ديمة السمان تفتح أبواب الرواية العربية حول القدس
صدرت رواية برج اللقلق للأديبة الفلسطينية ديمة جمعة السمان عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة عام 2005 ، وتقع الرواية التي أخرجها فنياً عمر حماد علي في جزئين ، الجزء الأول 206 صفحات من الحجم الكبير ، والثاني 146 صفحة من الحجم الكبير أيضاً ، غير أن الرواية لم تدخل الى فلسطين إلاّ ببضع نسخ أحضرها أحد المسافرين الى مصر للمؤلفة نفسها ، والتي تكرمت وأهدتنا نسخة منها .
ديمة جمعة السمان :
– ولدت في القدس الشريف وتلقت تعليمها في مدرسة شميدت ، وبعد الثانوية درست ” علم اللغات ” في جامعة بير زيت .
– حاصلة على دبلوم عال في الاخراج التلفزيوني.
– – عملت في الصحافة حيث عملت في بعض الدوريات التي كانت تصدر في القدس ومنها :
– مجلة الأسبوع الجديد ، مجلة مع الناس ، صحيفة الصدى ، صحيفة مرايا ..
– شغلت عضواً منتخباً في الهيئة الادارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين .
– متزوجة من المحامي علي أبو هلال ، وأنجبا ثلاثة اطفال : يارا ، يزن ، وراني .
– تعمل الآن مديراً عاماً في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية .
– كتبت القصة القصيرة ، الخاطرة ، المقالة ، اضافة الى اعمالها الروائية وهي :
– القافلة ، صدرت عن منشورات دار الهدى في كفر قرع عام 1992
– الضلع المفقود ، صدرت عن دار العودة للدراسات والنشر في القدس في كانون ثاني 1992
– الأصابع الخفية : صدرت عن منشورات دار الكاتب في القدس عام 1992
– جناح ضاقت به السماء ، صدرت عن مؤسسة ابداع للنشر في أمّ الفحم عام 1995
وبرج اللقلق التي نحن بصددها الآن ، وبهذه الرواية تفتتح الأديبة ديمة السمان باب العمل الروائي الذي تدور احداثه في القدس القديمة ، ولم يسبقها في ذلك سوى الأديب محمود شقير في رائعته ” ظل آخر للمدينة “التي تعتبر وبحق يوميات لمدينة القدس ، أو سيرة مدينة ، اضافة الى جوانب من مذكرات الكاتب نفسه وذكرياته في المدينة المقدسة ، لكن الروائية ديمة السمان التي سبق وأن أدخلت القدس في روايتها الأولى ” القافلة ” تعود الينا هذه المرة برواية من ألفها الى يائها عن مدينتها القدس ، فأحداث هذه الرواية في القدس وأبطالها مقدسيون من أسرة مقدسية واحدة ، واسم الرواية يحمل ” برج اللقلق ” أحد المعالم التاريخية المشهورة في مدينة القدس وتحديداً في حارة باب حُطّة في القدس القديمة .
ويمتد زمن الرواية قرناً كاملاً تقريباً ، أي من أواخر العهد العثماني حتى نهاية القرن العشرين ، وديمة السمان التي تلتقط الأحداث بعيني صقر والمستمعة لدبيب النمل كثيرة السؤال وكثيرة الاستماع الى ما تجود به جعبة والديها واجدادها وشيوخ وشيخات مدينتها عن تفاصيل التفاصيل عن الحياة التي عاشوها ، وحتى التي نقلوها بالتواتر عن أبائهم وأمهاتهم فيما يتعلق بالمدينة المقدسة ، كيف كانت ، وكيف أصبحت ، عدا عن قراءتها الدؤوبة لكل ما يكتب عن تاريخ المدينة المقدسة ، وما كتبه عنها الرحالة الذين زاروها ، عدا عن معاصرتها الشخصية للأحداث في العقود القليلة الماضية، فهي ابنة المدينة التي ولدت وترعرت ولا تزال وستبقى فيها .
واذا كانت القدس تشكل أحد هموم كل عربي ومسلم ومؤمن ، فإن هموم القدس تشكل همّاً شخصياً لكاتبتنا ، ومن هنا جاءت روايتها لتشكل إضاءة جميلة لسيرة هذه المدينة التي أرهقتها الاحتلالات والغزوات المتعاقبة عليها .
وقد اختارت الكاتبة أن يكون المكان الرئيس لأحداث روايتها ” برج اللقلق ” الذي يحمل اسم الرواية ، وهو مكان تاريخي تصفه الكاتبة في السطر الأول من الرواية قائلة : ” هناك في الطرف الشرقي الشمالي لسور مدينة القدس العظيم .. داخل عمق البلدة القديمة يقع بيت آل عبد الجبار .. في منطقة اسمها برج اللقلق من حارة باب حُطّة ”
وبرج اللقلق منطقة مرتفعة تُشرف على المسجد الأقصى المبارك ، ويشرف على جبال القدس ، وعلى معالم المدينة الدينية والتاريخية ، من مساجد وأديرة وكنائس ومدارس ومتاحف .
وبالتأكيد أن الأطماع الاستيطانية التي تستهدف المكان هي التي استفزت مشاعر الكاتبة ، خصوصاً وأن عائلتها المقدسية تسكن هذا المكان منذ مئات السنين ، فكان هذا البركان الذي انفجرت حممه بهذه الرواية .
وقد استهلت الروائية روايتها بوصف دقيق للمكان ، ثم شرعت تتحدث عن الأوضاع الاقتصادية البائسة في أواخر العهد العثماني التي عاشتها الأسرة التي يتناوب أبناؤها البطولة الروائية جيلاً بعد جيل ، انها أسرة ” آل عبد الجبار ” التي دفنت الجد الاول للأسرة في باحة البيت قرب شجرة ” بطمة ” عمرها مئات السنين . فكان قبره وسيرته منارة يهتدي بها أبناء وأحفاد العائلة ، يعيشون على أمجاده ويسيرون على هديه ، ويستمدون منه العزيمة والارادة الصلبة .
ففي أواخر العهد العثماني ، تم تدمير الاقتصاد ، وازدادت الضرائب ، وازداد نهب الأتراك لخيرات البلاد ، وازداد الظلم والمظالم ، ومع ذلك فإن أسرة عبد الجبار التي توارثت السيادة الاجتماعية لم تستسلم ، فكان رأسها دائم البحث عن مصدر رزق جديد ، فبعد أن أغلق حانوته لضيق ذات اليد عمل ” عتالاً ” في باب الخليل ، وخاض صراعات مريرة مع معشر ” العتالة ” ، الذين رأوا فيه منافساً عنيداً لمهنتهم ومصدر رزقهم ، وبعد صراعات أدخلته السجن ، عمل حطاباً ، يحتطب من البراري ، ويخزن حطبه في مغارة ” الهيدمية ” وهي كهف عظيم تزيد مساحته عن الدونم الواحد، لا يزال قائما تحت مقبرة باب الساهرة ما بين باب العامود وباب الساهرة ، وهنا توغل الكاتبة في وصف الأحوال المعيشية للمقدسيين ، كما تصف المدينة نفسها ، حيث كانت تغلق أبواب القدس القديمة من ساعات الغروب وحتى شروق الشمس، لحماية المدينة من اللصوص والغزاة ، ومن الذئاب المفترسة ، حيث كانت الضباع تصل اليها ، وكانت أزقة المدينة القديمة تضاء بمصابيح الزيت التي كانت توضع على مفارق الزقاق ، ثم تتحدث عن مقاومة المقدسيين بشكل خاص والشعب الفلسطيني بشكل عام للاتراك الذين طغوا وتجبروا وعاثوا في الأرض فساداً ، الى أن جاء الانتداب البريطاني ، حيث انفرجت الأوضاع الاقتصادية ، وانتهى عصر المجاعة الذي صاحب أواخر العهد العثماني ، لكن ذلك كان مصاحباً لفتح باب الهجرة اليهودية الى فلسطين تمهيداً لاقامة الدولة العبرية على أرض فلسطين ، مما دعا الفلسطينيين الى المقاومة وكان لأسرة” آل عبد الجبار ” وخصوصاً رأسها دور رئيس في المقاومة .
وتحصل النكبة الأولى في عام 1948 حيث هزمت الجيوش العربية التي بنى الفلسطينيون عليها آمالاً كبيرة ، وتعرج الكاتبة بعد ذلك الى ثورة 23 يوليو 1952 في مصر والتي قادها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الذي توالت المؤامرات عليه لاضعافه واسقاط حكمه ، فكان العدوان الثلاثي على مصر في 29 تشرين أول 1956 لتتوالى الأحداث الى ان تصل الى حرب حزيران 1967 والتي احتلت فيها اسرائيل ما تبقى من فلسطين التاريخية ، اضافة الى صحراء سيناء المصرية ، وهضبة الجولان السورية . وتتواصل المقاومة ويسقط الشهداء من آل عبد الجبار ومن غيرهم ، ثم تأتي حرب تشرين عام 1973 وليها في العام 1977زيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات لاسرائيل ، واتفاقيات كامب ديفيد الى أن انفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في كانون أول 1987 وليشارك فيها الشعب الفلسطيني بمختلف أعمار أبنائه بدءاً من الاطفال ومروراً بالشباب وانتهاءا بالشيوخ .
وتطرح الكاتبة في الرواية قضية العمالة للاحتلال من خلال ” ليث ” حفيد عبد الجبار من ابنته نفيسة الذي سقط في براثن العمالة من خلال الجنس والمخدرات فباع العقارات للمحتلين، ووشى بالمقاومين ، وليقتل في اواخر الرواية على يد والدته بعد ان عاد الى رشده دون علم والدته ، واستعد للقيام بعملية استشهادية يكفر فيها عن ماضيه الأسود ، ولتنتهي الرواية بأن تفجر والدته نفيسة ” الحفيدة ” نفسها بالحزام الذي كان معداً كي يفجر ليث نفسه به .
الأسلوب :
استعملت الكاتبة في روايتها أسلوب السرد الروائي الذي يطغى عليه عنصر التشويق الذي يوقع القاريء في حباله، ولا يتركه إلا وقد أتى على الرواية بجزئيها رغم طول صفحاتها ، ويلاحظ أن الروائية قد أدخلت اسلوب الحكاية ولو بشكل قليل في روايتها ، وهي قضية لا تكاد تخلو منها أية رواية .
الخيال :
القارىء لأعمال الروائية ديمة السمان لا يحتاج الى كثير من الذكاء ليقف على الخيال الجامح الذي تتحلى به ، وخيالها في هذه الرواية هو من باب الخيال الواقعي الذي يصهر القارىء في حيثيات العمل الروائي . ويبدو أن مضمون الرواية هو الذي سيطر على الكاتبة فدمجت الخيال بالواقع، وخرجت لنا برواية تشكل اضافة نوعية للرواية العربية، ومتميزة فيما يكتب عن المدينة المقدسة .
اللغة :
تكثر الكاتبة من الصور البلاغية والتشبيهات الجميلة في روايتها مما يدغدغ مشاعر القارىء الحاذ ق ، لكن الرواية لا تخلو من الأخطاء المطبعية ، والنحوية ، ويبدو أن الناشر لم يهتم بالتصحيح اللغوي بعد صفّ الرواية على الحاسوب .
الأمثال الشعبية :
استعملت الكاتبة عشرات الأمثال والحكم والأقوال الشعبية لدعم مواقف شخوص روايتها ، وقد استعملت هذه الأمثال في مواقعها الصحيحة، مما يشير الى أن الروائية المقدسية تتحلى بثقافة شعبية واسعة ، وهذه قضية لصالحها ولصالح أعمالها الروائية .
ملاحظة :
تحركت في الرواية عشارت الشخصيات التي سيطرت عليها الكاتبة بشكل قوي ، لكن يؤخذ عليها أن أسماء الأحفاد كانت مثل أسماء الأجداد ، فمثلاً علي بن عبد الجبار بن علي بن عبد الجبار بن علي .. الخ ونفيسة هي حفيدة نفيسة ، ومع أن هذه المعضلة في الأسماء موجودة في مجتمعنا بشكل واسع ، إلاّ أنها تضع القارىء في حيرة من أمره في تحديد الفوارق بين شخصية الجد وشخصية الحفيد .
ملاحظة اخرى : كنا نتمنى على دار النشر لو أنها وضعت على الغلاف الأخير للرواية نبذة عن حياة المؤلفة، للتعريف بها في العالم العربي ، خصوصاً وأن هذا هو العمل الادبي الأول الذي ينشر لها في العالم العربي .
وماذا بعد :
قضية تثلج الصدور أن تصدر رواية للأديبة ديمة السمان عن الهيئة المصرية العامه للكتاب وهذا ليس غريباً عن أشقائنا في مصر، لكن هذه الرواية لم تصل الى الأراضي المحتلة ، فهل تقوم وزارة الثقافة الفلسطينية أو اتحاد الكتاب الفلسطينيين بإعادة نشرها في فلسطين ، هذا ما نأمله وما ننتظره
جميل السلحوت .