رواية ” برد الصّيف” للكاتب الفلسطيني، جميل السلحوت، هي الجزء الرّابع بعد: ظلام النّهار، جنّة النّعيم، هوان النّعيم. الرّواية 186 صفحة، عن دار الجندي للتوزيع والنّشر، القدس.
رواية ” برد الصّيف” جاءّت لتكمل الأجزاء الّتي سبقتها، رغم أنّ الأجزاء السّابقة لم تكن مبتورة، وإِنّما تحتمل أجزاء أُخرى بعدها، كما أنّ هذه الرّواية تحتمل أجزاء أُخرى بعدها؛ لأَنّها تحمل بين صفحاتها هموم وطن وشعب تشرّد وتقطّعت أوصاله.
في هذه الرّواية اتّخذ الكاتب السلحوت بيئته الّتي يعيش فيها- جبل المكبّر، القدس- مكانًا تجري عليه أحداث الرّواية من الجزء الأوّل، حتى الجزء الرّابع.
أمّا الزّمان، فهو بعد حرب 1967، حيث هُزم العرب ووقعت الأراضي الفلسطينيّة المتبقّية بعد 1948 تحت الاحتلال الاسرائيلي.
دمج الكاتب الزّمان بالمكان بشكل مبسّط يستوعبه القاري بسهولة، وكأًنّه تاريخ مختصر للأحداث المشبعة بالهزيمة والانكسار وقلّة الحيلة.
عندما نقرأ الرّواية نشعر وكأَنّنا نعيش داخل هذا المجتمع، القروي، البدوي بكلّ تفاصيله، يمكننا القول بأًنّ الرّواية بأحداثها تمثّل ثقافة الشّعب الفلسطيني القروي من حيث العادات، التّقاليد، المعايير الاجتماعيّة، التّواصل، الخصومات، الصلح العشائريّ، عادات الزّواج، الطّعام، اللباس، الدّين، الموت. الأمثال الشّعبيّة…
بالنسبة للصلح العشائري، الّذي توسّع فيه الكاتب، لم يكن هناك أَيّ شكّ بأنّها غير حقيقيّة، بل كانت تحمل صدقًا وعفويّة ، يتسارع القاريء لمعرفة ما سيحدث، وهنا يكمن عنصر التّشويق في الرّواية. لا أعتقد بأنّ هناك كاتبا يمكنه انجاز مثل هذا العمل؛ لأَنّ كاتبنا خرج من رحم الأحداث، عاشها، وتعايشها، حيث عمل بنفسه مصلحًا عشائريًّا في قُرى قضاء القدس.
أمّا بالنسبة للأَحداث عام 1967، فقد عاشها الكاتب بنفسه أًيضًا حيث كان حينها شابًا، 18 عامًا تمامًا بعمر بطل الرّواية، خليل؛ لذلك جاءت تأريخًا صادقًا.
الشّخصيّات في الرّواية، معظمها شخصيّات الأجزاء السّابقة، حيث لكّل شخصيّة رمز أَراد الكاتب إيصال الفكرة من خلالها:
شخصيّة خليل: خليل بطل الرّواية، شاب متعلّم مناضل، يكره الاحتلال ويقاومه بأَضعف الإيمان، وهو توزيع المناشير. ترمز شخصيّة خليل للقوّة، المقاومة، رفض الاحتلال، ربّما يمثّل –هو- جزءًا من المجتمع الرّافض، حيث بُترت يده، تمامًا كما بُتر من المجتمع أُناسُ قلائل تذيّلوا بالمحتلّ.
شخصيّة أبو سالم: رجل متزوّج له أولاد، أكبرهم متزوّج. عاش قبل الحرب إنسانا غير محبوب من الجميع؛ بسبب سلوكه غير المرغوب، أمّا بعد الحرب-1967- فعمل متعاونًا مع الاحتلال وجاسوسًا ينقل الأحداث والأخبار، ويشي بالشخصيّات الشّبابيّة المقاومة. ترمز هذه الشّخصية للضّعف، والذّبذبة، وقلّة الحيلة، وفقدان المبادئ، والتّماهي مع المحتلّ؛ لأنّه الأقوى، ومصدر للإنعاش الاقتصادي.
شخصيّة المختار، وأبو السّعيد : شخصيّات ترمز للاتّزان، والقوة، والتّسامح، والخبرة الطّويلة، وهي الشّخصيّات الّتي ساهمت على إحداث التّوازن في المجتمع، واستمرار التّواصل الاجتماعي. تحمل في داخلها مبادئ وقيما. ترمز للجزء الايجابي في المجتمع.
شخصيّة أُمّ سالم : تمثّل هذه الشّخصيّة، الضّعف، والخنوع وقلّة الحيلة، تحمل القيم والمبادئ، لكنّها تقف مكتوفة الأيدي أمام قوّة أكبر منها بكثير. هي ترمز للوطن الضّعيف الّذي يقف صامتًا أمام المحتلّ؛ بسبب ضعفه السّياسي، والعسكري، والاقتصادي.
شخصيّة البنات المخطوبات: شخصيّات ضعيفة، مغلوبة على أمرها، تأتمر بقوّة عليا، تتمثّل بالسلطة الأبويّة في المجتمع. حكم عليهنّ أن يذهبن بعد الحرب مرغمات لخطّابهنّ. ترمز هذه الشّخصيّات للإنسان الّذي تهجّر عن أرضه رغمًا عنه؛ بسبب السّلطة العالميّة الّتي وقفت خلف هذا التّهجير.
الخيال: مزج الكاتب السلحوت في روايته الخيال بالواقع، مستمدًا هذا الخيال من الواقع الأليم والقهر الواقع على الشّعب، فبدت فيها الأحداث مشوّقة للقارئ.
الحبكة الرّوائيّة: نلحظ من خلال قراءًتنا للرّواية بأنها لا تحمل حبكة روائيّة مطوّلة، بل هي عدّة حبكات تتكرّر بشكل بسيط ومصغر على طول الرّواية.
اللغة: لغة فصحى بسيطة سلسة تتخللها اللغة العاميّة ، حين الحاجة لذلك، هناك بعض الأخطاء المطبعيّة البسيطة، أمكن الكاتب تجاوزها.