خلال اليومين الماضيين قرأت تهنئة لموظف حصل على ترقيه، وُصف بها بأنّه “قائد بحجم القدس”، وقرأت تعقيبا على قصيدة “لشاعر” “ينصب الفاعل ويرفع المفعولا” بأنّه “شاعر بحجم الأمّة”! ورأيت على صفحات التّواصل الاجتماعيّ أوصافا لأشخاص أطلقوها على أنفسهم مثل “الأديب، الرّوائي، الشّاعر، النّاقد، الفيلسوف، المسرحيّ إلخ…” فضحكت من باب “شرّ البليّة ما يُضحك”، وترحّمت بخشوع على شعرائنا ومبدعينا الكبار مثل محمود درويش، سميح القاسم، الجواهري، السّيّاب، البيّاتي، الفيتوري، عبدالمعطي حجازي، فدوى طوقان، وغيرهم، وعلى نجيب محفوظ وحنا مينا، وإميل حبيبي وجبرا ابراهيم جبرا وعبدالرّحمن منيف، وعلى سعد الله ونّوس وغيرهم، وتمنّيت الصّحة والعافية لمبدعين حقيقيّين ما زالوا على قيد الحياة، ولم أشاهد أمام اسم أيّ منهم أنّه شاعر أو روائيّ، أو ناقد، أو مسرحي، أو قاصّ إلخ. وتذكّرت ما قاله الشّاعر الكونيّ محمود درويش في مقابلة تلفزيونيّة جاء فيها:” أخشى أنّ النّقاد يتعاطفون مع أغنياتي، لأنّني صاحب قضيّة” وهذا يعني أنّه كان يخشى أن تكون قصائدة ليست على المستوى المطلوب، مع أنّه مجدّد ومتميّز ورائد في الشّعر باعتراف النّقاد!
فهل تفخيم الأشخاص عندنا ثقافة متوارثة؟ وهنا تذكّرت ما قاله أبو فراس الحمدانيّ:
نحن قوم لا توسّط بيننا ******* لنا الصّدر دون العالمين أو القبر
لكنّ الحمدانيّ كان قائدا مقاتلا وشاعرا من الفحول، أمضى في الأسر أربعة أعوام، وهو ابن عمّ سيف الدّولة الحمدانيّ الذي كان أيضا قائدا فذّا ومحاربا شجاعا، مدحه المتنبّي كثيرا وهو هنا يفخر بنفسه وعائلته، وقد كان وكانوا قادة حقيقيّين.
فإذا وُصف من يزعم أنّه شاعر بأنّه بحجم أمّة، ومعنى أمّة كما ورد في المعاجم:” جماعة من البشر تتوفّر فيها عناصر القوميّة، التّاريخ – اللغة – العادات – الثقافة – الدّين – الجغرافية، والأمّة ترمز إلى النّواحي الثقافية والحضارية للمجموعة الإنسانيّة”، فكيف يمكن وصف شخص ما بأنّه يساوي أمّة بكاملها، وهل لدينا شاعر بحجم الأمّة العربيّة مثلا؟ وكيف يكون المرء شاعرا وهو لم يسمع بالخليل بن أحمد الفراهيدي واضع علم العروض؟ ألهذا الحدّ تهون أمّتنا وثقافتنا علينا؟
وإذا ما وصف بعضنا إنسانا عاديّا “بأنّه قائد بحجم القدس” فماذا نقول لمن فتحوا القدس؟ ولمن حرّروها من احتلالات متعاقبة؟ وماذا يعرف من يتفوّهون بهكذا كلام عن القدس؟ وعن قداستها وتاريخها الحضاري والثّقافي والسّياسيّ؟
و”رحم الله امرأً عرف قدر نفسه ووضعها في مكانها الصّحيح”.
5-8-2019