صدرت رولية اليتيمة، للكاتب المقدسي جميل السلحوت عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة هذا العام 2021 وتحتوي على 265 صفحة من القطع المتوسّط.
شدّتني في قراءتي للرواية، صورة النساء المنعكسة فيها، ودلالاتها في الحياة الاجتماعيّة الفلسطينيّة، في حقب زمنيّة مختلفة؛ لذا اخترت الكتابة عن النساء في الرّواية كما وصفها الكاتب فمن عنوان الرّواية “اليتيمة” نستدل على فحواها، والنصوص سوف تتمحور حول فتاة يتيمة. سيطرت الأحداث في السّرد حول بطلة الرّواية، والتي اختارها الكاتب بطلةً لروايته، وعرض سيرتها الذّاتيّة منذ طفولتها ولغاية زواجها من الشّاب مهيب، دون أن تعرف شخصيّته الحقيقيّة، والتي تبيّن بأنّها شخصيّة مريضة نفسيّا.
من خلال هذه السيرة للبطلة عبير، تبدو هذه الشّخصيّة الأنثويّة، بأنّها عانت الحرمان من الأب في جيل مبكّر، وحُرمت من التعليم العالي، على الرّغم من نجاحها في الثّانويّة العامّة، وتنازلها عن منحتها وحقّها في التعليم، لتزويج أخيها عزيز بالمنحة الماليّة التي حصلت عليها.
هنا تبرز ثقافة التّنازل وإعطاء حق الأولويّة للأبناء الذّكور، تشجيعا من الأمّ. شخصيّة عبير البطلة، تهاونت في اختيار شريك عمرها أيضا، ورضخت للعادات والتقاليد التي تسود بيئتها، وقبلت بالنصيب المكتوب، وخُطبت للشاب مهيب الوسيم وجميل الطلّة، فسحرها شكله من الصّورة؛ لأنّه يعمل خارج البلاد. لم تكن فرصة لمعرفة العريس عن قرب، فتمّ الزواج بسرعة؛ بدعم زوجة أخيها التي ساهمت في زجّها بهذا الزّواج.
بالإمكان هنا الإشارة الى ظاهرة الفتيات اللّواتي يقعن خديعة زواج الشّبّان الّذين يعيشون خارج الوطن، ويكتشفن الأهوال جرّاء هذا الزّواج، والأسرار المختبئة؛ ويكتشفن مؤخّرا بأنّه “ليس كل ما يلمع ذهبا” ممّا يؤدّي إلى فشل الزواج، وعودتهن للوطن بأسرع وقت. هذه الظّاهرة سادت في مجتمعنا الفلسطيني، في فترة ما وما زالت؛ لأنّ الفتيات تغرّهن الغربة، وانبهارهن بقشور الحضارالغربيّة قبل معرفة وتوافق شريك الحياة معهن.
لو تأمّلنا حياة عبير، عندما وصلت الكويت، تفاجأت بتصرّفات زوجها الغريبة وتعامله السيّء معها، والتي توحي بوجود مشاكل نفسيّة صعبة لدى عريسها مهيب؛ منها الاعتداءات والضرب، وتجاهلها، وفرض سلطته عليها… هنا برزت شدّة العاطفة الحزينة التي أبرزها الكاتب، وصف بها حالة عبير النفسيّة والشّخصيّة بالتفصيل المُمل في حياتهما الخاصّة جدّا؛ مثل: حالات الوحام أثناء الحمل بالأشهر الأولى لعبير، والإنطواء لهذا الزّوج غير السّوي وشعوره بالنقص؛ ممّا أدخلتها في حالة اكتئاب وحزن شديدين، ومحاولات عبير البائسة في تحويل حياتها للأفضل، ومساعدة زوجها مهيب في معالجته والتستّر عليه باءت بالفشل.
انقطاع عبير عن أهلها، ووجودها وحيدة بالغربة، ساهم في إضافة حزنها وكآبتها؛ لم تذق عبير طعم حلاوة الحياة، حتّى عندما زارت بيت معارف عائلتها في الكويت، واحتضنتها العائلة بحفاوة، وغمرتها الزوجة بالحب والحنان؛ إلا أّنّ وضع زوجها ازداد سوءا، ولم يحمد نعمة الله عليه في هذه المعرفة، والتي منحته سكنا مجانيّا، والابتعاد عن صديقه الذي يسكن معه بنفس مسكن الزّوجيّة. هذه الصّورة محزنة جدّا وغير قابلة للتصديق.
عندما عادت عبير للوطن بمساعدة والد زوجها، لأنها حامل، لم تنجح بإخبار أمّها وإقناعها بحالة مهيب زوجها، بل طلبت منها عدم البوح بهذا الكلام، والتستر على حالته بقولها فيما معناه: “البيوت أسرار، والمرأة لازم تحافظ على أسرار زوجها”. عاشت عبير حالة من الكبت والظّلم الاجتماعي، بعدم التفكير بالإنفصال عن الزوج غير السّوي؛ مراعاة لعادات المجتمع وتقاليده.
لم يتوقّف الظّلم عند هذا الحد في حياة البطلة عبير؛ إلا أنه تم الاعتداء عليها وضربها، بعد أن عاد الزّوج من الغربة؛ ممّا تسبّب في الطّلاق بينهما. هذه الصّورة القاتمة تعد من أقسى حالات الظّلم للمرأة.
زواج عبير هو زواج فاشل نتج عنه حياة بائسة لامرأة خانتها الظّروف والمجتمع؛ أي حياة ينتظر الطفل القادم لأمّ مقهورة، ومجتمع لا يرحم يا ترى هل ستظل عبير وأمثالها يعشن حياة اليتم مدى حياتهن، طالما لم يحصل تغيير جذري في أسلوب وعادات المجتمع التقليدي. أتساءل كم امرأة في مجتمعنا تشبه حياتها حياة عبير؟
عاشت البطلة عبير حياة يتم وقهر وظلم اجتماعي، وقسوة، وكبت، وغربة ووحدة، واعتداءات جسديّة ونفسيّة، فلم تشهد بطلتنا ضوءا ينير لها الطّريق في آخر النفق، سوى معاملة المرأة الكويتيّة التي استضافت عيير وزوجها في بيتها، هي المرأة الوحيدة في الرواية والتي أعطت الصورة الجميلة المشرقة عن المرأة العربيّة والشّرقيّة.
المرأة الثالثة هي أمّ عبير، وهي أرملة بعد رحيل زوجها وإبنيها في حادث سير، عاشت في كنف حميها مع ابنتها عبير وابنها المدلّل عزيز؛ ظهرت شخصيّتها متسلّطة، تعامل الذكر بأفضليّة عن الأنثى، ولم تساند ابنتها عبير في اختيار زوجها، كذلك بعد عودتها من الغربة، لم تشجّعها على الطّلاق. هذه الصورة القاسية والنمطيّة في مجتمعنا الشّرقي.
المرأة الرّابعة وهي وداد زوجة عزيز أخ عبير، وهي التي ساهمت في إيقاع وخداع عبير وتزويجها من ابن خالتها مهيب، على الرّغم من معرفتها بحالته النفسيّة ومرضه.
هذه الصّورة للمرأة، أكّدت بأنّ “المرأة هي عدوّ المرأة” كما يدّعي البعض.
المرأة الخامسة وهي أمّ مهيب حماة عبير، والتي خبّأت مواصفات ابنها؛ كي تتسرّع في تزويجه للفتاة عبير الجميلة والناجحة؛ دون أن تدرك عبير هذه الأسرار؛ لتوافق على الشّاب مهيب الوسيم أن يكون زوجا لها.
وصف الكاتب حياة النساء في الرّواية، بصورة دونيّة للمرأة الفلسطينيّة بشكل خاص، بل بعيدة عن المساواة مقارنةً مع الذّكور في مجتمع تحكمه السلطة الذّكوريّة، في مجتمع تقليدي نمطي. تلك الصورة القاتمة حول المرأة تعكس حياة المجتمع العربي غير المُتقبّل لحقوقها ومساواتها مع الجنس الآخر.
طغت العاطفة الحزينة على الرّواية، والندم والكآبة، من خلال وصف النساء في مختلف مواقعهن في الرّواية.
تعتبر رواية اليتيمة رواية واقعيّة؛ لشريحة معيّنة في مجتمع قروي، تعكس حياة نساء أخريات يعشن نفس الظّروف والمعاناة في المجتمع الشّرقي. ربّما تكون مؤشّرا ملحّا، لإيقاظ الصّحوة في المجتمع نحو المساهمة في دعم المرأة ومساندتها نحو المساواة، والحرّيّة وتحمّل مسؤوليّة الاختيارت بما يخص حياتها الخاصّة.
28-7-2021