القدس: 31-8-2023 من ديمة جمعة السمان: ناقشت ندوة اليوم السابع الثّقافيّة المقدسية “رواية” “وهكذا أصبح جاسوسا” للأديب الفلسطيني وليد الهودلي. وتقع الرواية الصادرة عام 2018 عن مركز بيت المقدس للأدب، في 170 صفحة من الحجم المتوسط.
افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:
أربعة عشر نصا توعويا.. بدا أشبه برسائل توعوية موجهة إلى شعب يعيش في زمن اللا معقول.. في ظل احتلال بغيض ينتهك أبسط الحقوق، خلف ابتسامة صفراء تكشف عن قذارة تستبيح كل ممنوع حظرته الإنسانيّة.
نصوص تحكي قصصا لأناس أبرياء، سقطوا في مستنقع الجاسوسية لا بسبب خيانتهم، بل بسبب جهلهم بأساليب وتقنيات شيطانيّة، تفنن بها الاحتلال، فقادوا ضحاياهم إلى الهلاك؛ ليخسروا أنفسهم وليتسببوا بالأذى لأبناء شعبهم.
قالها العالم والمفكر الإسلامي المصري محمد الغزالي: ” ليس من الضروري أن تكون عميلا لتخدم عدوك، يكفيك أن تكون غبيا”.. وأنا أقول يكفي ان تكون جاهلا لتخدم عدوك. من هنا جاءت هذه النصوص، لتشكل ناقوس خطر، فتحمي أبناء المجتمع من السقوط، وتلفت نظرهم إلى بعض الأساليب الحقيرة المتبعة من المحتل، والتي من الصعب أن تخطر على بال من ليس له خبرة في هذا المجال.
جمع الكاتب وليد الهودلي أربعا وعشرين قصة واقعية عاشها مواطنون أنقياء أبرياء، جاهلون بأساليب التحقيق خلف القضبان، وفي غياهب السجون، فوقعوا فريسة الغدر، فإذا بهم يصبحون في نظر المجتمع عملاء يخدمون الأعداء، فنبذهم المجتمع واتهمهم بالغدر والخيانة.
جاء الإهداء مقتضبا ومباشرا إلى شخصين عزيزين على قلب الكاتب:” إلى أخي فؤاد وابنتي عائشة”، وكأن هناك ما يخفيه الكاتب خلف هذا الإهداء المقتضب.
اختار الكاتب عناوين مغرية لنصوصه التي كتبت بحرف جميل وأسلوب شيّق.
وما وقفت عنده مليّا أن الكاتب اعتبر كتابه رواية! مع أن الكتاب بعيد كل البعد عن فن الرواية!
وفي الختام، أنصح بضرورة تواجد هذه النصوص على أرفف كل مكتبة أسرة في الوطن، علها تشكل حالة من الوعي، تقي أبناء المجتمع من السقوط في هاوية الجاسوسية بجهلهم، وعن غير قصد.
وكتب جميل السلحوت:
سبق للكاتب وليد الهودلي أن تعرّض للاعتقال أكثر من مرّة، وأمضى هو وعقيلته في سجون الاحتلال سنوات طويلة من عمره.
وهذه “الرّواية” ليست الإصدار الأوّل للأديب الهودلي عن الاعتقال ومعاناة الأسرى، فقد سبق وأن صدر له عدّة أعمال أدبيّة بهذا الخصوص تتراوح بين القصّة والرّواية ومنها: روايات “ستائر العتمة” و “مدفن الأحياء”و”أمهات في مدفن الأحياء” ورواية “الشعاع القادم من الجنوب”، ورواية “فرحة”، وحكاية(العمّ عز الدين)، و”ليل غزة الفسفوري”، و”منارات” مجموعة قصصية و”مجد على بوابة الحرية “مجموعة قصصية، و”أبو هريرة في هدريم” مجموعة قصصية، و”عائشة والجمل” قصة للأطفال، و”النفق” مسرحية، و”في شباك العصافير” مجموعة قصصية.
ولن أتوقّف هنا كثيرا أمام تصنيف هذا الإصدار من حيث هل هو رواية أو مجموعة قصصيّة أو غير ذلك.
بداية يجب التّنويه أنّ أدبيّات الاعتقال والسّجون ليست جديدة على الأدب العربيّ، فهي معروفة منذ قرون، كما أنّه ليست جديدة على الأدب الفلسطينيّ، فهي معروفة منذ ما يقارب القرن مع بداية الانتداب البريطاني على فلسطين، ومعروفة أيضا بعد قيام اسرائيل كدولة في مايو 1948م، لكنّها أصبحت ظاهرة بعد حرب العام 1967 لكثرة المعتقلين بسسب تغوّل الاحتلال.
وقد صدرت مئات الكتب من قصة ورواية ودواوين شعريّة وأبحاث الّتي خطّتها أقلام من داخل الأسر أو بعد التّحرّر منه. كما أنّ الحديث عن تساقط البعض في بحر الخيانة والعمالة ليس جديدا أيضا فقد طرقه أكثر من كاتب.
والكاتب الهودلي إصداراته جميعها تتحدّث عن معاناة الأسرى وعذاباتهم، وهو بهذا يسجّل بشكل وآخر تجربته الشّخصيّة التي عاشها أو عايشها في الأسر الذي قضى فيه ما يقارب العقدين.
و”روايته” هذه “وهكذا أصبح جاسوسا” نصوص توعويّة تحذّر من مغبّة ألاعيب مخابرات الاحتلال التي تحاول خداع المعتقلين؛ ليعترفوا بالتّهم الموجّهة إليهم سواء كانت صحيحة أو ملفّقة، من خلال التّرغيب والتّرهيب أو من خلال المتساقطين “العصافير” الذين خانوا شعبهم وأمّتهم ووطنهم، وقد طرح فيها عشرين حكاية أو قصّة مختلفة لمن خاضوا هذه التّجربة، فأدلوا باعترافات أضرّت بهم وبغيرهم في حالات ضعف نفسيّ أو جسديّ، أو حالات خداع خانهم فيها ذكاؤهم أو فطنتهم. وكأنّي بالكاتب في هذه “الرّواية” يطرح دروسا توعويّة يحذّر فيها من يتعرّضون للاعتقال من مغبّة السّقوط في مستنقع الخيانة، ولا ينتبهون لأنفسهم إلا بعد فوات الأوان، وقد توقّفت كثيرا أمام عنوان”الرّواية” الحادّ والذي لا يتناسب والمضمون. وأثناء قراءتي لهذه الرّواية عادت بي الذّاكرة إلى كتاب حسام خضر “الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصّمود” الصادر عام 2005.
وكتبت هدى عثمان أبو غوش:
ليس من السّهل أن تقرأ كتابا يتعلّق بالأسرى؛ لأن النّص غير عادي، وليس مادةّ شهية للعين أو مريحة للقلب والأعصاب، ففي مجموعة القصص التي جاءت تحت مسمّى الرّواية، والأنسب تسميتها مجموعة نصوص أو مجموعة قصصية، فإن الأديب الأسير المحرّر وليد الهودلي، يضع القارىء أمام تحدّ وصبر لمتابعة أوراقه الملغومة بالأسرار، ويكشف لنا كيف تموت الضمائر وتحيى “العصافير”،عصافير لا تعرف الرّحمة، تنهش الكرامة والعرض، وتستبيح كلّ شيء في خدمة ومصالح الاحتلال والمخابرات الإسرائيلية. من الملاحظ في تلك المجموعة هو انتصار البعض على الاحتلال من خلال التمسك بالثقة بالله والإيمان به، أمّا عدم نجاة البعض فكان سببه إسقاطهم بإعترافات موثقة، أو كما ذُكر بين أوراق الكتاب مقولة مقتبسة “ليس من الضروري أن تكون عميلا لتخدم عدوك، يكفيك أن تكون غبيا”.
في تلك الأوراق تكمن العبرة من كتابة هذا الكتاب – كما قالها أحد الأصدقاء للأسير”في السّجن- ادفن نفسك في تراب الإخلاص والصدفة الخفية”، وتتجلى شخصية الأديب الأسير المحرّر وليد الهودلي من خلال المثابرة المستمرة في إيصال أوراقه للنور رغم محاولات الاحتلال المتكررة في القبض عليها، وهنا نرى رسالة لعدم اليأس والثبات والمحاولة حتى الوصول للهدف.
بأسلوب انسيابي، سلس، مشوق، مفعم بالمشاعروالعاطفة الحزينة، يدخل القارىء لحالة توتروترقب عمّا سيحدث للأسير أو المناضل، ونجد الوصف والحوار بالفصحى، والحوار الذاتي عند بعض الأسرى الذي يعكس محاولة الأسير إقناع نفسه بأن ما سيفعله هو على صواب بعيدا عن الخطر، يروي لنا الأسير الهودلي قصصا من عتمة الزنازين ومن خارجها خلال مكوثه في السّجن، من أجل بثّ الوعيّ والحذر في المجتمع، وفي السّجون والمعتقلات، لما يتعرض له الأسرى من محاولات للإيقاع بهم؛ ليكونوا عصافير أي جواسيس لدى المحتلّ.
من الأساليب المتعددة التي مارسها الاحتلال للإيقاع بالبعض أهمّها: غرس “العصافير” في السّجون، وتوثيق حديث الأسرى بالصوت والصورة دون معرفتهم، وقد استخدموا وسائل التّواصل الاجتماعي”الفيس بوك”للإيقاع بالنساء من خلال انتحال شخصية وهمية،واستخدام العاطفة، والتودد والتحدث بنفس ثقافة الفلسطيني، وذكر مقولات دينية،أو استخدام مقولات مشهورة، إيقاعهم من خلال أقرب المقربين لهم كما في قصة “صديق عمّي أعماني”، ومن خلال الاغراءات المادية لتحسين أحوالهم.
من الأساليب الفنية التي استخدمها الأديب في مجموعته هذه: التّناص الديني والقرآني، كالحديث الديني مثل:”..إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى”،ومن القرآن”قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا”.
وأيضا استخدم بعض الأمثال الشعبية، ممّا أضفى على القصص واقعيتها منها:” ما ظلّ على الخمّ إلاّ ممعوط الذنب”، واستخدامه التّشبيه مثل:” كمن يغرق في جُبِّ يوسف” إشارة إلى الظلام والظلم لدى الأسير في السّجن، وقد استخدم السّخرية من قبل الأسير ضد المحقق مثل قصة”وقعت عن الحمار”.
وبقي أن نقول: كم هو خطير حرف الفلسطيني في وجه المحتلّ، ثقافته تشكل سببا في دخوله السّجن، حرفه ممنوع من السّفر.
وقال المحامي حسن عبادي:
في لقاءاتي بالأسيرات والأسرى في سجون الاحتلال في السنوات الأخيرة تردّد اسم الهودلي وكتبه كثيراً على ألسنتهم، منهم من قرأه قبل الأسر ومنهم بعده، ولكن كان شبه إجماع أنها كتب إلزاميّة لكلّ ثائر ومقاوم مقحم على الاعتقال.
يتناول الكتاب أساليب المخابرات في إسقاط المعتقلين، وذلك من خلال غرف العصافير وغيرها من الوسائل). العصافير (ص. 10)، وعصفور على الفيس بوك (ص. 19).
يحوي الكتاب عشرين قصة من عالم السجون، منها قصص مؤلمة ومنها المفرحة، منها القصص الغريبة والعجيبة، تحكي واقع السجن وسيّد الموقف هو الجهل و/أو الإهمال و/أو عدم الحذر و/أو الإيمان المفرط بالقدر.
وكأنّي بوليد الهودلي يتمختر في السجون؛ ليتصيّد حكايا كلّها واقعيّة؛ ليدقّ ناقوس الخطر؛ وليقوم بدور المسحّراتي؛ لينبّه المعتقل الفلسطيني لمكائد السجّان وحيله وألاعيبه، ويقولها بصريح العبارة في القصّة التي تحمل عنوان “صديق عمّي أعماني”: “واصل قلمي في الأسبوع الخامس هوايته في صيد الحكايات من الأقفاص الفولاذية، وأصرّ على أداء واجبه في تحري قصّة أخرى من النسيان”. (ص55).
نعم؛ لكلّ أسير قصّة وحكاية (ص. 6).
وجدت في الكتاب رسائل في التجربة الاعتقالية، توعوي بالأساس، وكأنّي به يقول بأنّنا ندرس تاريخ وتجارب ما مرّ به الأوّلون؛ كي نعيش واقع الاعتقال؛ لنؤمّن مستقبلا أفضل، فنحن نقع في ذات الأخطاء التي وقع فيها من سبقونا، ورغم الوعي الأمني نتهاون وتنطلي علينا أساليب العدو ونقع، ورسالته واضحة: إيّاك والثقة المطلقة بنفسك، وعلى المعتقل أن يعي ويعرف جيداً “منذ لحظة اقتلاعه من بيته إلى حين عودته، وما بينهما لا يمكن التعامل معه على أساس الثقة أو الضعف أو مرة وتفوت”.
يركّز الكاتب على معادلة قبول التسويات مع الاحتلال مقابل تسهيلات ومكتسبات آنية، مثل السفر أو تصريح عمل أو دراسة خارج البلاد أو علاج “ساعدنا نساعدك” المرفوضة جملةً وتفصيلا، فالتنازل مثل “المسبحة لمّا تُفرط”.
كما وينبّه الكاتب من استغلال المعلومات الحياتيّة والاجتماعية لابتزاز اعترافات واهية وشعاره: ” لا تثق بأحد في السجن، لا أقرباء ولا أصدقاء”.
نوّه الكاتب لأهميّة مواقع التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة وذكائها المفرط وسهولة اختراقها، وشعارك يجب أن يكون “لا خصوصيّة ولا أمان بعد اليوم”.
سمعت الكثير من الحكايات عن محاولات المحقّقين الإيقاع بالمعتقل بشتى الوسائل لإضعافه وانتزاع الاعترافات، يتناوب المحققون ويمارسون التمثيل المخادع ما بين محقق مهذب لطيف وآخر شرير، مثلها مثل مكر “العصافير”؛ خدعة إدخال متعاونين مع المحققين إلى الزنازين بحجة أنهم مناضلون تعرضوا للتعذيب، لعلهم يحصلون على معلومات من ذلك المعتقل، وحين يفشلون في ذلك، ولا ينجحون بأن يأخذوا حقا أو باطلا، فيتبخّر هؤلاء العصافير في الزنزانة، وكما وصفت الأمر منى قعدان بسخرية سوداوية قاتلة “طارت العصفورة”.
كأنّي بصديقي وليد الهودلي ينادي بضرورة اعتماد ثقافة الأسر في المناهج الدراسية؛ فالاحتلال يطوّر باستمرار أساليبه لإسقاط جيل بأكمله، ويتوجّب علينا تحصين الجيل الصاعد بمضادّات حيويّة مانعة، حتّى نقيه من خطر الإسقاط الأمني.
راق لي تناوله لطقوس اللقاء بالأسرى في سجن جديد (ص. 5) وطقوس استقبال الأسير الجديد (ص. 11) “على الداير يا شباب”.
وكذلك تصوير حياة المعتقل والأسر؛ حفلات العذاب، الهزّ، شبحة الضفدع، شبحة الحائط، شبحة الموزة. والله موجع يا صديقي! وعالم السجن ومصطلحاته؛ متسادا، البوسطة (تصوير البوسطة؛ جنازة مصفّحة (ص. 9)، الجنازة الحديديّة)، شِحرور، دوبير، البرش وغيرها.
وسم الكاتب أو الناشر الكتاب وأطلق عليه اسم رواية، ولكني وجدته أقرب إلى مجموعة قصصية، أو نصوص سرديّة مفتوحة تناول فيها 19 قصة وحادثة، مباشِرة وواقعيّة موجعة، تنقصها الحبكة الروائية التي وجدتها في رواياته.
وحين أنهيت قراءة الكتاب ثانيةً جاءني ما قاله لي الأسير راتب حريبات خلال لقائي الأخير به:” كرّهونا العصافير، كنت في صغري أعشق العصافير وصيدها في البراري، وحين تعرّفت على عصافير آدميّة بتّ أكرهها، وخاصّة بعد تعرّفي على عصافير عوفر ومجيدو، نفس الخطأ يتكرّر، الوقوع مع العصافير، ولم يأخذ شبابنا العبرة ممّا كتبه الصديق وليد الهودلي في “ستائر العتمة”.
وقالت أسمهان خلايلة:
تشييء الأسير ونقله من أسر إلى سجن إلى معتقل، والتخلص منه كأنه بضاعة،
إنها برمجة اللاوعي لدى الأسير إلى ان يدخل المعتقَل، فيدخل حالة اللامفر.
حالات خاصة استعرضها قلم الكاتب عن العصافير، تلك الكائنات اللطيفة الجميلة التي يتحول ذكرها في المعتقل الى ارتباك وتوجّس ..فالعصفور في السجن ينقل كل الأخبار وكل ما يتفوهون به، وهذا ما يساعد المحقق على اكتشاف خلفية وسيرة المعتقل الأمني. الرواية تتناول العمالة بشتى أساليبها، ولعل أصعب أنواع العمالة أن ” تكون غبيا لتخدم عدوّك ” مقولة للعالم المفكر محمد الغزالي .
بلغة قرآنية يسرد الكاتب -المعتقل- نحو أربع عشرة قصة تقطع أنفاس القارئ، يلاحق الأحداث مندهشا شاخص البصر متسائلا : كل هذا يتحمله الأسير ؟ إنها جبال من الخبث والمؤامرات تحاك على مدار الساعة ، مخابرات تحيط بالمعتقلين الأمنيين من كل الجوانب وبشتى الأشكال والأساليب .
” لن تخرج من هنا إلا باعتراف أو إعاقة تلازمك العمر كله! ويرد المعتقل الأمني الصامد ” إنما ذلكم الشيطان يخوٌف أولياءه “، إحدى الاستعارات لآيات قرآنية.
“وهكذا أصبح جاسوسا ” هذه الـ “هكذا” شرحت الكثير من القصص التي تتم حياكتها حول الأسير، وأبرزها كانت قصة محمود المناضل العنيد الذي صمد في وجه التحقيق والتعذيب والشبح، وطال مشوار تصديه حتى انحشر في زاوية: إمّا التوقف والابتعاد عن النضال والانجرار إلى التسوية السلمية، أو الاعتقال الإداري، وهذا الاعتقال يطول حسب مشيىئتهم، ويصل الى خمس سنوات، ثم يحرر الأسير ويتم اعتقاله ثانية بتهمة يلفقونها، فيعود إلى المربع الأول .
سقط محمود في فخ الرفاهية المزعومة التي قدموها له، فاختار دون أن يدري التوقف عن ممارسة أي نشاط، فسهلوا له التتقل ووعدوه بحمايته من تعرض السلطة الفلسطينية له.
اقتنع أنه بحكم السن والنضج السياسي سيلعب دورا جديدا في عالم الفكر وصناعة المجتمع، وهذا أهم بكثير من دوره مع أيّ عنصر من عناصر المقاومة .
محمود جابر الشخصية القيادية البارزة أرادوا منه الحياد فقط، فأخذ يفكر في أسرته وعائلته التي اشتاق لها، وتنزّه وتجوّل معهم بين شوارعهم ومطاعمهم وحياتهم، قارن بين نقاشهم ونقاشنا ، واقتنع أن حياتهم الرغيدة هي مما كسبت أيديهم!
وغدا محمود منشرح الصدر من جلسة عصفوا بها في عالم السياسة، والثقافة والسلم بين الشعبين ..رقص على أنغامهم سافر دون قيود، وفي العمرة حيث جميع الناس يؤدون عباداتهم وطقوسهم الدينية براحة وقد وجدوا أرواحهم، إلا هو فقد كان يهيم في لجّة تفكير ومراجعة للذات، بدأت مشاعره تتنامى تجاه الاتفاقية التي عقدها معهم فغدت كطوق حديدي، إثمه كبير ويحاك في صدره ..استتنتج أنهم أرادوا تفصيل قيادي فلسطيني وفق مقاساتهم وطلباتهم، ففجّر المفاجأة حين وقف في وجوههم: هل أنتم مستعدون للاعتراف بحق اللاجئين وعودتهم؟ هل أنتم مستعدون أن تكون القدس عاصمة فلسطين ؟
امتعضوا وشلت المفاجأة ألسنتهم، استيقظ محمود جابر من نومه وغباء تقديره، لكنه بقي تحت مطرقة تهديدهم بفضح صوره وتسجيلاتهم لأحاديثه معهم .
هؤلاء لا يعرفون أن تكون أسيرا، والحديث يدور عن شركة تم سجن أحد موظفيها الذي عمل على تسويقها وترويجها، فتخلٌوا عنه وفصلوه، الشركة تملك أموالا تكفي لاحتضان عشرات الأسرى وتأهيلهم للاندماج من جديد، لكن أصحابها سيفقدون ال vip وسيخسرون ال PMC . وهي امتيازات عبورهم وتنقلهم بكل سهولة دون قيود.
من أهم المواقف التي وصفها الكاتب في الرواية المناخ الترهيبي، الذي يسيطر على عملية الاعتقال، فهنالك حالات لا تحتاج أكثر من استدعاء إلى المركز، لكنهم أبوا إلا أن ينغصوا عيش الفلسطيني بافتعال الحركة البطولية، التي يمثلونها بجنود يحملون كامل السلاح، ومجهزون بكل العتاد العسكري، يختارون ساعات الليل المتأخرة والناس نيام، فيثيرون الفزع في نفوس الجميع، المعتقل وأسرته، الهجمة الأولى هي الأهمّ، حيث يقتحمون مسكن الهدف، يعيثون فسادا في بيته ومقتنياته، وينهالون عليه بضرب مبرح، كسر الإرادة بارباك المعتقل وجعله في حالة يأس ورعب، إنها الصدمة الأولى .
حتى الأسبوع التاسع عشر في المعتقل يكتب الراوي القصة تلو الأخرى، يشير إلى مواطن الخلل والغباء التي كانت أحد أهم الأسباب في تمكين المحتل من اختراق منظومات المقاومين واعتقالهم، بل ارتشاف المعلومات التي أرادوها بكل سهولة، ولم ينس الكاتب وصف اختراقهم لأجهزة أذكى الشبان، وكان سالم المهندس تقني الحاسوب نموذجا.
قصة الذي وقع عن الحمار كانت رائعة، تغابى أمام العصافير، ولم يعترف للمحققين سوى بعبارة واحدة: وقعت عن الحمار ..شارحا سبب الجروح الظاهرة على جسمه، لم يتوصلوا معه إلى حق ولا باطل.
الدخول الى مستنقع التعاون أو لنقل عش العصافير- كما رمزت الرواية- ليس سهلا أو يستطيع صاحبه الخروج والانسحاب كما يحلو له، فهو مكبل العنق يختنق بقيود لن يتخلص منها حين يشاء، كما اعتقد بعض المتعاونين مع المخابرات، خرجوا صفر اليدين أصعب مما كانوا عليه، فخسروا وظائفهم واأدوارهم وأهلهم، ومنهم من ضاع مستقبله التعليمي والأكاديمي. تنبيه تثيره الرواية: مهما كانت حالة الضيق والظلمة التي يعيشها الأسير الأمني أو الفلسطيني بشكل عام، إلا أنّه يتوجب عليه أن يرفض العمالة والتعاون؛ لأنها ستوصله الى الهلاك وفقط الهلاك.
لم يُغفل الكاتب فخ منصات التواصل وانتحال الشخصيات، وقد توصل أحد رجال المخابرات إلى توطيد علاقة غرامية وهمية بناشطة سياسية ثقافية في الجامعة، عُرفت الفتاة بعملها القيادي الدؤوب والمثمر . اصطادها فوقعت في شباكه، وتحولت أحاديثهما الغرامية الى الخوض في أدق تفاصيل حياتها ونشاطها وزملائها في الجامعة ،وكانت النهاية كارثية. لا يقع إلا الشاطر ..هكذا ردد مثلنا الشعبي . وأمامنا كانت حالات متعددة لوقوع الأذكياء في مصيدة المخابرات، فأحبطت نشاطاتهم وأجهض نضالهم.
أكرر نداء الكاتب: أن الرواية تستحق أن نوليها اهتمامنا وقد تعب صاحبها حتى أخرجها الى النور والنشر، ووضعها بين أيدينا . إنه أدب يوثق مسيرة كفاحية يسطرها الأسرى، ولعل في سطورها عبرا تفيد القارئ.
وقالت نزهة الرملاوي:
“هكذا أصبح جاسوسا” عنوان لافت لقصص جريئة توثيقية ومؤثرة ، للكاتب الهودلي الذي رأى قلمه مطاردا مطاردة ساخنة على مدى أربع وعشرين عاما، وعند إلقاء القبض عليها ( كتاباته) أعيد سجنه لأربعة أعوام أخرى ص171.
تعتبر فكرة الرواية أو الهدف منها، رسالة لبث الوعي الثقافي الوطني، والوعي الأمني السّياسي أثناء التّحقيق مع الأسير أو عزله، أو وضعه في غرف مشبوهة (العصافير) ومعروفة بإسقاط أو اعتراف من الأسرى؛ لتحذيرهم
من هنا جاء إصرار الكاتب على سردها، وهي نموذج من نماذج أدب الأسرى أو أدب المعتقلات، التي كتبها الروائي في الأسر، وتمثّلت الصعوبة في كيفية إخراجها من المعتقل ونشرها، كما أشار الكاتب في خاتمة الرواية.
جاءت الرواية على شكل قصص حقيقية ملهمة، تناولها الأديب بأسلوب أدبيّ فنيّ لافت، وذلك من خلال تجربته في المعتقل السياسي، حيث رصد من خلال أسره، حكايات رويت من المعتقلين الذي يقبعون خلف زنازين القهر والتعسف ومحاولات إسقاطهم في وحل العمالة، ممّا أثار قريحة الكاتب لكتابتها، وإلقاء الضّوء على تلك الأساليب التي يستخدمها المحققون ضد الأسرى لإسقاطهم.
وأشار إلى ذلك قائلا:
“اتخذت قراري، سأجعل من هذه الحكايات خلف ستائر العتمة فرصة لكتاب جديد يخترق جدران سجونهم، ويكشف مكوّن دولتهم، ويُعرّي ألاعيبهم أمام القادمين إلى مرابض الأسود ومصانع الرجال”.ص12.
أشار الكاتب من خلال قصصه إلى وجود بعض الثّغرات أثناء التّحقيق، يمكّن المحقق من بناء آمال لإسقاط الأسرى الشّباب، وخاصة الأطفال منهم أثناء التحقيق. ص172. استخدم الكاتب أساليب متعددة لبناء قصصه التسع عشرة، كأسلوب الاسترجاع (فلاش باك) والحوار والسرد الذي جاء سلسا مقنعا، التعمق في تحليل نفسيّات الأسرى من خلال التّحدث مع النفس، واستخدامه أسلوب التذكر من خلال تصوير ما يدور من إجراءات تعسفية وتخريب لمحتويات الأسرى وسلبهم حرية الرأي والكتابة ص 21، إضافة إلى سيرة الكاتب وتجربته الاعتقالية، وإثارة الأسئلة كمداخل للفكرة حول الإسقاط، واستنكار ذاتي يكمن في رصد أفعال الأسرى “العصافير”، الذين يعيشون في نفس الغرفة، ص22 إضافة إلى تعريف القارئ بأن للعصافير غرفا تحاكي تماما الغرف الأمنية ص16.
اعتنى الكاتب بجمال وشفافية التّصوير، وانتقاء الجمل الوصفية بعناية، وذلك من خلال تصويره لحظة اعتقال المطلوب من بيته وما يترتب على ذلك من تأثر نفسي وخراب وتدمير للمنزل، إلى تصوير حال الأسير أثناء التحقيق، وما يمرّ به نفسيّا وجسديّا من تعذيب وضغط، حتى يجزّ به في الزنازين الجمعية والفردية، وايهام الأسير بنعيم ينتظره إذا تعاون معهم؛ ليُعلم القارئ بأساليب ووحشية السّجانين، وما يدور في أقبية المعتقل، إضافة إلى إعلام القارئ عن قوة الأسرى وتعليم الآخرين من خلال تجاربهم الاعتقالية، وخبرتهم في مواجهة أساليب الإسقاط على حين غفلة، أو لحظة غباء وعدم وعي منهم، حيث أشار الكاتب من خلال قصصه إلى وجود بعض الثّغرات أثناء التّحقيق، يمكّن المحقق من بناء آمال لإسقاط الأسرى الشّباب وخاصة الأطفال أثناء التحقيق، لنقص في وعيهم الأمني.
حفلت الرواية كأيّ رواية من أدب السجون بمفردات تستخدم في المعتقل مثل: البرش، العزل الانفرادي، الفورة، اعتقال إداري، التشبيح، العصافير وغيرها، وهذا يعمّق الفهم والوعي الثقافي لدى القارئ.
جاء الكتاب من خلال رصد الكاتب للتأزم النفسي وشدة الحذر من (المتعاونين، العصافير) ( كيف يضرب كبيرهم ويؤخذوا بكل هذا العنف، ويقمع بهذه الوحشية! ص20.
أيقبل أحد من البشر أن يكون جاسوسا؟
تمحورت القصص حول فكرة الإسقاط أو الجاسوسية، مشيرا إلى أحدها وهو ما يطلق عليه مصطلح (العصافير)، وهم الأشد تمكنا من أولئك الأسرى، بحيث لا يتميزون عن المعتقلين كسحبهم بالضّرب الى غرف التّحقيق، ومكوثهم في الزنازين لفترات طويلة؛ حتى تمرّ تلك الحيل والخدع الماكرة على الأسرى؛ لتطمئن قلوبهم، ويفضون للعملاء بما ارتكبوا من أعمال؛ ليؤكدوا بذلك ما وجّه إليهم من اتهامات سواء صحيحة أو ملفقة، لتسهيل بعض الأمور لهم، كالعلاج والسفر والتعلم وغير ذلك.
لقد مرّ الكاتب بتجربة الاعتقال عدة مرّات، وأفادنا من خلال قصته أن اعتقاله كان تعسفيا بسبب ثقافته وآرائه التي تشحذ الهمم، وأعلمنا أن المحققين يدركون جيدا دوره البارز في تثقيف المعتقلين القابعين في الأسر لأعوام طويلة، وأن اعتقاله يزيد من قوته الثقافية وتشبثه بآرائه، ممّا يجعل المعتقلين يلتفون حوله، وينهلون من ثقافته ويجتازون أعلى الشهادات، وإن دلّ ذلك، فإنما يدلّ على أملهم بالتّحرر وخروجهم من المعتقلات، وانخراطهم بالعمل، وانصهارهم بمجتمعهم متحدّين الأذى النفسي والجسدي الذي أصابهم، باقون على العهد والوفاء للوطن، كل الوطن دون تجزئة، ودون حلول عادلة، حتى ترجع البلاد وتعيد العباد إلى وطنهم المسلوب.
قصص الرواية واقعية ذات معاني قيّمة ومثرية، تتسم بالرّمزية والسخرية أحيانا، وقد أشار الكاتب إلى ذلك عندما استقبل بحماس من قبل الأسرى السّياسيين قائلا: اليساريون ينادي أحدهم على الآخر: يا رفيق، والشّيخ يجامل بكلمات ذات طابع ديني: رضي الله عنك، وجزاك الله خيرا، وبارك الله فيك يا ِأخي. وعندما يتلى بيان لحركة فتح يختم بثورة حتى النصر، وعندما يكون حماس مثلا يختم: وإنه لجهاد، نصر أو استشهاد.
واصفا شعوره بين فصائل الأسرى بشعور مريح (أخذت راحتي وحريّتي دون أي إكراه، أجواء طيبه تشعر فيها بالروح الوطنية) ص18.
لغة الرواية جاءت سلسة وبليغة، وأحداثها تتسم بالعمق والأسئلة التي تحرك المفاهيم والمبادئ التي تعتنقها الشخصيات، فتراها شخصيات مثقفة متعددة الأفكار والانتماءات، قوية ذات عزم وتحد وإصرار، ورغم قسوة السجن لم نلحظ ندمها، قصص تشدّ القارئ، تتسم بالوصف الجميل، في سردها وحوارها متعة وثقافة للقارئين.
قصص من أجمل أدبيات السّجون، قصص منتمية جميلة المبنى وعميقة المعنى.
الجديد في كتابات وليد الهودلي، أنها تحوّل إلى أفلام درامية، أو مسرحيات، حتى تصل بشكل أوسع للمتلقي، وذلك من خلال قنوات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى أنّها تحقق وعيا سياسيا وثقافيا جمعيا.
وكتب عفيف قاووق:
هي ليست رواية بما تعنيه الرواية من توفر لعناصر مألوفة، بل هي أقرب إلى مجموعة قصصية تضُم بين دفتيها حكايات مستقاة من داخل السجون وعلى لسان الأسرى ومعظمها تدور حول إنزلاق البعض منهم وعن سوء تقدير ونتيجة للثقة المفرطة بالآخر والإفصاح عن بعض المعلومات وطبيعة نشاطهم.
وقد كانت إشارة معبرة من الكاتب عندما صدّر كتابه هذا بمقولة للشيخ محمد الغزالي تقول :”ليس من الضروري أن تكون عميلا لتخدم عدوك، يكفي أن تكون غبيًا”.
يوضح لنا الكاتب المغزى من توثيقه لتلك الحكايات وأهمية أن يوثق الأسرى عذاباتهم في كتب ورسائل؛ لتبقى الشاهد والشهيد على ما لاقوه من ظلم وقهر فيقول:”هذا التحدي يشحذ قلمي، خلف كل أسيرقصة وحكاية تجربة وعبرة، وسأجعل من هذه الحكايات خلف ستائر العتمة فرصة لكتاب يخترق سجونهم، ويكشف مُكوِّن دولتهم، ويُعرّي ألاعيبهم أمام القادمين إلى مرابض الأسود ومصانع الرجال”.
يلاحظ إعتماد الكاتب في بعض الفقرات على ما يعرف بالتناص، وكانت النكهة القرآنية والدينية ظاهرة في بعض العبارت مثل:
- البرزخ الذي يفصل الحريّة عن السّجن.
- كنتُ كمن يغرق في جبّ يوسف ولكن دون أن يكون هناك سيّارة.
- وفي وصفه لتوحش المحتل يقول: ” لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا”
- وفي موضع آخر وأثناء التحقيق مع الأسير عزيز يقول المحقق أبو داوود ” نحن عندنا ثبت العيد أنت فقط تدير وجهك عن الهلال”.
- وأخيرا وفي الصفحة 34 يصف الأسير المحقق بالقول ” جاء كبيرهم الذي علمهم السحر”.
بالعودة إلى مضمون هذه المجموعة القصصية فهي كما تبدو تحمل في طياتها رسائل تحذيرية وتوعوية لكل الشباب الفلسطيني، حيث أن كل شاب منهم هو مشروع أسير حتى لا نقول مشروع شهيد، وبالتالي لا بدّ من التنبيه للألاعيب القذرة التي يعتمدها المحتل لأجل إنتزاع المعلومة والإعترافات. حيث لغرفة العصافير التي يشغلها البعض من المتساقطين، والتي إبتدعها العدو الدور الكبير في عملية الإيقاع ببعض الأسرى. من هنا يورد الكاتب نصيحته لهؤلاء الأسرى بالقول:” إياك أن تقع ضحية البطولة الكاذبة، سرّك لا يوجد ما يدعو لكشف ستره أمام أحد”.
نماذج عدّة ومتنوعة أوردها الكاتب تبرز ما يمكن أن يلجأ إليه المحتل للإيقاع بفريسته ومن هذه النماذج والأساليب:
- إختراق صفحات التواصل الإجتماعي عبر قيامه باستخدام أسماء وهميّة وصفحات مضللّة، كما حدث مع سناء في قصة “عصفور على الفيسبوك”، حيث إستطاع منتحل الصفة أن ينتزع منها كمية من المعلومات المهمة عن رفاقها في النشاط الطلابي. وتكرر هذا الأسلوب مع سالم نور الذي بتتبع صفحته على الفيس بوك، ونتيجة لخطأ من بعض أصدقائه إعتبر هذا الخطأ بمثابة غلطة الشاطرأدت إلى إكتشاف المجموعة بكاملها والإيقاع بها.
- 2- كما أن أجهزة التنصت المزروعة في الغرف وساحات الإعتقال ساهمت بشكل لافت في الإيقاع بالأسرى، وهم يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم معتبرين أنهم في منأى عن الآذان الصاغية للعدو.
- الوسيلة الأكثر إيلاما ومهانةً التي اعتمدها المحتل كانت في إبتزاز الأسرى والشباب الفلسطيني في حاجاتهم، حيث يتم إستغلال حاجة البعض للحصول على تصريح بالسفر لمتابعة العلاج أو الدراسة خارج البلاد فيجابه بالشعار الرائج “ساعدنا حتى نساعدك”.
تظهر الرواية أيضا بروز طبقة من الإنتهازين والمستفيدين، الذين رضخوا لمشيئة الإحتلال وقبلوا التعاون معه لقاء حصولهم على بعض المكتسبات والإمتيازات، تخولهم حرية التنقل والعمل داخل البلاد وخارجها، ويطلق عل هذه الطبقة لقب ال V I P.
يصف لنا الكاتب عملية نقل الأسير من لحظة إعتقاله لحين وصوله إلى السجن بالموكب الجنائزي، حيث الجنازة مصفحة بالحديد، صمّاء لا تعرف سوى لغة القهر ودقّ الألم في ضلوع الأسرى. كما يشير في أكثر من موضع إلى الإعتقال التعسفي الذي يمارس تحت مسمّى “الإعتقال الإداري” الذي يخول الإحتلال عدم فتح ملف الأسير قبل مرور خمسة سنوات على الإعتقال. كما يشير إلى التمييز العنصري الذي يعتنقه المحتل، فمثلا وفي قصة تحقيق في فيلا مع الأسير أبو محمد يجري الحديث عن العدالة الإنتقائية، التي يمارسها المحتل يقول أبو محمد: ” لم نسمع يومًا محاكمة لإسرائيلي قتل فلسطينيا وإذا تمت المحاكمة تكون أقصى العقوبة حرمانه من الإجازات لمدة أسابيع أو شهور على الأكثر.
لم يشأ الكاتب إنهاء مؤلفه هذا دون التطرق ولو لمامًا للوضع السياسي وعملية السلام المزعوم، يقول الأسير أبو محمد في حواره مع المحقق:” أتريد سلامًا يقوم على إعادة الحقوق لأصحابها أم سلامًا يكرس الإحتلال والظلم والطغيان؟” ويكمل بالقول:” هل أنتم مستعدون للإعتراف بحق اللاجئين وعودتهم إلى ديارهم، وأن تكون القدس عاصمة لفلسطين؟”.
كما كانت اوسلو بتداعياتها حاضرة في هذا الحوار بقول أبو محمد:” لقد تم التنازل حسب أوسلو عن ثلاثة أرباع فلسطين، وبقيتم تحاولون سلبنا الربع الذي تبقى لنا.
ختاما وبعد كل هذه الحكايات وكما بدأ الكاتب كتابه هذا بالتحذيرمن مغبة الركون لألاعيب العدو وخزعبلاته، ينهي كتابه بخلاصة مفادها أنّ منسوب الوعيّ والحذر الواجب إعتماده من قبل الشباب الفلسطيني لا يزال متوضعا، ولذلك يختم بالقول: “أن الإحتلال يصر على ذات الاساليب وكثير ممن وقع في شباكه يصر على ذات الأخطاء”.
إشأرة أخيرة حول تسمية الكتاب “وهكذا أصبح جاسوسا” قد يجده بعض القراء غير منسجم كثيرا مع محتوياته، ولو قدر لي اختيار العنوان البديل لإخترت على سبيل المثال “وكرالعصافير أو السنافر”.