يبدو أنّ الشّعوذة والهبل والاستهبال موجودة عند كلّ شعوب الأرض، ولها سوقها الرّائجة، وإن اختلفت الأساليب حسب اختلاف الثّقافات، ففي شيكاغو يملك أخي راتب “مزرعة طيور” تبيع الدّجاج، الدّيك الرّومي، طائر الفرّ والشّنّار، الحمام، والأرانب، وهناك من يأتي لشراء حمامة سوداء اللون، أو بيضاء، يكسر رقبتها ليقتلها ويحملها في كيس، وجاء أحدهم يطلب ديك دجاج سمين، طلب ذبحه وقال أنّه لا يريد منه سوى الرّجلين، وتبيّن أنهم يأخذون هذه الطّيور لقارئي الطّالع والمشعوذين الذين يمارسون طقوسهم في مكاتب تضع لافتات عليها للتّعريف بها. وبعد الالحاح منّي بالسّؤال عن هذه الظّاهرة تبيّن أنّ القانون الأمريكي يسمح بممارستها، شريطة أن يسجّل من يمارسها عند السّلطات المختصّة ليدفع الضّرائب، وخوفا من النّصب والاحتيال!
شذوذ جنسي
ذهبنا أنا وزوجتي صحبة ابني قيس وزوجته وابنته الرّائعة لينا لنتناول طعام الافطار في مطعم تركيّ في منطقة Lake view، المطعم ليس كبيرا وباذخا كغالبيّة المطاعم في أمريكا، مع أنّه يقع في أحد أحياء شيكاغو الأكثر رقيّا، وقريب من مركز المدينة. تناولنا طعامنا ودخلنا في شارع مجاور في طريقنا الى Down town، مركز المدينة لنجول فيه قليلا قبل عودتنا بالسّيّارة إلى البيت، كانت أصوات متظاهرين وأعلام تحمل ألوان علم لون قزح مرفوعة بجانب العلم الأمريكي، بعض المحلّات تضع لافتات على واجهاتها تعلن فيه عن حسومات بنسبة 10% احتفاء بقرار محكمة العدل العليا الأمريكيّة القاضي باقرار زواج المثليّين في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. فأسرعنا هاربين من الشّارع.
أكْلُ الجلود
ممّن يتردّدون على المسلخ أيّام السّبت والأحد مسلمون من الصّومال، اثيوبيا ونيجيريا، يشترطون أن تكون ذبيحتهم كبيرة في السّن، لأنّ الماشية صغيرة السّن لا تصلح للأكل، وطعم لحومها غير لذيذ حسب رأيهم. وما أن يذبح الجزّار لهم ذبيحتهم حتى يقومون بشقّ بطنها، واستخراج ما فيه، فيقوم بعضهم بتنظيفه، ويقوم الآخرون بحرق الصّوف أو الشّعر عن الجلد وفركه، ثمّ يطلبون من الجزّار تقطيع الذّبيحة على المناشير الكهربائيّة قطعا كبيرة. فيقطعون الشّاة أو الماعز أربع قطع فقط، كلّ نصف قطعتين. في حين يقطعون البقرة قطعا كبيرة لا تقل الواحدة منها عن أربعة كيلو جرام.
حاولنا أن نشرح لهم عن سلخ الجلود ـ ظنّا منّا أنّهم لا يعرفونها ـ لكنّهم أكّدوا أن جلد الذّبيحة يعطي لحمها مذاقا لذيذا لايعرفه من لا يتذوّقها، وأوضحوا لنا أنّهم يطبخون القطع الكبيرة كما هي! ذكّرني أخي داود ببلادنا حيث يوجد من يطبخون رؤوس الأغنام وأرجلها ويأكلونها، وهي مغطّاة بالجلد أيضا.
فاكهة الطّيور
كنت وشقيقي داود في منطقة ريفيّة في ولاية انديانا، فلفت انتباهنا لافتة على مدخل شارع فرعي مكتوب عليها:” عسل طبيعي للبيع”، دخلنا الشّارع حتى وصلنا بيت شيخ أمريكيّ، يجلس هو وزوجته أمام البيت، أخبرناه أنّنا نريد شراء العسل، فاصطحبنا إلى مخزن ـ يبعد عن بيته حوالي خمسين مترا ـ مليء بالبراميل الخاصّة بحفظ العسل ـ كما هو مكتوب عليها ـ وكلّ برميل منها له غطاء محكم، وفي أسفله صنبور ينزل منه العسل، وفي زاوية البيت أواني بلاستيكيّة تتراوح سعتها بين الباوند والخمسة باوندات ـ البازند يساوي 450 غراما ـ والّلافت وجود آلة تغلق الوعاء وتختمه.
لفت انتباهي وجود شجرتي تفّاح ومثلهما درّاق، تقعان بين البيت والمخزن، تتدلّى ثمارها كبيرة الحجم النّاضجة، والطّيور تعشّش وتغرّد على هذه الأشجار، استأذنت الرّجل بقطف حبّتي درّاق عن الشجرة، فقال:
بامكانك أن تقطف ما تشاء، لكن إيّاك أن تأكلها، فهذه مخصّصة للطّيور وليست للبشر! واذا ما أردت أن تأكل الدّرّاق فبامكانك شراءه من السّوق، أو تلك بيّارتي وأشار إلى بيّارة تبعد عن بيته حوالي 500 متر ففيها درّاق للاستهلاك البشريّ، وما بين البيت والبيّارة أرض مزروعة بالذّرة البيضاء تعود لنفس الرّجل. عندما ابتعدنا قليلا سألت شقيقي داود عن الأشجار المخصّصة للطّيور والأخرى المخصّصة للبشر فأجابني:
هذه عادات ناتجة عن ترف العيش…أكلنا حبّتي الدّرّاق، فكانتا لذيذتين ورائحتهما فوّاحة تفتح الشّهيّة.
وفي حيّ”أون لون” في شيكاغو كنّا نجلس على شرفة بيت السّيد عفيف محمود مصطفى، وهو من قرية دير ياسين الشّهيرة، وصديق لأخي داود، وأمام بيت جاره الذي ينحدر من أصول بولنديّة شجرتا إجاص ثمارها ناضجة، وملأى بالطّيور، فأخبرنا عفيف أنّهم لا يقطفون ثمارها لأنّها مخصّصة للزّينة وللطّيور!