رواية للكاتب المقدسي جميل السلحوت، صدرت عن دار الجندي للنشر والتوزيع بالقدس، (ابريل، 2011)، الرواية في (176) صفحة من القطع الكبير، رأيت فيها تطورا نوعيا على مستوى الكتابة الفنية المتمثلة بالعناصر الأساسية للكتابة الروائية، من حيث الشخوص وتفاعلها مع الكاتب بشكل تناسقي، ليقدمها لنا الكاتب على طبق شهي من الأحداث المتسلسلة، الواقعية، تلك الأحداث، التي تمثل الحبكة المترابطة، والتي شكلت عند القارئ رغبة كبيرة في متابعة الرواية، وكأن الشخصيات أمامنا من لحم ودم، وبذلك يتوفر عنصر التشويق، لقد أحسست بأنني أجلس في مضافة، أو في ديوان من دواوين العرب، أستمع لكلامهم وأحاديثهم الشيقة، كما صور لنا بأسلوب خفيف على النفس، عادات وطبائع الشخصيات، فقد رأينا المتخاذل وأحسسنا بتخاذله، والأناني وعجبنا من أنانيته، ورأينا المتعلم وأعجبنا من شخصيته، والشريف فتمنينا كل الرجال بأخلاقه؛ ورأينا العميل، والانتهازي فأحسسنا بالاشمئزاز والقرف من خيانته؛ ورأينا الشباب الواعي فسرنا تواصل الأجيال مع القيم النبيلة، فقد أراد الكاتب أن يسلط الضوء على دور الشباب وأهمية ذلك الدور فأبرزه بشكل لافت…
لكن ما يؤخذ على الكاتب، تجاهله لدور المرأة، ولا أجد مبررا لهذا التجاهل، إذ أن المرأة في المجتمع الريفي حاضرة بقوة، فهي مكملة لدور الرجل الريفي خاصة في الحياة الاقتصادية، وعندما مرَّ على ذكر المرأة في نهاية الرواية تقريبا، ذكرها على أنها وعاء لا يبتعد عن الشهوة الجنسية من وجهة نظر رجولية وحسب…
أما زمن الرواية فقد انحصر في سنوات ما قبل حرب حزيران، فنقل لنا واقع تلك الفترة السياسي والاجتماعي والاقتصادي، في مدينة القدس وفي ريفها القروي الذي له علاقة ما بالطابع البدوي، ولا غرابة في ذلك فكاتبنا الشيخ جميل السلحوت من أصول بدوية، وبذلك تكون الرواية نتاج تلك البيئة الريفية البدوية بامتياز…
أما أهم ما يؤخذ على الكاتب في هذه الرواية؛ فهي اللغة العامية التي استخدمها كاتبنا، مبتعدا عن لغتنا العربية الفصيحة، تلك اللغة التي قال فيها الشاعر:
“وسعت كتاب الله لفظاً وغاية وما ضقت يوما عن آي به وعظات”
فقد حصر الكاتب انتشار روايته وحدد ذلك بمكان ضيق في هذا العالم الرحب ألا وهو القدس بشكل خاص وقد تكون فلسطين عامة.
إن الكتابة باللغة العربية الفصحى تشكل فضاءً واسعا للكاتب نفسه، خاصة عندما تتوفر عنده أدوات الكتابة الفنية، رغم الحيوية والأصالة المرتبطة بالبيئة المكانية للهجة العامية…
إن الكتابة بالعامية تظهر الرواية كالثوب المرقع، إنه جميل وألوانه متناسقة، لكن الرقع المنتشرة عليه تُذهب بجماله وتطيح به…
وإذا قال قائل: بأن اللغة الفصيحة صعبة على القارئ، فإنني أقول له: إن اللغة الفصيحة لم تكن صعبة المنال إلا عندما قام الاستعمار بتجزئة العالم العربي إلى دويلات صغيرة في العام 1916 (معاهدة سايكس بيكو)، وشجع لهجات تلك الدويلات ليبتعد العرب عن لغة القرآن التي توحدهم، فالاستعمار المتمثل بالمشروع الغربي، هدف إلى تجزئة الوطن العربي، ولكي يحقق ذلك فهو معني بإضعاف اللغة، التي تتوحد فيها ألسنة الأمة العربية جمعاء…
وأخيراً، فإنني أشكر الكاتب على سعة صدره، أشكره أولا على هذه الهمَّة في الكتابة، راجيا أن يعيد النظر في اختيار العامية لغة لرواياته التي فيها عبق الحياة الريفية الجميلة، ونحن في دار الجندي للنشر نتطلع إلى كل ما هو جديد عند كاتبنا الجميل…