تلتئم القمة العربية بعد أقل من 24 ساعة في مدينة سيرت الليبية،وتأتي هذه القمة في ظروف غاية في الصعوبة كما هي حال أمتنا منذ عقود،فأحوال الوطن العربي من سيء الى أسوأ والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه،ففلسطين والعراق محتلان،والسودان على شفا التقسيم،والصومال يعيش حربا أهلية وتدخلات اجنبية،واليمن يعيش قلاقل تهدد وحدة اراضيه،وحربا أهلية توقفت نيرانها بعد أن حصدت ما حصدت،لكن الذي يطفو على السطح هو قضية العرب الأولى،تطفو القضية الفلسطينية،وما تتعرض له جوهرة فلسطين القدس الشريف من تهويد يهدف الى طمس معالمها وثقافتها وتاريخها وحضارتها العربية والاسلامية بشكل كامل ونهائي،ومع أن الجماهير العربية ما عادت تعول على القمم العربية التي لا تخرج الا بقرارات الشجب والاستنكار،وسيل من العبارات الطنانة التي لا تغني ولا تسمن من جوع،الا أن القدس وما تمثله في عقيدة العرب والمسلمين تبقى الشغل الشاغل لهذه الشعوب،وما أعلنه الدكتور عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية من اقرار وزراء الخارجية العرب بدعم القدس بـ500مليون دولار أمر –على أهميته-يدعو للتساؤل،عن جدوى هذا المبلغ في وقف سياسة التهويد،مع التذكير بأن ما تبرع به المليونير اليهودي الامريكي موسكوفيتش وحده لتهويد القدس في العشرين سنة الماضية يفوق تبرعات الدول العربية مجتمعة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها في العام 1964 وحتى الآن،فهل القدس بحاجة الى أموال أم الى انقاذ وتحرير؟ففي الواقع هي بحاجة الى كلا الأمرين.
لكن الحكومة الاسرائيلية الحالية كسابقاتها تعتبر القدس العربية مدينة”محررة”وليست محتلة،انهم يعتبرونها مدينة اسرائيلية محررة من الاحتلال العربي،ضمتها اسرائيل اليها في 28-حزيران 1967بقرار من الكنيست الاسرائيلي،دون اعتبار قرارات مجلس الأمن الدولي أو القانون الدولي،وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع بمن فيه العرب،وواصلت تهويد المدينة دون توقف،لكنها في هذه المرحلة تريد حسم الأمور بشكل نهائي على اعتبار أن القدس مدينة اسرائيلية غير قابلة للتفاوض أو النقاش،وما قاله نتنياهو بأن القدس ليست مستوطنة وأن البناء فيها مثل البناء في تل أبيب ليس جديدا في السياسة الاسرائيلية،بل هو قديم قدم احتلال المدينة،لكن نتنياهو وضع النقاط على الحروف بوضوح تام،لأنه لا يوجد أمامه ما يخشاه،وهو غير مستعد للتراجع ولو من باب العلاقات العامة حتى أمام الرئيس الامريكي أوباما الذي يبدو أن مصالح بلاده تستدعي ايجاد حل للصراع العربي الاسرائيلي،وأن مصلحة اسرائيل في هذا الحل قبل مصالح غيرها من دول وشعوب المنطقة.
وبالتأكيد أن أكثرية القدة العرب يتوجهون الى القمة العربية وفي جيوبهم تعليمات أمريكية بعدم التصعيد،والركون الى نوايا”الصديقة”امريكا،وتقدير الضغوط التي يتعرض لها الرئيس أوباما وادارته من قبل اللوبي اليهودي،ومع أن عدم التصعيد العربي مضمون كما تشير الدلائل كلها الا أنه من حق المواطن الفلسطيني تحديدا،والعربي بشكل عام أن يتساءل عن مدى جدية القادة العرب في العمل على انقاذ وحماية القدس والمسجد الأقصى،وبقية الاراضي المحتلة،أم أن الأمور تسير باتجاه اعطاء السلطة الفلسطينية غطاء عربيا للبدء في المفاوضات غير المباشرة حسب مقاييس نتنياهو؟وهل يجرؤ القادة العرب على حمل الملف الفلسطيني الى مجلس الأمن الدولي للمطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967،ورفع الحصار الجائر عن قطاع غزة بشكل فوري،والمطالبة بالتطبيق الفوري لقرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص الصراع العربي الاسرائيلي؟أم أن خارطة الطريق الامريكية هي التي ستكون مرجعية الحلول؟اننا بانتظار ان يفاجأنا القادة العرب بقرات لانقاذ القدس لا لتأبينها والبكاء على اطلالها.
أما المبادرة العربية فهي حبر على ورق،وستبقى كذلك ما دام النهج العربي الرسمي هو نهج استجداء الحلول التي لن تصل الى نتيجة،وبالتالي فان التهديد بسحبها أو عدمه لن يقدم أو يؤخر شيئا.
26-3-2010