تبقى مدينة القدس في صدارة الأحداث كونها مستهدفة من الاحتلال أكثر من غيرها من المدن والبلدات الفلسطينيّة التي احتلت في حرب حزيران 1967، وكونها تحتضن أقدس مقدّسات المسلمين-المسجد الأقصى- والمسيحيّين-كنيسة القيامة. والقدس العاصمة السّياسيّة، الدّينية، التّاريخيّة، الاقتصاديّة، العلميّة للشّعب الفلسطينيّ ولدولته العتيدة.
وضمّت اسرائيل القدس بقرار من برلمانها-الكنيست قبل مرور ثلاثة أسابيع على احتلالها، في مخالفة واضحة لإرادة مواطني المدينة العرب الفلسطينيّين، وفي مخالفة للقانون الدّولي ولقرارارت الشّرعيّة الدّوليّة.
ومنذ اعتراف إدارة الرّئيس الأمريكي ترامب في 6 ديسمبر بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وتبعته دول عربية في سباقها الماراثوني في التّطبيع المجّاني الذي ابتدأته الإمارات في 13-8-2020 وتبعتها دول أخرى “البحرين، المغرب والسّودان ازداد التّغوّل الإسرائيليّ في تهويد المدينة، رغم أنّه لم يتوقّف يوما منذ احتلالها. ولا تنفكّ اسرائيل في ممارسة سياسة الأسرلة والتّهويد على جميع الأراضي العربيّة المحتلّة، وخصوصا جوهرتها القدس، وتقوم بتسويق سياساتها التّهويديّة بقفّازات ناعمة أحيانا وبالقوّة أحيانا أخرى، وقد شاهد العالم جميعه -عبر شاشات التّلفزة- الإفراط في استعمال القّوة أثناء جنازة الشّهيدة الصّحفيّة شيرين أبو عاقلة.
ومن ضمن تسويق سياسة تهويد وأسرلة القدس التي لا تنطلي على شعبنا، وبعيدا عن الجنون الإستيطاني ونهب الأراضي الفلسطينيّة، ومنع البناء الفلسطيني، هو محاولات أسرلة المناهج الدّراسيّة، ومحاولات التّقسيم الزّماني والمكاني للمسجد الأقصى، ومحاولات تحويل مقبرة المسلمين الممتدة على الجهة الشّرقيّة لسور القدس إلى حدائق عامّة وغير ذلك. ولهذا يجري التّلويح بتقديم خدمات إذا ما شارك المقدسيّون في الإنتخابات البلديّة، وإذا ما ترشّح مقدسيّون فلسطينيّون لعضوية المجلس البلدي، وللتّذكير فقط، فإنّ بلديّة الاحتلال تجمع من المقدسيّين الفلسطينيّين 35% من ضرائبها، وتنفق على القدس العربيّة المحتلة 7% منها، أي أنّها تمارس سياسة تمييزيّة ضد الفلسطينيّين حتّى في الخدمات، مع أنّ قضيّة القدس كما هي قضيّة الأراضي العربيّة المحتلّة كلها هي قضيّة سياسيّة ولم تكن يوما خدماتيّة.
ومع أنّ المحتلين لا يتورّعون في التّنكيل بشعبنا، فإنّ المعاناة على جسر الملك حسين”اللنبي” للعابرين إلى الأردنّ الشّقيق أو العائدين منه في هذا الصّيف القائظ ليست استثناء وليست جديدة، وفيها انتهاك على الجانب الإسرائيلي لحقوق الإنسان، فإنّ فتح الجسر على مدار اليوم-24 ساعة- وزيادة الموظّفين لتسهيل المرور هي حقّ إنسانيّ واجب.
وفي الآونة الأخيرة جرى التّوقيع على عريضة موجّهة إلى الحكومة الأردنيّة تطالب بالسّماح للمقدسيّين بالعبور عبر جسر الشّيخ حسين في شمال الأغوار-قرب بيسان-، وبعض من تورّطوا في التّوقيع على تلك العريضة- وأنا واحد منهم- لم يكونوا على علم بأبعادها، فجسر الشّيخ حسين مخصّص لعبور الإسرائيليّين والسّيّاح فقط، لذا فإنّي أسحب توقيعي على تلك العريضة، وأؤكّد من جديد على أنّ القدس جزء لا يتجزّأ من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة عام 1967، وهي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين العتيدة، وأنّ المقدسيّين الفلسطينيّين جزء لا يتجزّأ من أبناء شعبنا، ومعاناتنا جزء من معاناة شعبنا، وحلّ هذه المعاناة يكمن في كنس الاحتلال ومخلّفاته كافّة، وتمكين شعبنا من تقرير مصيرة كبقيّة شعوب الأرض، وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف.
30 -تموز-يوليو-2022