وفي حي أوك لون في شيكاغو لبّيت العام الماضي دعوة السيد عفيف محمود مصطفى عايش من دير ياسين في القدس، وهو رجل كريم النفس وصديق لشقيقي داود، وجلسنا في شرفة امام البيت، وكان على يميننا بيت مجاور لأمريكيين من أصل بولندي، وأمامه شجرتا إجاص تتدلى ثمارهما كبيرة الحجم قياسا باجاص بلادنا، فقال عفيف: هؤلاء لا يأكلون هذا الاجاص لأن الشجرتين زرعتا للزينة، وثمارهما من نصيب الطيور التي تحط على الشجرتين، فيبعث تغريدها الراحة والدفء في البيت، واذا ما أرادوا إجاصا فانهم يشترونه من السوق، وهذا هو ديدن الأمريكيين، والعجيب في الأمر أنهم يسمحون لعفيف بقطف ما يريده لبيته بعد أن استأذن منهم.
وبعد عدة أيام كنت وشقيقي داود في منطقة ريفية في ولاية انديانا، ولفت انتباهنا لافتة على مدخل شارع فرعي مكتوب عليها بالانجليزية “عسل طبيعي للبيع” فدخلنا الشارع الى أن وصلنا بيت الرجل، وهو شيخ أمريكي وزوجته، وأخبرناه بأننا نريد شراء العسل، فاصطحبنا الى مخزن قريب من بيته، مليء بالبراميل الخاصة بحفظ العسل، وكل برميل له غطاء محكم، وفي أسفله صنبور ينزل منه العسل، وفي زاوية المخزن أواني بلاستيكية ذات أحجام مختلفة تتراوح بين الباوند- الباوند يساوي 450 غراما- والخمسة باوندات، واللافت للانتباه وجود آلة تغلق الوعاء وتختمه.
ولفت انتباهي وجود شجرتي تفاح ومثلهما درّاق بين البيت والمخزن، تتدلى ثمارها كبيرة الحجم، والطيور تعشش وتغرد على هذه الأشجار، فاستأذنت الرجل بقطف حبتي درّاق من على شجرة، فقال لي: بامكانك قطف ما تريد لكن إيّاك وأكلها، فهذه مخصصة للطيور وليس للبشر، واذا ما أردت أكل دراق فبامكانك الشراء من السوق، أو تلك بيارتي المزروعة بالدّرّاق المخصص للبشر، وأشار الى بيارة واسعة جدا تبعد عن بيته حوالى خمسمائة متر، وما بين البيارة والبيت الأرض مزروعة بالذرة البيضاء، وهي تعود لنفس الرجل، وعندما ابتعدنا عن الرجل سألت شقيقي عن الفاكهة المخصصة للطيور والأخرى المخصصة للبشر؟
فأجابني: هذه عادات ناتجة عن ترف الحياة، وأكل كل واحد منا حبّة درّاق…وكان طعمها لذيذ جدا. ورائحتها تفتح الشهية.