تكلمنا سابقا عن ضرورة وجود ملاعب وساحات واسعة في المدارس، ووجود الملاعب ضرورة قصوى كي تكتمل العملية التعليمية، وليس من أجل الاصطفاف الصباحي كما يعتقد البعض، أو من أجل النشيد الصباحي، أو قراءة الفاتحة لاعداد الطلاب للبدء بالحصة الأولى، كما يحدث في الكثير من مدارسنا، وقد شاهدت في أمريكا وبعض الدول الأوروبية ملاعب وساحات واسعة جدا لكلّ مدرسة، وليس لمدرسة معينة، كما توجد مواقف سيارات واسعة جدا هي الأخرى يستعملها معلمات ومعلمو المدرسة ومن يأتي من أولياء أمور أو ضيوف بغض النظر عن سبب زيارتهم، وفي جنبات أبنية المدارس مساحات مزروعة بالورود، ومع ذلك فإنّ الطلّاب لا يصطفّون صباحا ولا ينشدون أيّ شيء، بل يدخلون الى صفوفهم فور سماعهم صوت جرس المدرسة، والملاعب عندهم مخطّطة لبعض الألعاب مثل كرة السلّة وكرة اليد وغيرها، وهناك مساحات أخرى ليمارس الطلّاب فيها ألعابهم الخاصّة كيفما يشاؤون.
ومع المعرفة المسبقة بالفوارق بين مجتمعاتنا ومجتمعاتهم، وامكانياتنا المادّيّة وامكانياتهم، إلّا أنّ هذا لا يمنع أن تكون لنا طموحاتنا التي يجب أن نسعى لتحقيقها حسب الامكانيات المتاحة لنا، فأطفالنا يستحقون الكثير، ومتطلباتهم لا تقلّ عن متطلبات أقرانهم من الشعوب الأخرى المتقدمة.
وملاعب المدارس يجب أن تكون مساحتها كافية لحركة الطلّاب، وليتعلموا فيها أصول بعض الألعاب المعروفة ككرة السلّة وكرة القدم وكرة اليد وغيرها، ولتفريغ الطاقات الجسديّة لديهم، فمن المعروف أنّ في الأطفال والفتيات والفتيان طاقات جسدية لا يمكن تفريغها إلّا باللعب، ومع عدم وجود ملاعب وساحات في المدارس وفي غيرها، فإنّ طاقات الطلّاب تبقى حبيسة، وهذا يؤثّر على قدراتهم الاستيعابية، ومن اللافت أن بعض أسباب المشاجرات بين بناتنا وأبنائنا الطلّاب هو عدم وجود ملاعب وساحات كافية، إن وجدت أصلا، وذلك كأن يصطدم طالب يركض بلا سبب بزميله.
وتتعدى سلبيات عدم وجود الملاعب المدارس بكثير، ولكي ندرك بعض تلك السلبيّات علينا أن ننتبه الى الأسباب التي تمنع عدم فوز شابّاتنا وشبابنا على المستوى الفردي، وعلى مستوى الفرق الرياضية، وحتى المنتخبات الوطنية الرياضية في المهرجانات والمسابقات الرياضية الدولية كالألمبياد وغيره، بل إنّهم لا يصلون الى مراحل متقدمة في تلك المباريات، وهذه ليست مسؤوليّتهم، بل لعدم توفر امكانيات المنافسة لهم، وأوّلها عدم وجود ملاعب وأندية متخصّصة، وعدم وجود مدرّبين محترفين أيضا، ولعلّه من المفجع حتى عدم فوز الخيول العربيّة في السباقات الدولية، والتي تفوز منها يكون فارسها في الغالب غير عربي.
ومع ترديدنا كثيرا مقولة”العقل السليم في الجسم السليم” إلّا أن ثقافة مجتمعاتنا العربية في الرياضة وأهميتها تكاد تكون معدومة، بل إنّ هناك من يحاربها، فأثناء انعقاد دورة الأولمبياد في جنوب افريقيا قبل بضع سنوات، خرج خطيب صلاة الجمعة في إحدى مساجد قريتي، واعتبر الأولمبياد وفنون الرياضة جميعها مؤامرة استعمارية لإفساد بنات وأبناء المسلمين! ولمّا ذكّرته بعد ذلك بالحديث النبوي الشريف”علّموا أبناءكم الرّماية والسّباحة وركوب الخيل” وهي الرياضة التي كانت معروفة وقتئذ، ردّ عليّ”سماحته” بأن هذا من الأحاديث الموضوعة! وعندما سألته عن كيفية الاستجابة لمتطلبات الأطفال والفتيان والشّباب الجسديّة لمنعهم من الانحراف؟ أجابني: عليهم التوجه الى المساجد ليتعلموا أمور دينهم، فذلك يحصّنهم ويفيدهم ويحميهم من أيّ انحراف! فاستفزتني إجابته، وكتبت موضوعا هادئا حول خطبته والحوار الذي دار بيني وبينه، نشرته إحدى الصحف المحلية وعشرات المواقع الألكترونية، وبعدها فوجئت بمقالتي منشورة في إحدى المواقع الألكترونية الناطقة باسم أحد الأحزاب الدينية تحت باب”تقيؤات على شكل مقالات”! وذلك للتحذير منها وكأنّني كفرت من خلال تلك المقالة.
24-9-2013