن أسقط الدكتور فاروق مواسي في يدي كتابين للكاتب جميل السلحوت “حمار الشيخ” و “أنا وحماري” فقمت بجولة سريعة امتطيت بها حمار جميل السلحوت وتجولت معه بين رفوف الذاكرة العربية.

ولنفتح أكياس ذاكرتنا لاستحضار بعض مشاهير الحمير الذين مروا في الذاكرة العربية. فقد وجدنا أن الحمار يتمتع بحصانة عميقة ضاربة جذورها في التاريخ العربي. وأنه يحظى بشيء غير يسير من الاهتمام في الشعر والأدب العربي، بل ويتعدى الأمر إلى النصوص الدينية.

   وقد جاء الحمار في القرآن الكريم في أكثر من موضع. إذ أراد الله تعالى أن يبين للإنسان أنعمه عليه. وكما ورد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا سَمِعْتُمْ نَهيقَ الْحِمارِ فَتَعَوَّذوا بِالله فَإنَّهُ رَأَى شَيْطاناً”، وهذا يظهر الجانب السيئ في الحمار بأن أنكر الله صوته. وكان الحمار مركباً للرسل والأنبياء عليهم السلام، فقد حمل سيدنا عيسى من جبل الطور إلى القدس، كما أهدى المقوقس حماراً لسيدنا محمد عليه السلام، وحمل الخليفة عمر بن الخطاب لفتح بيت المقدس، واستلام مفاتيح القدس من الصليبيين في العهدة العمرية. وتسمى كثيراً من المشاهير بالحمار كالصحابي “عياض بن حمار”، وحمير بن عدي، ووجدنا قبائل عريقة كقبيلة حمير.

نأتي للأدب العربي، حيث تحدث العقاد عنه كثيراً في كتبه. لكن الحمار كان وافر الحظ لدى توفيق الحكيم. وخير دليل كتبه المتعددة “حمار الحكيم”، وَ “حماري قال لي”، وكذلك تحدث إبراهيم المازني عن فروسيته من فوق ظهر الحمار، كما نتذكر حمار الروائي الفلسطيني إميل حبيبي في رائعته “المتشائل”، ولا ننسى والذي نحن بصدد الحديث عنه كتابات جميل السلحوت فنرى الحمار يظهر في مؤلفاته: “حمار الشيخ” و “أنا وحماري”.

من هنا، فإنني من خلال هذا البحث سأقوم بالحديث عن الحمار في الأعمال الأدبية لدى جميل السلحوت، مقسما البحث إلى أربعة فصول:

ففي الفصل الأول سأتناول الحديث عن سيرة جميل السلحوت وكتاباته بشكل عام، وفي الفصل الثاني سأتحدث عن الأدب الفلسطيني وتطوره، وما يتعلق بالرواية والخاطرة، وأما الفصل الثالث فسأكرسه للحديث عن كتب جميل السلحوت “حمار الشيخ” و “أنا وحماري”، ملخصا لها، ومستعرضا مضامينها ، ومن ثم الحديث عن الأساليب والوسائل الفنية في هاذين الكتابين، وفي الفصل الرابع سيكون الحديث فيه عن الحمار في كتابات السلحوت، وعن شخصيته من خلال كتبه، ومستعرضا بعض آراء النقاد المحليين في هذين الكتابين.

أرجو من الله العلي القدير، أن يوفقني في كتابة هذا البحث، ويعينني على إخراجه بأتم صورة، كما ولا أنسى أن أشكر الدكتور فاروق مواسي الذي أرشدني ومهد لي الطريق من أجل إخراج هذا البحث بأفضل حُلّة، من خلال نصائحه وملاحظاته.

وكلمة شكر أخرى، أعممها للكاتب الفلسطيني جميل السلحوت، الذي فتح لي باب بيته على مصراعيه، واستقبلني بحفاوة، وقد سكب علي من علمه الوافر، وتجربته الأدبية، مستعينا بها في دراستي هذه.

والله المستعان على ما نويت فهو الذي يهديني إلى الحق والخير ويأخذ بيدي نحو الصواب.

 

والله ولـي الـتـوفـيـق

    نورا وتد

    6/9/2008

6 رمضان 1429هـ


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأول

 

 

ترجمة ذاتية للكاتب جميل السلحوت


الفصل الأول

ترجمة ذاتية للكاتب جميل السلحوت

 

سيرة حياتية:

 

ولد جميل السلحوت في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران سنة 1949. وعند نشأته حصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية. كما اعتقل إداريا من 19-3-1969 وحتى20-4-1970.

وعمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990. كما وعمل محررا في صحف ومجلات الفجر، الكاتب، الشراع، العودة، مع الناس، مرايا، وشغل رئيس تحرير لصحيفة الصدى.

وهو متزوج من الكاتبة حليمة جوهر، صاحبة روايات ومجموعات قصصية، وأب لثلاثة أبناء: قيس، أمينة ولمى.

 

أما كتاباته وأثره الفني، فقد صدرت له الكتب التالية:

– أنا وحماري: منشورات دار التنوير للنشر والترجمة والتوزيع – القدس 2003.

– حمار الشيخ: منشورات اتحاد الشباب الفلسطيني – رام الله 2000.

– شيء من الصراع الطبقي في الحكاية الفلسطينية: منشورات صلاح الدين – القدس 1978.

– صور من الأدب الشعبي الفلسطيني – مشترك مع د. محمد شحادة: منشورات الرواد- القدس 1982.

– مضامين اجتماعية في الحكاية الفلسطينية: منشورات دار الكاتب – القدس 1983.

– القضاء العشائري: منشورات دار الأسوار – عكا 1988.

– المخاض – مجموعة قصصية للأطفال: منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين – القدس 1989.

– معاناة الأطفال المقدسيين تحت الاحتلال – مشترك مع إيمان مصاروة: منشورات مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية – القدس آب 2002.

 

كما أنه كتب في مختلف الدوريات في أراضي السلطة الوطنية وحتى في صحف ومجلات عرب الداخل.

أعد وحرر الكتب التسجيلية لندوات اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني – الحكواتي سابقا – في القدس وهي:

  • يبوس: منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس 1997.
  • ايلياء: منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس تموز 1998.
  • قراءات لنماذج من أدب الأطفال: منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس كانون أول 2004.
  • في أدب الأطفال: منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس تموز 2006.
  • عش الدبابير – رواية للفتيات والفتيان: منشورات دار الهدى – كفر قرع، تموز 2007.
  • الغول – قصة للأطفال: منشورات مركز ثقافة الطفل الفلسطيني – رام الله 2007.
  • هدى – قصة للأطفال: لم تصدر بعد، ستصدر في نهاية شهر كانون الأول من السنة الحالية.

وهو حاليا يقيم في جبل المكبر- القدس.

 


 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

 

الأدب الفلسطيني وتطوره

 


الفصل الثاني

الأدب الفلسطيني وتطوره

 

لقد واكب الأدب الفلسطيني ثنايا تطورات القضية الفلسطينية بعد النكبة، وكان له كبير الأثر في حفز الهمم نحو الرؤية النضالية المستقبلية، وذلك بشتى الأجناس الأدبية المعروفة: القصة، المسرح، الرواية، السيرة الذاتية، الخواطر والمذكرات…

وازدادت هذه الرؤية بعد هزيمة حزيران 67، حينما أضحت الرواية الفلسطينية من الأدوات الفنية المركزية للتعبير عن هموم الشعب وتطلعاته نحو الفعل والخلاص، والعجز عن ذلك، أو اللجوء إلى الخلاص الفردي، وكانت الرؤية نحو الوطن تنسجم مع التطلعات القومية، والعودة الحقيقية، بعد إزالة الاحتلال.

يعيش العالم العربي أزمة كبرى تكمن في عدم وجود رؤية مستقبلية، مما يجعله يسير وينمو تحت مبدأ العفوية والصدفة، دون وجود نموذج اجتماعي تقدمي يُحتذى به تبعا للثقافة العربية، والفكر العربي، مما يؤدي إلى تقيد الحركة الوطنية الشعبية في التطور والنماء تجاه الديمقراطية.

لهذا كانت صدمة الروائي الفلسطيني كغيره من الروائيين العرب، بعد الاطلاع على نتائج مباحثات السلام بين العرب وإسرائيل، فقد جاءت – كما يرى الروائيون – متعارضة مع طموحات الخطاب الثقافي العربي خلال خمسين عاما مضت، نحو استقلالية ذات سيادة حقيقية، فبدأت الرواية تعبر عن ضبابية المرحلة، وكأننا أمام مرحلة تشبه هزيمة 67([1]).

 

الأدب الفلسطيني وتطوره:

 

ظلت فلسطين عبر الزمان هدفاً للغزو الأجنبي نظراً لموقعها الجغرافي الفريد واتصالها الوثيق بالتاريخ السياسي والروحي للعالم.

ومن يتابع تاريخها منذ منتصف القرن الماضي وحتى نهاية العقد الثاني من القرن الحالي يلاحظ أن الحكم التركي أدى إلى تخلف الحياة في كل ميادينها لان الأتراك أذلوا العباد وصادروا الممتلكات والحريات وكمموا الأفواه وحاولوا تتريك البلاد العربية التي تقع تحت سيطرتهم مما انعكس سلباً على الحياة الثقافية التي بدت بحملتها خالية من العوامل الحقيقية الباعثة على النهضة.

لقد خيم ظلام الجهل على فلسطين فغرقت في لجة التخلف وتفشت الأمية بين أبنائها وبناتها. وبالرغم من الظلام الدامس الذي عم فلسطين إلا أننا لا نعدم بوارق أمل بدت تلوح في الأفق كانت بمثابة البذور الأولى التي مهدت لنهضة أدبية فلسطينية تمثلت في انتشار المدارس إلى ظهور الصحافة وانتشار المطابع والمكتبات والجمعيات وما إليها.

ويرى الدكتور عبد الرحمن ياغي أن القصة في الأدب الحديث في فلسطين لها تاريخ طويل ويشهد على ذلك برواية عنوانها (أم حكيم) كتبها محمد التميمي عام 1824, إضافة إلى روايات عده كتبها ميخائيل اعور المولود في عام 1855.

واغلب الظن أن الرواية الفلسطينية في بواكيرها الأولى قامت ترسم خطر الرواية الغربية.

وقد نشطت حركة الترجمة أواخر القرن الماضي على يد نخبة من المثقفين كان لخليل بيدس حصة الأسد حيث ترجم العديد من الروايات الروسية وقدمها لقرائه مسلسلة في مجلة النفائس التي كان يتولى تحريرها([2]).

وإذا كانت فلسطين قد وقعت تحت الانتداب البريطاني في العشرينات من هذا القرن وعانت من إثارة البغيضة فإن الرواية  الفلسطينية قد خطت خطوات نحو الرقي والازدهار في الشكل والمضمون على أيدي نفر ساروا على نهج خليل بيدس وتأثروا بفنه وهذا يعني أن الرواية الفلسطينية خرجت من معطف الرواية الغربية.

وسجلت الفترة الممتدة من (1920-1948) ظهور اثنتي عشرة رواية فلسطينية توزعت على العقود الثلاثة بالتساوي فظهرت في العشرينات رواية “حياة بعد الموت” لأسكندر الخوري عام 1920, ورواية”حذار” لنامق كمال عام 1923, إضافة إلى رواية ” الوارث” الرائدة لخليل بيدس.

وفي عقد الثلاثينات ظهرت أربع روايات أخرى هي: بين” الأسر والحرية” لقسطنطين تيودورس عام 1930, ورواية “على سكة الحجاز” لجمال الحسيني عام 932, ورواية “ثريا” للكاتب نفسه عام 1934, كما أشار د. إبراهيم السعافين إلى رواية مخطوطة عنوانها “رجاء” لحسن البحيري عام 1939.

أما فترة الأربعينات فشهدت ميلاد أربع روايات أخرى أهمها “مذكرات دجاجة” للدكتور إسحاق موسى الحسيني الصادرة عن دائرة المعارف عام 1943, تليها في الأهمية رواية في “السرير” لمحمد العدناني ورواية في “الصميم” لاسكندر الخوري عام 1947, ورواية “مرقص العميان” لعارف العارف عام 1947([3]).

ومن جديد نعود إلى بعض الدراسات النقدية التي تناولت الروايات الصادرة قبل نكبة عام 1948, ومن هذا القبيل ما أورده فاروق وادي في كتابه “ثلاثة علامات في الرواية الفلسطينية” إذ يقول: في عام 1934كتب محمد عزٍٍُِِِِِه دروزه “رواية الملاك والسمسار” أو “سماسرة الأرض”.

لذلك نرى أن د. إبراهيم السعافين حاول تصنيف الروايات من مرحلة النشأة فمن أربع اتجاهات هي:

– التيار المتأثر بالذوق الشعبي.

– اتجاه السيرة الذاتية ذو الملامح الرومانسية.

– المنحنى الرمزي التقليدي.

– اتجاه ذو رؤية واقعية.

لهذا إن هذا التصنيف يوحي بان الرواية الفلسطينية قد قطعت شوطاًَ بعيداً في طريق التطور. أما الرواية الفلسطينية في الشتات بين الحربين (1948-1967) لها أرقام ودلالات حيث أن نكبة 1948 نقطة تحول في حياة الشعب الفلسطيني كما كان انعكاسات مختلفة على البلدان المجاورة لفلسطين بأقدار متفاوتة.

توزع الروائيون الفلسطينيون بعد نكبه 1948 تجاوزت الوطن العربي إلى مهاجر بعيدة، وهذا التشتت كانت له إثارة على الإبداع الروائي من إحساس بالاستلاب وعدم الاستقرار والخضوع لأمزجة الأنظمة في البلدان التي يعيشون فيها مما يجعل لشخصية الفلسطيني في الشتات خصوصية تميزه عن غيره من الشخصيات.

ومن يتابع النتاج الروائي الفلسطيني في الشتات بين (1948- 1967) يلاحظ أن النكبة تهيمن على معظم الروايات ويتجلى في أغلب العناوين: شقاء إلى الأبد –  أقوى من الجلادين – الطريق وغيرها.

أما الهموم التي شغلت الأديب الفلسطيني في العقود الأخيرة تركزت حول الحنين والذكريات والأرض سلباً أو بيعًا وحياة المخيم البائسة وغيرها([4]).

كما ويشير الكاتب جميل السلحوت حول قضية الأدب الفلسطيني إلى أنه جزء لا يتجزأ من الأدب العربي، لكن في القرن الأخير ظهرت سمات خاصة في الأدب الفلسطيني ناجمة عن نكبة الشعب الفلسطيني، وتحول البقية الباقية بفعل ذلك إلى أقلية غريبة عن ذلك المجتمع.

فمن سمات الأدب الفلسطيني والتي تميزه عن الأدب العربي فهي ما يلي:

–       بكاء المدن والقرى.

–       مصادرة الأراضي.

–       اللجوء داخل الوطن.

–       الزيارة.

–       السجون الإسرائيلية.

–       القتل الجماعي – التهجير – المجازر([5]).

 

 

عرضت من خلال هذه الصفحات السابقة، شيئا عن تطور الرواية من ضمن تطور الأدب الفلسطيني، باعتبار أن الكاتب جميل السلحوت هو راوي فلسطيني، وله مؤلفات روائية عديدة، ولكن رأيت من خلال قراءتي لكتابي جميل السلحوت أن خصائص الرواية لا تنطبق على هذين الكتابين، فكما نعلم أن الرواية “تمتاز طوليا عن القصة القصيرة، ويعالج فيها كاتبها موضوعا كاملا زاخرا بالحياة، يمتد على مساحة طويلة من الزمن. قد ينتقل في أماكن وبيئات متعددة. ويجد الكاتب أمامه متسعا من الوقت للتفكير والمناقشة، وحياكة الحبكة أو الحبكات مما يميز كاتبا عن كاتب، ومقدرة عن مقدرة. كما وتتكون الرواية من عناصر فنية، تلتحم في تكوينها كما تلتحم فقرات الظهر مع بعضها”([6]).

لذا، فقد نقبت وبحثت مارا بين الأجناس الأدبية، قارئا لتعريفاتها ومتفحصا لخصائصها، فوجدت أن خصائص الخاطرة تنطبق تماما على كتابي السلحوت “حمار الشيخ” وَ “أنا وحماري”، وسأعرض بعضا عن تعريف الخاطرة وخصائصها، حتى أدعم ما استنتجته.

 

مفهوم الخاطرة:

 

تعتبر الخاطرة من الأنواع النثرية الحديثة التي نشأت في حجر الصحافة. ولكنها تختلف عن المقال من عدة وجوه: فالخاطرة ليست فكرة ناضجة وليدة زمن بعيد، ولكنها فكرة عارضة طارئة. وليست فكرة تُعْرض من كل الوجوه، بل هي مجرد لمحة. وليست كالمقالة مجالا للأخذ والرد، ولا تحتاج إلى الأسانيد والحجج القوية لإثبات صدقها، بل هي أقرب إلى الطابع الغنائي.. ثم لا ننسى الاختلاف في الطول، فالخاطرة أقصر من المقال، وهي لا تجاوز نصف عمود من الصحيفة، وعمودا من المجلة، وهذه الخاطرة تكون عادة بلا عنوان.

فيمكن أن نعرف الخاطرة أنها عبارة عن قطعة قصيرة من الكتابة النثرية الحديثة يلمح الكاتب من خلالها فكرة عارضة سنحت في ذهنه، دون أن تتاح لها فرصة النضج الكافي أو الاكتمال في ذهن صاحبها أو في فكره، فهي أبعد ما تكون عن التفكير الشمولي المنطقي أو التحليلي العميق([7]).

 

أنواع الخاطرة:

 

سواء عدت الخاطرة فرعا من المقالة لها خصائصها التي تتميز بها منها، أم اعتبرت نمطا كتابيا خاصا قائما بذاته، فإنها يمكن أن تتشابه معها في أنواعها وفي موضوعاتها مع بقاء الخاطرة أقرب إلى الذاتية منها إلى الموضوعية، بل هي أدعى إلى الإغراق في الذاتية، فكاتب الخاطرة أقرب إلى الاستغراق في ذاته حتى وهو يعلق على مادة موضوعية أو وهو يبدي رأيا في موقف علمي. ويمكن لكاتب الخاطرة أن يكتب في كل ما يخطر على باله أو يمر في خاطره من أفكار وسوانح في أي موقف أو حول أي موضوع. وخاطرته، بذلك هي رأيه الشخصي في ذلك الموقف أو في هذا الموضوع، فشخصيته دائمة الحضور من خلال خاطرته، على عكس كاتب المقالة الموضوعية بخاصة، الذي يمكن أن يتناول موضوعه بكل تجرد وحيادية، دون أن تظهر شخصيته في مقالته، فيما عدا طابعه الأسلوبي في التعبير عن الموضوع وفي كتاباته، ومدى دلالة هذا الأسلوب على شخصيته.

ولأنه لا قيد على حرية تفكير الكاتب في ذاته، فإن خواطره يمكن أن تتصل بأي جانب من جوانب الحياة، وأن تتسع لأي شيء منها، فهو بذلك يغطي بخواطره أي موضوع من الموضوعات. ولذلك فإن أنواع الخاطرة تتعدد وتتنوع لتتصل بكل ما يمكن أن يخطر على البال أو يمر في الذهن في حدود ذات الكاتب واهتمامه ومثيراته الفكرية أو العاطفية، فهناك الخواطر الأدبية والنقدية، والخواطر الفلسفية والاجتماعية والتاريخية، وكلها مطبوعة بطابع شخصي إنساني، إذ لا بد للخاطرة من مثير للذات، فتتسم بهذين الطابعين: الشخصي والإنساني معا.

ومن هنا يتأتى ارتباط الخاطرة بحساسية الكاتب ومدى تأثره بشؤون الحياة والناس. وهو، من أجل هذا الجانب فيه، لا بد أن يتصف بالذكاء ورهافة الحس، وعدم الرضا عن الواقع ممزوجا بشيء من القلق وروح النقمة على الحياة. كما لا بد أن يتميز بقدر من الميل إلى السخرية الناعمة والتهكم المشبع بتجربة حياتية غنية تجعله قادرا على إعلان رأيه أو تحديد موقفه من الحياة ومن الآخر. كما يستدعي فيه درجة كبيرة من الوعي على هذه الحياة وعلى قضاياها وعلى مشكلات مجتمعه المختلفة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه لا بد أن يوسم بدرجة لافتة من الثقافة، وبقدرة عالية على دقة الملاحظة وسرعة التأثر، والاندهاش، والتكيف، والاستجابة للمتغيرات في المواقف والأحداث، وبالتعاطف مع كل الأشياء حتى يغدو تعبيره ذاتيا حرا طليقا، خلوا من أي حشو أو استطراد. ولكي يكون لكتابته تأثير أكبر على المتلقين والقراء لا بد أن يتسم كاتب الخاطرة بقدر من الرزانة والهدوء ورضا النفس، بحيث يشعر القارئ كأنه يستمع إلى زميل يحدثه ويرشده. وينعكس ذلك من خلال أسلوبه الأدبي البسيط السهل الواضح القريب من النفس بما يشع فيه من العاطفة والصدق والإخلاص للحقيقة وللحياة وللناس، فيغدو لكتابته بذلك، قدر من الإمتاع والحيوية والتأثير([8]).

 


أبرز الخصائص الفنية للخاطرة:

 

إن كاتب الخاطرة يركز أسلوبه على فكرة واحدة تمثل قمة الانفعال أو فورة الدافع للكتابة، بحيث يمكن أن تستشف بسهولة المقدمات والنهايات المقصودة من لدن الأديب. كذلك فإن الاقتصاد شرط لا بد منه في الخاطرة من أجل أداء وحدة الانطباع والتأثير أو خلقها دون أن يشعر القارئ أو الكاتب على أنه نوع من الحذف أو الضغط المقصود. فطبيعة الخاطرة هي التي تملي هذا الأسلوب، وتؤثر بالتالي، على طبيعة اللغة في تركيزها وتكثيفها. وقد كانت الخاطرة تمثل حساسية كاتبها من حيث كونه، مثل كاتب القصة القصيرة، مأزوما في حال الكتابة، تغلب عليه فرديته وانطباعاته الشخصية، كأنه في ذلك يجسد حدة الإحساس وقوة الشعر.

وجريا مع طبيعة الخاطرة في محدوديتها وقصرها وسرعة الإعلان عنها وعرضها، فإنها لا تحتمل التحليل أو التأمل العميق أو تنوع الأفكار وتعددها، ولا تحتمل تعدد العناصر ولا تطويل الخطة، فلا مقدمة ولا عرض ممنطق ولا خاتمة بمعاني هذه الأجزاء، إذ المهم هو عرض فكرة الخاطرة مكثفة ومركزة، بحيث يجمل الكاتب رأيه أو فكرته السانحين بمنتهى الإيجاز.

وهكذا، فإن الخاطرة، في الغالب، فكرة مستقلة قائمة بذاتها، تكاد تكون، في صلب حقيقتها، أحادية العنصر، فيما عدا العرض الهامشي لطبيعة الموقف أو المثير الذي قد يرهص به الكاتب بين يدي خاطرته وتسجيلها([9]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث

 

كتابات جميل السلحوت

“حمار الشيخ” وَ “أنا وحماري”


الفصل الثالث

كتابات جميل السلحوت

 

أ. ملخص كتابي جميل السلحوت “حمار الشيخ” و “أنا وحماري”:

 

إن المقلب لصفحات الكتابين، يجد أن الكاتب يتعرض لأحداث معينة واقعية حصلت معه، ويصيغها لنا صياغة فنية، فالحوادث المذكورة ليس لها أي رابط زماني أو مكاني، وليس لها تسلسل أحداث، وإنما هي عبارة عن أحداث كان الكاتب يراها ويكتبها ويدونها على الأغلب في نفس اليوم.

هذه الأحداث عبارة عن حالات وحوادث اجتماعية وسياسية وإدارية… تخص المجتمع العربي بشكل عام، وهي أمور معروفة تحصل مع الناس بشكل يومي، ولكن لا ينتبه لها الجميع، فالكاتب يراها ونحن نراها، ولكن لا أحد يكترث بها ويكتب عنها ويستهزأ بها.

من هنا، جاء دور جميل السلحوت -ابن القرية العربية وابن منطقة القدس- في كتابة هذين الكتابين “حمار الشيخ” و “أنا وحماري”. “حمار الشيخ” كتاب يقع في 147 صفحة من الحجم الكبير ومن منشورات اتحاد الشباب الفلسطيني في رام الله عام 2000، وكتاب “أنا وحماري” الذي يقع في 112 صفحة من الحجم الوسط ومن منشورات دار التنوير في القدس عام 2003.

تقول الكاتبة حذام العربي: ” كتاب “حمار الشيخ” يحوي على 109 من النصوص المتفرقة والمستقلة موضوعا، تقع ما بين نصف صفحة وصفحتين. ومعظم هذه النصوص مذيل بتاريخ كتابتها، ما بين 25/5/1994 و 20/5/1999″.

وقد كان جميل السلحوت من خلال هذين الكتابين المكملين لبعضهما البعض، يتطرق لأحداث يومية، حتى أن أحد النقاد سماها بـ “يوميات مدينة”، كما أن غالبية هذه الأحداث حصلت في مدينة القدس وفي بعض القرى المحيطة بها.

من أجل ذلك، لا نستطيع تلخيص أحداث الكتابين بمفهوم التلخيص، وذلك لعموم الأحداث وكثرتها ولعدم ترابطها، وإنما تترابط فقط بالوحدة الموضوعية والهدف المنشود الذي يرنو له كاتبهما. وأنا من خلال صفحات هذه الدراسة سأحاول جاهدة أن اعرض بعض النماذج للأحداث والظواهر الذي يقدمها الكاتب في كتابيه وذلك في الصفحات القادمة بإذن الله.

تقول الكاتبة ديمة السمان بنظرة مجملة عن الكتاب: “(حمار الشيخ) عنوان موفق لسلسلة من الحلقات الناقدة الساخرة – حكيمها حمار – تتناول بعض الظواهر الاجتماعية والسياسية بأسلوب لاذع ولكنه شيق محبب لطيف عميق وصريح، يحمل روح الفكاهة. تتناول السلسلة بعض الممارسات اليومية الفردية أو الجماعية في المجتمع، وذلك بصورة ساخرة مبدعة فريدة غير تقليدية، خدمت الفكرة وجعلتها مقبولة… وقد وفق الكاتب باستخدام حماره لمثل هذا الغرض حيث استطاع بذلك اختراق الممنوع دون حرج… فلم يترك أي ظاهرة مزعجة إلا تناولها بصورة جريئة واثقة… أنجحت السلسلة وخدمت هدفها([10]).

إن حديث ديمة السمان بالنسبة لكتاب “حمار الشيخ” الأمر نفسه ينطبق على كتاب “أنا وحماري”، فالكتاب الثاني مكمل للكتاب الذي أصدر بداية وهو “حمار الشيخ”، فكان من الممكن أن يسمي جميل السحوت كتابه “أنا وحماري” بالجزء الثاني لكتاب حمار الشيخ، ولكن السبب في عدم القيام بذلك كما -قال جميل السلحوت- حتى يلفت النظر ويشد الانتباه لقراءة الكتاب الثاني.

تقول الكاتبة حليمة جوهر: ” (أنا وحماري) هو بمثابة الجزء الثاني لِـ “حمار الشيخ “، حيث أن الكاتب يحمل لقب الشيخ، وبالتالي فان الكاتب – كما يلاحظ في الكتابين كان يتجول في مدينة القدس، في الغالب، يرى ويشاهد وينتقد مظاهر اجتماعية وسياسية واقتصادية وإدارية، وغيرها بأسلوب ساخر على لسان حماره (1)

 

سبب تسمية الكتاب:

أما عن سبب تسمية الكتاب بهذا الاسم “حمار الشيخ” و “أنا وحماري” واستخدام الحمار في كتابات جميل السلحوت، يقول الكاتب:

“أولا: أنا أحمل لقب “شيخ” – وهذا ما لاحظته خلال بحثي عن مكان سكناه فكان الناس يقولون: “بيت الشيخ؟!”.

ثانيا: حصلت معي حادثة والتي بسببها أسميت الكتاب بهذا الاسم وهي أنني كنت في منطقة (عقبة جبر) غرب مدينة أريحا وكان أحد أصدقائي معي وقد قرأ حلقتي الأولى من الكتاب… فقال لي: “وقف حمار الشيخ في العقبة”، فتنبهت للاسم فأسميت الكتاب “حمار الشيخ”([11]).

أما عن شخصية الحمار واستخدامها في كتاباته فسيأتي الحديث عنها لاحقا.

 

 

 

ب. مضامين “حمار الشيخ” و “أنا وحماري”:

 

“يوميات مدينة” والتي كتبها الشيخ جميل السلحوت في الفترة ما بين سنة 1994 إلى 1999، وهي الفترة التي صاحبت تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو تعرض فيها الكاتب لتلك الحقبة الزمنية، منتقدا تارة ومقارنا تارة أخرى، موضحا جوانب من حياتنا الاجتماعية والسياسية، وموضحا بعض خبايا الأمور.

أما عن الموضوعات التي انتقدها حمار الشيخ:

– الترهل الإداري في مؤسساتنا الرسمية والأهلية.

– جمع الثروة بطرق غير مشروعة.

– عدم العدالة في الرواتب بين الموظفين.

– إهمال بعض المؤسسات غير الحكومية.

– بعض المسلكيات البشرية (اخ تفو): إن نهيق حماري ليس مزعجا، بل هو أفضل من نهيق بعض الناس (من ذوي اخ تفو).

– التباهي بالثقافة وتزيين رفوف المكتبات بها دون قراءتها.

– عدم دعم منشورات مركز الدراسات والبحوث الإسلامية.

– طابور الداخلية وباعة الأدوار.

– أعمال لصوص الآثار.

– تهور سائقي الفورد (ترانزيت).

– انتقاد إجراءات حارس أملاك الغائبين.

– إجراءات المطار والجمرك.

– تصديق الكاذب وتكذيب الصادق في لجان التحقيق ضد الفساد في المؤسسات.

– ضعف المعلمين في التدريس والاعتماد على التلقين الحرفي.

– عدم الاحتجاج ضد اعتداءات المستوطنين وتدنيسهم للمسجد الأقصى.

– الزواج المبكر وترك مقاعد الدراسة.

– البطالة في صفوف الخريجين الجامعيين.

– الانقسام السياسي العربي إلى 22 دولة.

– الأغاني الشبابية والفيديو كليب وعدم تطوير التراث الشعبي الأصيل.

– قذف المحصنات ومهاجمة التعليم الجامعي للفتيات.

– أسلوب تربية الأبناء الذي يورث فيهم الاتكالية وعدم الثقة بالنفس.

– إهمال إغاثة المنكوبين كما حدث مع بدو الجهالين وقت الثلج.

– إهمال الأطباء وعدم إخلاصهم.

– تجار الموت الذين يتاجرون بالبضائع منتهية الصلاحية.

– فوضى “الشهداء” أي: إلصاق لقب شهيد بالمتوفى وهو على غير حق.

– كذب المحامين واقتناص أموال ذوي المعتقلين دون القيام بواجب الزيارة والدفاع.

– ما يقدم لدعم صمود المواطنين في مدينة القدس، وسياسة مجلس الإسكان في إقراض من يحصل على رخصة بناء، ورفض إقراض من يستحق البناء بحجة انه يملك بيتا.

– أسلوب المعلمين في الضرب والتعليم.

– التعدي على حرمة الطريق العام.

– الأدعياء في القضاء العشائري.

– الإعجاب الشديد (بلا مبرر) بكل ما هو أجنبي.

– القسوة ضد النساء والتعامل الخاطئ معهن.

– التعامل مع الأطفال وتربيتهم بالضرب، ودفعهم إلى البيع في الشوارع، وحرمانهم من حقوق الأطفال.

 

وسأعرض بعض الخواطر لبعض القضايا التي تناولها الكاتب في كتابيه، ملقية الأضواء عليها. ففي إحدى المواقف التي يعرضها السلحوت في كتابه “حمار الشيخ” (خاطرة رقم 22، ص35) يحدثنا الشيخ قائلا: “وفي طريقي الشاقة من أبو ديس إلى بيت لحم وبعد أن اجتزت مخاطر طريق وادي النار… فانتحيت تحت شجرة وفتحت علبة (سردين) كنت قد اشتريتها من أحد الحوانيت، وقبل أن أضع اللقمة الأولى في فمي شاهدت أبا صابر يقضم أغصان إحدى شجيرات اللوز اليانعة، فنهضت مسرعا لأبعده عنها…، ولما عدت إلى طعامي كان أحد الكلاب الضالة قد ابتلع ثلاثة أرباع علبة السردين فندبت حظي العاثر ولعنت الكلاب سرا وعلانية… وبينما أنا أحمل العلبة وأغازلها بشوق عظيم وأنا واقع بين صراع الجوع والخوف من الوقوع في الحرام (بسبب نجاسة الكلب) لفت انتباهي تاريخ انتهاء مدة علبة السردين الذي يزيد عن سنة، وهذا ما أنقذ الموقف حيث أنني تركتها حفاظا على حياتي، وقلت (رب ضارة نافعة)… بينما كان الكلب يتلوى من الألم على مقربة مني… وهكذا أصبحت حياتي فضلة حياة كلب مما جعلني أضحوكة أمام حماري الذي تساءل: ألا يوجد سلطة تراقب الأطعمة الفاسدة؟؟

فركبت أبا صابر واتجهت إلى بيت لحم عبر بيت ساحور، وكان الصداع قد أنهكني، فذهبت إلى إحدى الصيدليات واشتريت علبة (أسبرين) من إنتاج أجنبي حفاظا على صحتي ومعدتي المتقرحة… فنظرت إلى تاريخ انتهاء الدواء وإذا به قد انتهى منذ ثلاثة شهور، فعدت إلى الصيدلاني كي أستبدلها أو أسترجع ثمنها فوبخني كثيرا بعد أن حاول إقناعي بأن شركات الدواء تضع تاريخ انتهاء الدواء قبل انتهائه بستة شهور على الأقل حفاظا على حياة الناس، ولما لم أقتنع حاول التطاول علي والاعتداء على شخصي الكريم بالضرب، فحاولت الدفاع عن نفسي وإذا بأحد الأشخاص ينتحي بي جانبا ويهمس في أذني بأن هذا الشخص مدعوم من عشيرة  سياسية قوية ستنصره ظالما أو مظلوما بالفهم الجاهلي لهذه المقولة…”.

ينتقد الشيخ ويعالج قضية الغش بين أواسط المجتمع، في شتى المجالات، حيث يعرض لنا موقفا حصل معه، ويأتي الانتقاد على لسان حماره حين يقول: “ألا يوجد سلطة تراقب الأطعمة الفاسدة؟”. فهذه الظاهرة من بين الظواهر المتفشية في عديد من المحال التجارية في فلسطين، لذلك فيريد السلحوت أن يعالج هذه القضية بإثارتها، وتوجيه نداء للمسؤولين في السلطة. كما ويشير إلى قضية المحسوبيات، ودعم الموظفين من شخصيات مرموقة، حتى ولو كان ذلك على حساب حياة الآخرين، كما حدثنا في خاطرته هذه، بالنسبة لبيع الدواء الذي قد انتهت صلاحيته.

وكأن السلحوت ينادي ويقول:

أين أصحاب الضمير؟ أين الأمانة في البيع والشراء؟ حتى متى نُكتب من الغشاشين؟…

 

وفي موقف آخر يعرضه الكاتب في كتابه “أنا وحماري” تحت عنوان (ليلة القبض على حمار أبي شريفة) (ص110)، حيث يقول: “يبدو أن المحتلين لم يكتفوا بسياسة التطهير العرقي ونهب الأرض العربية والاستيطان الجنوني في القدس العربية المحتلة، بل تعدوا ذلك إلى الحمير أيضا، وهذا ما حصل مع حمار  المواطن محمد علي سالم درجة المكنى “بأبي شريفة”… وقصة حمار أبي شريفة قصة لم تدخل وسائل الإعلام ولم يهتم بها أحد… كان يركب حماره في إحدى شوارع قريته، وتصادف أن مرت دورية شرطة احتلالية من نفس الشارع وفي الوقت نفسه الذي رفع فيه الحمار ذنبه وتبرز في الشارع. فما كان من الدورية إلا أن توقفت وحررت مخالفة لصاحب الحمار أبي شريفة بقيمة مائة وثلاثين شاقلا دفعها يشكل مأساة اقتصادية لرجل عجوز لا دخل له..”.

فهنا، قضية حساسة يعرضها السلحوت تبين مأساة الفلسطيني في ظل الاحتلال، وكيف يضيق الأمر به ذرعا حتى مع حماره، الذي أصبح محاسبا على تصرفاته الغريزية التي لا دخل له بها. فيبين السلحوت سخافة هذا الأمر بقوله: “ولا أعلم إن كان روث الحمار في قرية عربية يشكل قنبلة موقوتة تهدد أمن المحتلين، تماما مثلما لا أعلم إن كانت هناك قوانين خاصة بالحمير تحدد الأماكن المسموح بها للحمير بالتبول والتبرز. أم أن قضاء الحمار لحاجته في الشارع العام يشكل خرقا للأخلاق العامة، مع أنه يقوم بأمر غريزي لا إرادة له فيه، في حين أن الإنسان يعمل الموبقات السبعة في الشارع ووراء الأبواب المغلقة، ولا يعتبر ذلك خرقا للأخلاق العامة”.  

لاحظ المقارنة هنا بين الحمار والإنسان، فالحمار مبني على غريزةٍ اللهُ جعلها فيه، فأما الإنسان صاحب العقل والفكر، فإنه يتصرف بسلوكيات لا يقبلها الحمار ولا يقوم بها، ففي أغلب الأحيان كان يظهر حمار شيخنا أفهم وأحسن تصرفا من الإنسان.

لذا فيرى السلحوت أن يقوم بتعليم حماره كيفية قضاء الحاجة من باب اتخاذ الحيطة، فصار يبحث “عن مدرسة لتعليم حماري –الحمرنة الإنسانية-… ولا أعلم إن كانت هناك مدارس كهذه أم لا، وإن وجدت فما هي تكلفتها خصوصا وأن ثمن حمار أبي شريفة أقل من قيمة المخالفة التي ابتلي صاحبه بها…”.

 

ج. الأسلوب وتوظيف اللغة لدى جميل السلحوت في الكتابين:

 

يعرض جميل السلحوت من خلال كتابيه خواطر وأحداث – كما ذكرت آنفا – والتي من خلالها يود إيصال المغزى والعبرة إلى متلقيه وقارئيه ومجتمعه، لذلك فقد كان بعيدا عن التصنع وانتقاء الألفاظ المتشدقة والخشنة، بل لجأ إلى الطريقة الانسيابية في الكلام ونقل الحكاية من خلال بعض الأساليب، وأستطيع هنا أن أعرض هذه الأساليب من خلال النقاط التالية:

 

1) رواية أم خاطرة:

عندما نتناول الحديث عن الرواية الفلسطينية، ونقارنها بالنسبة لكتابي جميل السلحوت فإننا لا نعني بذلك مطلقا ذلك الصنف الأدبي المعروف باسم “الرواية” والتي لها شروطها الفنية وحبكتها وأساليبها وأصنافها كالرواية الرومانسية، الواقعية، ورواية الحداثة… إنما نقصد رواية الحدث وصياغته التي لا علاقة لها بالرواية المعروفة كصنف أدبي.

وجميل السلحوت يكتب لنا أحداثا وينتقدها بشكل لاذع وساخر دون التقيد بشروط فنية ودون وجود رابط بين كل خاطرة وأخرى أو مقالة وأخرى، بيد أن جزءا منها ينطبق عليها شروط الخاطرة وبعض منها ينطبق عليها نمط قصصي منخفض([12]).

كما أن جميل السلحوت يوافق على أن يطلق على كتابيه اسم “يوميات مدينة”، لأنهما عبارة عن مقالات ساخرة تعبر عن وضع يستحق السخرية.

ويشير كذلك قائلا: أن ما ذكر في كتابيه ليس مذكرات لجميل السلحوت وإنما يوميات، مع أنه من المؤكد أن أي كاتب قد يكتب جزءا من سيرته وهو لا يدري([13]).

وسبق أن قمت بتعريف الخاطرة في الفصل الأول وأسهبت فيها بعض الشيء، فرأيت أن كتابات جميل السلحوت “حمار الشيخ و “أنا وحماري” هي عبارة عن خواطر كتبها السلحوت على الأغلب في نفس اليوم الذي رأى به الموقف أو حصل معه الحدث، ورأيت أن خصائص الخاطرة ومفهومها تنطبق على كتاباته بعيدا عن كونها رواية كنوع أدبي بحد ذاته، وهو كما ذكرت مع الرأي القائل بأن كتابيه عبارة عن “يوميات مدينة”.

 


2) أسلوب السخرية:

لا بد لنا ونحن نتحدث عن السخرية، وأن أصل كتابة السلحوت في كتابيه أساسها السخرية، فكان حري بي أن أقف عند تعريف السخرية لوقفة قصيرة.

تعتبر ظاهرة السخرية من أكثر الظواهر الأدبية تشبثاً بالبنية الاجتماعية، فهي ذات طابع اجتماعي تعمل على تقوية الروح والتعاطف بين الأفراد، ويعبر الأدب الساخر عن وجهة نظر المجتمع تجاه الموضوع المسخور منه، فهو أشبه بالمتحدث الرسمي للمجتمع الذي استقرت فيه قيم وأخلاق وسلوكيات معينة فإذا ما خالفها احد من أبناء الجماعة الواحدة، فالفكاهة عموماً هي خير مرآة تنعكس عليها أحوال المجتمع، وما مر به من أحداث، وما اكتسب من مقومات وما اندمج في خلقه من سمات([14]).

 

السخرية لغة:

نأخذ تعريفا لغويا  واحدا لها وهو أنه: يعود أصلها إلى الفعل الثلاثي المكسور العين (سَخِرَ). وهو فعل لازم يتعدى إلى مفعوله بحرف الباء أو مِنْ، فيقال: سخر به ومنه، هزئ، وسخره، سخرياً، كلفه ما لا يطيق وقهره، وسخره تسخيراً: ذلَله، وسخرت به ومنه بمقام ضحكت به وضحكت منه، والاسم من الفعل هو السخرية والسخري([15]).

وعليه تكون السخرية أو الهزء شكلا من أشكال القهر والإذلال، وكسرا لانتفاخ الأنا من خلال تتبع العيوب والنقائص.

 

أدب السخرية:

إن الوسيلة الوحيدة للتخلص من العواطف المؤلمة المختلفة، هي حركة ذهنية داخلية تطرد هذه الآلام خارجاً، ولا تتولد هذه الحركة إلا بالضحك.

وبديهي أن هذا النوع رفيق درب الإنسان منذ وجد على وجه البسيطة فهو يفرح ويتألم ويسعد ويصيبه الشقاء، يتمثل هذا الشقاء بفراق الأحبة وبخسارة الولد أو المال أو الجاه أو القلق على مركز، وهكذا وجد الضحك كما وجد البكاء وفي آن واحد معاً.

كما ويربط علماء النفس بين ظاهرة الضحك والأدب الساخر على اعتبار أن الضحك أثر مصاحب للسخرية، والأدب الفكاهي بشكل عام، ولكن ليس دائما، إذ ليس الأدب الساخر في كل أحواله مثيراً للضحك وذلك لان الأديب الساخر قد يعاني إحساسا بالمرارة، ولكنه لا يستسلم للألم بل يعلو عليه، ويصوغه في إطار فني قد يكون رامزاً، وقد يكون صريحاً ولكنه يحمل مظاهر الاستخفاف الذي يقوم مقام أشد الضحكات وجعا([16]).

 

والآن، وبعد أن عرفنا السخرية من المنظور النظري، نأتي إلى كاتبنا جميل السلحوت الذي كثيرا ما كان يستخدم أسلوب السخرية اللاذع في كتاباته وبالذات بهاذين الكتابين، إذ يسخر من الواقع الذي يعيشه والحوادث التي يمر بها، والتي بالتالي الهدف منها لفت انتباه المسؤولين ولفت المجتمع إليها.

وعن استخدام السخرية في أدبه يقول السلحوت: “يمكن أن أسخر بمن هو أمامي من ضمن أحاديثي العادية اليومية، ولكنها ليست بقصد الاستهزاء ، وممكن أن يكون ذلك بسبب تعدد الانقسامات في الشخصية: التطور، الحداثة… فلم أستعمل السخرية بمعنى السخرية إلا في هذه الكتابات، أما في الكتابات الأخرى فقليلة هي السخرية”([17]).

منا هنا، فقد رأيت وبشكل جلي استخدام الكاتب للسخرية اللاذعة التي انتهجها في مجموعتيه وقد كانت موفقة جدا على لسان الحمار، والكتاب مليء بمواقف وبعبارات السخرية التي ذكرت سواء على لسان الحمار أو على لسان الشيخ، فمن هذه المواقف:

خاطرته في كتاب أنا وحماري بعنوان (تطوير التراث) (ص55) حيث تحدث عن تطور الأغنية العربية المصورة (الفيديو كليب) كما شاهدها في المحطات العربية خصوصا الأغاني البدوية أو القريبة من البداوة، حيث أن رقصات الديسكو – على حد قوله – جعلته يفتخر ببداوته أكثر من أي وقت مضى، فهي تثبت مما لا يدع مجالا للشك أن البادية العربية قد دخلت عولمة القرن الحادي والعشرين قبل غيرها من الشعوب الأخرى.

ويسخر الكاتب كذلك من تلك الرقصات التي يرقصنها الفتيات اللواتي يلبسن الملابس البدوية التي تدل على أصالة تراث البدو وعراقتهم، يقول السلحوت: “وإن كنت فرحا أكثر بالراقصات والمغنيات لأنهن لا ينحدرن من أصول بدوية، وذلك حفاظا منا نحن البدو على نسائنا العفيفات الشريفات، فنستقطب نساء غيرنا ليغنين بلهجتنا ويلبسن ملابسنا فيهززن الخصور والأرداف وتتمايل الصدور والرقاب وتنثر الشعور”.

طبعا، حمار الشيخ لا يتركه وفرحته هذه فينهق سخرية من فرحته وقد شبهه بالغراب الذي قلد البلبل في مشيته الحقيقيه على بشاعتها ولم يحسن تقليد البلبل. يقول السلحوت: “ولما سألته أي الحمار عن السبب؟ قال لي: إنكم تنسلخون عن تراثكم فلم تبقوا على قديمكم ولم تطوروه بما يتلاءم وبيئتكم. فوجدت عذرا لحماري لأنه غير عصري ولم يستوعب المرحلة الجديدة ولا يفهم من العولمة شيئا…”.

نموذج آخر يظهر استعمال الكاتب للسخرية، وذلك في كتابه (حمار الشيخ – ص117) في حديثه عن ظاهرة استخدام وحمل الهاتف الخلوي، وخصوصا لغير الحاجة، فتجد الرجل لا يملك قوت يومه، ولا يجد ما ينام عليه، ولكنك تجده يحمل هاتفا خلويا واضعا إياه على خاصرتيه.

فيحدث السلحوت وبأسلوب لاذع وطريف كيف أنه زوجته تلح عليه لشراء هاتف خلوي والتي أرادت أن تجعل منه شخصية مهمة عن طريق الهاتف الخلوي، وكيف أنها تريد أن تتنازل عن مصاريف البيت والتوفير منها، فقط من أجل اقتناء هذا الهاتف. ولكن الشيخ يعلق في النهاية ساخرا قائلا: “فدار في خلدي بيني وبين نفسي كيفية حمل الهاتف إذا ما اشتريته كي يراه الآخرون فيموتون بحسرتهم وغيظهم.. فهداني عقلي أن أعلقه برقبة حماري، فضحكت من هذه الفكرة ظنا مني بأن يتوه البعض فيظنه لحماري وليس لي.! لكنني استحسنت الفكرة لأنني سأجد من يقول بأن لحمار الشيخ هاتفا خلويا.. إلا أن حماري رفض ذلك لأنه يرفض أن يتشبه ببني الإنسان، ويتخلى عن عالم الحمير برنة هاتف أو بمظهر سخيف”.

وقد سألت جميل السلحوت عن قضية الهاتف الخلوي خلال مقابلتي إياه، عن سبب عدم حمله للهاتف الخلوي فأجاب:

“أولا: أتيحت لي الفرصة أن أحمل أكثر من هاتف بحكم عملي في السلطة، وثمن الهاتف وتسديد الفاتورة على حساب السلطة، فلو حملته لاستغل كثيرون الموقف من أجل أن يتصلوا على أقربائهم خارج الوطن، وأنا أعتبر ذلك سرقة ولا أقبل به.

ثانيا: حملت مرة هاتفا، وصدف أن كنت يوما في اجتماع هام في وزارة الثقافة، وبدأت الاتصالات تنهل علي، وكلها تخبر عن مشاكل تحصل في البلد، والمتصلون هم من (العجايز التقليديين)”([18]).

 

3) الواقعية:

إن أسلوب كتابة جميل السلحوت في هذين الكتابين تعتمد على الواقعية التي لا خيال فيها، والخيال فيها بسيط جدا لخدمة الواقع، وحتى يقرب الصورة والمضمون للقارئ والمتلقي، فالأحداث المذكورة في الكتابين هي أحداث واقعية حصلت على أرض الواقع، كيف لا وأن الشاهد فيها والمحدث والناقل لها هو نفسه التي حصلت معه، إما أن شاهدها وإما أن حصلت معه تحديدا.

ونحن إذ نتحدث عن الواقعية، فإننا نشير هنا إلى أن أحداث الكتابين كلها حصلت على أرض الواقع، باستثناء الحوار الذي جرى بين الكاتب وحماره، فتجريد الأحداث من هذا الحوار، تجعل الحدث واقعيا، فجميل السلحوت يدون لنا هذه الأحداث التي حصلت معه كما ذكرت سابقا.

وبالإضافة إلى واقعية الأحداث، وحصولها على أرض الواقع، فسأذكر بعض الأسماء لبعض الأماكن والشخصيات الحقيقية والتي صادفها وعايشها ويعايشها، مثل:

جارته لمياء، سهير، زوجته العزيزة، أبو شريفة، كوثر حسين جوهر (شقيقة زوجته)، محمود شقير، بيت المقدس، دير بيت فاجي، جبل المكبر، العزيرية، جبل الزيتون، راس العمود…

وسأعرض نموذجا لواقعية الأحداث والتي دونها السلحوت كما في خاطرته (أنوثة) من كتاب (أنا وحماري – ص104) فيقول: “لم أجد مناصا من أن أصطحب زوجتي، ونذهب لتقديم التهاني لصديقي عبد الصبور بمناسبة زواجه، وعندما شاهدت العروس غبطت صديقي على حظه السعيد وحسن اختياره لرفيقة حياته….، وفي الواقع فإن عبد الصبور يستحق كل خير لا لكونه صديقي فحسب، بل لأنه رجل أخلاقه حميدة وحسن السيرة والسلوك وسمعته تسبق اسمه في الاستقامة والأمانة”.

فهنا الكاتب، يروي لنا حقا ما حصل معه، فهو فعلا قام بزيارة صديقه عبد الصبور في بيته، ليهنئه، وحقا أنه أعجب بجمال العروس، وحقا أنه صاحبه هذا يتسم بتلك الصفات التي ذكره. لذا فهي أحداث واقعية، وقد تحصل مع بعضنا على أرض الواقع.

وفي هذه الحادثة يحدث السلحوت عن الزوجات اللواتي يتبرجن في الشوارع والأسواق، ولكنهن لا يغسلن وجوههن في بيتهن وأمام أزواجهن، وحديثه هذا من خلال ما حصل معه أن زار يوما صديقه المذكور، فقرع الجرس ففتحت له سيدة شابة رثة الثياب،شعرها منفوش ظنا منه أنها الخادمة، فاستفسر من صديقه عن هذه الخادمة، ولكنها فاجأه بأنها زوجته، فما كان منه إلا أن “فركبت حماري وعدت إلى بيتي خائبا وأنا أتساءل: لماذا يا صاحبات الصون والعفاف؟”.

 

4) سلاسة الألفاظ:

من يقرأ الكتابين، سيجد أن الكاتب يستخدم اللغة المبسطة والسلسة، بعيدة عن صعوبة الألفاظ وخشونتها، ولا يتعمد التصنع في الكلام، حتى ينقل الخبر والحدث باللغة المبسطة، وليست بحمالة أوجه كبعض الشعراء مثل الشاعر محمود درويش في قصيدته “لماذا تركت الحصان وحيدا”. فكان يتجنب خشن الألفاظ وغريب التفسير والتأويل.

كما أن السلحوت استخدم بعض الألفاظ العامية، ولكن استخدامها كان بشكل بسيط، فبعض الكلمات المذكورة في الكتاب هي عبارة عن أصوات وليست بكلمات مثل: اللي بوخ…. والآخ…

ومن أمثلة هذه الكلمات من الكتابين:

  • (شوال طحين) (حمار الشيخ، ص42).
  • (تياسة) (حمار الشيخ، ص28).
  • (عموه) (حمار الشيخ، ص60).
  • (يلط) (حمار الشيخ، ص69).

 

5) الأساليب البلاغية:

إن جميل السلحوت كان بعيدا كل البعد عن استخدام المحسنات اللفظية والأساليب البلاغية كالجناس والطباق وغيرها… وعلى حد قول السلحوت فإنه استخدم بدل ذلك “اللغة الثالثة” وهي: تنطبق على الكلمات التي إذا قُرأت مشكلة تكون فصيحة، وإذا قرأت دون تشكيل تكون عامية، وقد تعمد الكاتب ذلك حتى تصل الفكرة والمعنى لأي قارئ كان بغض النظر عن مستواه العلمي والأدبي.

ومثال ذلك: قوله (عموه) (حمار الشيخ، ص60) فلو قُرأت مُشَكَّلَة تُقْرأ (عَمَوْهُ) وإن قرأت غير مُشَكَّلَة فتقرأ (عَمُّوه).

كما ولاحظت استخدامه لمحسن لفظي وهو التشبيه في بعض العبارات مثل:

  • (وكالتيس في مقارعة الخطوب) (حمار الشيخ، ص42).
  • (لسنا كالبشر) (حمار الشيخ، ص6).
  • (كنت مزهوا بنفسي كالطاؤوس) (حمار الشيخ، ص21).

 

6) استخدام المخزون الشعبي والثقافي:

من خلال تصفحي للكتابين، وجدت أن الكاتب يتمتع بمخزون ثقافي شعبي واسع، وذلك من خلال استخدامه للأشعار والأمثال والحكايات الشعبية، وهذا مما يزيد من براعة الكاتب وحسن صياغته وإعداده للمؤلَّف أو الكتاب، فيصب في طيات صفحاته مزيجا من الألوان الأدبية الشعبية والحديثة.

ويأتي هذا المخزون الثقافي الشعبي، من خلال اعتزاز الكاتب بثقافته الشعبية فيقول جميل السلحوت: “أعتز بثقافتي الشعبية، وأستطيع الادعاء أنه لدي ثقافة شعبية واسعة، وأهتم بها كثيرا، وقد كتبت والفت أربع كتب شعبية”([19]).

كيف لا، والكاتب ابن بيئته، وابن قريته، وابن تراثه الفلسطيني العريق، فعندما كتب عن الحمار في كتابيه، فإنه لم يتخيله تخيلا، بل عاشه واقعا، وهذه الأمثلة قسم منها حتى لم نسمع عنها فهي جديدة علينا مع أنها قديمة التراث.

ولا بد من الإشارة هنا، أن الكاتب كان يضع الهلالين بين هذه الأقوال والأمثال، وأعتقد أنه كان قاصدا فعل ذلك، ليبرزها ويظهرها، وأن يبين اقتباسها، وهذا مما يساعد القارئ والباحث على إيجادها وملاحظتها بسهولة.

وإليك أمثلة على بعض الأمثال الشعبية والأقوال التي تم ذكرها في الكتابين:

 

1- الأمثال الشعبية:

  • (قلنا تيس قالوا احلبوه) (حمار الشيخ، ص42).
  • (رب ضارة نافعة) (حمار الشيخ، ص35).
  • (الواوي الذي بلع المنجل) (حمار الشيخ، ص31).
  • (مثل بنت أربعتعش) (أنا وحماري، ص47).
  •  (القرد في عين إمه غزال) (حمار الشيخ، ص27).
  • (لا يصلح العطار ما أفسده الدهر) (حمار الشيخ، ص27).
  • (القطعة أهون من القطيعة) (حمار الشيخ، ص15).
  • (حانا ومانا) (حمار الشيخ، ص7).
  • (اللحم إلك والعظم لنا) (أنا وحماري، ص74).
  • (أبو العظرط صار يحل ويربط) (حمار الشيخ، ص41).
  • (حال الهارب من تحت الدلف إلى تحت المزراب) (حمار الشيخ، ص55).
  • (العين بصيرة واليد قصيرة) (حمار الشيخ، ص95).
  • (امش الحيط الحيط وقول يا رب الستر) (حمار الشيخ، ص55).
  • (حيص بيص) (حمار الشيخ، ص59).
  • (عند اختلاف الدول خبئ رأسك) (حمار الشيخ، ص75).
  • (كم لحية جابت خراها بيدها) (حمار الشيخ، ص80).
  • (إنت على حجر وهو على حجر فهل تقبلينه لك ذكرا) (حمار الشيخ، ص84).
  • (لا يقطش من إذنيه الاثنتين إلا الحمار) (حمار الشيخ، ص85).
  • (إن الميت لا تجوز عليه إلا الرحمة) (حمار الشيخ، ص90).
  • (شر البلية ما يضحك) (أنا وحماري، ص94).
  • (أظلم الناس من أطعم الناس للناس) (أنا وحماري، ص41).
  • (لن تموت يا حمار قبل أن يأتيك العليق) (أنا وحماري، ص42).
  • (لا تنم بين القبور ولا تحلم أحلاما مزعجة) (حمار الشيخ، ص116).

 


2- الأغنية الشعبية:

كما أنه يسوق لنا مثالا على الأغنية الشعبية، حين يقول:

– “بالله تصبوا هالقهوة وزيدوها هيل…

واسقوها للنشاما على ظهور الخيل”. (حمار الشيخ، ص28).

– “ويلك ياللي تعادينا يا ويلك ويل) (حمار الشيخ، ص69).

وهو في ذلك يؤكد لنا، تمسكه بهذه الأغاني، وقد ذكر ذلك من خلاله كتابه في انتقاده لأغاني اليوم والفيديو كليبات، والتي ينتقدها، ويدعو للعودة إلى أغاني التراث الشعبية.

 

3- القرآن الكريم:

وقد تمثل ذلك في قوله تعالى:

  • (لا يُغَيِّرُ اللهُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّروا ما بِأَنْفُسِهِمْ)([20]) (حمار الشيخ، ص101).

 

4- الحديث الشريف:

ومن مخزونه الثقافي كذلك، اقتباسه لبعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتضمينه في فحوى الكلام لتأكيد المعنى والاستناد عليه، فمنها:

  • (لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ([21])). (حمار الشيخ، ص36).
  • (أُنْصُرْ أَخاكَ ظالِما أَوْ مَظْلوما)([22]). (حمار الشيخ، ص68).
  • (لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلى أَعْجَمِيٍّ إلاّ بِالتَّقْوَى)([23]). (حمار الشيخ، ص114).

 

5- الحكم والأقوال المأثورة:

مثل:

  • (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)([24]) (حمار الشيخ، ص86).
  • قول أحد الرهبان: (جاء وقت نبق فيه الحصوة) (حمار الشيخ، ص17).
  • (يا أمة ضحكت من جهلها الأمم)([25]) (حمار الشيخ، ص47).
  • (أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام) (أنا وحماري، ص71).

 

6- الأشعار:

كما ويستخدمها السلحوت في اقتباساته مثل:

  • أعز مكان في الدنى سرج سابح     ***     وخير جليس في الزمان كتاب (حمار الشيخ، ص1). وهو بيت للمتنبي.
  • ولا تطمعن من حاسد في مودة      ***     وإن كنت تبديها له وتنيل (حمار الشيخ، ص17). وهو بيت للمتنبي.
  • ذو العقل يشقى في النعيم بعقله      ***     وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم (أنا وحماري، ص65). وهو بيت للمتنبي.
  • إذا بلغ الصغير لنا فطاما             ***     تخر له الجبابر ساجدينا (أنا وحماري، ص83). وهو بيت للشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم.
  • لقد ضاع شعري على بابكم        ***     كما ضاع عقد على عنق خالصة (أنا وحماري، ص106) وهو بيت لأبي نواس.

 

7) الرمزية في الكتابين:

لا بد قبل الحديث عن الرمزية في كتابي جميل السلحوت أن أشير إلى بعض المعلومات حول موضوع الرمزية في الأدب.

بداية، يطلق الرمز عند العرب على:

أ- الإشارة بالشفتين أو العينين أو الحاجبين أو اليد أو الفم أو اللسان.

ب- يرى بعضهم أن أصل الرمز هو الصوت الخفي الذي لا يكاد يفهم.

ج- وقيل إن الكلام الخفي الذي لا يكاد يفهم ثم استعمل حتى صار كالإشارة.

ونستطيع أن نقول بوجه عام: إن الرمز في لغة العرب هو الإشارة، وفي كلام العرب ما يدل على: أن الإشارة (الرمز) طريق من طرق الدلالة، فقد تصحب الكلام فتساعده على البيان والإفصاح، لأن حسن الإشارة باليد أو الرأس من تمام حسن البيان([26]).

وتمتاز دلالة الإشارة بما يأتي:

1-              أنها سريعة وقصيرة.

2-              وأنها غير مباشرة لا تفصح عن المراد إفصاحا مباشرا، لأن الإفصاح المباشر عادة لا يكون بطريق الدلالة اللفظية بحسب ما تدل عليه الألفاظ من معانيها اللغوية الوضعية.

3-              وأنها خفية، وتلك الخاصية الأخيرة نتيجة للخاصتين السابقتين فهي لسرعتها وقصرها لا يفهمها إلا من يفطن إليها ويكون ذهنه مهيأ لها. هذا والدلالة غير المباشرة بطبيعتها أقل وضوحا من الدلالة المباشرة([27]).

 وأما بالنسبة للرمزية في النثر العربي الحديث، فنستطيع أن نلخص خصائص الرمزية بوجه عام فيما يأتي:

1-              في نثر الأدباء الذين غلب عليهم الاتجاه الشعري استجابة لاستعدادهم النفسي ونزعتهم الذاتية، أو مجاراة للرمزية الأوروبية التي غزت النثر – وإن كان الشعر ميدانها الأول – والتي خلطت بين الشعر والنثر في القالب، وأزالت ما بينهما من حواجز الوزن والقافية حين اتخذت الشعر الحر ميدانا لها في إنتاج بعض أدبائها.

2-              في نثر الكتاب الذين لجئوا إلى اللف والدوران في التعبير تحت ضغط الظروف السياسية والاجتماعية من ناحية، ورغبة في إظهار البراعة والافتنان في تصوير الخواطر والأفكار من ناحية أخرى([28]).

ولو عدنا إلى كتابي “حمار الشيخ” و “أنا وحماري” وسلطنا الأضواء عليهما، باحثين عن الرمزية التي استخدمها الكاتب في كتابيه، لوجدناها تتمثل في أمرين:

1- الحمار: يمثل حكمة الشعب في كتاباته، وكنيته “أبو صابر”.

2- الكاتب جميل السلحوت: يمثل السلطة في مجالات عديدة، فكان يخطئ وحماره يصححه.

تقول الكاتبة جليمة جوهر: “الحمار والذي حسب تقديري يمثل حكمة الشعب، لا يسكت على هذه الأخطاء والخطايا التي تصل إلى حد الجريمة، فينهق، ويرفس محتجا ومحذرا ورافضا لبعض المفاهيم والممارسات والقيم التي كتب عنها المؤلف، والقارئ بعين فاحصة أيضا سيجد نفسه أمام سؤال كبير: ما هو دور الكاتب في المجتمع؟ ولعلّ حمار كاتبنا يجيب على ذلك. فكل الأدوار والقضايا التي طرقها يراها الجميع ويشمئز منها الجميع أو يفرحون بها، لكن كم منهم ينتبهون لمخاطرها أو لمحاسنها فيعملون على تغييرها أو تكريسها”([29]).

فالكاتب من خلال شخصية “الشيخ”، فيما يتعلق بالمواقف السياسية، يريد أن يقول للرؤساء: “توافقون على أشياء حتى الحمير لا ترضى بها”. لذلك جاء الحمار في كل مرة مناقضا لكلام الشيخ، وبدا أذكى منه، وأفهم منه، بعكس ما نتصوره نحن عن الحمار الذي يتمثل بالغباء.

وأما ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، فإننا نجد كذلك أن الحمار بدا أفصح من الشيخ، وأذكى. فهناك مثلا أمور يمارسها الإنسان، ولا يمارسها الحيوان، فيما يتعلق بقضايا الجنس، فلا ترى حمارا يهجم على كرار صغيرة، بينما يحصل اغتصاب أطفال صغار عند الجنس البشري.

 

8) عناوين الكتابين:

إن القارئ للكتابين، يجد أن “حمار الشيخ” لا يحوي على عناوين للخواطر، فكل خاطرة مرقمة برقم دون عنوان، كما أن حمار الشيخ هو الإصدار الأول، أما كتاب “أنا وحماري” فإن جميل السلحوت قد تدارك الأمر وقام بعنونة الخواطر، مع أن كلا الكتابين نفس الموضوعات ونفس الفكرة، وعلى حد قول الكاتب، فإنه يعترف بأن هذا خطأ منه، فقام بتصحيح الأمر في الكتاب الثاني.

يقول الدكتور بطرس دلة:

“وقد قرأت أولا “حمار الشيخ” فوجدت فيه استمرارا لكتابكم السابق “أنا وحماري” ولكن في هذه المرة بدا نقد السلطة والمجتمع أكثر عمقا، وأكثر تأدية للرسالة والفكر الفلسفي. لأنك تشعر القارئ بنظرتك الثاقبة أنك على حق في كل ما تقول، ولكنك في هذا الكتاب حذفت العناوين واكتفيت بالترقيم وهي طريقة غير محببة تبعث أحيانا شيئا من الملل في نفس القارئ على الرغم مما في النصوص”([30]).

 

9) السرد والحوار:

يكثر الحوار والسرد في الكتابين، فقلما تجد خاطرة من خواطر الكتاب إلا وتخللها حوار وسرد، وهذا الحوار كان يقتصر على الغالب بين الحمار والشيخ، إذ هما بطلا هذا الأحداث، فالشيخ يحاكي حماره ويخاطبه، ويناقشه في قضية “بني آدم”، وفي قضايا يراها ويطلع عليها، ثم يجيبه الحمار رادا على كلام الشيخ، ناقدا لاذعا، وهذا الأسلوب قد تميز به جميل السلحوت في طريقة فكاهية تضمنها السخرية، لينقل للقارئ والمجتمع الفكرة المنشودة والهدف من وراء هذه الكتابة.

يقول عبد الله تايه: “وكتاب “حمار الشيخ” الذي أصدره الكاتب جميل السلحوت وجمع فيه مقالاته الناقدة في حواراته مع الحمار تناول مواضيع مختلفة من ظواهر سياسية واجتماعية وثقافية وعلمية وأدبية وقانونية، وقد اتخذ من هذا الأسلوب الحواري طريقة للحديث حول الأمراض الاجتماعية، والهموم الإنسانية، والأوضاع السياسية، والاقتصادية، بأسلوب ساخر ناقد فيه فكاهة مصحوبة بآراء جادة، وقد أنطق الكاتب “حمار الشيخ” بما يعتمل في نفسه وما يجيش في داخله من غير مباشرة ولا خطابية ولا الألفاظ المعتادة من مثل (يجب أن .. علينا ..لا بد .. يستلزم .. إلخ ) التي يفر منها القارئ حتى وإن كان الموضوع هاماً وجاداً فضغط الحياة اليومية ومشاكلها وتعقيداتها التي تزداد يوماً بعد يوم تجعل من مثل هذه المعالجات في “حمار الشيخ” تشبه الطرائف والفكاهات الساخرة التي تلفت النظر إلى الآراء وأوجه النقد والأمراض الاجتماعية دون نفور وبأسلوب محبب شيق، فيضفي على القراءة جواً من الانبساط وليس الانقباض”([31]).

ومن أمثلة الحوار المذكورة في الكتابين، أسوق بعضا منها وهي كثيرة:

“سألني حماري أيهما أكثر قداسة عندكم قطاع غزة وأريحا أم مدينة القدس؟

فأجبت: كل بلادنا مقدسة.

قال: ولكن للقدس رهبة وقدسية خاصتين.

قلت: معك حق.

قال: إذا لماذا أجلتم بحثها إلى المرحلة الثانية؟

قلت له: اسمع في هذا الزمن نحن لا نصنع التاريخ وصناعة التاريخ المعاصر ليست في مصلحتنا، ولا نريد أن نخرج من هذه المرحلة دون أن نجني شيئا، والعالم يتهمنا بالإرهاب مع أننا ضحايا للإرهاب، ونريد أن نثبت للعالم أجمع أننا دعاة سلام استراتيجي”([32]).

وفي حوار طويل يقول حيث السائل هنا الحمار:

–       “هل تعترفون بإسرائيل؟

–        فأجبت نعم.

–       هل تعترف إسرائيل بكم؟

–       نعم تعترف بالسلطة المدنية الذاتية.

–       وهل تعترف بحقكم في إقامة دولة؟

–       لا.

–       لكن منكم أناسا لا يعترفون بإسرائيل وحقها في الوجود.

–       هذا صحيح ولكنهم قلة…”([33]).

 


10) الشتم والذم:

بما أننا نتحدث عن نمط وأسلوب الكاتب في كتابة هذين الكاتبين، الذي اتصف بالسخرية والنقد اللاذع، فكان من الطبيعي أن تتخلل النصوص بعض الكلمات الدالة على الشتائم، سواء ورد ذكرها على لسان الشيخ، أو على لسان حماره، وإليك بعضا منها:

  • (يا بني آدم) (أنا وحماري، ص48). وهذه الشتيمة كانت على لسان الحمار أبو صابر في كل مرة، وقد استخدم كثيرا من قبل الكاتب وأسماها: “شتيمة في عرف الحمير”.
  • (صحيح أنك لا تفهم) (أنا وحماري، ص84).
  • (قبح الله وجهك) (حمار الشيخ، ص21). وقد جاءت على لسان الشيخ موجهة للحمار.
  • (عمى يعمي قلبك) (حمار الشيخ، ص49).
  • (الله يكسر رقبتك) (حمار الشيخ، ص90).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الرابع

 

آراء ونـقــد

 

الفصل الرابع

آراء ونقد

 

أ. الحمار في كتابات السلحوت:

 

أود البدء بهذا الموضوع من خلال بداية السلحوت كتابته “لحمار الشيخ”، فيحدثني الكاتب جميل السلحوت عن بداية الكتابة فيقول: “كانت البداية طريفة، فعند مجيء السلطة وتأسيسها، نزلت إلى مدينة أريحا، وهناك التقيت ببعض الضباط، وأردنا أن نخرج من أريحا، فاعترض طريقنا حاجز عسكري، فطلب الجيش مني أن أعرض هويتي، وقال لي: (نحن لنا أريحا وأنتم لكم العوجا)، فصارت مشادة كلامية بيني وبينهم، فقال لي أحد زملائي: “بالفعل الطريق مش إلنا”. فجلسنا بعد ذلك في مكتب أبو عمار، فأثرت الحدث وقلت: “حمار لا يرضى بذلك“. فاستفزتني هذه القصة، وكتبت أول حلقة في الجريدة ولم أضعها هنا في الكتاب”([34]).

“أعز مكان في الدنى سرج سابح                   وخير جليس في الزمان حمار”

يقرر السلحوت، أن خير جليس له، في هذا الزمان هو حماره (أبو صابر)، وليس الكتاب كما في قول المتنبي، لذا فنرى أن الحمار صاحبه خلال رحلته وتجواله في صفحات الكتابين، وكان له خير محدث ومؤنس له في طرقاته وتنقلاته، وفي حوارياته التي دائما كان الحمار أذكى وأبلغ من شيخه.

ولا أنسى أن أنوه هنا، أن جميل السلحوت قد عاش الماضي، وعاصر الحياة التراثية القديمة، فالإنسان على حد تعبيره مبررا معرفته بالحمار-  أن لو قلنا لابن حيفا أن يكتب عن الحمار فلن يستطيع، ولكن ابن القرية يستطيع ذلك، أما جميل السلحوت فيعيش في بيت قروي، وله نصيب في البداوة، كما أنه كان في قريته حمير، بل في بيته، فقد ركبها وتعامل معها، ويعرف طبائعها وخصائصها، فهو ليس غريبا عنها، والحمار بالنسبة له حيوان معروف ومألوف.

أما بالنسبة لسبب مصاحبة الحمار في رحلته فلها عدة أسباب: أولها للحوار والمجادلة والنقد، وثانيها لكي يساعده على تخطي الحواجز الاحتلالية وسلوك الطرق الالتفافية الوعرة، والثالث لكي يوصله إلى المسجد الأقصى ليصلي فيه .

وحمار السلحوت “ليس حمارا تقليديا بمفهوم الثقافة العربية، التي تحتقر الحمير وتلبسها كل شرور البشر، ومعروف أن العرب والفرس هم الوحيدون الذين يحتقرون الحمير في ثقافتهم ويعتبرونها حيوانات غير ذكية، حتى أنها تستعمل للشتيمة بين البشر … وان من يوصف بالحمار هو الغبي والمتخلف عقليا، بينما نجد الشعوب الأخرى تحترم الحمير وتعتبرها حيوانات ذكية ولطيفة وجميلة، حتى أن الحزب الجمهوري في أمريكا اتخذ صورة الحمار شعارا له”([35]).

ويشير عبد الله تايه في حديثه عن الحمار واستحضاره في مواطن عديدة، بعيدا عن الصفة المقبحة للحمار من الغباء فيقول:

“إن دول حوض البحر المتوسط، وجنوب شرق آسيا، والدول الأفريقية، ومناطق أخرى كثيرة، لا تخلو من وجود الحمير. ولأن الحمار من الدواب المفيدة ورد ذكره في القرآن الكريم في أكثر من موضع ففي سورة النحل آية (8) قال تعالى: “والخيل والبغال والحمير لتركبوها” و “كالحمار يحمل أسفاراً ” لكن “حمار الشيخ” حمار نبيه متيقظ، كثير الأسئلة والاستفسارات ويطلق بعض الناس الاسم (حمار) على بعضهم في مواقف النعت بالجهل، وجاء في رسائل الجاحظ الجزء الأول والثاني في كتاب – البغال – أكثر من 181 صفحة عن البغال، وورد فيها أن سليمان بن علي قال لخالد بن صفوان وقد رآه على حمار: ما هذا يا أبا صفوان؟ قال: أصلح الله الأمير، ألا أخبرك عن المطايا؟ قال: بلى. قال: الإبل للحمل والزمل، والبغال للأسفار والأثقال، والخيل للطلب والهرب، والبراذين للجمال والوطاءة، وأما الحمير فللدبيب والمرفق”([36]).

ويقول في موضع آخر: “وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة تسمى (دلدل) وحمار يسمى (يعفور) وقرأنا حكاية حمار العزير الواردة في القرآن الكريم والتي كانت أجمل وأدهش آية حتى يتيقن العزير من قدرة الله على إعادة الخلق، فصار الحمار من الحيوانات التي ستدخل الجنة، قال الله تعالى : “كالحمار يحمل أسفاراً”، وارتبط الحمار بالجهل أما “حمار الشيخ” فيتصف بالفطنة والعين الناقدة والأذن الطويلة التي تلتقط هموم الناس.

ومن صفات الحمير الصبر، و”حمار الشيخ” لا يصبر على ضيم ولا فساد ولا استغلال، يقول الجاحظ أن من الخطأ حث الحمير على المشي والسفر بقولنا (حا) يذكر أن (حا) تقال للجمل ويقال (سأسأ) للحمار، فقد سخر الأعرابي من صاحبه ورماه بالجهل قائلاً: يقول للناقة قولاً للجمل يقول (حا) ثم يثنيه بحل.

فصاحبه هذا أخطأ حين كان يقول (حا) للحمار في حين أنها تقال للجمل. وجاء في المعجم الوسيط: الحمار حيوان داجن من الفصيلة الخيلية، يستخدم للحمل والركوب، كما يقال للحمار عَرْد، وإذا كان البعض لهم في مظهر الحمار رأي فما رأيهم بالغراب؟ غادة السمّان الكاتبة المعروفة وضعت على غلاف أحد كتبها صورة الغراب لأنها رأت فيه مظاهر جمالية، واعتبرته مظلوماً من الإنسان بوصفه نذير شؤم، سألت أصحاب عن حكاية الحمار الذي نقول في وصفه (حمار قبرصي) قال أحدهم: أنه عاش في قبرص متنقلاً أكثر من عامين لم ير خلالهما حماراً، يبدو أن التسمية قديمة دلت على قوة وصبر وجلد هذا النوع الذي انقرض هناك، وكاتبنا في “حمار الشيخ” جعل من حوار الحمار الذي اصطحبه في كافة الموضوعات التي طرحها بأسلوب طريف مجالاً لفكاهة النقد السياسي والاجتماعي والإنساني”([37]).

وبعيدا عن حمار الشيخ، ألمح بشيء قليل عن الحمار من الناحية العلمية وكيف أنهم يستغلونه في بعض الأمور، فعند بعض الحيوانات هناك حكمة، فقد ثبت علميا ويحصل في بلاد أفغانستان وغيرها، وفي البلاد الجبلية الوعرة، يستعينون بالحمار من أجل وضع السكك الحديدية، فكانوا يسيرون خلفه ويحددون خطة السكة، لأن هناك معلومة مؤكدة تقول أن الحمار في المناطق الوعرة يسير في أسفلها باحثا عن المناطق السهلة.

كما ذكر لنا السلحوت مدعما حكمة الحيوان، من خلال خاطرته “الراصد الجوي([38])” إذ يقول: في إحدى الدول العربية، نشرة الأخبار الجوية فيها لم تكن صادقة في معظم الأحيان، فزار أميرها إحدى القبائل في مملكته وحل ضيفا عليها، فقال له شيخ القبيلة: عجلوا الغداء لأن المطر سيهطل. فقال الأمير: وكيف عرفت ذلك؟ فقال: لأن الحمار يمد أذنيه تجاه الغرب، ويجحظ عينيه عندما ستمطر السماء، فضحك الأمير وقال: إذا أعطونا الحمار وخذوا مدير الأرصاد الجوية([39]).

فهذه حكمة الحمير، وهكذا حمار شيخنا يظهره في خواطره حكيما!  


ب. شخصية جميل السلحوت من خلال كتاباته:

 

في أحيان كثيرة، عندما نقرأ كتابا معينا أو مقالا معينا، نستطيع أن نستشف ونستخرج من بين السطور شخصية وسلوكيات كاتبه، والذي قد يزيد من صحة توقعاتنا من دراستنا لشخصية الكاتب من خلال كتاباته هو معايشته ومجالسته، تساعد على فهم الشخصية وسلوكياتها.

وهذا ما استنتجته من خلال دراستي لكتابي “حمار الشيخ” و “أنا وحماري” للكاتب جميل السلحوت، ففي عدة مواقف من صفحات الكاتب لمست الجرأة المكمونة في شخصية السلحوت وذلك من خلال الحدث أو من خلال انتقاء الألفاظ، فيما يتعلق بالقضايا السياسية والقضايا الاجتماعية.

وأسوق إليك بعض الأمثلة الدالة على جرأة الكاتب:

يقول السلحوت في خاطرته بعنوان “ما أحلى العيون الزرقاء!”: “وفي الطريق “أحبتني” فتاة شقراء الشعر والبشرة، زرقاء العيون، ناهدة الصدر، نحيلة الخصر، شبه عارية، ولما كلمتني بدلال، ذبت بسهام ناظريها، فشلحتني كل ما في جيوبي وقالت لي باسمة: الخك خمورك يا خمور! فعجبت من شدة ذكائها وكيف عرفت أنني مخمور بحبها فأهديتها ساعتي للذكرى، وعدت إلى بيتي نشوان وأنا أشتم النساء المحتشمات، ذوات العيون الخور، والأرداف الممتلئة والشعر الفاحم، فأجسامهن عفنة لا تراها الشمس ولا الهواء”([40]).

وفي خاطرة أخرى يقول: “ذهبت إلى حظيرة الحمار وأخذت أتحسس خصيتيه بحثا عن أثدائه، فلا بد أن يكون له ثديان، فالأنثى هي الأصل على رأي الدكتورة نوال السعداوي، وأنا لي ثديان كما كل الرجال، وبينما أنا أتحسس خصيتي أبي صابر ظن الخبيث ذلك مداعبة جنسية فإذا به يمد غرموله، فتذكرت أنه لم يختل بأتان منذ سنوات..”([41]).

كذلك لاحظت هذا الأمر أي جرأته في الحديث والكلام في مثل هذه القضايا من خلال مجالستي إياه، وحين سألته عن سبب الجرأة هذه في النقد والسخرية من بعض المواقف السياسية والاجتماعية أجاب:

“نقد الاحتلال والكتابة عنه، فليس هناك أي مشكلة، أما بالنسبة لنقد السلطة والحديث عنها، فأنا موظف في السلطة بل وموظف مرموق، أصل إلى مرتبة مدير عام. ولكن مع ذلك امتلكت الجرأة وانتقدت السلطة بشكل لاذع، ومع ذلك فلم تشتك السلطة مني بتاتا، لأنهم شعروا بحرصي الشديد للإصلاح داخل السلطة،  ونقدي لها ليس نابعا عن عداء أو ضغينة، فأنا أكتب من باب الحرص الشديد وأنتقد السلبي في السلطة والمجتمع وبالإضافة لذلك فإني لا أطبق عكس ما أقول”([42]).

وقد ذكر لي الكاتب جميل السلحوت بعض الأحداث والمواقف التي حصلت معه شخصيا بالنسبة لنقد السلطة ولكن لا مجال لذكرها هنا.

ومما يؤكد هذا الكلام، ما قاله الدكتور بطرس دلة من كفر ياسيف في نقد الكتابين: ” أخي جميل اسمح لي أولا أن أبارك نشاطك ونقدك هذا وأقول: قدما والى الأمام! فأنت صاحب قلم لاذع فيه الكثير من خفة الظل لا يجرح أحدا بإسمه، ويكتفي بتوجيه النقد على أمل الإصلاح، ونحن هنا داخل الخط الأخضر أيضا نأمل بالإصلاح حتى لو كانت هناك بعض المظاهر التي تخطيناها إلى غيرها فوقعنا في غيرها”([43]).

وقد كتب الأديب خضر محجز في هذا المضمار حول شخصية السلحوت فيقول:

“المطالع لكتاب جميل السلحوت (حمار الشيخ) يكتشف، منذ الوهلة الأولى، أنه أمام نوع من كتابة مختلفة: حيث تبرز قدرة الأسلوب الأدبي، على الخوض في مسائل سياسية وثقافية واجتماعية شائكة، لا يجرؤ على خوض غمارها، إلا من امتلك ناصيتي النقد السياسي والنقد الإبداعي.

لقد قيل كلام كثير حول انفصال السياسة عن الإبداع, لكن كل هذا الكلام يتعرض للشطب على يد جميل السلحوت، بجرة قلم, عندما يقول: “أما أنا وحماري, فلم تكن لدينا مشكلة على الإطلاق؛ فأينما وجدنا طريقاً سالكاً سرنا فيه، بغض النظر: على الرصيف, أو على جانب الشارع, أو في منتصفه. ولا أخفيكم سراً أنني كنت أشعر, وكأنني عنترة زماني, عندما نوقف السير, أو تهرب مجموعة من السياح مبتعدة عنا, لالتقاط الصور التذكارية لنا”([44]).

إذا كانت هذه الحوارية نصاً غير مكتمل، وواقعة ثقافية, فإن علينا أن نحللها باعتبارها مادة خامٍ, يجري استخدامها, مع مواد أخرى ذات علاقة بالنص, ومن خارجه. فالقصة في النص ما زالت بعيدة عن الاكتمال: بمعنى أن هناك فجوات في الحكي وتكتماً في النص, واستعمالاً متضارباً, إلى حد كبير، لسرد كل من المؤلف الضمني والراوي والمؤلف المدني:

فالمؤلف المدني, جميل السلحوت, شخص موجود, ويسكن في القدس, وله رقم هوية وعنوان محدد. لكننا ـ كمتلقين ـ لا نعرف آراءه السياسية, ولا موقعه الأيديولوجي, رغم أنه جزء جوهري من النص. كيف سنعرف ذلك؟ ليس أمامنا إلا أن نستكشفه من النص, عن طريق إعادة تكوين لحمة المؤلف، من خلال نصه.

لكن النص لا يبرز لنا جميل السلحوت بشحمه ولحمه, بل يبرز بدلاً من ذلك مؤلفاً معداً بعناية, على يدي جميل السلحوت الشخص المدني. وهذا المؤلف المقدم لنا بين السطور, سوف يكون هو المؤلف الضمني, الذي يتموقع وراء منظومة القيم ومواقف الأيديولوجية”([45]).

ويكمل الحديث خضر محجز قائلا:

“يبرز لنا المؤلف الضمني, في حمار الشيخ, منتقداً صلباً لكثير من الظواهر المجتمعية, في الأرض المحتلة, التي صارت أرض السلطة الفلسطينية. وعندما نتأمل المقطع المقتبس السابق قليلاً, فسوف نتساءل: أين حدود السياسة هنا من الإبداع, وأين هو الفارق بينهما؟

لقد امتزجا في خطاب ثقافي, ينتقد كلاً من السلطة السياسية وثقافة المجتمع. ولنا أن نتساءل هنا: أي نوع من المجتمعات هذا الذي يستطيع فيه راكب حمار أن يوقف حركة المرور!. إن أول مظاهر التحضر وجود القوانين. وإن أول مظهر من مظاهر وجود القانون في بلد هو حركة المرور. كما أنه لا يوجد قانون حيث لا تتوفر له سلطة القهر. إن توفر القدرة على القهر, لدى أي تشريع, هو الذي يعطيه صفة القانون. دع عنك سخافات أناس يجلسون في السلطة, ثم يدعون الناس لاحترام القانون, فهذه مهمة المخاتير وشيوخ العشائر. ولا أظن أحداً منا انتخب رئيس السلطة ليحل محل كبير المخاتير!.

إن جميل السلحوت يبرز تخوف السياح, من حمار الشيخ, بالسخرية السوداء من هذه العجائبية, التي تحكم مجتمعاً يفترض أنه الآن على أبواب الاستقلال, بعد حرب طويلة خاضها طوال مرحلة من الثورة والانتفاضة, سعياً وراء هذا الاستقلال. أفلا يكون السؤال الثقافي المضمر في هذا الخطاب هو: هل نحن مؤهلون فعلاً لإنشاء مجتمع مستقل؟. وإذا ما أنشأناه, فهل سيكون على هذه الشاكلة؟. وهل يستحق مجتمع ما الاستقلال السياسي, لمجرد رغبته في العودة إلى الوراء؟!([46]).

ويقول: “يواصل الراوي هذه السخرية السوداء، من علاقات ثقافية, في المجتمع الفلسطيني, بدأت تبرز أخيراً, من مثل هذا النوع من (ثقافة البلاغة), التي تتوسل بطنين الكلمات الكبيرة, لتخفي وراءها فراغاً موحشاً، وجهلاً مختبئاً وراء قعقعات الحروف. وهذا النوع من الخطاب السياسي الديماغوجي, الذي يستخدمه أناس مدفوعو الأجر, في أغلب الأحيان, وجهلة مغرر بهم في قليل من الأحيان، هو الذي يبرر للدكتاتورية السياسية, عقد اتفاقيات تحتاج منها إلى كل هذا العدد من المروجين الديماغوجيين. فتعال لنرى كيف يحلو للراوي أن يتزيا بزي واحد من هؤلاء الديماغوجيين, فيقول:

“كنت مزهواً بنفسي كالطاووس, وأنا أشرح للحضور المكاسب التي حققناها منذ بدء العملية السلميةوقد زادني حماساً جمهور المستمعين, الذي كان في غالبيته من كبار السن, الذين لا يسمعون جيداً. بينما كان الباقون تنقصهم الثقافة السياسية, ويطربون للشعارات الرنانة, التي اعتدت على استعمالهاأخذت أهاجم كل فلسطيني وعربي ينتقد العملية السلميةفهم مناضلو شعارات, جلبوا الويلات على شعبنا, ولم يستوعبوا العملية السلمية”([47]).

لقد كان من الممكن لنا أن نتصور للحظة, أن موقف الراوي هنا هو نفس موقف المؤلف الضمني, لولا أننا رأينا المؤلف الضمني يبرز لنا فجأة, من خلال تبنيه لمنظومة القيم, التي يؤمن بها الحمار؛ في تبادلية ذات مدلول أيديولوجي, تفضل منطق الحمار المتمسك بالثوابت, على منطق الإنسان المضحي بالثوابت, على مذبح احتياجاته الصغيرة. وهكذا كان لا بد للراوي استجابة لموقف المؤلف الضمنيأن يبين الموقع الأيديولوجي للحمار, الذي هو نفس موقع المؤلف الضمني, فيقول, استكمالاً للموقف السردي السابق, ما يلي:

“وعندما انصرفت, وجدت حماري أبا صابر متكدراً غاضباً من حديثي واتهمني بالتهريج وعدم الوضوح في الموقف السياسي”([48]).

وأخيراً: نحن, كمتلقين, قد شكلنا للمؤلف الضمني في (حمار الشيخ) صورته التي انطبعت في أذهاننا, واستنتجناها من نصه. لكن ما يبقى هو سؤال من نوع جديد: هل جميل السلحوت هو نفس هذه الصورة, التي رسمناها له بتأثير نصه؟. أرجو أن يكون الجواب نعم. وأعتقد أنه كذلك”([49]).

 
ج. أقوال النقاد في كتابات جميل السلحوت:

 

لا يخفى على أحد، أن كل عمل أدبي لا يخلو من النقد، إن كان من الجانب الإيجابي أو من الجانب السلبي، والنقد هو عالم بحد ذاته، وليس كل من قال شعرا أو كتب رواية صار ناقدا، كما أنه إن وجد النقد فلن تجد دائما من يتقبل هذا النقد، بل ومنهم من يحمله على المحمل الشخصي.

جميل السلحوت، كغيره من الكتاب لم يسلم من سنان النقد، بل وجد من ينتقده في شتى المجالات: في الصحف وفي وسائل الإعلام وغيرها.

السؤال: كيف تعامل جميل السلحوت مع هذا النقد وما رأيه في ذلك؟

 

جميل السلحوت والنقد:

يؤمن السلحوت بالنقد لأبعد الحدود والإيمان، ويحترم رأي غيره، ولا يعتبر نفسه مالك الحكمة بل يؤمن أنه يخطئ ويصيب.

ويحدث السلحوت أنه كان في فترة من فترات حياته يعمل كرئيس مجلة “مع الناس”، وقد وضع خطين أحمرين لا يجوز تجاوزهما لمن أراد أن يكتب في هذه المجلة وهما: عدم الإساءة للدين، وشخص عميل يكتب عن أفضلية الاحتلال. وما كُتب عن غير هذين الاتجاهين فلا يختلف معها بالرأي كالتيارات الدينية.

ويعرض لنا جميل السلحوت، مثالا على نقد غيره فيقول: “شاهدت في إحدى المرات عرضا لمسرحية اشترك بها عرب ويهود، وكانت المسرحية هزيلة بكل معنى الكلمة، فانتقدت سلبيات هذه المسرحية، ولم ألق الشتائم عليها ولا على القائمين عليها، ولا أخفي اعتبار محمد بكري لي بأني أفضل ناقد مسرحي. وبعد مدة أرسل القائم على المسرحية رسالة يشتمني بها، فقمت بنشرها في المجلة لأنها ضدي أنا شخصيا. وإذا بالمسؤول يتصل بي قائلا: “ذبحتني” كنت متأكد أنك لن تنشرها ولكنك نشرتها”([50]).

ويذكر جميل السلحوت حادثة أخرى في النقد، فيما يتعلق بقصة الغول التي قام هو بتأليفها، ففي إحدى الجمل يقول: “هذا جهل الأميين”، وهذه العبارة بنظري استعمال خاطئ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أميا ولكنه لم يكن جاهلا، فاقترح الناقد أن أقول بدل ذلك “جهل الجاهلين”، فكتبت مقالا ووضعت له عنوانا اسمه: “غول جميل السلحوت وجهل الجاهلين”، وشكرت فيه الناقد على أن وجهني للصواب”([51]).

 


أقوال النقاد:

قليلة هي المصادر والكتب والدراسات التي تناولت الحديث عن كتابات جميل السلحوت، ولكن خلال بحثي عن تلك المصادر، توصلت إلى ندوة من الندوات بعنوان “ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس” والذي تناولت به كتاب “جمار الشيخ “أنا وحماري” لجميل السلحوت.

وقد ناقشت هذه الندوة الكتابين، بحضور عدد من الكتاب والنقاد المحليين والفلسطينيين والذين أبدوا آراءهم بهما.

وسأحاول من خلال هذا القسم من البحث أن أعرض مقتطفات من بعض آراء النقاد حول الكتابين.

 

1) الكاتبة حذام العربي:

تقول الكاتبة في معرض حديثها حيث وصفت الكتاب بداية ثم تقول: “في هذا الكتاب، طلع علينا الشيخ مباشرة وهو قادم من حوار ذاتي مع كتاب يطالعه للمتنبي، مستهلا كتابه بحرف عطف (وأثناء) ليأخذ بيد القارئ في رحلة يصطحبه فيها مع حماره إلى ثنايا الذات وشعاب الوطن، يبصره ويلقي بالأضواء الكاشفة على ما يعتمل في هذا المجمع”.

وتشير إلى ما لفت انتباهها  وهو “صيغة هذه الحوارات، اختيار الحمار لإلقاء المواعظ والحكم، أو الإفصاح عن الرأي السديد، لقد كتب الفيلسوف الهندي بيدبا رائعته كليلة ودمنة، وجعلها على لسان البهائم والطيور لينأى بنفسه عن كل سوء قد يتعرض له من دبشليم، سلطان بلاده.

لقد كتب البعض في العصر الحديث، بما في ذلك العرب، حواريات ومذكرات اتكئوا فيها على لسان الحيوان، وفي هذا السياق، يحضرني التساؤل، هل ما زال لدينا الكثير من دبشليم، الأمر الذي يجعل النقد مخاطرة غير مضمونة العواقب؟ أم أن المسألة لا تتعدى حالة إبداع عادية؟ أما إذا كانت الأولى فكما جاء في الأغنية الله ينجينا من الآت، وأما إذا كانت الثانية فإنها لطيفة ومهضومة على وجه العموم.

إلا أن ما أثار انتباهي في هذه النصوص، تلك الحالة من عدم الانسياب والتوافق، تعدت الزجر حينا وبلغت حد العنف المتبادل بين الشيخ والحمار أحيانا (على سبيل المثال لا الحصر ص91-63) ومن جهة أخرى مبالغة الشيخ في العناية بالحمار (على سبيل المثال ص54) وقد تواصلت هذه العلاقة “الجدلية” من بداية الكتاب حتى النهاية، فيما عدا بعض المواقف التي أفحم فيها احدهم الآخر”.

كما وتقول العربي: “أما وقد نسب للحمار ما نسب إليه من بلادة وغباء وغير ذلك، فقد جاء استنطاقه بالحكم والعبر والنصيحة النصوحة والرأي السديد ليصحح ولو بقليل تلك المسيرة من الإساءة إليه وليعيد الاعتبار إلى مقامه، إلا إذا كان الكاتب قد صوب السهام التي انطلقت على لسان حماره قاصدا متعمدا ليقول لنا: إذا كان حتى الحمار يرى هذا فماذا ترون انتم يا سادة / سيدات يا كرام ؟!”.

“إن الانتقال والقفز بين المدارين, من الخاص إلى العام وبالعكس من سمات هذه النصوص, ويرافق هذا حالة من القلق, عدم الرضا بلغت أحيانا حد التقزز. هل هذا ما أراد الكاتب أن يعكسه لنا في هذه العلاقة غير السليمة أحيانا والمرضية أحيانا أخرى؟

أم أنه أراد ببساطة أن يرسم لنا الواقع كما رآه، واقع الهزيمة النكراء التي نعيشها في حياتنا اليومية بأبسط ملامحها وتفاصيلها العينية؟ هزيمتنا بالتخلف والجهل، هزيمتنا باستحكام الزيف والرياء والتركيبة النفسية المشوهة، هزيمتنا الاجتماعية الاقتصادية السياسية، هزيمتنا أمام ” المد الحضاري الآتي من الغرب متزلجا على علبة كوكا كولا وبورغر رانتش ومتأبطا حزمة من دولارات ونظريات “ونحن بين مد وجزر، هرج ومرج أصابنا كما قال المثل “بين حانا ومانا ضيعنا لحانا”.

هذا بخصوص كتاب “حمار الشيخ” أما بخصوص كتاب “أنا وحماري” فتقول حذامة: “فإن الكتاب يشتمل نصوصا متفرقة ومختلفة مضمونا, تراوحت بين صفحة وصفحتين للنص. وقد ذيل الكاتب لكل نص بتاريخه. وكتبت هذه النصوص بين 11/6/1999 وَ 21/6/2000 ينحى هذا الكتاب على وجه العموم منحى الكتاب الآنف ذكره (حمار الشيخ).

استهل الكاتب هنا بمدخل وإهداء يعكس تواضعا وعرفانا ودفئا. ثم انهال بقلمه مباشرة يلسع ذات اليمين وذات الشمال.

على وجه العموم, في هذا الكتاب شهد دور صديقنا الحمار الحكيم تراجعا وانحسارا, لصالح صيغة وعظية إرشادية أكثر مباشرة.

في “حمار الشيخ” وأنا وحماري اللغة بسيطة سلسة، تخاطب العقل والضمير. تستفز وتنتهر، تحرض وتشجع وتلقي باللآئمة. تسرد الواقعة، وتصف السلوكيات الإنسانية السلبية مستهدفة إثارة الحفيظة منها. لكنها لم تستطع التسرب إلى خبايا النفس”([52]).

 

2) الأديب إبراهيم جوهر:

على اعتبار الكاتب جميل السلحوت أن إبراهيم جوهر هو من أفضل النقاد له، فأحببت أن أعرضه كله، وذلك لما يتضمنه من تلخيص كامل لمضمون وفحوى الكتابين، فيقول:

“هذه لقطات أدبية ساخرة يتقاسم بطولتها تارة الحمار أبو صابر، وتارة أخرى الراوي الذي يقص علينا قصصه وحكاياته القصيرة هذه في عالم افتقد براءته وإنسانيته وشفافيته وصدقه، لهذا كله فان الراوي يحمد الله في أكثر من مناسبة لأنه لم يتلوث بالحضارة المدنية أولم يتعولم، بل ظل وفيا لتراثه وبساطته وأرضه التي لم يتخل عنها كما تخلى الكثيرون.

إنهما معاً – الراوي والحمار– يحتجان على عالمنا، وقوانيننا، ومؤسساتنا وادعاءاتنا الفارغة التي تسود صفحات عديدة إذ قمنا بإحصائها –كما سأوردها بعد قليل– ولكن، ألا يوجد نقاط مضيئة تستحق الإشارة والإشادة في هذه الحياة التي يطوف فيها حمار الشيخ حاملا صاحبه وهو يحاوره تارة، ويعلمه أخرى، ويوبخه ثالثة؟ 

إن الايجابيات التي حصرتها في كتاب (أنا وحماري) لم تتعد الثلاث وهي حصراً تتمثل في:

الإشادة بتجهيز المركز الصحي العربي عند مدخل العيزرية، والإشادة بأطبائه المهرة وسماحة مديره الدكتور عدنان عرفة، ثم الإشادة بجهود مركز الدراسات والبحوث الإسلامية ودراساته القيمة.

وهذه الايجابيات الضائعة في تزاحم السلبيات والأنانية والجهل تضيع وسط طوفان حاد كريه يأسر الجمال ويحاصر المستقبل ويهمش المخلصين الصادقين.

إن هذه اللقطات القصصية تضع في صلب اهتمامها الفكرة فتبرزها وتدفعها إلى الإطار الكاريكاتوري الفاضح والصارخ والمستهزئ، فهي كتابة غاضبة وإن لبست لبوس السخرية، إنها السخرية المرة التي تظل عالقة في جوف القارئ وحلقه، ولكنها تدفعه إلى الشكوى والتمرد والحركة و لا تبقيه ساكنا مخدرا معتمدا على الفرج الآتي من الغيب، أو من اللا شيء والضياع.

أنها لقطات قصصية ذكية.

في المدخل الإشارة إلى الحديث النبوي الشريف الذي يتحدث عن رؤية الحمار شيطانا حين ينهق تشير إلى كثرة الشياطين التي رآها حمار الشيخ، وهو وهي شياطين -من الناحية الفنية– مسلية ومضحكة ومبكية، وهي شياطين سارقة عاقة تدعي العلم وهي جاهلة، وتدعي الإخلاص وهي سارقة، هكذا أرى الشياطين التي أنطقت حمار الشيخ فكان هذان الكتابان (أنا وحماري و حمار الشيخ) ليكون لنا الحق أن نشكر هذا الحمار الذكي –المخلص– الوطني الحقيقي– الصادق وهو ينهق فينا لنواجه نهيق تلك الشياطين، ذلك النهيق الحيواني الحماري .

والشيخ هنا يحتاط ويحذر في هذا المدخل، انه يحذر من الإقدام على وسم وجه الحمار لان الله سبحانه (سيلعن الواسم وليس الحمار)، وكأني به يقول: إن هذا الحمار لن يبقى حيا، أو على الأقل لن يبقى سليماً معافى من أولئك الشياطين الذين رآهم وفضحهم وقض مضاجعهم وكشفهم على حقيقتهم بل وحرض ضدهم.

السلبياتالتيانتقدهاالراويوالحمارتتمثلفي:

  1. انتقاد التباطؤ والتلكؤ في الدوام.
  2. الإشارة إلى انتشار العبس.
  3. التشوه الثقافي لدى الناس.
  4. انتقاد توريث السلطة من الآباء للأبناء.
  5. انتقاد بعض العادات الغذائية البعيدة عن الأصالة.
  6. عدم الاهتمام بالفروسية ولا الأرض.
  7. انتقاد الواسطة والمحسوبية في مؤسساتنا المحلية.
  8. ” خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام”.
  9. القرود التي تبدلت بالغزلان والغزلان التي تبدلت بالقرود” انتقاد الاهتمام الزائد ( حب الاستطلاع) ولو كان المستطلع هدية غريبة (فأر).

هذه انتقادات الشيخ وحماره أبي صابر لثنايا حياتنا اليومية في هذا الوطن الجريح، فمن يتابعها؟ أم ترانا نكتفي بابي صابر وهو يجول شوارعنا غاضبا، ولسان حاله يقول: يا بني آدم (وهذه شتيمة في عرفه، كما عرفنا)، يا بني آدم، أنا الحمار لا أرضى بما ترضون به، فمن يكون الحمار؟!”([53]).

 

3) الكاتبة حليمة جوهر:

وتكون زوجة الكاتب جميل السلحوت وقد اقتبست بعضا من أقوالها فيما مضى، فتكمل قائلة:

“…. والقارئ للكتابين يجد نفسه أمام حمار أديب أريب حكيم، ينتقد ويحذر من الوقوع في الخطأ أو الاستمرار في مفاهيم خاطئة بطريقة ساخرة لاذعة توصل القارئ إلى ما يشبه “شر البلية ما يضحك” وبعض المقاطع في الكتاب فيها مشاهد مسرحية لو قيض لها ممثل محترف يملك أدواته الفنية لعمل منها كوميديا مضحكة إلى حد الفاجعة.

والقارئ للكتابين بعين ناقدة سيجد أن الكاتب الذي تحاور مع الحمار بلغة الأنا، والذي كان يخطئ دائما يمثل الفئة الحاكمة أو المتنفذة بكل إشكالها، والتي تقع في أخطاء تراها وتشمئز منها حتى الحمير بمفهوم الثقافة العربية، ومن المدهش أن الجماهير ترى ذلك وتنتقده في الأحاديث الجانبية والخاصة، لكنها لا تعمل على تصحيحه بالطريقة الصحيحة في حين نجد الحمار والذي حسب تقديري يمثل حكمة الشعب، لا يسكت على هذه الأخطاء والخطايا التي تصل إلى حد الجريمة، فينهق، ويرفس محتجا ومحذرا ورافضا لبعض المفاهيم والممارسات والقيم التي كتب عنها المؤلف، والقارئ بعين فاحصة أيضا سيجد نفسه أمام سؤال كبير: ما هو دور الكاتب في المجتمع؟ ولعلّ حمار كاتبنا يجيب على ذلك. فكل الأدوار والقضايا التي طرقها يراها الجميع ويشمئز منها الجميع أو يفرحون بها، لكن كم منهم ينتبهون لمخاطرها أو لمحاسنها فيعملون على تغييرها أو تكريسها . ونشاهد هنا أن الكاتب التقطها من شوارع وحواري المدينة المقدسة أو القرى المحيطة بها، التقطها بعين الفاحص المتمرس والمتمرد لعلها تكون صيحة لمن ليس في آذانهم صمم، فهل يمكن اعتبار هذين الكتابين بمثابة جوانب من يوميات مدينة أرهقتها سنون الاحتلال وتنظيرات الضلال الذي جعل هذا الاحتلال يستمر كل هذه السنوات الطويلة، مكبلا مدينة هي جوهرة جغرافيا وتاريخ امة أضاعت ماضيها ولم تنتبه لحاضرها ومستقبلها .. ربما .. فكل شيء جائز، وكل شيء قابل للنقاش.. وقابل للتغيير. بسرعة أو ببطء فكل أمريء وشأنه وعلمه وثقافته”([54]).

 

4) الأستاذ خليل سموم:

يعرض الأستاذ خليل ما أعجبه في الكتاب، من خلال ما كتبه الكاتب منها:

1-              وجود موجز عن حياة المؤلف.

2-              وجود قائمة بأسماء الكتب التي أصدرها المؤلف.

3-              الإهداء، حيث أهدى المؤلف كتابه إلى والدته وزوجته، فماذا قبل الأم والزوجة؟!

4-              متانة اللغة عند الكاتب.

5-              ثقافة الكاتب الواسعة.

6-              توفر عنصر التشويق في الكتاب.

7-              استعمال أسلوب السخرية.

8-              استغلال الكاتب للمنطق في معالجة للقضايا المختلفة.

9-              الأمثال الشعبية الفلسطينية المتضمنة التي لم يسمع بها البعض.

10-        إدخال النكتة في كثير من المقالات.

11-        توفر الجدية في طرح القضايا ومعالجتها، لكنها ليست مفرطة.

12-        الحكمة التي تضمنها الكتاب.

13-        المقالات قصيرة، وكل مقال على قدر عنوانه.

14-        سهولة فهم لغة الكتاب، حتى للإنسان ذي الثقافة البسيطة جدا.

15-        غيرة الكاتب على مصلحة أبناء شعبه.

16-        حثه الناس على الرأفة بالحيوان.

17-        دعوة الكاتب أبناء شعبه للعودة إلى الطبيعة في كثير من الأمور، والاهتمام بالأرض.

18-        مواقف الكاتب التقدمية من القضايا السياسية والاجتماعية، وهي مواقف ملتزمة.

ثم يقول الكاتب: ولكن لي بعض الملاحظات، ويمكن أن أكون مخطئا أو صائبا فيها. فإذا كنت مخطئا فاعذروني وأصلحوني، ولكم الشكر. وهذه الملاحظات هي:

1-              لم يذكر لنا الكاتب أنه نشر هذه المقالات في صحيفة أو صحف، وإلا لماذا وضع تاريخا لكل مقالة في نهايتها؟!

2-              جاء في صفحة (84) عبارة: (الخوارج هنا يستحقون العقاب، ولن أقبل أن أكون خارجا) والصحيح (خارجيا).

3-              جاء في صفحة (87) عبارة: (فحولقوا حولة)، بمعنى عملوا حوله دائرة أو جلسوا حوله، والصحيح (تحلقوا).

4-              جاء في صفحة (90) عبارة: (يقترن مع حمار في خصومة). ليس هناك يقترن مع، بل يقترن بـ، وكان الأفضل استعمال كلمة: يدخل مع حمار في خصومة.

5-              صفحة 49 – مجموعة دول الانحياز – والأصح: عدم الانحياز.

6-              صفحة 63 – كلمة يكافؤه – والأصح أن تكون الهمزة على كرسي.

7-              صفحة 103 – وعدت إلى بيتي نشوان – والأصح نشوانا.

8-              صفحة 107 – وخفت أن تموت ابنتي الغاليتين – والأصح: ابنتاي الغاليتان.

9-              صفحة 110 – كان يركب حماره بـ إحدى شوارع قريته – كلمة شارع مذكر فلا نقول إحدى بل أحد”([55]).

 

5) الأديب عبد الله تايه:

وقد كتب الأديب من قطاع غزة ناقدا الكتابين قائلا: ” جاء في المعجم الوسيط : الحمار حيوان داجن من الفصيلة الخيلية، وفي لسان العرب قيل عن الحمار أنه النهاق من ذوات الأربع أهلياً كان أو وحشياً، و”حمار الشيخ” نهاقاً يلفت النظر إلى الخصال غير المستحبة في ناس اليوم ومعادنهم، ولا يكتفي بالإشارة بل يوجه نقده اللاذع لهم، وها هو يسخر من انتشار الدجالين الذين يعالجون الناس بطرق فيها من النصب والاحتيال ما فيها لابتزاز الناس، فيتناول الكاتب الموضوع في أسلوب فكاهي داعياً إلى اجتثاثهم ويسخر منهم ويرمي بالسؤال تلو السؤال بعين ناقدة وانتباه طريف.

وكتاب “حمار الشيخ” الذي أصدره الكاتب جميل السلحوت وجمع فيه مقالاته الناقدة في حواراته مع الحمار تناول مواضيع مختلفة من ظواهر سياسية واجتماعية وثقافية وعلمية وأدبية وقانونية، وقد اتخذ من هذا الأسلوب الحواري طريقة للحديث حول الأمراض الاجتماعية، والهموم الإنسانية، والأوضاع السياسية، والاقتصادية، بأسلوب ساخر ناقد فيه فكاهة مصحوبة بآراء جادة، وقد أنطق الكاتب “حمار الشيخ” بما يعتمل في نفسه وما يجيش في داخله من غير مباشرة ولا خطابية ولا الألفاظ المعتادة من مثل (يجب أن .. علينا ..لا بد .. يستلزم .. إلخ) التي يفر منها القارئ حتى وإن كان الموضوع هاماً وجاداً فضغط الحياة اليومية ومشاكلها وتعقيداتها التي تزداد يوماً بعد يوم تجعل من مثل هذه المعالجات في “حمار الشيخ” تشبه الطرائف والفكاهات الساخرة التي تلفت النظر إلى الآراء وأوجه النقد والأمراض الاجتماعية دون نفور وبأسلوب محبب شيق، فيضفي على القراءة جواً من الانبساط وليس الانقباض.

وحول الأوضاع السياسية نجد أن “حمار الشيخ” لا يروق له الحواجز التي يضعها الاحتلال للتضييق على تحركات المواطنين فيقول الكاتب : “قررت هذا اليوم أن أقوم بجولة في بعض قرانا كي أزور بعض الأصدقاء فامتطيت حماري وأنا أقول يا ألله يا كريم يسر لي أمري وسهل لي مهمتي فما دام الاحتلال موجوداً فإن حرية التنقل في وطننا ضرب من المقامرة، فالحواجز العسكرية الثابتة على الطرقات والطيارة والدوريات العسكرية عدا عن المستوطنين والمستوطنات الذي ينخرون جسد الوطن كالسرطان لا يتركونك وشأنك” .

ويرى الكاتب أن الدوائر تدور على الجميع حتى وصلت إلى الحمير، لذا نرى حماره يتظاهر بالمرض، والتفت الكاتب إلى ظاهرة اجتماعية متفشية في بلادنا وهي ظاهرة التبوييز أو كما نقول التكشير .. فصارت الوجوه عابسة والناس مقطبي الجبين يستنكرون ويستكثرون على بعضهم مجرد الابتسام فما بالك بالضحك؟!، وقد أفرد الكاتب لهذه الظاهرة مقالة يوضح بعدها الاجتماعي وينقدها ويسخر منها … وغيرها كثير من هذه المظاهر في حياتنا.

ولا شك أن كثيراً من الكُتاب في أزمنة سالفة قد استخدموا الحيوانات والطيور في حكايات على لسان الطير والحيوان ضمنوها الحكمة والنقد والرأي والمشورة وحسن التخلص والوفاء ورفض الظلم ومصائر الظالمين وكذلك صفات عديدة في الحث على الفضائل واجتناب القبائح والصفات الذميمة وأحاديث حول طباع الإنسان في حكايات عن الحيوان، بعضها خوفا من عسف وظلم وبطش السلاطين الظالمين الجبابرة المتكبرين، وبعضها تسلية أو تربية وتهذيباً للنفوس والأخلاق بأسلوب طريف يحبه الناس ويقبلون عليه، مثل حكايات كليلة ودمنة وطوق الحمامة وغيرها .

إن هذا اللون من الكتابة الساخرة التي تتناول جوانباً هامة في حياتنا بمظاهرها المختلفة هو أسلوب أدبي جديد ونادر على كتابتنا الفلسطينية، ويضفي على المقالة طرافة مع إعمال للفكر وتبصير بمواطن الداء وحث على التغيير”([56]).

 


C

 

لقطات قصصية، يوميات مدينة، خواطر…

كتبها الشيخ جميل السلحوت في الفترة ما بين سنة 1994 إلى 2000، وهي الفترة التي صاحبت تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو تعرض فيها الكاتب لتلك الحقبة الزمنية، منتقدا تارة ومقارنا تارة أخرى، موضحا جوانب من حياتنا الاجتماعية والسياسية، وموضحا بعض خبايا الأمور.

إن هذه النصوص ترصد حياة الفلسطيني فردا وشعبا، أوضاعه الاجتماعية وهمومه المعيشية الحياتية اليومية، كما تتعرض للأوضاع السياسية، كل ذلك خلال حوار بين الكاتب وحماره، تعتمد النصوص نقد الآخر اللاذع أحيانا واستبطنت الموقف السياسي، بما في ذلك الإشارة إلى بعض رموز العمل السياسي وغيره كذلك.

صحيح أن هناك بعض الصعوبات التي واجهتني في كتابة هذا البحث، بسبب شُحِّ المصادر والمؤلفات التي كتبت عن الكاتب جميل السلحوت، بالرغم من وجود مؤلفات عديدة له، إلا أنني وجدت الكم الوافر من خلال شبكة الإنترنت التي أفادتني كثيرا، ولكني لم أكتف بذلك، فبحثت عن الكاتب حتى وجدته، فزرته في بيته ونهلت العلم والمعلومة والمعرفة منه فيما أفادني بكتابة هذه الدراسة.

فبعد دراستي واطلاعي على كتابات جميل السلحوت، أستطيع أن أختم ما توصلت إليه بما يلي:

  • إن كتابي جميل السلحوت “حمار الشيخ” و “أنا وحماري” عبارة عن خواطر ويوميات، وليست روايات حيث لا ينطبق عليها خصائص الرواية.
  • “حمار الشيخ” وً “أنا وحماري” لا يعتبران مذكرات شخصية، وذلك لأن كاتبهما يتحدث عن حوادث تحصل في المجتمع بشكل عام ولا يتحدث عن نفسه، وهي حوادث تحصل مع كل شخص، فهي أمراض سياسية واجتماعية…
  • ليس هناك أي علاقة بين حمار الحكيم وحمار الشيخ، واستنتجت ذلك من خلال قراءتي للكتب الأربع ودراستها، وتدعيم الفكرة من قِبل الكاتب السلحوت في الحديث عن مدى تأثره بكتابات توفيق الحكيم، فقد قال: “أنه لا علاقة بين كتب كتبي وكتب توفيق الحكيم، لا من قريب ولا من بعيد، لا بالشكل ولا بالمضمون بين حمار السلحوت وحمار الحكيم”([57]).
  • استخدام السلحوت لأسلوب السخرية في كتابيه والذي ظهر جليا، لأن أسلوب السخرية هو أقرب طريقة كتابة تمكن القارئ ليوصل الفكرة إلى عقله، ويحفظها وترسخ في ذهنه، ويفهم معانيه والمغزى المراد من وراء هذه الكتابة.
  • مليء هو مجتمعنا بمثل هذه المواقف والأحداث التي ذكرها السلحوت في كتابيه، في شتى النواحي الاجتماعية، السياسية، الإدارية والاقتصادية، ولكن قلَّ من يهتم بهذه الأمور ويعمل على إصلاحها حتى ولو بالكلمة!.

 

وفي النهاية!

 

تُرى هل هناك جزء ثالث من أحداث “حمار الشيخ” وَ “أنا وحماري”؟! أم أن الكاتب قنع بأن لا فائدة من الكتابة لهذه الأمة التي أرهقتها الكتابة بمعنى وبلا معنى، أو بسبب أو بلا سبب؟ أم وصلت الرسالة؟ ثم هل أراد الكاتب أن يكتب سيرته الشخصية، أم أراد أن يرسم صورة لأحداث معينة؟ أم أن الأحداث أصبحت أسرع من قلم الكاتب واكتفى، وهل هناك كتاب ترك لهم المجال.. الخ ؟؟!

 

 

 

Y

 

1. إبراهيم فيومي، قراءاتنقديةفيالروايةالعربية، د.ت.

 

2. حسني، محمود، وآخرون، فنون النثر العربي الحديث، ج1، جامعة القدس المفتوحة، ط1، 1995، ص226-227.

 

3. درويش، الجندي، الرمزية في الأدب العربي، نهضة مصر، القاهرة، د.ت، ص41.

 

4. السلحوت، جميل. أنا وحماري. دار التنوير، ط1، 2003.

 

5. السلحوت، جميل. حمار الشيخ. مطبعة أبو غوش، ط1، د.ت.

 

6. سيكولوجيةالضحك، دار إحياء الكتب العربية، د.ت.

 

7. عمر، فراس. السخريةفيالشعرالفلسطينيالمقاوم. رسالة جامعية لنيل درجة الماجستير، العام الدراسي 99/98 نابلس، فلسطين.

 

8. الغزاوي، عزت. تأملات نقدية في نماذج من الأدب الفلسطيني المعاصر. منشورات مركز أوغاريت الثقافي، رام الله، ط1، 2001.

 

9. الفيروزي، أبادي. القاموسالمحيط. بيروت، 1995.

 

10. مقابلة شخصية أجريتها معه في منزله بتاريخ 24/2/2008م.

 

مواقع إنترنت:

 

11. مقال: سؤال الثقافة والأيديولوجية في حوارية جميل السلحوت “حمار الشيخ”، كتبه الأديب خضر محجز، غزة، د.ت.

 

12. http://www.arabelites.com/vb/showthread.php?s=ba9cd9d1d27bcd13a03fd9b1ec0238da&t=1100

 

13. مقال: ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني” –

http://www.elmaqah.net/print.php?id=512


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الـمـلاحــق


ملحق رقم (1)

حضور الحمار في أنواع متعددة من الكلام

 

1) القرآن الكريم:

1- يقول الله تعالى: }إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَميرِ{ (سورة لقمان، آية: 19). تشبيه الصوت العالي والقبيح بصوت الحمار.

2- ويقول أيضا: } كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً{ (سورة الجمعة، آية: 5). أي عدم القراءة والفهم.

وغيرها من الآيات التي ذكرت في القرآن الكريم وقد ذكر الحمار فيها عرضا مع كافة الدواب والأنعام.

 

2) الحديث الشريف:

1- باب من يجلس في مجلس ولا يذكر الله فيه:

حدثنا محمد بن الصباح، ثنا إسماعيل بن زكريا، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: “ما من قومٍ يقومون من مجلسٍ لا يذكرون اللّه فيه إلاَّ قاموا عن مثل جيفة حمارٍ وكان عليهم حسرة”.

2-  إثم من رفع رأسه قبل الإمام:

حدثنا حجاج بن منهال قال: حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد: سمعت أبا هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما يخشى أحدكم، أو ألا يخشى أحدكم، إذا رفع رأسه قبل الإمام، أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار).

وغيرها من الأحاديث التي ذكرت فيها الحمار مثلا..

 

3) الشعر:

حتى الحمار، نجده قد سمي في علم العروض، فإن بحر الرجز يسمى ( حمار الشعراء ) ويرجع ذلك إلى سهولة تفعيلة البحر المتكررة: مستفعلن مستفعلن مستفعلن

ومن أمثلة الشعر الحديث التي ذكر فيه الحمار فنتذكر أمير الشعراء أحمد شوقي الذي أفرد باباً شعرياً كاملاً، ومملكة مليئة بالحيوانات الأليفة والمتوحشة. فقرر ملك الغابة في أحد الأيام أن يستوزر الحمار بعد اجتماع حيواني. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان: لم يشعر الليث إلا ومملكته في دمار الكلب عند اليمين، والقرد عند اليسار والقط بين يديه، يلهو بعظمة فأر فصرخ الليث غاضباً:

أين بطشي واقتداري، وهيبتي واعتباري؟

فجاءه القرد سراً، وقال بعد اعتذار

يا عالي الجباه فينا، كن عالي الأنظار

رأي الرعية فيكم

من رأيكم في الحمار

 

وكذلك نتذكر حمار الشاعر الغاضب أحمد مطر في لافتاته:

وقفت في زنزانتي

أقلب الأفكار

أنا السجين ها هنا

أم ذلك الحارس بالجوار؟

فقال لي الجدار

إن الذي ترثى له قد جاء باختيار

وجئت بالإجبار

وقبل أن ينهار فيما بيننا

حدثني عن أسد

سجانه حمار

 

4) الأمثال الشعبية:

إن الحمار من الحيوانات الأكثر حضورا في الأمثال الشعبية على  اعتبار أنه رفيق رحلة الفلاح الفلسطيني في علاقته اليومية مع أرضه وأعماله فهو يستعمل كمطية للركوب وللحراثة ونقل الحاجيات واحتماله للأذى وصبره على التعب ورخص ثمنه مقارنه بالخيل والبغال ولا نبالغ إذا قلنا ان الحمار قد وجد في أرض وبيوت الفلاحين جميعا ومن هنا اكتسب كل هذه الأمثال ويمكن تقسيم نظرة المثل للحمار إلى عدة أسباب:

 

1. فهو أولا مثال للحقارة والدونية والاستصغار حيث لم تشفع له كل تلك الخدمات التي قدمها لأصحابه: (إذا انا أمير وانت امير مين يسوق الحمير) (شو عرف الحمير بأكل الزنجبيل) (لو كان في الشعر خير ما طلع على ذناب الحمير) (لما يطلع الحمار على المأذنه) (الحمار حمار ولو بين الخيول مربى).

2. هو مثال للغباء والبلاهة: (التكرار بعلم الحمار) (عمر العدو ما يصير حبيب إلا لما يصير الحمار طبيب) (راح الحمار يطلب قرنين رجع بلا أذنين) (اللي بعمل حالة حمار الكل بيركب عليه) (الحمار حمار ولو طوقته بالذّهب).

3. هو مثال للصبر والتحمل وعدم الشكوى: (دخلنا داركم وشفنا فشاركم وعرفنا عشاكم من عشا حماركم) (اربط الحمار محل ما بده صاحبه).

4. لا يمكن الاعتماد عليه أو الثقة فيه: (لا توخذ رأي مره ولا تتبع الحمار من ورا) وكذلك (البيت ضيق والحمار رفاص) وأيضا (لا تشتري الحمارة وامها بالحارة).

واعتمادا على ما سبق قد يكون الحمار هو أكثر الحيوانات التي ظلمها المثل الشعبي حيث لم نجد صفة ايجابية واحده له مع الاعتراف بدوره المهم في حياة الفلاح سواء داخل القرية أو في الأرض والعمل والزراعة.

 

 

ملحق رقم (2)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1]) عزت، الغزاوي، تأملال نقدية في نماذج من الأدب الفلسطيني المعاصر، ط1، رام الله، 2001، ص47.

([2]) د. إبراهيم فيومي، قراءاتنقديةفيالروايةالعربية، ص160.

([3]) المصدر السابق، ص180.

([4]) إبراهيم فيومي, المصدر السابق، ص215.

([5]) من خلال المقابلة الشخصية التي أجريتها معه في منزله في تاريخ 24/8/2008.

([6]) الغزاوي، عزت، تأملات نقدية في نماذج من الأدب الفلسطيني المعاصر، منشورات مركز أوغاريت الثقافي، رام الله، ط1، 2001.

([7]) حسني، محمود، وآخرون، فنون النثر العربي الحديث، ج1، جامعة القدس المفتوحة، ط1، 1995، ص226-227.

([8]) المصدر السابق، ص230-231.

([9]) المصدر السابق، ص233-234.

([10]) جميل، السلحوت، حمار الشيخ، مطبعة أبو غوش، ط1، صفحة الغلاف الخلفية.

([11]) من خلال المقابلة الشخصية التي أجريتها معه في منزله في تاريخ 24/8/2008.

([12]) من خلال المقابلة الشخصية التي أجريتها معه في منزله في تاريخ 24/8/2008.

([13]) المصدر السابق.

([14]) عمر،فراس، السخريةفيالشعرالفلسطينيالمقاوم، رسالة جامعية لنيل درجة الماجستير، العام الدراسي98/99، نابلس،فلسطين.

([15]) الفيروزي، أبادي، القاموسالمحيط، بيروت، 1995، ص365.

([16]) سيكولجيةالضحك، دار إحياء الكتب العربية، د.ت، ص 132-158.

([17]) من خلال المقابلة الشخصية التي أجريتها معه في منزله في تاريخ 24/8/2008.

([18]) من خلال المقابلة الشخصية التي أجريتها معه في منزله في تاريخ 24/8/2008.

([19]) من خلال المقابلة الشخصية التي أجريتها معه في منزله في تاريخ 24/8/2008.

([20]) سورة الرعد، آية: 11.

([21]) رواه الشيخان وأبو داود وابن ماجه والعسكري كلهم عن أبي هريرة مرفوعا.

([22]) فالحديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه والإمام أحمد في مسنده و الترمذي في سننه وغيرهم.

([23]) رواه أحمد بسند صحيح كما قال ابن تيمية.

([24]) وهو قول للإمام الحسن البصري، ويقال أنه قول لعبد الله بن عمرو بن العاص،ويققال أنه لعلي بن ابي طالب، وقد ضعفه العلماء على أنه حديث نبوي.

([25]) هذا الشطر من بيت شهير للمتنبي أصبح مضرب للأمثال مع مرور الوقت حتى أن اغلبنا يعرفه جيدا ولا يعرف من القائل وما المناسبة رغم حفظه للبيت وترديده دائما، وقائله هو: أبو الطيب المتنبي: أغاية الدين أن تحفوا شواربكم *** يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.

([26]) درويش، الجندي، الرمزية في الأدب العربي، نهضة مصر، القاهرة، د.ت، ص41.

([27]) المصدر السابق، ص43.

([28]) المصدر السابق، ص467.

([29]) مقال: ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني” – http://www.elmaqah.net/print.php?id=512

([30]) المصدر السابق.

([31]) مقال: ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني” – http://www.elmaqah.net/print.php?id=512

([32]) جميل السلحوت، حمار الشيخ، ص10.

([33]) جميل السلحوت، حمار الشيخ، ص22-23.

([34]) من خلال المقابلة الشخصية التي أجريتها معه في منزله في تاريخ 24/8/2008.

([35]) قول الكاتبة حليمة جوهر من مقال: ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني” – http://www.elmaqah.net/print.php?id=512

([36]) المصدر السابق.

([37]) المصدر السابق.

([38]) جميل السلحوت، أنا وحماري، من خاطرة “الراصد الجوي”، دار التنوير، 2003، ص61.

([39])، المصدر السابق، ص61.

([40]) جميل السلحوت، أنا وحماري، ص103.

([41]) جميل السلحوت، حمار الشيخ، ص43.

([42]) من خلال المقابلة الشخصية التي أجريتها معه في منزله في تاريخ 24/8/2008.

([43]) مقال: ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني” – http://www.elmaqah.net/print.php?id=512

([44]) جميل السلحوت، حمار الشيخ، ص9.

([45]) مقال: سؤال الثقافة والأيديولوجية في حوارية جميل السلحوت “حمار الشيخ”، كتبه الأديب خضر محجز، غزة، ص1.

([46]) مقال: سؤال الثقافة والأيديولوجية في حوارية جميل السلحوت “حمار الشيخ”، كتبه الأديب خضر محجز، غزة، ص2.

([47]) جميل السلحوت، حمار الشيخ، ص21-22.

([48]) حمار الشيخ، ص22.

([49]) مقال: سؤال الثقافة والأيديولوجية في حوارية جميل السلحوت “حمار الشيخ”، كتبه الأديب خضر محجز، غزة، ص4.

([50]) من خلال المقابلة الشخصية التي أجريتها معه في منزله في تاريخ 24/8/2008.

([51]) المصدر السابق.

([52]) مقال: ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني” – http://www.elmaqah.net/print.php?id=512

([53]) مقال: ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني” – http://www.elmaqah.net/print.php?id=512

([54]) مقال: ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني” – http://www.elmaqah.net/print.php?id=512

(([55] مقال: ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني” – http://www.elmaqah.net/print.php?id=512

([56]) مقال: ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني” – http://www.elmaqah.net/print.php?id=512

([57]) من خلال المقابلة الشخصية التي أجريتها معه في منزله في تاريخ 24/8/2008.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات