تثبت الأيام يوما بعد يوم أن النظرية الصهيونية التي يتعامل بها قادة اسرائيل مع الآخرين، والقائمة على عقدة الخوف، والتي تتمثل باستعمال القوة المفرطة لاثارة الرعب في الآخرين، دون حساب النتائج قد تلحق الضرر بصاحبها أكثر مما تلحقها بأعدائه، فاسرائيل لم تتعلم من حربها التدميرية على لبنان في تموز 2006 فكررتها في حربها على قطاع غزة في آواخر عام 2008، ومع أنها استعملت قوة مفرطة بما فيها اسلحة محرم استعمالها دوليا، كالقنابل العنقودية والنابالم والفسفور الأصفر، واستهدفت المدنيين والبنى التحتية من جسور ومحطات كهرباء ومدارس ومحطات تلفزة وبيوتا وأحياء سكنية…الخ، الا ان أهدافها من هاتين الحربين لم تتحقق مثلما هي في حروبها السابقة، بل على العكس فان حزب الله في لبنان وحركة حماس في قطاع غزة ازدادا قوة ونفوذا، وجاء التقرير الدولي المعروف بـ(تقرير جولدستون) ليدين اسرائيل بارهاب الدولة وارتكاب مجازر بحق الانسانية، وهاي هي ترتكب حماقة جديدة باستهداف قافلة السفن الدولية التي جاءت لاغاثة قطاع غزة، فاعترضتها اسرائيل في المياه الدولية بقوة بحرية هائلة مدعومة بسلاح الجو، مع أن القافلة تحمل ناشطين دوليين مدنيين، ومواد اغاثة مدنية لقطاع غزة المحاصر، فكان ما كان من وقوع ضحايا ألهبت الرأي العام العالمي ضد اسرائيل، التي لم تنقذها الدعاية المضللة بأن الناشطين كانت بحوزتهم أسلحة استعملوها ضد قوات الكوماندوز الاسرائيلية التي استولت على سفنهم، فكانت النتائج أن وقفت اسرائيل عارية أمام الرأي العام العالمي، لا يعادل عريها الا عري الأنظمة العربية التي لم تجد ما ترد به أمام شعوبها الغاضبة الا اجتماعا لوزراء الخارجية دعا الى عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي، وقد كانت الحكومة المصرية على قدر من الذكاء عندما فتحت مصر معبر رفح لامتصاص غضب شعبها، ونأمل أن تستمر في هذا الذكاء بأن تبقي المعبر مفتوحا بشكل دائم، وكان الأجدر بالحكومات العربية بأن تأخذ القرار الفوري بكسر الحصار على قطاع غزة من خلال تسيير قوافل الاغاثة برا وبحرا، خصوصا وأن الرأي العام العالمي حكومات وشعوبا يدعمها، حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خرج عن صمته من هول ما جرى ودعا الى انهاء الحصار، غير أن الموقف الفاضح والمحرج للأنظمة العربية هو الموقف الرسمي للبيت الأبيض، الذي رفض الادانة الصريحة لحماقة الفعل الاسرائيلي، وبما أن امريكا هي الراعي للمحادثات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل،هذه المحادثات التي تجري بغطاء عربي، فقد وضعت الادارة الأمريكية حلفاءها العرب في وضع محرج أمام شعوبهم، فقد كانت أمريكا ملكية اكثر من الملك كما يقولون في تبريرها لموقفها الرافض لادانة اسرائيل بشكل صريح، وموقفها هذا يحمل في طياته رسالة مسبقة بأن الفيتو الأمريكي جاهز في مجلس الأمن ليمنع استصدار قرار يدين اسرائيل، كما أنه رسالة واضحى أيضا بأن أمريكا لن تضغط على الحكومة اليمينية في اسرائيل كي ترضخ لمتطلبات السلام حتىحسب رؤية الادارة الأمريكية المنحازة دوما لاسرائيل، ومن اللافت للانتباه هو ردة الفعل التركية الغاضبة جدا على اسرائيل، خصوصا وأن غالبية الضحايا في قافلة الاغاثة هم أتراك، لم تشفع لهم علاقات الصداقة والتعاون بما فيه التعاون العسكري المبرمة بين تركيا واسرائيل، فكانت ردة الفعل التركية على المستويين الرسمي والشعبي أكثر مما هي عليه ردة الفعل العربية، ويبدو أن اسرائيل التي تحتفظ بكافة خياراتها العسكرية والاقتصادية والاعلامية وغيرها ما كانت لتقدم على حماقاتها هذه لولا علمها المسبق بأن النظام العربي الرسمي قد أسقط الخيار العسكري بعد حرب اوكتوبر 1973،كما اسقط الخيار الاقتصادي ايضا بعد هذه الحرب التي استعمل فيها العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز سلاح البترول للضغط على اسرائيل والدول الداعمة لها من اجل انهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية المحتلة في حرب حزيران 1967.
ويبدو أن الجميع اسرائيل والأنظمة العربية وأمريكا غير مدركين للتحولات في الشارع العربي، وأن أعمال اسرائيل وسياساتها التوسعية واستمرارها في تهويد الأراضي المحتلة، بل في استمرار هذا الاحتلال هي المسؤولة عن اضعاف معسكر الاعتدال العربي، وهي مسؤولة ايضا عن ظهور حركات التطرف في العالمين العربي والاسلامي، وأن الشعوب العربية لن تسكت الى الأبد، وعدم ادراك ذلك يعني فقر في الفكر وعدم قدرة على استخلاص النتائج، وبالتالي فان النتائج ستكون وخيمة على جميع شعوب ودول المنطقة.
4-6-2010