من حقّ الشّعب اللبنانيّ أن يعيش بحرّيّة وكرامة، ومن حقّه أن يستردّ أمواله المنهوبة من “ملوك الطّوائف”، ومن حقّه أيضا أن يتخلّص من التّقسيمات الطّائفيّة التي ورثها عن المستعمرين الفرنسيّين.
لكنّ ما يجري في لبنان حاليا من مظاهرات سلمية، وإغلاق للشّوارع والطّرقات، وتعطيل مؤسّسات الدّولة، وعجلة الإقتصاد يدعونا إلى التّساؤل عمّا يجري، ومن يقف وراءه، ومن هو المستفيد منه؟ وهل هو في مصلحة لبنان الوطن والشّعب والأمّة، أم أنّه استمرار “للفوضى الخلاقة” التي موّلها وحاكها أعداء الأمّة العربيّة كما جرى ويجري في سوريا، العراق، ليبيا وغيرها؟
ورغم تعقيدات النّظام الطّائفيّ المتحكّم برقاب الشّعب اللبنانيّ، والذي نشأت وتربّت عليه أجيال متعاقبة، ورغم أنّ المتظاهرين يرفعون العلم اللبنانيّ وشعارات ضدّ الطّائفيّة، ورغم مطالبهم المشروعة والتي تتركز على ضرورة رفع مستوى المعيشة، وخلق فرص عمل للقضاء على الفقر، ومحاسبة الفاسدين واسترداد أموال الشّعب والوطن المنهوبة، إلا أنّ من حقّ الحريصين على لبنان وشعبه أن يتساءلوا عمّن يقفون وبحماس شديد خلف هذا الحراك الشّعبيّ، كيلا يقع الأشقّاء اللبنانيون كما وقع الأشقّاء السّوريّون، عندما انجرّت أعداد كبيرة منهم خلف عملاء الدّول الإمبرياليّة، وبتمويل من “النّاتو” ووكلاء ناطقين بالعربيّة، وبعضهم تدثّر بعباءة الدّين؛ لتدمير وطنهم سوريّا وقتل شعبهم وتشريده، ومن المحزن أن يطلق البعض على الحرب على سوريّا “ثورة”! ويبدو أنّ الإمبرياليّة العالميّة وأعوانها بعد هزيمتهم في سوريا، والتي قاربت على نهايتها، يريدون نقلها إلى لبنان، في محاولة مستميتة منهم إلى تطبيق المشروع الأمريكيّ “الشّرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، ولتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ.
وبعيدا عمّا يسمّى “نظريّة المؤامرة”، دعونا نتساءل عمّن يقف خلف الحراك الشّعبيّ اللبنانيّ، لنرى إن كان يريد للبنان وشعبه خيرا أم لا؟ فأوّل المتحمّسين لما يجري في لبنان هو “القوّات اللبنانيّة” بقيادة سمير جعجع، المعروف بتاريخه الدّمويّ، من خلال تصفيته لكثيرين من قادة الطوائف اللبنانيّة، أمثال طوني فرنجية، رشيد كرامي، ابن كميل شمعون وأخرين، وهو شريك إيلي حبيقة في مذبحة مخيّمي صبرا وشاتيلا، وتلقى هو وأتباعه التدريب والسلاح والمال من اسرائيل في الحرب الأهليّة اللبنانيّة بين 1974-1989. ومن المتحمّسين للحراك الشّعبيّ أيضا سامي الجميّل، وعائلته والذين يتوارثون زعامة حزب الكتائب، والذين لم يخفوا ارتباطهم باسرائيل وتلقيّهم الدّعم العسكريّ والمادّيّ من اسرائيل، وكلا الحزبين “الكتائب والقوّات اللبنانيّة وغيرهما” سهلّوا وشاركوا في الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف العام 1982.
ولا يمكن إغفال دور بعض رجال المال وناهبي خيرات لبنان وشعبه أمثال السّنيورة وميقاتي وآل الحريري الذين وصلوا للزّعامة من خلال أموال البترول. ويلاحظ أنّ الحزب الاشتراكيّ الذي يتزّعمه وليد جنبلاط قد انحرف أيضا عن مبادئ الحزب الذي أسّسه الرّاحل الكبير كمال جنبلاط، وراهنوا كثيرا على هزية سوريا وشعبها وجيشها ونظامها لثارات عائليّة. ومن يتتبّع المتحمّسين والدّاعمين للحراك الشّعبيّ اللبنانيّ سيجدهم من هذه الشّاكلة التي تسعى إلى جرّ لبنان لحرب أهليّة مستغلين الظروف الإقتصاديّة الصّعبة التي تعيشها دولة لبنان، وهذا بدوره سيستدعي تدخلات أجنبية معادية، ستستهدف لبنان الشّعب والمقاومة، وستعيدة مئات السّنين إلى الوراء بعد تدميره وقتل شعبه وتشريده. وهل يتساءل الأخوة اللبنانيّون عن “ماهيّة الثّورة” التي يدعو لها جعجع والجميّل والسّنيورة ومن هم على شاكلتهم؟
وبرغم كل هذا فإنّ الحكومة اللبنانية مطالبة باسترداد الأموال المنهوبة من خزينة الدّولة، ومحاكمة الفاسدين، ووضع الخطط وتنفيذها للنّهوض باقتصاد البلد وترسيخ دولة القانون واستقلاليّة القضاء.
28-10-2019