الشريط الذي صورته طفلة فلسطينية في السابع من تموز 2008 في قرية نعلين قضاء رام الله وبثته منظمة ” بتسيلم ” الاسرائيلية لحقوق الانسان في العشرين من نفس الشهر ، بعد أن تقدمت بشكوى للشرطة الاسرائيلية ،وبعدها تناقلته وسائل الاعلام بما فيها الفضائيات، والذي يظهر فيه كولونيل اسرائيلي يمسك بالشاب أشرف أبو رحمة -27- سنة من قرية نعلين قرب رام الله، وهو مقيد اليدين معصوب العينين بينما يقوم جندي اسرائيلي بتصويب بندقيته تجاه قدمه عن بعد أقل من متر ، يظهر بما لا يدع مجالاً للشك مدى الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومدى انتهاك كرامة وحقوق الانسان الفلسطيني على أيدي المحتلين .
ويجدر التذكير هنا أن حادثة الاعتداء الوحشي على أشرف أبو رحمة ليست الاولى التي توثق بالتصوير ،كما لن تكون الأخيرة ، فقد سبق في العام 1988 أن قام أحد الطواقم التلفزيونية بتصوير جنود الاحتلال في نابلس، يقومون بتكسير أيدي أطفال فلسطينيين مقيدي الأيدي من المرافق بواسطة حجارة كبيرة . كما سبق أن نشرت الاغاثة الطبية قبل حوالي العام شريطاً لجنود اسرائيليين يطلقون كلباً بوليسياً على امرأة من العبيدية شرق بيت لحم، ليقوم بنهش جسدها وتمزيق ملابسها وسط قهقة الجنود ، كما سبق وأن قام أحد الأشخاص قبل عدة أسابيع بتصوير مستوطنين يعتدون بالضرب المبرح على أحد المواطنين المزارعين في يطّا قرب الخليل، وتمّ نشره في وسائل الاعلام ، ثم يربطونه على عامود كهرباء ويسومونه سوء العذاب على مرأى ومسمع عدد من الجنود الذين كانوا يحرسون المستوطنين المدججين بالسلاح ، والشواهد كثيرة على مدى استباحة جيش الاحتلال ومستوطنيه للأراضي الفلسطينية المحتلة ، وان كان الموثق منها بالتصوير قليلاً مع أنه قد يكون أكثر بشاعة ، ففي العام 1988 مثلاً اقتحمت الشرطة الاسرائيلية المدرسة الرشيدية في القدس ، وقام أحد رجالها باطلاق قنبلة غاز في غرفة المعلمين، وأغلقها عليهم ، كما قام أحدهم باقتحام أحد الصفوف، وأطلق الرصاص المعدني الكروي المغطى بالبلاستيك على الطلبة ، حيث اخترقت احداها وجه أحد الطلبة واستقرت قرب دماغه ، وعشرات النساء الفلسطينيات جاءهن المخاض وأنجبن على الحواجز العسكرية التي كانت تمنعهن من الوصول الى المستشفيات،اضافة الى الحصار والتجويع والعقوبات الجماعية كما يجري في قطاع غزة .
وقد أثبتت سنوات الاحتلال العجاف والتي دخلت عامها الثاني والأربعين أن جيش الاحتلال وأذرعه الأمنية لا يراعون حرمة البيوت، أو المدارس أو الجامعات أو المتاجر أو دور العبادة ، والعالم كله يشهد أنهم اقتحموا المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين عشرات المرات وتحت اطلاق مختلف أنواع الرصاص الحيّ والمطاطي والغازات الخانقة ، مما أوقع مئات بل آلاف الاصابات في صفوف المصلين بين قتيل وجريح . وفي شباط العام 1992 اقتحم الطبيب الاسرائيلي باروخ جولد شتاين وهو في الخدمة العسكرية المسجد الابراهيمي، وأطلق الرصاص على الصائمين الركع السجود في صلاة الفجر مما أدى الى استشهاد تسعة وعشرين شخصاً واصابة العشرات بجراح .
واذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن آلاف الأطفال الفلسطينيين – ومن بينهم أطفال رضع- قد استشهدوا برصاص الجيش الاسرائيلي ، فإن المراقب لا يحتاج الى كثير من الذكاء ليجد أن سياسة قتل الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين الفلسطينيين العزل هي سياسة رسمية ومنهجية هدفها اجبار الفلسطينيين على ترك وطنهم والرحيل عنه طلبا للنجاة بأرواحهم، وأننا سنجد أنفسنا أمام جرائم حرب لا يمكن تبريرها أو السكوت عليها . ويجب أن توضع أمام المحكمة الجنائية الدولية لاصدار احكامها على مرتكبيها ، وعلى مسؤوليهم العسكريين والسياسيين الذين يصدرون اليهم الأوامر بارتكابها . فهذه الجرائم ومثيلاتها ما كانت لتستمر لو أن القضاء الاسرائيلي أوقع عقوبات على مرتكبيها الأوائل .
وما استنكار الناطق الرسمي الاسرائيلي لجريمة اطلاق الرصاص على الشاب أشرف أبو رحمه الا من باب العلاقات العامة ، ومن باب الضحك على ذقون أصحاب القرار في الرأي العام العالمي .
فقد سبق للجيش الاسرائيلي أن شكل لجان تحقيق مرات كثيرة في قضايا مشابهة، أو أكثر خطورة، وكانت نتائج التحقيق تقول ” ثبت أن الجنود قد تصرفوا حسب الأوامر ” وهي اشارة غير مقصودة الى أن هناك من يصدر الأوامر وبالتالي عليه أن يتحمل المسؤولية . كما أن بعض نتائج لجان التحقيق كانت مثيرة للضحك القاتل عندما كانت تقول : ” فقد أطلق الجنود النار في الهواء لتفريق المتظاهرين ، مما أدى الى اصابة عدد منهم “
فهل يطير الفلسطينيون في الهواء حيث يصيبهم الرصاص المطلق في الهواء ؟؟ أو :” أطلق الجنود الرصاص المطاطي على أرجل المتظاهرين مما أدى الى سقوط عدد منهم ” علماً أن الاصابات القاتلة وبالرصاص الحيّ كانت في الرأس أو الصدر ، وكأن الفلسطينيين يمشون على رؤوسهم .
ان جرائم جيش الاحتلال ومستوطنيه في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تستهدف البشر والشجر والتراب والحجر ، تقرع جرس الانذار منذ مدة طويلة ، وحادثة الاعتداء على المواطن أشرف أبو رحمة تقرعه من جديد بضرورة توفير الحماية الدولية للأرض والشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، حتى يتم كنس الاحتلال وكافة مخلفاته ، فلا يمكن للعالم أن يبقى مكتوف الأيدي أمام هكذا جرائم ومن غير المقبول مطلقاً أن تبقى اسرائيل استثناء في القانون الدولي .
وعلى السلطة الفلسطينية وعلى الجامعة العربية أن تقوم بحملة دبلوماسية واسعة ومصحوبة بالوثائق الدامغة ، ومن بينها الأشرطة المصورة ، وأن توزعها على كافة دول العالم ، وأن تطرحها في مجلس الأمن الدولي وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ومؤتمرات حقوق الانسان وغيرها من المحافل الدولية ذات الاختصاص، مطالبة بادانتها ومحاكمة المسؤولين عنها .