القدس: 25-12-2014 استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس الكاتب الفلسطيني عزّ الدّين السّعد حيث ناقشت ديوانيه الجديدين”مفتاح يصرّ” و”أشواق حزينة” الصادرين في الأسابيع القليلة الماضية عن جمعية الرّازي للثقافة والمجتمع في القدس.
مما يذكر أنه سبق وصدر للشاعر السعد ديوان”اعتذارات بأثر رجعي” عام 2005.
بدأ النقاش مدير الندوة ابراهيم جوهر الذي كتب مقدمة للديوانين.
وبعده قالت نزهة أبو غوش:
أشواق حزينة
أشواق حزينة، ديوان للشاعر الفلسطيني، عزّالدّين السّعد، اصدار جمعيّة الرازي للثّقافة والمجتمع في القدس، في 88 صفحة.
بعد قراءتي قصائد الدّيوان ” أشواق حزينة” – 25 قصيدة- رأيت أن أخوض في موضوع العاطفة الّتي عكسها الشّاعر على قصائده كافّة. الدّيوان من شعر التّفعيلة.
العاطفة في قصائد الشّاعر عزّ الدّين السّعد، كانت هي الطّاغية، حيث استخدمها بشكل أدبيّ متّزن في معظم قصائده، كما أنّها اتّسمت بالمباشرة، وبالإِيحاء أحيانًا.
من خلال القصيدة يمكن للقارىء أن يشعر بأنّ الشّاعر لم يبذل جهدًا ، من أجل ابراز العاطفة، بل جاءَت بشكل طبيعيّ نتيجة حالته الذّهنيّة المتأثّرة بما حوله من أحداث، وظروف مختلفة . علينا أن نفرّق بين عاطفة الشّاعر وبين مشاعره، حيث أنّ العاطفة هي من تولّد المشاعر والانفعالات.
عاطفة الحنين إِلى الماضي بدت واضحة في قصائد الشّاعر، فهو الماضي الجميل، البريء مملوء بالأحلام بعكس ما يراه في حاضره: ” آه لو تعود فينا إِلى الورى أيّامنا صغارًا هكذا نبحث نضحك نلعب نلتقي حول فطورنا وسهراتنا طويلة ليس أجمل” أحباب بلا عنوان ص12.
ألم البعاد عن الأهل والأحبّاب، هي مشاعر تولّدت في ذاته” آه ثقيل ظلّه البعاد/ وفي البعاد أنين… وشهيق/ وبكاء يعصر القلب” ص13.
أمّا الغربة فقد أثّرت كثيرًا في عاطفة الشّاعر وخذلته” ” امتهنّا الغربة علّنا نجد في أغرابها اخوانا/ وقَصَدنا في ترحالنا أبوابًا تغلّقت/ ظننا خلفها خلّانا” ص15. هناك أيضًا قصيدة بعنوان تخوننا الغربة” تحمل ما بين سطورها ألم الغربة، كذلك قصيدة بعنوان” تعيّرنا بالغربة…غربتي” هي الغربة عن الوطن فيها معاناة وجرح وألم وحسرة ، وقهر” فالحقّ نور ساطع/ والعودة حقّ ينهي الغربة السّوداء/ وتنهي الدّمار” ص28.
رغم الحزن والألم نجد أنّ قلب الشّاعر عزّ الدّين قد اتّسع بالحنان والحب والسّعادة” وتسعد بسمة كالطّفل/ مسحة الحنان ينتظر/ لا ضير ان قلت للعالم هذي ابنتي” “لأجل نور عينيك ص32”
عاطفة الفخر والاعتزاز بالمرأة الأُم، المرأة المضحيّة ، المرأة المعجزة أمّ المعجزات، هي الأُخت هي الحبيبة، هي المربّية، هي الزّوجة… هي المتمرّدة، هي الأصل. لقد تمادى الشّاعر في عاطفته نحو المرأة، حتّى أنه يرى بأن الله سبحانه وتعالى يمجّدُ روحها ؛ كي يتداوى بها المحتاجون للحنان والحبّ والحياة. علينا أن لا ننسى بأنّ المرأة في الأدب تمثّل الوطن. ” تتمرّدين على الوأد/ والأجداث/ تعيدين تشكيل الزّمان الصّعب” “قصيدة امرأة ص41”
حمل الشاعر همومه وأحزانه، وشعوره بالغدر والقهر في غربتة، فصار حزنه أيضًا غريبًا. وأشواقه مدفونةً. “أحزاني غربة آهاتي…أشواق نزّت بالسّر أحزاني” ( أشواق حزينة ص17) الشّوق المهاجر المتعب، الشّوق الحزين، الشّوق للأب والأُم، والعم كلماتها تستدرّ عطف القارىء.” كم أشتاق لأُناديك/ كم أشتاق لك/ وافتقدك بكلّ أنفاسي/ أتحسّس يديك../ وأبكي…عليك”. ” هو الشّوق يا أبي..ص 68″) الحبّ الكبير، رفض الكره؛ كلّها عواطف ملأت قلب الشّاعر “أُحبّكم من طرفي أنا/ فلا تكرهوني/ أنا يا قوم أُحبّكم/ لأنّني أُحبّكم/هكذا…بلا سبب…” (دمعتان وفنجان قهوة ص45)؛ لذا ليس من فراغ حمل عنوان الدّيوان تلك المشاعر” أشواق حزينة”.
عاطفة الايمان بالله وبرسوله عليه الصّلاة والسّلام، والغيرة على الدّين، تبدو متعمّقة في نفس الشّاعر، حتّى أن تملّكه الشعور بالرّهبة ” تتملّكني منك الرّهبة/ فبنفسي أفديكَ إِنّي/ يا رسولا للبريّة/ يا نبيّ الله أحمد.” (محمد صلى الله عليه وسلّم ص 48). كذلك يعبّر الشّاعر عن فخره واعتزازه لتأديته الفروض، مثل الصّلاة والصّوم ، والحاجة إِلى الاستغفار، وطلب الرّحمة من المحتلّ الّذي يكبّل أقصانا، والشّعور بالأمل” الليلة الظّلماء يعقبها الفجر/ يا ربّ/ عجّل بفجر بعد ليل طال” (ليلة ظلماء، ص.56″.
أمّا الشعور بالغضب فقد بدا جليًّا في ديوان الشّاعر، الغضب الناتج عن الظّلم والقسوة، والغدر الّتي يعاني منها الشّعب المحتلّ” ماذا؟ هل آن الأوان؟/ هلّ دار الزّمانّ؟”/ هل من الليل المقام؟/قولوا بأعلى صوت…نعم/تضرجت جنباته بدم مسفوح غدّار” زمان ص59.
لم تفتر عاطفة الشّاعر لحظة، فهو مؤمن ومتأكّد من العودة ، إِلى اقرث وبرعم واللجون، وباب الشّمس و….، يمكننا القول بأنّ الشّاعرعزّ الدّين قد أحبّ وطنه حتّى الموت” هذا المسجى انا/ غريب ومقبرة عسكريّة/حبّ حتّى الموت” وأخيرًا يمكنني أن أُلخّص عواطف الدّيوان بكلمتين:
لقد حملت عواطف الشّاعر السّعدي المكثّفة المملوءة بحبّ الوطن وغيرته عليه، وثورته الّتي لا تتوقّف عند حدّ؛ ليشهرها متحدّيًا أمام الجميع في ديوان ثمين، اسمه ” أشواق حزينة”. يستحقّ وبجدارة أن يُقرأ.
وقال عبدالله عويس:
مفتاح يصر
العودة إلى الديار. هذا ما يشغل بال الشاعر عز الدين السعد، وهذا ما يصبو إليه. عاطفة الحنين إلى الوطن هي الطاغية على ديوانه، وهي التي تحركه وتشغل جوارحه، فيتدفق الشعر على لسانه ومن قلمه عندما تغزو قلبه هذه العاطفة الجيّاشة.
وكلما نظر الشاعر إلى ذاك المفتاح المعلق على حائطه، يذكّره بعودة لا ريب آتية مهما طال الزمان، يتخيل صرير المفتاح في قفل بيته القديم، فيتناول دواته وقلمه الذي يصِّر بهذه الكلمات الرائعة التي تحرك المشاعر، ولا تستطيع أمامها إلا الانسياق بكل جوارحك والانقياد خلف الشاعر إلى قرية اللجون، حيث ذاك البيت الذي غيّبه الزمن ومحاه الاحتلال، لكنه ما زال ماثلا في وجدان الشاعر. هناك يصل الشاعر إلى بلدته ويفتح بابه القديم بذاك المفتاح الذي صلاه صرير البرد على حائط غريب، وما زال ينتظر، لم يعيه الانتظار وما فتّ من عزيمته طول الدهر، فلا يزيده تعاقب السنين إلا إصرارا على العودة وإيمانا بهذا الحق الخالد.
ويرى الشاعر أن احتلال فلسطين هو كسر لقواعد الطبيعة، وهو مناف لأبسط البديهيات التي يفهمها الشخص العادي، وحق العودة إليها لا يمكن التنكر له، لكن العالم تواطأ وما زال يتواطأ ليطمس هذا الحق. لكن أنّى لهم هذا، فحق العودة محفور في قلب كل فلسطيني ومنقوش على كل حجر من حجارة القدس، فلا يمكن أن يُنسى. وإن تناسى بعض الناس ديارهم، فإن الأرض لن تنسى أبناءها فهي تتوق إليهم كما يتوقون إليها:
دار الزمان بنا وما زالت،
تبحث عنّا الدار
يبدو الشاعر واثقا من عودة الفلسطينيين إلى ديارهم حتى لو تغيرت أسماء ومعالم الأرض، فتعاقب الأجيال لن يزيد الفلسطينيين إلا تعلقا بأرضهم وإصرارا على العودة إليها، فكل واحد منهم يقرن اسمه مع اسم بلده التي هُجّر منها، وينقل الاسم والمشاعر إلى أولاده وأحفاده. وكما كل فلسطيني مهجر عن أرضه، يعلن الشاعر عن نفسه فيقول:
تخيل كل من كانوا ومن ولدوا
وهم كثر إذا ساروا
صار الواحد منهم يقول الاسم والدار
أنا اسمي الكامل عز الدين من اللجون
فاسم الفلسطيني أصبح مرتبطا باسم قريته، فكيف سيُطمس اسمها؟ والشاعر يسهم في تخليد أسماء القرى والمدن الفلسطينية المهجرة، فنراه يكررها في قصائده ويعيدها إلى الحياة في وجدان أبنائها، ينكأ جرحا كاد يندمل في قلوبهم ويؤرق عدوا يعلم يقينا أنه لن يستطيع أن يمحو ذاكرة هذه البلاد وإن استطاع أن يمحو معالمها. وما دام المفتاح هو دليلنا فسنعود حتما إلى بلادنا.
دعنا، لن نتيه ولن نضيع فالبوصلة مفتاح يصرّ
والشاعر، عز الدين السعد، فلسطيني بلا مواربة، فلا يخفي أفكاره ومشاعره خلف الصور بل يبينها بوضوح؛ وضوح حق الفلسطيني بعودته إلى وطنه. والشاعر يبدع حين يشده حنين العودة إلى الوطن، لذلك نلحظ الفرق قي المستوى الفني بين القصائد التي تحكي عن حق العودة والقصائد الأخرى في الديوان، فصدق العاطفة هو الذي يقود شاعرنا إلى الابداع.
يعمد الشاعر في قصائده إلى الوصف المباشر بأسلوب تقريري، ويميل نحو الأسلوب الخطابي، ويبتعد عن التصوير الفني والخيال؛ فالمواقف العاطفية تؤثر في القارئ بصورتها المباشرة دون حاجة إلى الصور والخيال، فينجح في ذلك نجاحا باهرا في بعض قصائده، خاصة تلك التي تصف الوطن المفقود وتمجد حق العودة، فلا خيال ولا تصوير سيشي بهذه العواطف أكثر من الحقيقة التي فاقت الخيال، فليس هناك حاجة لخلق مشاعر غير موجودة، فالمشاعر طاغية على الشاعر والمتلقي.
لكن هذه النزعة التقريرية، تضفي على بعض القصائد نوعا من الوضوح المخل بأصول الشعر وخصائصه الفنية، فتتحول بعض القصائد إلى ما يشبه الخطبة أو الموعظة، تأمل قول الشاعر في قصيدة “بيان للغزاة” صفحة 63
إنه بسم الله
الواحد القهار
العزيز المهيمن
المنتقم الجبار
الرحمن، خالق
الإنسان، معلمه
البيان والإصرار
المنزل على عبده
في سورة الأنفال:
بعد أعوذ بالله
من الشيطان
“يا أيها الذين آمنوا
إذا لقيتم الذين كفروا
فلا تولهم الأدبار
ويعمد الشاعر أحيانا إلى ذكر بعض التفاصيل بطريقة تجافي الجمال الشعري ولا تخدم القصيدة. تأمل قوله في قصيدة “طال انتظاري” ص 56:
كل الرسائل أصبحت معنونة
من المسجد الأقصى
من المحراب الجنوبي حتى
باب الغوانمة،
من باب الرحمة الشرقي حتى
باب سلسلة،
من مئة وأربعين دونم
من كل شبر وأنملة
لا اعتقد أن القصيدة هي المكان المناسب لوضع كل هذه التفصيلات عن المسجد الأقصى، مع أهميتها، إلا أنها تضعف البنية الفنية للقصيدة.
ونلحظ أيضا سمة الشعر القصصي في قصائد الشاعر عز الدين السعد. فهو يذكر الوقائع ويصور الحوادث ويخلق شخصيات وينطقها داخل بعض قصائده. فهذه القصائد تستفيد من اللغة الشعرية تعبيرها الموحي المؤثر، ومن الأسلوب القصصي الإثارة والتشويق. تأمل قصيدة “هناء” ص 111 أو قصيدة “من ملفات خضر السرية” ص 112، والتي يمكن تصنيفها كقصة قصيرة مكتوبة بلغة شعرية.
فالشاعر، عز الدين السعد، له قدرة رائعة على التأثير بلغة بسيطة سهلة دون تعقيد أو إرهاق للقارئ. فهو يبدع عندما يشده حنين العودة إلى الوطن السليب، ويقدم لنا مشاعره ببساطة وسهولة فنهتز معها ولها.
وبعدها جرى نقاش شارك فيه عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، ديمة السمان، جميل السلحوت، نسب أديب حسين، رشا السرميطي، رهاف السعد، وديانا أبو عياش.
ديوانان لعزّ الدّين السعد في اليوم السابعالقدس: 25-12-2014 استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس الكاتب الفلسطيني عزّ الدّين السّعد حيث ناقشت ديوانيه الجديدين”مفتاح يصرّ” و”أشواق حزينة” الصادرين في الأسابيع القليلة الماضية عن جمعية الرّازي للثقافة والمجتمع في القدس.مما يذكر أنه سبق وصدر للشاعر السعد ديوان”اعتذارات بأثر رجعي” عام 2005.بدأ النقاش مدير الندوة ابراهيم جوهر الذي كتب مقدمة للديوانين.وبعده قالت نزهة أبو غوش:أشواق حزينةأشواق حزينة، ديوان للشاعر الفلسطيني، عزّالدّين السّعد، اصدار جمعيّة الرازي للثّقافة والمجتمع في القدس، في 88 صفحة.بعد قراءتي قصائد الدّيوان ” أشواق حزينة” – 25 قصيدة- رأيت أن أخوض في موضوع العاطفة الّتي عكسها الشّاعر على قصائده كافّة. الدّيوان من شعر التّفعيلة.العاطفة في قصائد الشّاعر عزّ الدّين السّعد، كانت هي الطّاغية، حيث استخدمها بشكل أدبيّ متّزن في معظم قصائده، كما أنّها اتّسمت بالمباشرة، وبالإِيحاء أحيانًا.من خلال القصيدة يمكن للقارىء أن يشعر بأنّ الشّاعر لم يبذل جهدًا ، من أجل ابراز العاطفة، بل جاءَت بشكل طبيعيّ نتيجة حالته الذّهنيّة المتأثّرة بما حوله من أحداث، وظروف مختلفة . علينا أن نفرّق بين عاطفة الشّاعر وبين مشاعره، حيث أنّ العاطفة هي من تولّد المشاعر والانفعالات. عاطفة الحنين إِلى الماضي بدت واضحة في قصائد الشّاعر، فهو الماضي الجميل، البريء مملوء بالأحلام بعكس ما يراه في حاضره: ” آه لو تعود فينا إِلى الورى أيّامنا صغارًا هكذا نبحث نضحك نلعب نلتقي حول فطورنا وسهراتنا طويلة ليس أجمل” أحباب بلا عنوان ص12.ألم البعاد عن الأهل والأحبّاب، هي مشاعر تولّدت في ذاته” آه ثقيل ظلّه البعاد/ وفي البعاد أنين… وشهيق/ وبكاء يعصر القلب” ص13.أمّا الغربة فقد أثّرت كثيرًا في عاطفة الشّاعر وخذلته” ” امتهنّا الغربة علّنا نجد في أغرابها اخوانا/ وقَصَدنا في ترحالنا أبوابًا تغلّقت/ ظننا خلفها خلّانا” ص15. هناك أيضًا قصيدة بعنوان تخوننا الغربة” تحمل ما بين سطورها ألم الغربة، كذلك قصيدة بعنوان” تعيّرنا بالغربة…غربتي” هي الغربة عن الوطن فيها معاناة وجرح وألم وحسرة ، وقهر” فالحقّ نور ساطع/ والعودة حقّ ينهي الغربة السّوداء/ وتنهي الدّمار” ص28. رغم الحزن والألم نجد أنّ قلب الشّاعر عزّ الدّين قد اتّسع بالحنان والحب والسّعادة” وتسعد بسمة كالطّفل/ مسحة الحنان ينتظر/ لا ضير ان قلت للعالم هذي ابنتي” “لأجل نور عينيك ص32″ عاطفة الفخر والاعتزاز بالمرأة الأُم، المرأة المضحيّة ، المرأة المعجزة أمّ المعجزات، هي الأُخت هي الحبيبة، هي المربّية، هي الزّوجة… هي المتمرّدة، هي الأصل. لقد تمادى الشّاعر في عاطفته نحو المرأة، حتّى أنه يرى بأن الله سبحانه وتعالى يمجّدُ روحها ؛ كي يتداوى بها المحتاجون للحنان والحبّ والحياة. علينا أن لا ننسى بأنّ المرأة في الأدب تمثّل الوطن. ” تتمرّدين على الوأد/ والأجداث/ تعيدين تشكيل الزّمان الصّعب” “قصيدة امرأة ص41” حمل الشاعر همومه وأحزانه، وشعوره بالغدر والقهر في غربتة، فصار حزنه أيضًا غريبًا. وأشواقه مدفونةً. “أحزاني غربة آهاتي…أشواق نزّت بالسّر أحزاني” ( أشواق حزينة ص17) الشّوق المهاجر المتعب، الشّوق الحزين، الشّوق للأب والأُم، والعم كلماتها تستدرّ عطف القارىء.” كم أشتاق لأُناديك/ كم أشتاق لك/ وافتقدك بكلّ أنفاسي/ أتحسّس يديك../ وأبكي…عليك”. ” هو الشّوق يا أبي..ص 68″) الحبّ الكبير، رفض الكره؛ كلّها عواطف ملأت قلب الشّاعر “أُحبّكم من طرفي أنا/ فلا تكرهوني/ أنا يا قوم أُحبّكم/ لأنّني أُحبّكم/هكذا…بلا سبب…” (دمعتان وفنجان قهوة ص45)؛ لذا ليس من فراغ حمل عنوان الدّيوان تلك المشاعر” أشواق حزينة”.عاطفة الايمان بالله وبرسوله عليه الصّلاة والسّلام، والغيرة على الدّين، تبدو متعمّقة في نفس الشّاعر، حتّى أن تملّكه الشعور بالرّهبة ” تتملّكني منك الرّهبة/ فبنفسي أفديكَ إِنّي/ يا رسولا للبريّة/ يا نبيّ الله أحمد.” (محمد صلى الله عليه وسلّم ص 48). كذلك يعبّر الشّاعر عن فخره واعتزازه لتأديته الفروض، مثل الصّلاة والصّوم ، والحاجة إِلى الاستغفار، وطلب الرّحمة من المحتلّ الّذي يكبّل أقصانا، والشّعور بالأمل” الليلة الظّلماء يعقبها الفجر/ يا ربّ/ عجّل بفجر بعد ليل طال” (ليلة ظلماء، ص.56″.أمّا الشعور بالغضب فقد بدا جليًّا في ديوان الشّاعر، الغضب الناتج عن الظّلم والقسوة، والغدر الّتي يعاني منها الشّعب المحتلّ” ماذا؟ هل آن الأوان؟/ هلّ دار الزّمانّ؟”/ هل من الليل المقام؟/قولوا بأعلى صوت…نعم/تضرجت جنباته بدم مسفوح غدّار” زمان ص59.لم تفتر عاطفة الشّاعر لحظة، فهو مؤمن ومتأكّد من العودة ، إِلى اقرث وبرعم واللجون، وباب الشّمس و….، يمكننا القول بأنّ الشّاعرعزّ الدّين قد أحبّ وطنه حتّى الموت” هذا المسجى انا/ غريب ومقبرة عسكريّة/حبّ حتّى الموت” وأخيرًا يمكنني أن أُلخّص عواطف الدّيوان بكلمتين:لقد حملت عواطف الشّاعر السّعدي المكثّفة المملوءة بحبّ الوطن وغيرته عليه، وثورته الّتي لا تتوقّف عند حدّ؛ ليشهرها متحدّيًا أمام الجميع في ديوان ثمين، اسمه ” أشواق حزينة”. يستحقّ وبجدارة أن يُقرأ.
وقال عبدالله عويس:مفتاح يصرالعودة إلى الديار. هذا ما يشغل بال الشاعر عز الدين السعد، وهذا ما يصبو إليه. عاطفة الحنين إلى الوطن هي الطاغية على ديوانه، وهي التي تحركه وتشغل جوارحه، فيتدفق الشعر على لسانه ومن قلمه عندما تغزو قلبه هذه العاطفة الجيّاشة. وكلما نظر الشاعر إلى ذاك المفتاح المعلق على حائطه، يذكّره بعودة لا ريب آتية مهما طال الزمان، يتخيل صرير المفتاح في قفل بيته القديم، فيتناول دواته وقلمه الذي يصِّر بهذه الكلمات الرائعة التي تحرك المشاعر، ولا تستطيع أمامها إلا الانسياق بكل جوارحك والانقياد خلف الشاعر إلى قرية اللجون، حيث ذاك البيت الذي غيّبه الزمن ومحاه الاحتلال، لكنه ما زال ماثلا في وجدان الشاعر. هناك يصل الشاعر إلى بلدته ويفتح بابه القديم بذاك المفتاح الذي صلاه صرير البرد على حائط غريب، وما زال ينتظر، لم يعيه الانتظار وما فتّ من عزيمته طول الدهر، فلا يزيده تعاقب السنين إلا إصرارا على العودة وإيمانا بهذا الحق الخالد.ويرى الشاعر أن احتلال فلسطين هو كسر لقواعد الطبيعة، وهو مناف لأبسط البديهيات التي يفهمها الشخص العادي، وحق العودة إليها لا يمكن التنكر له، لكن العالم تواطأ وما زال يتواطأ ليطمس هذا الحق. لكن أنّى لهم هذا، فحق العودة محفور في قلب كل فلسطيني ومنقوش على كل حجر من حجارة القدس، فلا يمكن أن يُنسى. وإن تناسى بعض الناس ديارهم، فإن الأرض لن تنسى أبناءها فهي تتوق إليهم كما يتوقون إليها:دار الزمان بنا وما زالت،تبحث عنّا الداريبدو الشاعر واثقا من عودة الفلسطينيين إلى ديارهم حتى لو تغيرت أسماء ومعالم الأرض، فتعاقب الأجيال لن يزيد الفلسطينيين إلا تعلقا بأرضهم وإصرارا على العودة إليها، فكل واحد منهم يقرن اسمه مع اسم بلده التي هُجّر منها، وينقل الاسم والمشاعر إلى أولاده وأحفاده. وكما كل فلسطيني مهجر عن أرضه، يعلن الشاعر عن نفسه فيقول:تخيل كل من كانوا ومن ولدواوهم كثر إذا سارواصار الواحد منهم يقول الاسم والدارأنا اسمي الكامل عز الدين من اللجونفاسم الفلسطيني أصبح مرتبطا باسم قريته، فكيف سيُطمس اسمها؟ والشاعر يسهم في تخليد أسماء القرى والمدن الفلسطينية المهجرة، فنراه يكررها في قصائده ويعيدها إلى الحياة في وجدان أبنائها، ينكأ جرحا كاد يندمل في قلوبهم ويؤرق عدوا يعلم يقينا أنه لن يستطيع أن يمحو ذاكرة هذه البلاد وإن استطاع أن يمحو معالمها. وما دام المفتاح هو دليلنا فسنعود حتما إلى بلادنا.دعنا، لن نتيه ولن نضيع فالبوصلة مفتاح يصرّوالشاعر، عز الدين السعد، فلسطيني بلا مواربة، فلا يخفي أفكاره ومشاعره خلف الصور بل يبينها بوضوح؛ وضوح حق الفلسطيني بعودته إلى وطنه. والشاعر يبدع حين يشده حنين العودة إلى الوطن، لذلك نلحظ الفرق قي المستوى الفني بين القصائد التي تحكي عن حق العودة والقصائد الأخرى في الديوان، فصدق العاطفة هو الذي يقود شاعرنا إلى الابداع.يعمد الشاعر في قصائده إلى الوصف المباشر بأسلوب تقريري، ويميل نحو الأسلوب الخطابي، ويبتعد عن التصوير الفني والخيال؛ فالمواقف العاطفية تؤثر في القارئ بصورتها المباشرة دون حاجة إلى الصور والخيال، فينجح في ذلك نجاحا باهرا في بعض قصائده، خاصة تلك التي تصف الوطن المفقود وتمجد حق العودة، فلا خيال ولا تصوير سيشي بهذه العواطف أكثر من الحقيقة التي فاقت الخيال، فليس هناك حاجة لخلق مشاعر غير موجودة، فالمشاعر طاغية على الشاعر والمتلقي. لكن هذه النزعة التقريرية، تضفي على بعض القصائد نوعا من الوضوح المخل بأصول الشعر وخصائصه الفنية، فتتحول بعض القصائد إلى ما يشبه الخطبة أو الموعظة، تأمل قول الشاعر في قصيدة “بيان للغزاة” صفحة 63إنه بسم الله الواحد القهارالعزيز المهيمنالمنتقم الجبارالرحمن، خالق الإنسان، معلمهالبيان والإصرارالمنزل على عبدهفي سورة الأنفال:بعد أعوذ بالله من الشيطان”يا أيها الذين آمنواإذا لقيتم الذين كفروافلا تولهم الأدبارويعمد الشاعر أحيانا إلى ذكر بعض التفاصيل بطريقة تجافي الجمال الشعري ولا تخدم القصيدة. تأمل قوله في قصيدة “طال انتظاري” ص 56:كل الرسائل أصبحت معنونةمن المسجد الأقصىمن المحراب الجنوبي حتىباب الغوانمة،من باب الرحمة الشرقي حتىباب سلسلة،من مئة وأربعين دونم من كل شبر وأنملةلا اعتقد أن القصيدة هي المكان المناسب لوضع كل هذه التفصيلات عن المسجد الأقصى، مع أهميتها، إلا أنها تضعف البنية الفنية للقصيدة.ونلحظ أيضا سمة الشعر القصصي في قصائد الشاعر عز الدين السعد. فهو يذكر الوقائع ويصور الحوادث ويخلق شخصيات وينطقها داخل بعض قصائده. فهذه القصائد تستفيد من اللغة الشعرية تعبيرها الموحي المؤثر، ومن الأسلوب القصصي الإثارة والتشويق. تأمل قصيدة “هناء” ص 111 أو قصيدة “من ملفات خضر السرية” ص 112، والتي يمكن تصنيفها كقصة قصيرة مكتوبة بلغة شعرية.فالشاعر، عز الدين السعد، له قدرة رائعة على التأثير بلغة بسيطة سهلة دون تعقيد أو إرهاق للقارئ. فهو يبدع عندما يشده حنين العودة إلى الوطن السليب، ويقدم لنا مشاعره ببساطة وسهولة فنهتز معها ولها. وبعدها جرى نقاش شارك فيه عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، ديمة السمان، جميل السلحوت، نسب أديب حسين، رشا السرميطي، رهاف السعد، وديانا أبو عياش.