رشا سيف الدِّين السَّرميطي
يعتبر أدب الرِّحلات نوع من أنواع الأدب الذي يصوِّر فيه الكاتب ما جرى له من أحداث ومواقف ممَّا صادفه أثناء رحلة قام بها لأحد البلدان. ولا نغفل عن أهميَّة كتب الرِّحلات التي تعدُّ من أهمِّ المصادر الجغرافيَّة والتّاريخيَّة والاجتماعيَّة، لأنّ الكاتب يستقي محتوى تلك الكتب من المشاهدة الحيّة، والتَّصوير المباشر، مما يجعل قراءتها غنيَّة، ممتعة ومسليَّة. الكاتب جميل السلحوت يطرق هذا الباب في رحلة إلى أمريكا، فيبدأ بسرد تفاصيل تلك الرّحلة التي ذهب بها وزوجته قاصدًا بيت ابنه قيس وزوجته اللذين ينتظران مولودتهما – لينا. وهناك تبدأ السّرديَّة ليحكي لنا عن ذلك المكان يصفه جغرافيّا، واجتماعيّا، يتطرق للمظاهر المجتمعيّة والظواهر الاجتماعيّة، كأنَّه يشارك القارئ برحلته على متن سطر وكتاب.
المعلومات التي قدَّمها الكاتب جميل السلحوت كانت غنيّة، وفيرة، تدعو للتّأمل، والمقارنة الحيَّة مابين الحياة في المجتمع الأمريكيّ ومجتمعاتنا العربيّة ربما.. بدأ ذلك من خلال وصفه للمشفى التي ولدت به لينا، والرّعاية الصحيَّة التي تلقتها الأمّ الوالدة والبنت المولودة، ثمَّ الانتقال لبعض الجوانب التّربويّة التي لها الأثر، وتساهم في التَّنشئة خاصّة عندما تحدث عن رعاية أبويها وسماع الموسيقى منذ كانت جنينًا في رحم أمّها، واستمراريّتهما في قراءة القصص لها، ولا يغيب عن بال متابع البحوث الحديثة في وقتنا التي تدعو للاهتمام بالطفل في هذه المرحلة العمريّة المبكّرة التي تشكّل شخصيته المستقبليّة، كما تطرّق إلى مكتبة لينا التي جهزّت لها منذ أوّل يوم ولدت به، ودعا لأهميَّة تذويت قيمة المطالعة عند الأبناء منذ مراحل مبكّرة جدا وما همسته تلك إلا لأولياء الأمور: أن اعتنوا بالطفولة وحافظوا على أطفالكم منذ الولادة.
تطرّق لموضوع التعليم، طبيعة المدارس، النّظام التّعليميّ السّائد، وما كان غرض الكاتب سوى نقرة على الأبواب الصَّامتة، ليقول همسته لذوي الاختصاص بالقطاع التّعليميّ، لنطلِّع، لنبحث، ونتعلّم، لنبادر بالتّغيير للارتقاء بتعليمنا الفلسطينيّ، من ذاك الباب دخل أبوابا عديدة للمبادئ والأخلاق والانتماء، سواء كان بالنّظافة والمحافظة على الممتلكات العامّة والحدائق والشّوارع، لم يكن السلحوت ممجدا لالنِّظام الأمريكي، وموقفه منه واضح جدا، لكنّه رغب من مقارنته بتوسيع دائرة اطّلاع القارئ ليغنى بهذه الصّور المجتمعيّة التي توفّر للفرد الحياة بكرامة.
كانت للكاتب إضاءة على موضوع الهجرة، التي تخلق من الانسان الكادح والمكافح ملكا يسكن قصرا، ولم يهمل النَّقيض من ذاك الانسان الذي جرفته الغربة لدروب الرّذيلة والإدمان لينتهي به الأمر متسوّلا في شوارع أمريكا، فقير يجثوا على أبواب المساجد. وهنا همسته باعتقادي كانت موجهة للفئة الشَّابة التي تتلَّهف على مغادرة الأوطان، ويأخذها الحلم الأمريكي، وقد قدَّم تجربة ولده قيس كتجربة ناجحة سردها على لسان أب فخور بابنه وبتربيته، وقد تطرّق لاخوته ونجاحاتهم أيضا في تلك البلاد.
صوَّر لنا تجارب عديدة من شيكاغو، هيوستن، لاس فيجاس وكذلك شلالات نيجارا، وكيفيَّة استثمار هذه الأماكن لتصبح مراكز جذب سياحيّ، جعل من ذوي الأملاك فيها من الرّأسماليين الأقوياء، وكأنَّ همسته هنا كانت لرجال الأعمال في القدس، أن تحرّكوا واستثمروا ما يجعل وجودنا وصمودنا أقوى بعيد الإستغلال الذي تشهده المدينة من ارتفاع في العقارات والحياة عموما.
امتَّدت همسات الكاتب جميل السلحوت ليتطرق بها لأحداث تاريخيّة، واجتماعيّة، سياسيّة بعض الأحيان، وإنسانيَّة في حين آخر، واختتم تلك السرديَّة بسيادة القانون عندما حدّثنا عن ولاية أنديانا التي تمنع فتح ” كازينوهات” القمار على أراضيها وهي دولة غير اسلاميّة، بينما تسجّل همسته الأخيرة لجميع قبور الفساد التي تنبش بأفضل شخصيّاتنا هنا لينتهي بهم الأمر في ملهى، كازينو، وبؤرة فاسدة تطيح بنا لأشدّ الأزمات الخانقة.
اللغة كانت بسيطة، سهلة، واضحة، رغم أنّني كنت أفضل لو صبغها الكاتب بألوانه الذَّاتية لغويّا وبلاغيّا، لتغدو تأمّلات الكاتب في المعلومات والمادّة أعمق وأشدّ تفاعلا، ويتخطى كون المادّة تقريريّة متواترة.
الأسلوب سلس لا يتصعّب القارئ الابحار في هذه الرّحلة والتّعرف على جوانب مكنوناتها الجغرافيّة، الإنسانيّة، والاجتماعيّة التّفاعلية النّاشئة من تلك العلاقات والرّوابط التي أثرت بالكاتب فرغب بتذويتها ودوّنها في كتاب.
أخيرًا بالنِّسبة للعنوان:” أبناء العمّ سام” من المتعارف عليه بأنَّ العمّ سام لقب ورمز شعبيّ يطلق على الولايات المتّحدة الأمريكيَّة، يعود اسم العمّ سام إلى القرن التاسع عشر إلى حرب سنة 1812 تحديدا. الاسم مأخوذ من اسم جزّار محليّ أميركيّ يدعى صموئيل ويلسون. كان هذا الجزّار يزوّد القوّات الأميركية المتواجدة بقاعدة عسكريّة بمدينة تروي الواقعة في ولاية نيويورك، بلحم البقر، وكان يطبع براميل هذا اللحم بحرفي (U.S) أي الولايات المتّحدة إشارة إلى أنّها ملك الدّولة. فأطلقوا لقب العمّ سام على التّاجر. فحرف U للرّمز إلى Uncle أي العمّ وS إلى Sam أي سام.
10-8-2016