محمود شقير يدهشنا بمنزل ذكرياته

م

جميل السلحوت

محمود شقير يدهشنا بمنزل ذكرياته

عن دار نوفل في بيروت صدرت مؤخرا رواية “منزل الذكريات” للأديب الكبير محمود شقير. وتقع الرواية في ١٧٦ صفحة من الحجم المتوسّط.

محمود شقير: أديب كبير غنيّ عن التّعريف٫ صدر له أكثر من ثمانين كتابا في القصّة القصيرة والأقصوصة، الرواية للكبار ولليافعين، قصص الأطفال، أدب الرّحلات، اليوميّات، المراثي، أدب السيرة الشخصيّة والغيريّة، المسرحية والمسلسلات التّلفزيونيّة.

والأديب محمود شقير تخطّى السّاحتين المحلّّيّة والعربيّة إلى السّاحة العالميّة، فبعض أعماله الأدبيّة ترجمت إلى اثنتي عشرة لغة عالميّة، وروايته للفتيات والفتيان:” أنا وصديقي والحمار” اختيرت ضمن أفضل مئة كتاب من العالم عام ٢٠١٨. وحاز الأديب شقير على جوائز عديدة أبرزها جائزة محمود درويش للحرّيّة والإبداع.

رواية منزل الذّكريات: يستحضر الأديب شقير روايتين من الأدب العالمي هما رواية “الجميلات النائمات” للكاتب الياباني ياسوناري كاواباتا، ورواية “ذكريات عن عاهراتي الحزينات” للكاتب الكولومبي غابريئيل غارثيا ماركيز، ويقارن بين شيخوخة بطلي الروايتين المذكورتين وشيخوخة محمد الأصغر بطل روايته “منزل الذّكريات”.

مع الفوارق الكثيرة بين هذه الرّوايات بسبب اختلاف الثّقافات،٫ فإذا كان بطل رواية كاوباتا وبطل رواية ماركيز يعيشون حياتهم كما يريدون دون أن يتدخّل بهم أو ينغّص أحد حياة أيّ منهما، فإنّ حياة محمد الأصغر بطل رواية شقير يخضع لضغوطات كبيرة منها العادات والتّقاليد والأعراف العائليّة والمجتمعيّة من جانب، وضغوطات المحتلّين من جانب آخر.

وإذا كانت الشّيخوخة أمرا حتميّا لمن يمتدّ بهم العمر حتّى يبلغوها، وما يصاحب مرحلة الشّيخوخة من ضعف جسدي وضعف في القدرات، فإنّ ثقافتنا الاجتماعيّة تحرم المسنّين من حقوقهم الجسديّة ومن أحلامهم، فكثيرون منّا لا يدركون أنّه إذا هرم الجسد وشاخ فإنّ النّفس لا تهرم ولا تشيخ، ومعروف أنّ من يتحلّون بالوعي الكافي -ومنهم الأديب شقير- لمفهوم الحياة والموت يحرصون على العيش بروح شبابيّة حتّى آخر يوم في حياتهم، بالتّالي فإنّهم لا يتخلّون عن متطلّباتهم وأحلامهم وإن كانوا لا يستطيعون تأديتها، وليس من حقّ كائن من كان أن يحرمهم من هذا الحقّ.

وفي تقديري أنّ الأديب شقير الّذي أبدع في وصف الشّيخوخة ومشاعر المسنّين والشّيوخ ومتطلّباتهم ما كان يستطيع فعل ذلك قبل أن يدخل مرحلة الشّيخوخة، وهو المولود في شهر مارس ١٩٤١. وما كان يستطيع وصف موبقات الاحتلال لو أنه لم يعش في وطن محتل وعانى من ويلات هذا الاحتلال.

ملاحظة: استعمل الكاتب في روايته هذه نفس الأسماء ونفس الأمكنة الّتي وردت في ثلاثيّته الرّوائيّة:” فرس العائلة، نساء العائلة وظلال العائلة.”

بين الرّواية والسّيرة: يقول النّقّاد أنّ الكاتب يكتب في كتاباته شيئا من سيرته الذّّاتيّة دون أن يقصد ذلك. وفي تقديري أنّ شقير كتب شيئا من سيرته في روايته هذه “منزل الذّكريات” دون أن ينتبه لذلك، فقد ورد في نهاية ص١٦٢ وبداية ص١٦٣:” ثمّ انتبهت إلى حقيقة سارّة؛ وهي أنّ أخي محمود لن يسطو على هذا الكتاب الّذي أنا بصدده الآن، ولن يدّعيه لنفسه” لأنّه لا يقرّ بأنّه دخل مرحلة الشّيخوخة، فهو يصغرني بخمسة أعوام” مواليد ١٥\ ٠٣\١٩٤١” وقد وصل إلى الثّمانين وتعدّاها بعامين.” ومعروف أنّ هذا التّاريخ هو تاريخ هو تاريخ ميلاد أديبنا محمود شقير.

التّجريب: من يتابع إصدارات أديبنا محمود شقير والّتي تزيد على الثّمانين إصدارا، سيلاحظ -خصوصا في العقدين الأخيرين- أنّه يلجأ ٌللتّجريب٫ فيأتينا كلّ مرّة بجديد يدهشنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر في مجموعتيه القصصيّتين “القدس وحدها هناك” وسقوف الرغبة” وهما من القصّ الوجيز فإنّ من يقرأ كلّ مجموعة قراءة متسلسلة سيجد نفسه أمام رواية، مع أنّها أقاصيص.

وفي هذه الرّواية “منزل الذّكريات” والتي جاءت في أكثر من ٧٠ فصلا لا يتجاوز بعضها الصفحة الواحدة أو صفحة وبضعة أسطر، ولكل فصل في الرّواية عنوان٫ وهو في الوقت نفسه قصّة، وكأنّ بأديبنا قد استغل قدراته الأدبيّة لكتابة هذه الرّواية وهذه القصص في آن واحد، ونجح بشكل لافت، وهذا ليس غريبا على الأديب شقير الّذي عرفناه مبدعا متميّزا منذ بداياته قبل ستّة عقود.

الأسلوب: لجأ الأديب شقير في هذه الرّواية إلى السّرد الرّوائيّ البعيد عن السّرد الحكائي الّذي تورّط ويتورّط فيه العديد من الرّوائيّين٫ وعنصر التّشويق في هذه الرّواية طاغ جدّا.

التّجريب مرّة أخرى: أثناء قراءتي لهذه الرّواية” منزل الذّكريات” ألحّت على ذاكرتي رواية ” الوقائع الغريبة لاختفاء سعيد أبي النّحس المتشائل” للرّاحل الكببير إميل حبيبي، وما رافقها من نقد اعتبرها تجديدا في الرّواية العربيّة، وفي تقديري أنّ أسلوب محمود شقير في هذه الرّواية قد جاءنا بجديد على الرّواية العربيّة والحديث يطول.

شخصيّة جميحان: وردت هذه الشّخصيّة في الرّواية وهي شخصيّة إنسان “بلطجيّ” سلب بيت وأرض محمد الأصغر عنوة مستغلّا شيخوخة الصّغير وضعفه. وهذه الشّخصيّة موجودة في مجتمعاتنا مع الأسف.

٣١اكتوبر ٢٠٢٤م

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات