من الأمور المضحكة أن يصف مسؤولون عرب قرار الإمارات والبحرين بتطبيع العلاقات مع اسرائيل بأنّه قرار سياديّ، فـ “أصحاب السّيادة” هم أوّل من يعلمون أن لا سيادة لهم، وأنّ قرارهم يملى عليهم من واشنطن وتل أبيب. ولو أنّهم أرادوا أن يكونوا أصحاب سيادة حقّا لاحتموا بشعوبهم بدلا من حمايتهم من الأعداء الذين أصبحوا بفعل الخيانة حلفاء.
ولم يبدأ تخلّي كنوز أمريكا واسرائيل عن فلسطين القضيّة والشّعب مع قرار الإمارات والبحرين التطبيعي، فقد سبق ذلك بكثير، ولن يغيب عن ذاكرة التّاريخ أنّ القادة العرب هم من أضاعوا فلسطين حتّى قبل نكبتها الأولى في العام 1948، ولنتذكر كيف أجهضوا ثورة العام 1936 معتمدين على “حسن نوايا الصديقة بريطانيا”.
ولنتذكّر أنّ الجامعة العربيّة ودولها قد قبلت المشاركة في مؤتمر مدريد عام 1991 بوفود منفصلة، بعد أن صدرت لهم الأوامر بقبول ذلك؛ لأن اسرائيل لا تريد حلّا شاملا للصّراع، وتريد الإنفراد بالفلسطينيّين وحدهم. وبعد ذلك صارت الأنظمة محايدة في نظرتها للصّراع الذي صار اسمه “الصّراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ” بدل “الصّراع العربيّ الإسرائيليّ”! ولنعد قليلا إلى الوراء عندما سلّم الرّئيس المصريّ أنور السّادات مصير مصر والعالم العربيّ لأمريكا وإسرائيل، عندما زار اسرائيل في العام 1977 ووقّع معها منفردا اتّفاقات كامب ديفد في العام 1979.
ولو عدنا قليلا إلى الوراء فإنّ منظّمة التّحرير وفصائلها، وفي محاولة منها لإبراز الهويّة الفلسطينيّة، قد صفّقت كثيرا ولا تزال لقرار مؤتمر قمّة الرّباط عام 1974 الإعتراف بمنظّمة التّحرير كممثّل شرعيّ وحيد للشّعب الفلسطينيّ في كافّة أماكن تواجده، فقد كان هذا القرار بمثابة صكّ غفران وبراءة للجامعة العربيّة ولدولها من دم القضيّة الفلسطينيّة ودماء شعبها، علما أنّ هذه الأنظمة هي التي أضاعت فلسطين سابقا ولاحقا والآن ومستقبلا.
وقد انجرّت منظمة التحرير إلى شباك الصّيد الأمريكيّة الإسرائيليّة عندما فاوضت سرّا ووصلت إلى خطيئة اتّفاقات أوسلو، التي ثبت أنّها مجرّد خديعة لتصفية منظّمة التّحرير الفلسطينيّة وفصائلها، أو على الأقلّ تفريغها من مضمونها الثّوريّ المقاوم. وواضح من مجريات الأحداث أنّ أمريكا واسرائيل قد أدارتا الصّراع بطريقة مخطّطة ومدروسة بعناية فائقة، حتّى أوصلتا الأمور إلى حالة التّردي التي وصلت إليه، وذلك لتطبيق المشروع الأمريكي “الشّرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم المنطقة لدويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، والذي تتخطّى أطماعه حدود فلسطين التّاريخيّة، لتبتلع الأردنّ كاملا، وأجزاء من السّعوديّة، سوريا العراق، وكامل صحراء سيناء، وقد استغلّوا بعض تنظيمات الإسلام السّياسي ومال البترول الذي لم يكن يوما عربيّا؛ لتنفيذ مخطّطاتهم، فكان تقسيم السودان وتدمير العراق وسوريّا وليبيا، والحرب الظّالمة على اليمن، وإشعال الفتنة في لبنان وغيرها.
ولا يغيب عن البال أيضا أنّ الإنشقاق الفلسسطينيّ، وفصل قطاع غزّة عن الضّفّة الغربيّة، وبغضّ النّظر عن أسبابه غير المبرّرة، إلا أنّه يجري تغذيته عربيّا.
والسّؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذا التّطبيع المجّاني سيأتي بالسّلام فعلا للمنطقة؟ وهل الإستقواء على الشّعب الفلسطيني وسلطته في هذه المرحلة سينهي القضّيّة الفلسطينيّة؟
ولعل الصحفيّ الإسرائيلي التّقدميّ جدعون ليفي، قد أجاب على هذا السّؤال بقوله:”
إنّ الإسرائيليّ أضاع الفرصة، وما سيحدث في المستقبل أنّهم سيندمون كثيرا،
وستكون هزيمتهم حقيقة، وليست مثل سراب أوسلو، وما ستحمله الأيّام أصعب بكثير من أحلامهم.”
ولمن يحسبون أنفسهم “أصحاب سيادة وأصحاب قرارات سياديّة”، سيتساقطون تباعا، وستثبت لهم الأيّام بأنّهم ليسوا أكثر من خيول رهان يجري استبدالها عندما تستنفذ مهمّاتها.
14-9-2020