القدس:30-4-2015 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية”رجال لا يعتذرون” الصادرة عام 2014 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس للأديبة الفلسطينيّة ابتسام أبو ميّالة،
أدار الندوة الكاتبة رفيقة عثمان أبو غوش التي قالت:
رجال لا يعتذرون، عنوان مثير للاهتمام والجدل، عنوان فيه حكم مُطلق، وتعميم على كافَّة الرجال؛ بأنَّهم لا يعتذرون. لا شكّ بأنَّ هنالك علاقة بين عنوان الكتاب، وبين تصميم الغلاف الذي يعرض صورة امرأة تنتظر الاعتذار، وتتساءل حول ثقافة الاعتذار للرجل؛ ما تجدر الإشارة إليه بأنَّ ابنتيْ الروائيَّة: آمنة، وأماني صمَّمتا صورة الغلاف للرواية؛ وقدّمت الروائيَّة الأمّ لهنَّ، ولأبنائها الإهداء في مقدِّمة الرواية.
لا أجد بأنه هنالك ضرورة للصور المرفقة بين كل فصل وفصل.
هل فعلا لا توجد ثقافة لدى الرجال صفة الاعتذار عند الضرورة؟ هل اعتذار الرجال يُقلِّل من كرامتهم؟ هل هذه الميزة تصف رجال الشرق فقط؟ هل اعتذارهم يرضي غرور النساء؟ ماذا قصدت الروائيَّة أن تقول؟ عنوان الرواية أوحى لي بتوجُّهات، وأفكار مسبقة نمطيَّة سلبيَّة للروائيَّة نحو الرجال.
اختارت الكاتبة عنوان القصَّة من مقولة قيلت على لسان امرأة عجوز قالتها للرجال اثناء الاجتياح في جنين. صفحة 278، 289 عندما قال الجندي لخليل، وشادي، “سوف تعتذران للدنيا لأنَّكما جئتما إليها”؛ أجابته المرأة العجوز: ” الرجال لا يعتذرون”؛ من هذه المقولة نفهم بأنَّ هذا العنوان يحمل للمعنى الإيجابي؛ لمديح الرِّجال الأقوياء، والأبطال الذين لا يليق بهم الاعتذار؛ كي يتَّصفوا بالرجولة، والكرامة، وعدم الخنوع.
إنَّ العنوان كان عنوانًا جذَابًا، غلا أنه كان مموِّهًا للقارئ إلى حدٍّ ما. كان من الضروري قراءة كل الرواية، كي يستنتج القارئ علاقة العنوان بالرواية.
اللَّغة في الرواية: ورد في الرواية أخطاء لغويَّة، وقواعد النحو، وأخطاء مطبعيَّة كثيرة؛ كان من المفضَّل على الروائيَّة ابتسام أبورميلة، ألا تتسرع بالنشر، وأن تقدِّم روايتها لمدقِّقي اللغة العربيَّة؛ فهي لا تستحق النشر وفقًا لهذه الأخطاء؛ وأوجِّه نقدي القاسي لدار الجندي للنشر، التي لا تهتم بالتدقيق اللغوي قبل النشر.
نسجت الراوية روايتها في تصوير درامي شيّق، لاجتياح مخيم جنين، في قالب روائي جميل، يجذب القارئ لمتابعته، إلا أن الأخطاء اللغوية التي ذُكرت سابقًا، خفَّفت من قوَّة، واكتمال الرواية.
المكان: عمدت الكاتبة بالتركيز على المكان المحوري، لمديني: نابلس، وجنين الفلسطينيّتين؛ ونجحت في وصف دقيق لبعض المعالم الهامَّة في مدينة نابلس، ووصف بعض الأماكن في جنين، والتي دار الاجتياح فيها.
الزمان: زمن أحداث الرواية، زمن اجتياح جنين في أبريل، 2002.
العاطفة: طغت على الرواية صبغة الحزن، والألم الذي غطَّى احداث الرواية من البداية حتَّى النهاية؛ حزن الطفولة المحرومة من الحنان، وحزن المرأة المظلومة، والمعنَّفة، حزن الفقدان للبيت، والأرض، حزن فقدان الإنسان.
عاطفة نحو حب الوطن، وعاطفة العلاقة بين الأزواج، والعاطفة بين الأصدقاء، العاطفة نحو الحبيب. قلّت عاطفة الفرح في الرواية.
صوَّرت الروائيَّة ابتسام أبو ميَّالة مرحلة من مراحل الصراع الفلسطيني، بطريقة دراميَّة، ومشوِّقة؛ مما تعتبر مصدرًا للتأريخ والأرشفة الفلسطينيّة.
ننتظر من الروائيَّة ابتسام أبوميّالة ، كتابة روايات أخرى، قريبًا.
وقال محمد عمر يوسف قراعين:
قد تكون الكاتبة بالغت بجعل القارئ يصطدم في عملها الأدبي برجل يلطم زوجته على وجهها، وبآخر يركلها في بطنها، ونساء يقبلن ذلك بخضوع، أو يتمردن على ذلك، فيأخذ فكرة أن ضرب الزوج لشريكته هو السائد في المجتمع لأن العصا من الجنة، في حين أن الرواية تبرز أوجها أخرى أقل كتامة نجدها في متابعة النص.
صحيح أن ضرب الزوجات كان العنصر الرئيسي في الرواية، إلا أن الكاتبة لم تأخذ الطلاق كحل أمثل لمشاكل الزوجين، ففي القضية الأولى لم تتحمل هدى مغامرات مراد المزواج وظنونه، فطلبت الطلاق بعد أن لطمها على وجهها، تاركة ابنتها الصغيرة تعيش مع زوجة أب عشرينية، تزوجت الأب الستيني طمعا بماله، واستغلت شغفه بها لتقسو على ابنته التي خفف عنها وجود مربيتها أم العبد و ظهور وليد ابن المخيم ، الذي كان يأتي ليلتقط العصافير من جذع الشجرة في حديقة بيتهم، و يذهب معها في نزهاتهما البريئة إلى جبل عيبال.
أما ابنة العم ميسون، التي لم تقبل أن يضربها زوجها، فطلبت الطلاق على الرغم من موقف والديها، ولم تخش أن تصبح ناشزا، وافتتحت حضانة في إحدى غرف البيت، الذي رممته البلدية بعد اجتياح المخيم، وبذلك أمنت نفسها وحصلت على مورد رزق لها ولطفليها، وهذا نجاح تغبط عليه حيث أثبتت أن المطلقة تستطيع أن تعيش بدون زوج مثل أبي سالم، زوج الخالة شادية، ذلك المتعلم الذي يعمل محاسبا في إحدى الشركات، ومع ذلك كان يتلذذ بإغاظة زوجته، وسبب ركله لها فتقا في بطنها أدى إلى عملية جراحية، وهي تتقبل ذلك وتسكت حتى لا تشمت بنت حماتها، بالرغم من أن ابنتها وفاء المتزوجة كانت تعترض كيف أن أمها المعلمة لا تطلب الطلاق، خاصة بعد فقدان ابنها سالم وابنتها وصال لدى اجتياح المخيم.
في الرواية يوجد شبيهات لشادية، مثل المعلمة التي تزوجت سائق تكسي ترك العمل بعد زواجه معتمدا عليها، وأخذ يضربها وهي لا تطلب الطلاق حتى تتجنب كلام الناس ولا تخسر البيت والأثاث. أما شريكة الخالة شادية في غرفتها في مستشفى المطلع، فتجد العذر لزوجها الذي تزوج الثانية، لأنه أراد تقليد الرجال الآخرين الذين معظمهم فعلوا ذلك، فجعلته يحضر زوجته الجديدة لتعيش معهم لتكون تحت عينها. وهنا يصدق المثل المصري، ” لولا الجبناء فرعون كان يطلع لنا منين”.
هذه عينة من النساء التي تعرضها المؤلفة في روايتها، ربما تشفيا بهن لخضوعهن لثقافة المجتمع السائدة على الجنسين: رجال يستغلون ذكوريتهم، ونساء تؤمن بقوامة الرجال عليهن، (فالواحدة تعتقد أن هذه كِتبتها)، مع التأكيد على أن الجيل الجديد مثل سمر ووفاء وميسون يرفض هذا الاستغلال ويتمرد عليه، ويقابل ذلك رجال آخرون مثل هشام الممرض في المستشفى والمناضل السابق، الذي يساهم بمساعدة زوجته في أعمال البيت، ويقول لسمر إن النساء يتحملن كل الفوضى التي نحدثها في حياتهن، ويعملن على تنظيم وترتيب حياتنا والتنظيف والحمل والولادة، فيجب أن نشعر معهن. أما صديقه فحتى لا يُحرج زوجته، يأتي على الحساء الذي رشت عليه بالخطأ ملوخية مفرومة بدلا من البقدونس، ويشكرها على الحساء اللذيذ، لولا أنها أكثرت عليه من البقدونس.
والحقيقة أن الطلاق لم يكن الوصفة السحرية الناجعة في روايتنا، ففي القضية الأولى لم تهتم هدى بمصير ابنتها الطفلة سمر، على خلاف ميسون، التي كافحت لحماية طفليها بعد الطلاق، أما شادية والمعلمة زوجة سائق التاكسي وزميلة شادية في المستشفى، فقد أبدين أعذارهن لعدم طلب الطلاق وتحمل ضرب الزوج أو تزوجه للثانية، فهذه ظروف المجتمع وتعقيداته التي تنعكس على النساء، ولكل عذرها.
تُلبس الكاتبة أحداث الرواية ثوبا يغلب عليه اللون الوطني التراجيدي، يؤرخ بإسهاب للمقاومة التي برزت عند اجتياح مخيم جنين عام 2004 ، وبطولة المقاومين وقساوة الاحتلال في القتل والتدمير، كما لا يخلو الثوب من ومضات فيها معلومات عن قرى فلسطين الداخل، ومستشفى أوغستا فكتوريا أو المطلع لأن المنطقة التي بني عليها عالية اسمها أم الطلعات، ولا تنسى التهكم من الأبواب الأوتوماتيكية الدوارة في محسوم قلنديا، التي يصفها الناس بالمعاطة، لأنها تشبه ماكينة تنظيف الدجاج من الريش، وتردد بعض المفردات العبرية مثل ” صاع- سِر، وشحور- أسمر”، وتضمن النص أغان شعبية. لكنهالا تجبر بخاطر سمر التي كانت تتشوق للقائها يوما بوليد، الذي كان يُدخل عليها البهجة صغيرا، ولكنه يدخل الكآبة عليها عندما تلقاه أخيرا في المستشفى، وقد تلف جزء من دماغه بسبب تعذيب الجنود له عندما كان يتمرد عليهم، وهم يتخذونه درعا بشريا؛ مقابل ذلك يظهر مصطفى زميلها في المكتبة في الوقت المناسب. وأخيرا تدرك الخالة شادية أن زوجها أبا سالم يجب أن يعتذر لها قبل أن تعود إليه، مع أن جدة سمر سبق أن قالت للجنود أثناء اجتياح المخيم: ” الرجال لا يعتذرون”، ردا على قول الجندي مهددا لخليل وشادي: ستعتذرون للدنيا لأنكم جئتم إليها. وهكذا كان عنوان الرواية.
الرواية شيقة ومحبوكة وفيها تنويع، وكقارئ أزعم أن الكاتبة راوية أو قاصة جيدة، لها قطع أدبية فيها جمل رصينة، إلا أن الأخطاء النحوية تظهر في كل جزء من النص، حيث لا تراعي المفعول به ولا المضاف إليه، أو المسبوق بحرف الجر، والألف المقصورة تخلط بينها وبين الممدودة، فلا تعرف أن حرف التصديق بَلى بألف مقصورة بل تكررها بالممدودة، والهمزة المتطرفة بعد الألف تتبعها بألف أخرى، فلا تفرق بين كتابة ” جزْءًا وجزاءً”، مما يفقد الرواية جمالها. ربما أنها سجلت النص على شريط نسخه شخص ما لتكون هذه الأخطاء على ذمته.
وكتب جميل السّلحوت:
القارئ لهذه الرواية سيجد نفسه أمام رواية تزخر بعشرات الحكايات والأحداث المؤلمة. فالرواية طرقت أكثر من موضوع، وإن كان تركيزها على ما تتعرض له النساء من اضطهاد في مجتمعنا الذّكوريّ، واللافت أنّ الكاتبة قد مزجت في خلطة عجيبة بعضا من مآسي نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948، ومعاناة اللاجئين الفلسطينيّين، وجرائم الاحتلال التي ارتكبها في مخيّم جنين أثناء اجتياحه للمخيم في نيسان 2002، وامتهان كرامة الانسان الفلسطيني على الحواجز العسكريّة، وإغلاقه لمدينة القدس أمام أبناء الشعب الفلسطيني، مزجتها بما تتعرّض له الأنثى بمراحل عمرها المختلفة على يد ذويها، وكأنّي بها ترى أنّ هناك وجه شبه بين ممارسات الاحتلال، وبين ممارسات الذّكور الذين يحتلون عالم الإناث، أو أنّها ترى أنّه لا يمكن الخلاص من الاحتلال ما دامت المرأة الفلسطينيّة مضطهدة. وقد احتوت الرّواية على قصص وحكايات لنساء عانين من الاضطهاد، فهناك أزواج يضربون زوجاتهم ضربا يلحق بهنّ أذى جسديّا كبيرا، فأبو سالم تسبب بفتق في بطن زوجته، ولم يحاول الاطمئنان عليها في المستشفى بعد اجراء عملية جراحية لها للخلاص من ذلك الفتق، وهناك رجال زوّجوا بناتهم الصّبايا لمسنّين أثرياء طمعا في المال، وهناك من وشوا بنساء الأقربين ليطلقوهنّ طمعا بميراث الزّوج، كما حصل مع والدة سمر، حيث وشى بها سلفها وزوجته واتهموها بأخلاقها زورا وكذبا، وتسبّبوا بطلاقها، وهناك من تزوّجوا بامرأة ثانية دون داع لذلك، ولم يعدلوا بين زوجاتهم، وهناك من ظلموا أمّهاتهم ولم يحتملوهن في شيخوختهن، وأرادوا الخلاص منهن في بيوت العجزة طمعا في البيت الذي بنينه وأوصين بهنّ للابن الذّكر دون الاناث، وهناك من لقيت اضطهادا مضاعفا لوفاة الوالد وعدم وجود أخ ذكر يوفّر لها الحماية كما حصل مع سمر. وهناك من أرغمن على الزواج المبكر قبل أن ينهين تعليمهنّ الالزاميّ، وهناك من النّساء من يعملن ويوفّرن الحياة الكريمة لأزواجهنّ ولأبنائهن، ويقمن بالعمل المنزليّ، ومع ذلك فإنهن يتعرضن للضرب والتعنيف بأشكاله على أيدي أزواجهنّ، وهناك إناث تعرّضن للتعنيف والاضطهاد على يدي زوجة الأب كما حصل مع سمر –بطلة الرواية الرئيسة- بعد طلاق والدتها ظلما. وهناك من تتعرض للاضطهاد على يدي حماتها دون سبب. ولكلّ من هذه النّسوة قصّتها وحكايتها المقنعة كما وردت في الرّواية.
وبما أنّ الأطفال والنّساء هم الحلقة الأضعف، فإنّ بعض الأطفال يتعرضون للعنف أيضا حتى من أقرب الرّجال إليهم كالأب مثلا. ويلاحظ أنّ الكاتبة قد انتبهت الى قضيّة قبول الاناث قبول الخضوع للذّكور، بل أنّهن يربّين أبناءهنّ تربية ذكوريّة.
لقد طرحت الأديبة ابتسام أبو ميّالة في عملها الرّوائيّ هذا قضايا المرأة باقتدار، ووضعت القارئ كي ينفر من الواقع المفروض على المرأة دون أن تطلب ذلك منه مباشرة، وهذا هو الابداع.
والرّجال من عنوان الرواية لا يعتذرون عن أخطائهم مهما كانت كبيرة وظاهرة، والرّجل الوحيد الذي اعتذر في الرواية هو ذلك “المخنّث” الذي اصطدم بطريقة عفويّة أمام مدخل مستشفى” أوغستا فكتوريا”-أم الطّلع- بأمّ سالم، فعقبّت سمر على اعتذاره لخالتها أمّ سالم بعد أن سمعت صوته الأنثويّ النّاعم: “هؤلاء المتشبهين بالفتيات، إنّهم أخواتنا هل فهمتِ قصدي؟” ص292. أي أنّه ينتمي لعالم النساء وليس محسوبا على الرّجال.
البناء الرّوائي: يلاحظ أن الكاتبة لديها القدرة الكافية على السّرد الروائيّ، فقد استطاعت أن تحبك روايتها متعددة الحكايات والأحداث بطريقة لافتة، ويطغى عليها عنصر التشويق، وأمسكت بخيوط الرّواية وتركت شخوصها يتحركون بشكل لافت أيضا. ويؤخذ عليها الاكثار من الجمل التفسيريّة التي لا ضرورة لها.
اللغة: واضح أن الكاتبة تمتلك ثروة لغويّة جميلة، تماما كامتلاكها لموهبة السّرد الروائيّ، لكنّه يؤخذ عليها كثرة الأخطاء النّحوّيّة والمطبعيّة وحتى الاملائيّة، وهذه الأخطاء بالمئات، وحبّذا لو أنّها عرضتها على مدقق لغويّ قبل طباعتها.