بدأت موجة العنف الدائرة الآن على الأرض الفلسطينية منذ اختطاف الشبان الاسرائيليين الثلاثة والعثور عليهم قتلى، في عملية غامضة لم تتكشف خباياها حتى الآن، وما تبع ذلك من محاصرة واقتحام مدينة الخليل والتنكيل بأهلها، وما تبع ذلك من اقتحامات أخرى لمدن وقرى ومخيمات في الضفة الغربية، وقتل أكثر من خمسة عشر شخصا بينهم أطفال، وما صاحب ذلك من قصف جوي وبري على قطاع غزة، مرورا باختطاف الطفل محمد أبو خضير وحرقه حيّا حتى الموت، والاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى، وإعادة اعتقال الأسرى المحررين في صفقة “شاليط” إلى أن وصلت الأمور إلى الحرب المفتوحة على قطاع غزة، والتهديد باحتلاله مرة أخرى، وسقوط مئات الفلسطينيين بين شهيد وجريح، فالى أين تسير هذه الحرب؟ وما هي أهدافها؟
والملاحظ أن كل المقدمات التي أوصلت الأوضاع الى ما هي عليه مفتعلة، وتبدو وكأنها مخطط مدروس للوصول الى أهداف مدروسة، فاسرائيل جنّ جنونها من المصالحة الفلسطينية، بعد أن اختارت الاستيطان على مواصلة المفاوضات، وعملها الدؤوب على تخريب حلّ الدولتين، وسكوت أمريكا المريب على تفجير المفاوضات مع السلطة الفلسطينية يعني أن هناك أمورا سرية، يجب تهيئة الظروف لاعلانها. وما يمنع علانيتها هو ترسانة الصواريخ التي تملكها المقاومة في قطاع غزة، وتدمير الأنفاق بين غزة ومصر، واحكام الحصار ليس بعيدا عمّا يجري في الخفاء، فاسرائيل ترى في حماس والجهاد الاسلامي وغيرهما حركات متطرفة و”ارهابية” ويجب الخلاص منها ومن أسلحتها، وكأن الحكومة اليمينية الاسرائلية المتطرفة بغالبية أحزابها المشاركة فيها معتدلة وتريد السلام! ولم ترتح اسرائيل وأمريكا لموافقة حركة حماس على متطلبات المصالحة الفلسطينية.
وأمريكا بدأت فعلا بتطبيق إعادة تقسيم المنطقة حسب ما يسمى “مشروع الشرق الأوسط الجديد” فنحن على أبواب تقسيم العراق الى دويلات طائفية، وستتبعه سوريا، ويجري ذلك بأيد عربية متأسلمة، وما “خلافة” البغدادي أمير داعش ببعيدة عن المخطط المرسوم. وفي محاولة لاسترضاء الحكام العرب وهم في غالبيتهم صنائع أمريكية، وهم شركاء في المخطط، ولمنع ثورات الشعوب العربية لا مفرّ من حلّ تصفويّ للقضية الفلسطينية، وكلّ الظروف مهيأة للحل بما يتناسب والحدّ الأدنى من المشروع الصهيوني. وبالتالي فان هذه الحرب الدائرة الآن ضرورية لمن خططوا لحلول قادمة، وهي تحمل رسائل للشعب الفلسطيني وتنظيماته وقياداته، وللشعب الاسرائيلي وأحزابه وقياداته أيضا، مفادها أنهم سيعيشون في جحيم إن لم يقبلوا بما سيفرض عليهم، لكن الخاسر الأول والأخير هو الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. فالحروب لا تشتعل من أجل القتل والتدمير، بل من أجل تحقيق أهداف سياسية.
10-7-2014