كان في قديم الزمان امرأة لها سبعة أولاد وبنت واحدة، وفي أحد الأيام وبينما كانت تأكل قطعة جبن، دعت الله أن يرزقها إبنة تكون جميلة وبيضاء مثل الجبن، فسمع الله دعوتها، ورزقها ابنة جميلة وبيضاء كالجبن، وبعد أن مرّ أسبوع على ولادة الطفلة الجديدة أخذت أغنامهم تنقص كل يوم واحدة، فتناوب الأبناء السهر على الأغنام كي يقبضوا على الجاني لكن دون جدوى، وعندما جاءت نوبة أصغرهم وكان يُسمى محمد اختبأ في حوش الغنم، ووضع فوقه الأشواك كي لا يراه الجاني وأمضى ليله ساهراً، وهو يلتفت الى كل الجهات، وبعد منتصف الليل بقليل شاهد أخته الصغيرة تخرج من البيت، وتنتفض فإذا بها تتحول الى غول ينقض على الأغنام، فأخذت ماعزاً وأكلته، ثم انتفضت ثانية وعادت على شكل طفلة، ورجعت الى البيت وكأن شيئاً لم يكن .
وعندما بزغ النهار عاد محمد الى البيت، وقصّ ما شاهده على أمّه واخوته، فوبخوه واتهموه بالكذب .. وقبّلوا الطفلة الصغيرة، أمّا محمد فإنه قرر الرحيل عنهم ليتقي شرّ هذه الغولة، فتعلقت به أخته الثانية، فوافق على أخذها معه بعد جدال طويل.
ومشى الإثنان محمد وأخته الى أن وصلا قصراً يقع في بلاد مقفرة، وحوله حديقة جميلة، فجلس محمد وأخته في فيء إحدى الأشجار،ودخل الى القصر ليرى ما فيه، فوجد أن القصر مُلك لأربعين عبداً يحترفون اللصوصية، ويسكن كل واحد منهم في غرفة من غرف القصر، فتعارك معهم وقتلهم واحداً تلو الآخر الى أن وصل الى العبد الأخير، فأشبعه محمد طعناً بسيفه، وألقى به في بئر يقع في غرفته، ثم أغلق الباب عليه، وأعطى مفاتيح القصر لأخته وأمرها بأن تتجول في غرف القصر باستثناء الغرفة الأربعين، فإنه أمرها بعدم فتحها وخرج هو للصيد.
وبعد أن خرج ذهبت أخته الى الغرفة الأربعين وفتحتها،ونظرت في البئر الموجودة فيها، فرأت عبداً يئن، فأنزلت له الطعام، وضمدّت جروحه الى أن شفي واستعاد قوته، فعرض عليها أن يتخلصا من أخيها ويتزوجها، وبعد أن وافقت قال لها: العبي معه الشطرنج واشترطي عليه بأن الذي يغلب يربط شعر المغلوب على دولاب الطاحونة الموجودة في القصر.
وفي مساء أحد الأيام عرضت على أخيها أن يلاعبها الشطرنج، واشترطت عليه ما قاله لها العبد، فوافق وغلبها في المرة الأولى والثانية والثالثة، فأشفق عليها ولم يربط شعرها على دولاب الطاحونة، وفي المرة الرابعة غلبته، فطلبت منه أن تربط شعره فوافق وربطت شعره، فقالت ها هو مربوط يا حسن،وهذا اسم العبد، فانتفض الأخ وأفلت شعره فسألها من حسن هذا؟ فقالت له أنه إسم قطّها .. فصدقها وبعد ذلك ولمّا لم يجد العبد مخرجاً للخلاص منه، فكر في حيلة، فطلب من أخت محمد أن تتمارض، وتطلب منه أن يُحضر لها ماء الحياة الذي ترد عليه السباع، ورمانها الذي ينبت بالقرب من ذلك الماء، وذلك في محاولة للتخلص منه، وعندما عاد محمد من الصيد وجد أخته مريضة، وطلبت منه أن يُحضر لها الدواء الذي أمرها العبد بطلبه.
ركب محمد فرسه، وتمنطق بسيفه، وأسرع الخطى في طريقه الى مورد السباع وفي الطريق وجد امرأة عجوزاً تسكن خيمة، فطلب منها ماءً، وسألها عن مكان مورد السباع، وكانت هذه المرأة منجمة، فقالت له بأن أخته تعشق شخصاً، وتتآمر على حياته، فلم يُصدقها لعلمه أن القصر الذي تسكنه أخته يقع في مكان مقفر لا يصله أيّ انسان، فأباتته تلك الليلة عندها، وفي الصباح أعطته ماعزاً مشوياً قسمته الى نصفين، ووصفت له مورد السباع الذي كان لا يبعد عن خيمتها سوى بضعة كيلومترات، وقالت له عندما تصل هناك أعطِ نصف الذبيحة للأسد، والنصف الثاني للبؤة، فإنهما سيأكلانها ويتركانك، وبالتالي تقوم بملء قربتك من ماء الحياة، وتقطف من رمانها ما شئت.
وفعل محمد كما أمرته العجوز المنجمة، وأحضر ماء الحياة ورمانها كما أحضر شبلين معه، وعاد الى العجوز وشكرها على نصيحتها، فطلبت منه أن يبيت ليلته عندها، فوافق …وبعد أن نام قامت، واستبدلت ماء الحياة بماء عادي، وكذلك فعلت بالرمّان، وأبقت الشبلين عندها، وفي الصباح ودعها وعاد الى أخته، فلما رأته عائداً ولم تأكله السباع، تمزقت غيظاً وغضباً هي وعشيقها العبد، فشربت الماء وأكلت من الرمّان، وجعلت نفسها معافاة من مرضها الزائف.
وخرج محمد في اليوم الثاني للصيد، فأمرها العبد حسن أن تعود وتلاعبه الشطرنج مرة ثانية، وبنفس الشروط ،واذا ما غلبته أمرها بربط شعره جيداً على دولاب الطاحونة كي يتمكن من قتله قبل أن يفلت شعره، ولما عاد محمد وعرضت عليه أن يلاعبها الشطرنج، وقالت له شرطها.. فوافق، فلما غلبته ربطت شعره وأوثقت رباطه، ونادت على العبد حسن، فخرج اليه وأخذ يطعنه بسيفه، ومحمد يتلوى من الألم وأخته تنظر اليه وتقهقه، ثم جمعا أشلاءه ووضعاها على فرسه، وطردوا الفرس، وبقيت الفرس تركض الى أن وصلت بيت العجوز المنجمة، فجمعت أشلاء محمد، ورشت عليها من ماء الحياة ، فعاد حياً ، وأطعمته من رمّانها، فعاد حياً قوياً وكأن شيئاً لم يكن، أما أخته فقد تزوجت العبد،وبعد مدة من ذلك تخفى محمد بزيّ متسول، وقصد أخته يريد الانتقام منها، ولما وصل القصر رجاها والعبد كي يأذنا له بالمبيت عندهما فوافقا بعد جهد، وأثناء الليل قام محمد، واستل سيف العبد وقتله هو وزوجته -أخت محمد-.
ثم عاد الى العجوز واستأذنها بالعودة الى أهله ليرى ماذا حلّ بهما، وطلب منها أن تفك قيد الشبلين اذا ما رأتهما يحفران الأرض، وينثران التراب على رأسيهما، فوافقت، ولما وصل محمد الى بيت أهله وجد أخته الغولة قد أكلت جميع أهله وتزوجت من غول، فرحبت به ..وكانت تخرج وتعود اليه قائلة: يا أخي إن فرسك بثلاثة أرجل… ثم برجلين.. ثم بلا رأس، فقال في نفسه: حلّت مصيبة فاستأذنها بالخروج كي يتوضأ… فأذنت له، وترك إبريق الماء وولى هارباً، ولما خرجت ورأت الإبريق وحده تبعته هي وزوجها بسرعة فائقة، وعندما رآهما خلفه تسلق شجرة، فأخذت تهدده من تحتها بأن ينزل، فطلب منها أن تسمح له بنداء ثلاثة أصوات، وبعدها سينزل، فأذنت له، فقال :” تكتك حناحن، تكتك جراس، أخوكم محمد اليوم راح ” وفي لمح البصر أقبل الشبلان إليه فأمرهما بأكل أخته الغولة وزوجها الغول.