ومدرسة الكذب الغربيّة لم تقتصر على الدّعاية المغرضة في حرب روسيا على أوكرانيا، ولا في احتلال العراق وتدميره، ولا في تدمير سوريا وليبيا، وغيرهما، بل تعدّتها بكثير، فبريطانيا وفرنسا ومن بعدهما البرتغال، إيطاليا، اسبانيا وبلجيكا احتلّت آسيا، افريقيا، أستراليا والأمريكتين، ولتزيّين احتلالها سمّته “استعمارا”، أي أنّ هذه البلدان “المتحضّرة” احتلّت هذه البلدان” المتخلّفة” لتعميرها! وهذا “التّعمير” وهذه الحضارة قادت إلى إبادة الأمريكيّين الوطنيّين، وقتلت منهم حوالي 70 مليون شخص عندما غزتهم الحضارة الغربيّة تحت ذريعة “الإكتشافات”. وقد تقاسمت بريطانيا وفرنسا الوطن العربيّ باستثناء ليبيا التي خضعت للاحتلال الإيطاليّ،
ولم ينج من الاستعمار والاحتلال المباشر سوى السّعودية؛ لوجود الحرمين الشّريفين فيها، فالإسلام يحرّم دخول المسلمين إلى مكّة والمدينة المنوّرة، فخاف المستعمرون من ثورة العالم الإسلامي عليهم لو احتلّوا المقدّسات. كما لم يستطع المستعمرون البريطانيّون من احتلال ما عُرف لاحقا “باليمن الشّمالي”، وذلك بسبب وعورة جباله، وللمقاومة الشّديدة التي أشعلها أشاوس اليمن.
ويبدو أنّ “أكذوبة التّعمير” قد انطلت على الشّعوب بمن فيهم شعوبنا العربيّة، فساهموا في احتلال بلدانهم! فقد ذكر الجنرال البريطاني توماس ادوارد لورنس الذي عرف بــ “لورنس العرب” في كتابه”أعمدة الحكمة السّبعة” :”أنّ الجيش البريطانيّ عبر قناة السويس باتّجاه فلسطين ووصل نهر الأردن بقيادة الجنرال اللنبي، ولم تُرق نقطة دم انجليزيّة واحدة، فقد كانت خسائرنا من العرب، ومن سكّان بعض المستعمرات كالسّنجال والهند”. والدّول الإستعماريّة ومنها بريطانيا التي كانت تفاخر “بأنّ الشّمس لا تغيب عن ممتلكاتها”، أحكمت سيطرتها على أمم وشعوب عدد سكّانها أضعاف عدد البريطانيين، من خلال نشر المخدّرات فيها كالصّين والهند. ولسنا بحاجة إلى التّذكير بأنّ هدف المستعمرين هو نهب اقتصاد وخيرات الشّعوب الأخرى. ومن مآثر الإستعمار البريطاني لفلسطين هو تسهيل الهجرات اليهوديّة إليها، تنفيذا لوعد بلفور الصادر في نوفمبر 1917، وتسليحها وإقامة اسرائيل وتشريد الشّعب الفلسطينيّ.
استقلال العرب!؟
بعد استنفاذ الإستعمار والاحتلال المباشر مهمّاته، ونظرا لمقاومة الشّعوب للمستعمرين، وبعد انتهاء الحرب الكونيّة الثّانية، وظهور واقع جديد لا يمكن القفز عنه، لجأ المستعمرون إلى حيلة أخرى لإنهاء الاحتلال المباشر، فقسّموا العالم العربيّ إلى دويلات إقليميّة، وغذّوا هذه الإقليميّة من خلال الإعلام الكاذب، لتفتيت العالمين العربي والإسلامي، وتركوا قبل رحيلهم نزاعات يصعب حلّها، فقد أقاموا اسرائيل على 78% من فلسطين التّاريخيّة، ودعموها ولا يزالون عام 1967 في احتلال ما تبقى من فلسطين، ومرتفعات الجولان السّوريّة، واقتطعوا لواء الإسكندرونة من سوريّا وأعطوه لتركيّا، ومنطقة الأحواز من العراق وأعطوه لإيران، وطنجة من المغرب وأعطوها لإسبانيا! ونصّبوا وكلاء لهم لحكم هذه الأقطار التي أصبحت دولا مستقلّة! لكلّ منها علمها ونشيدها الوطنيّ!
فهل الأقطار العربيّة مستقلّة حقّا؟ وهل انتهى النّفوذ الإستعماريّ فيها؟ وهل تسيطر على ثرواتها الطّبيعيّة؟ وهل تملك خياراتها السّياسيّة؟ وهل بنت جيوشها لحماية حدودها وأمنها أم لحماية الأنظمة الحاكمة؟ فإن كان الجواب “نعم”! فكيف نفسّر الهزائم المتلاحقة التي تعيشها الأمّة؟ وكيف خرجت الأمّة العربيّة من التّاريخ إلى هامشه؟ وكيف نفسّر وجود قواعد عسكريّة أجنبيّة على الأراضي العربيّة؟ وكيف نفسّر التّهافت على تطبيع العلاقات والتّحالفات الأمنيّة والعسكريّة مع اسرائيل التي تواصل احتلالها للأراضي العربيّة؟ وكيف نفسّر الحروب العربيّة العربيّة والتي لن تكون حرب اليمن آخرها كما لم تكن أوّلها؟ وكيف نفسّر تدمير سوريا وليبيا واحتلال العراق بتمويل عربيّ؟ والحديث يطول.
26-4 – 2022