مدرسة الإعلام المضلّل تنسب إلى الألماني غوبلز، “وهو بوليوزِف غوبلز (29 أكتوبر 1897 -1 مايو 1945) وهو سياسيّ نازيّ ألمانيّ ووزير الدعاية”الإعلام” في ألمانيا النازية من عام 1933 إلى عام 1945.” وهذا الرّجل سيّء الصّيت هو صاحب نظريّة ” اكذب حتّى يصدّقك الآخرون، واكذب ثمّ اكذب حتّى تصدّق نفسك”. وقد استطاع هذا الرّجل بإعلامه الكاذب تضليل شعبه وغيره من الشّعوب والأمم، لتشنّ بلاده بالتّحالف مع إيطاليا الفاشيّة واليابان حربا على العالم جميعه، ودمّرت هذه الحرب أوروبا واليابان، وحصدت أرواح سبعين مليون إنسان. ومع أنّ النّازيّة الألمانية هزمت في الحرب الكونيّة الثّانيّة، إلّا أنّ نظريّة غوبلز في الكذب بقيت سائدة في العالم الغربيّ حتّى يومنا هذا، وإن كانت في بعض جوانبها سابقة لغوبلز وعصره. فالعرق الآري في غالبيّته يرى أنّه سيّد البشر، ويحتقر الشّعوب والأمم الأخرى، لذا فإنّنا نراه يرفع شعارات إنسانيّة برّاقة مثل حقوق الإنسان وقوانين الحروب والصّراعات، لكنّه على أرض الواقع يمارس عكسها تماما، أو بالأحرى يكيل بمكيالين، فالغاية عنده تبرّر الوسيلة. ولن نعود إلى كثير من الشّواهد عبر عصور مختلفة كدليل على سياسة الكذب والتّضليل الإعلاميّ، وسنكتفي ببعض أحداث عاصرناها وعشناها، فأمريكا وهي الدّولة الأعظم التي انفردت بالسّيطرة على العالم خصوصا بعد انهيار الاتّحاد السوفييتي ومجموعة الدّول الإشتراكيّة في بداية تسعينات القرن العشرين، دمّرت العراق عام 2003 واحتلته وقتلت وشرّدت الملايين من شعبه، وهدمت دولته، اعتمدت على أكاذيب ابتدعتها بأنّ العراق يملك أسلحة دمار شامل كالأسلحة الكيماويّة! وتحت شعار “تحرير العراق من الدّكتاتوريّة”. ودمّرت سوريّا وقتلت وشرّدت شعبها وحاصرتها منذ العام 2012 تحت شعار “محاربة الدّكتاتوريّة ونشر الدّيموقراطيّة” وهذا ما فعلته مع حلفائها الأوروبّيين في ليبيا أيضا، وسبق ذلك إثارة الفتنة في الجزائر بين 1992 و 2002، وسبق ذلك أيضا تقسيم السّودان عام 2006، وفي عهد ترامب بين 2012-2016 نهبت ترليونات الدّولارات من دول الخليج العربيّ. وهي تواصل حصار إيران بنفس الحجّة وأضافت إليها الخوف من امتلاك ايران للسّلاح النّووي، ومحاصرة امتداد النّفوذ الإيراني في المنطقة، ومن هنا جاءت الحرب الظالمة على اليمن منذ العام 2015. وهي وحلفاؤها من اعترفوا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأعطت “فرمانا”بأنّ مرتفعات الجولان السّوريّة المحتلّة جزء من اسرائيل، وهي من عملت ولا تزال على تثبيت احتلال اسرائيل للأراضي العربيّة المحتلة عام 1967، وهي من تتغاضى عن أسلحة اسرائيل النّووية والكيماوية، وهي من أصدرت ما يسمّى “صفقة القرن” لتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيوني التّوسعيّ، وهي من ضغطت على “كنوزها الإستراتيجيّة” في المنطقة للتّطبيع المجانيّ مع دولة الاحتلال، وهي التي تحاصر لبنان لتصفية المقاومة المتمثّلة بحزب الله، حتّى أوصلته إلى “دولة فاشلة”، بعد أن كان “باريس الشّرق الأوسط”. لكنّها لم تعترف يوما عن حقيقة سياستها التي تتمثّل بتطبيق مشروعها”الشّرق الأوسط الجديد” لتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة، وإطلاق يد اسرائيل لتسيطر على المنطقة برمّتها.
الحرب الرّوسيّة الأوكرانيّة
بداية يجب التّأكيد على عدم الموافقة على احتلال أوكرانيا أو غيرها من الدّول، مع التّأكيد على حقّ روسيا في الدّفاع عن أمنها القوميّ، فموسكو تبعد 70 كم عن الحدود الأوكرانيّة، وأوروبا الغربيّة المجاورة لروسيا ليست إلا مجرّد مستعمرة أمريكيّة تعجّ بالأسحة الفتّاكة، بما فيها الأسلحة النّوويّة والكيماوية والبيولوجيّة، تتمركز فيها قواعد النّاتو العسكريّة، وللتّذكير فقط بما عرف بأزمة الصّواريخ الكوبيّة في ستّينات القرن الفارط، فإنّ الرّئيس الأمريكي كنيدي هدّد بحرب عالميّة؛ لأنّه رأى في ذلك تهديدا للأمن القوميّ الأمريكيّ، ممّا أجبر السوفييت على سحب صواريخهم النّوويّة. وبعيدا عن كثير من التّفصيلات، فإنّ الأطماع الأمريكيّة هي الدّافع المباشر لحرب روسيا على أوكرانيا التي اندلعت في 24 مارس الماضي، فأمريكا كانت تسعى لضمّ أوكرانيا لحلف النّاتو، لتحكم حصارها على روسيا والصّين، لأنّها ترتعب من النهوض الأقتصادي للصّين وروسيا والهند وغيرها، وترى في هذا النّهوض تهديدا لسطوة أمريكا الإقتصاديّة.
وقبل مرور أسبوع على هذه الحرب، بدأت طاحونة الإعلام الكاذب لشيطنة روسيا ورئيسها بوتين، وبدأ البكاء على حقوق الإنسان، وبدأت الأسلحة الحديثة الأمريكيّة والأوروبّيّة والمرتزقة والمساعدات الإقتصادية بمليارات الدّولارات تنهال على أوكرانيا لمقاومة الغزو الرّوسيّ، وبدأت الإشادة ببطولات الأوكرانيّين! حتّى يخيّل للمستمع السّاذج بأنّ الجيش الروسيّ قد هزم. ويلاحظ أنّ الدّاعمين لأوكرانيا الرّافضين للحرب عليها واحتلالها، هم من يدعمون احتلالات أخرى كاحتلال اسرائيل للأراضي المحتلّة، وهم من يتغاضون عن الدّوس على حقوق الإنسان وخرق القوانين والمواثيق الدّوليّة كما يحدث في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، وتصف من يقاومون الاحتلال بالإرهابيّين. وقد تناست أمريكا وحلفاؤها وأتباعها جرائمهم في العراق، أفغانستان، ليبيا، اليمن وغيرها، وتناست أمريكا التّعذيب الوحشيّ الذي مارسته ضدّ الأسرى العراقيّين في سجن أبو غريب وغيره، وتناست تعذيب المعتقلين الذين لم تثبتت إدانتهم وأودعتهم في معتقل “غوانتنامو”. فهل الكيل بمكيالين تشريع يعبّر عن عهر القوّة؟ وهل تضليل الشّعوب من خلال الإعلام الكاذب مبرّر كي يشارك العامّة في حروب استعماريّة خاسرة؟ والحديث يطول.
25-4-2022