مجموعة قصص الأطفال(كلب البراري) للأديب جميل السلحوت الصادرة أواخر العام 2009عن منشورات غدير في القدس جاءت في ترتيب مدروس وليس عشوائياً، فالقصة الأولى(المرة الأولى) تحمل في طياتها قيما تربوية كثيرة، خاصة وإنها موجهة للأطفال دون سن الثامنة، فالكاتب يتدرج مع الطفل(بكر)في تدريبه على مسك القلم، فهو يدربه بأن يكتب بيده اليمنىبكر يحمل قلم الرصاص في يده اليمنى)ويعرف الطفل بأسماء الأصابع التي تمسك بالقلم(الابهام والسبابة والوسطى) ص1 كما يحث الطفل على تكرار المحاولة، وهذا بحد ذاته ارشاد للطفل بأن لا يترك التجربة حتى يصل الى النجاح، وكيف يكتب على السطر، وكيف يستعمل الطفل الممحاة؟.
أما قصة الذئاب ففيها دلالة قيمة أراد الكاتب بثها في نفوس الأطفال وهي:[الاتحاد]ففي الاتحاد تكمن القوة، فقد أشار الكاتب بإشارة لطيفة الى ذلك في الصفحة السابقة، عندما وصف لنا الكباش الثلاثة(وقفت الكباش الثلاثة مكانها في حالة استنفار على شكل مثلث) فلم تستطع الذئاب اقتحام حظيرة الغنم، ولم تجرؤ أن تفعلها ثانية، اذ قال الكاتب على لسان الذئبة(فأنا غير مستعدة أن أهاجم قطعان الغنم بعد الآن) ص9
وهنا يوجد ملاحظة بأن الرسومات لا تتوافق مع السرد، فقد رسم الخراف وذكر في القصة الأغنام،قطعان الغنم ص9 ”
لقد استخفت الذئاب بالقطيع الأول بحيث أرادت العودة لخطف حملان أخرى، وذلك لأن الأكباش هناك متناحرة، وهذه اشارة الى الوضع السياسي القائم على الساحة الفلسطينية بشكل خاص بين فتح وحماس،والى فرقة الدول العربية.
(وقالت الذئبة الثانية: نعود الى القطيع الأول).
كما أشار الكاتب الى قضية مهمة وهي الحفاظ على البيئة،وبأن البشر أكبر مسبب في دمار هذه الطبيعة عندما قالفالبشر قضوا على الحياة البرية)ص10
وهناك اشارة الى أمر سياسي آخر، وهو الفساد القائم على الساحة السياسية من اختلاسات واستغلال نفوذ المسؤولين في الكسب غير المشروع فقد قالبما انني وزميلتي قادرتان على اغواء الكلاب فإنها لا تنبح علينا).
خلاصة القول في هذه القصة أن المجتمع الذي يتحكم بمصيره قيادة غير واعية جاهلة وأنانية، فإن هذا المجتمع معرض لكل أنواع السلب والنهب، وهذه دلالة واضحة على الوضع الفلسطيني الراهن.
اذ يقول ما دامت الكباش تتقاتل مع بعضها البعض، فإن القطيع سيكون في متناولنا) ص10
أما قصة كلب البراري والتي تحمل المجموعة اسمها كعنوان، فهي قصة جاءت في معظمها سرداً على لسان الكاتب، تحدث فيها بشكل تقريري، عن قرية الكاتب(السواحرة)وعرفنا بجغرافية المنطقة، ووصف البيوت المنسوجة من شعر الماعز، وعرفنا بخصائص استخدام شعر الماعز المنسوج بأنه يتمدد عندما تنزل الأمطار عليه فيسد المسامات، وهذه معلومة مهمة يُعرِّف القارىء بها. وينتقل بنا الكاتب الى صراع يوسف مع الضبع، وهنا أرى مبالغة كبير في أن طفلا مهما كانت قدرته البدنية قادر أن يصارع الضبع، فالضبع حيوان مفترس ويستطيع بأسنانه وأنيابه طحن عظام فريسته بسهولة تامة، أرى هنا أن الكاتب اتبع الأسطورة في أن الطفل لديه قوة خارقة يستطيع القيام بأعمال تخرج عن المألوفوقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة سحب يوسف العصا من جوفه، واستل شبريته وقطع رأس الضبع). ص8 لماذا كل هذا العنف؟ وما فائدته للقارىء الطفل أو الفتى؟ هنا مبالغة وعنف غير مبرر، ولا أدري ان كان أكل لحم الضبع مستساغا، ناهيك بأنه ليس حلالاً، اذ أن الضبع من عادته نبش قبور الآدميين وأكل الجثث الآدمية، وأرى أن في نشر مثل هذه الأفعال وخاصة للأطفال أو الفتيان لا فائدة منه، بل إن المضرة واقعة. حمل النصف الأيمن من الضبع فأكله حلال أمّا الجانب الأيسر قحرام؟ ؟ ص9
أما عن الرسومات فهي جميلة جداً ومناسبة لأحداث القصص الا ما ذكرته خلال العرض، فالألوان متناسقة ورسوم الشخصيات مناسبة وحجم الورق أيضاً مناسب.
قصة هدى:
القصة الأخيرة هي من أكثر القصص جمالاً وتعبيراً ومضمونا، فهي تحث الأطفال على الاهتمام بالطبيعة التي أصبحنا بحاجة للاهتمام بها، بعد أن أنهكتها الاعتداءات المستمرة، حتى لم يعد بالامكان التغاضي عن سلبيات تلك الاعتداءات المستمرة، وحتى تهتكت طبقة الأوزون التي من شأنها المحافظة على غلافنا الجوي من الاشعاعات الضارة.
فالاهتمام بزرع الأزهار والنباتات وعدم الاعتداء على صغار الطيور كالحمام والعصافير ، .. وزرع الأمل في نفوس الأطفال .. شعرت في هذه القصة براحة نفس واطمئنان في بدايتها، وفجأة يصدمنا الكاتب بقصة أسرة الشهيد علي أبو غالية .. في الحقيقة أنا لم أجد مبررا لطرح هذه القصة بهذا الشكل، ففيه الكثير من القسوة على الطفل القارئ.