مسرحيّة “الانقلاب” في تركيا مساء الجمعة 15 تموز 2016، وما تلاها من اعتقالات في قادة المؤسّسة العسكريّة، وإقالة آلاف القضاة خلال ساعات، ودون اجراءات قضائيّة، تثير تساؤلات كثيرة، فهل الله وجبريل والملائكة كانوا يحرسون أردوغان كما يقول الشّيخ القرضاوي؟ وهل وصل الرّجل مرتبة الأنبياء عند الله، أو أنّه قاب قوسين أو أدنى من اقامة دولة الخلافة التي يحلم بها المتأسلمون الجدد؟ أم أنّ هناك سياسات يجري تخطيطها وتنفيذها في المنطقة، وسيكون لأردوغان دور البطولة فيها؟
ولكي ننصف الرّجل فلا بدّ من التنويه لدوره في تنمية الاقتصاد في بلاده بطريقة لافتة. ولا بدّ من التّأكيد أنّ الانقلابات العسكريّة مرفوضة تماما، مع أنّ أمريكا التي تزعم أنّها حامية الدّيموقراطيّة في العالم لا تزال تستخدمها للخلاص من خصومها السّياسيّين كما حدث ويحدث في أمريكا اللاتينيّة، وإن لم تنجح في الخلاص منهم عن طريق الانقلابات، فإنّها لا تتردّد في الغزو العسكريّ، كما حصل في العراق عام 2003 تحت شعار “تحرير العراق من الدّيكتاتوريّة” و”حرّرت” العراق فعلا من وحدة أراضيه وشعبه، فدمّرته وقتلت وشرّدت شعبه وأعادته قرونا إلى الخلف، وهدمته كدولة وكحضارة.
لكن الوضع مختلف في تركيّا التي لم تعد “علمانيّتها” تخدم مصالح حلف “النّاتو” التي هي عضو فيه، وبما أنّ إعادة تقسيم المنطقة حسب “مشروع الشّرق الأوسط الجديد” الأمريكي، إلى دويلات طائفيّة متناحرة، واستغلال “المتأسلمين الجدد” لتنفيذ هذا المشروع، وما جرى ويجري في سوريا، العراق، ليبيا، اليمن، لبنان، وصحراء سيناء، وحتى “إمارة حماس في قطاع غزّة” ليست بمنأى عن ذلك، والدّور قادم على بقيّة الدّول العربية، لأنّ المستهدف هو المنطقة العربيّة تحديدا، لما تحويه من نفط، ولموقعها الاستراتيجي الذي يتوسّط الكرة الأرضيّة. وكان لا بدّ من إيصال حزب العدالة التّركي بزعامة أردوغان إلى الحكم، ولتحييد الجيش المخوّل بحماية الدّستور التّركي الذي وضع في عهد كمال أتاتورك، وللتّذكير فقط فإنّ الجيش انقلب على أربكان معلّم أردوغان وأودعه السّجن عام 2000 وحلّ حزبه الاسلاميّ، ولم يحرّك أحد شيئا لحماية “الدّيومقراطيّة”.
ودور أردوغان لا يتخطى المرسوم له، باقامة “المثلّث الاسلامي” المكوّن من “باكستان، تركيّا ومصر” وهذا المثلّث سيرفع الاسلام شعارا، وسيكون “اسلاما” حسب المواصفات الأمريكيّة، الذي يستغل عواطف شعوب المنطقة الدّينيّة، وتمّ ترسيم رجال دين لدعم هذا “الاسلام الجديد” لتضليل الشّعوب التي أعماها الفقر والحرمان والجهل بأمور الدّين الصّحيح، وأمور الدّنيا أيضا. ومن هنا يأتي تدخّل أردوغان الدّاعم بلا حدود للمعارضة السّوريّة، لتدمير سوريا وقتل وتشريد شعبها، واستنزاف جيشها، وهذا الدّعم لم يأت من وراء أمريكا وحلف النّاتو وحليفتهم اسرائيل، وكذلك للوقوف ضدّ ايران، ومنع ما يسمّى خطر المدّ الشّيعي، ولكي تكتمل الدّائرة، فإنّه لا بدّ من تحالف بعض الدّول العربية وتركيّا مع اسرائيل، وإن اقتضت الضّرورة فسيخوضون حربا مشتركة ضدّ ايران التي تسعى لأن تكون الدّولة الاقليميّة الأولى في المنطقة، بل إنّها تسعى لإعادة أمجاد امبراطوريّة فارس كقوّة عالميّة. وكلّ ذلك يأتي بعد تغييب دور مصر الفاعل اقليميّا وعالميّا بعد وفاة الزّعيم جمال عبد النّاصر عام 1970. وبعد تدمير واحتلال العراق عام 2003.
وأردوغان الذي استعجل الأمور، بتدخّله المشين في سوريّا والعراق وليبيا، وحتّى مصر لم تنج من تدخّلات تركيّا أردوغان، ومحاولته تأزيم العلاقات مع حليفته الاستراتيجيّة اسرائيل، وأردوغان له تحالفات بائنة مع الدّواعش، فالبترول السّوري والعراقيّ الذي استولت عليه داعش كانت تصدّره عبر تركيّا، وعلى مرأى وعلم أمريكا وحلف النّاتو واسرائيل أيضا، وخصومته مع روسيا بعد اسقاط القاذفة الرّوسيّة، فوجد أردوغان نفسه في عزلة لا يقوى عليها، فصدرت إليه الأوامر بإعادة تطبيع العلاقات مع اسرائيل، واعتذر لروسيا عن اسقاط القاذفة الرّوسيّة، وسيدفع لها تعويضات، ولتقوية موقفه، حتى يكمل مسيرته في اعادة تقسيم الدّول العربيّة، وامعانا في تضليل جماعات الاسلام السّياسي، ومنها “جماعة الاخوان المسلمين”، ومن ورائها الشّعوب العربيّة المسلمة، كان لا بدّ من حركة مفتعلة، تقوّي مركزه وحزبه أمام شعبه، فجاءت عمليّة الانقلاب العسكريّ الغبيّة والمفتعلة، والتي من جرّائها سيتمّ تغيير الدّستور، وتجيير الجيش وقوى الأمن والاعلام والقضاء ومؤسّسات الدّولة لصالح حزب العدالة، الذي سيبقى حاكما لتركيّا حتّى بعد أردوغان، رافعا شعار “تركيّا المسلمة” و”العودة للسّلطنة العثمانية، لكنّه لن ينسحب من حلف النّاتو، ولن يزعزع تحالفه الاستراتيجي مع اسرائيل، وإذا ما نجح “مشروع الشّرق الأوسط الجديد” فستتمّ تصفية القضيّة الفلسطينيّة، لصالح المشروع الصّهيوني، وستبقى “سلطنة أردوغان” تثير المشاكل والحروب في الدّول العربيّة حتّى ترضخ “للاسلام الذي تريده أمريكا ويتبنّاه أردوغان” وسيبقى “المتأسلمون الجدد” يهتفون لأردوغان، ويدعون له من على المنابر” ويزعمون أنّ الله وملائكته يساندونه.
والحديث يطول.
17-7-2016
شيخي حياك الله أنا معك في أنه انقلاب مفبرك وهو تجديد لبيعة أردوغان وتنظيف الجيش من بواقي حرس أتاتورك وجيوب الانجليز ليكون أمريكياً بحتاً ، وأنا لا أقول وداعاً للعلمانية بل أقول إننا أمام خليط من العلمانية والاسلام ، يكفي من الاسلام في الخليط الجديد الجلباب واطعام الفقراء ، والربا وكل حرام فيه مباح وكل فروض الرعاية والحكم مغيبة وغيرذلك ، وأرى أن الشعوب اليوم تنخدع بحاكم يقرأ القرآن ولا تميز بين اسلام الحاكم وواسلام نظام ، فنحن اليوم مع الدين الجديد اسلام امريكي اردوغاني قرضاوي ، سمه ما شئت ، أما عن قضية فلسطين فأردوغان خليفة أتاتورك في حفظ كيان يهود وتثبيته،ويأتي النموذج الاردغاني بعد ان بينت امريكا أن دولة الاسلام هي انموذج داعش دولة ملاحم وقتل وغيره