“كتاب لا برّ لمن لا بحر له” للمحامية نائلة عطية، صدر في رام الله قبل أيام قليلة، ويقع في 147 صفحة من الحجم المتوسط. وففي كتابها هذا تطرح لنا المحامية نائلة عطية قضايا عاشتها وعايشتها في المحاكم، قضايا غابت فيها العدالة، فبذلت جهودها لتبرئة موكليها، وتصدت لسياسة التعذيب وانتهاك حقوق الانسان التي يمارسها المحتلون بحق الأسرى. والمحامية هنا تطرح نماذج من قضايا دافعت فيها عن موكليها، فاستطاعت تبرئة البعض، وتخفيف الأحكام على البعض الآخر، كما أنها استطاعت انقاذ أراضٍ زراعية من غول التجريف.
والكتاب عبارة عن بعض القضايا التي رافعت فيها المحامية عطية امام المحاكم الاسرائيلية، واستطاعت فيها تبرئة موكليها أو التخفيف عنهم، كما تطرقت الى قضية استطاعت فيها انقاذ عشرات الدونمات من التجريف والتخريب.
لكن اللافت هو الأسلوب السردي الذي لجأت اليه الكاتبة، والذي خلطت فيه بين الحكاية والقصّ والرويّ والتقرير الصحفي، ولم يقتصر سردها هنا على الحدث الذي تكتب عنه، بل لجأت الى أسلوب الاسترجاع Flahsh back فعادت بذاكرتها الى سنوات مضت، لم تعشها، لكنها سمعت عنها من ضحاياها، لقد عادت الى النكبة الأولى، وكيفية تهجير أبناء حيفا الفلسطينيين العرب الى لبنان عبر ميناء المدينة الذي حشرهم الانجليز فيه، وتذكرت تشتيت العائلات والأسر الفلسطينية.
وعادت الى سيرة المرحوم والدها الذي كان يعمل صياد سمك في بحر حيفا، وتذكرت حياة العزّ ما قبل النكبة، وكيف انقلبت الأحوال بعدها الى العكس تماما، وعادت بذاكرتها الى بعض الأحياء في مدينتها حيفا، وكيف أُغلقت بعض مقابر المسلمين والمسيحيين العرب فيها، حتى أمام من يريد زيارة قبر عزيز عليه، وعادت الى البحر وشاطئه المخصص للسباحة، انها مجرد ذكريات يصعب محوها من ذاكرتها كابنة وفيّة لشعب جار عليه الزمن، وتكالبت عليه قوى الشرّ والعدوان. وعادت الى البحر لتتذكر رحلة خروج الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وصحبه من بيروت عبر البحر أيضا، وعرجت على قرية الطنطورة في حيفا، تلك القرية الوادعة التي تعرضت لمجزرة عام النكبة، وجرى تجريفها ومحوها عن الأرض لاحقا.
تذكرت بحنين بالغ والديها، وتذكرت طفولتها في أحضان حيفا.
والمحامية نائلة عطية في كتابها هذا تُلحّ عليها الذاكرة، وما يعتمل في صدرها من مخزون معلومات لم تعد قادرة على حمل أعبائه، فتبوح ببعض منه دون أن تدري، ودون أن تقصد أنها تكتب جوانب من تاريخ شعب ووطن.
وواضح أن المحامية نائلة عطية تملك أسلوبا سرديا، لا ينقصه عنصر التشويق، ولغتها انسيابية جميلة، تنبئ بأننا أمام كاتبة قادرة على كتابة الرواية والقصة إن شاءت ذلك.
وفي هذا الكتاب خاضت كاتبتنا باب التجريب الفني متهيبة، ومتخوفة من الفشل لأنه لم يخطر لها على بال بأنها ستكون ذات يوم كاتبة، لكنها فرضت نفسها ككاتبة في مؤلفها هذا، ولا شك أنها ستواصل دربها في فنون الكتابة، وكتابها هذا يشكل اضافة نوعية للمكتبة الفلسطينية والعربية، وحقا أن”من لا بحر له لا برّ له”.
2 شباط-فبراير-2013