لم يحظّ قائد عربي بحب وتأييد الغالبية العظمى من أبناء شعبه وأمته كما حظي الزعيمان الراحلان جمال عبد الناصر وياسر عرفات، وسيأتي يوم تثبت فيه الحقائق غباء قادة الفكر الامبريالي والصهيوني، لقتلهم رمز الشعب الفلسطيني وقائده ورئيسه الراحل ياسر عرفات، فقد كان الأكثر قدرة على صنع سلام حقيقي ودائم، وتقديم تنازلات مؤلمة من أجل ذلك، لما كان يتمتع به من شعبية واسعة بين صفوف شعبه وأمته، لكن حقدهم الأعمى وعدم جاهزيتهم للسلام أعمت بصيرتهم وأبصارهم، فقتلوا الرجل بدلا من الوصول الى سلام معه، فأريئيل شارون رئيس الحكومة الاسرائيلية وقتئذ صرح أكثر من مرّة عند حصار الرئيس عرفات في المقاطعة في رام الله بأن عرفات لن يخرج من المقاطعة حيّا، ويبدو أن مسلسل الاعداد لاغتيال الزعيم الفلسطيني بدأ بعد رفضه التنازل عن أجزاء من المسجد الأقصى في كامب ديفيد في تموز 2002، رغم كل الضغوطات التي تعرض لها من أمريكا، وكنوزها الاستراتيجية في العالم العربي.وقد كان واضحا منذ اليوم الأول لوفاة الرئيس عرفات أنه لم يمت ميتة طبيعية، فالمستشفى الفرنسي الذي توفي فيه لم يصدر تقريرا عن أسباب الوفاة، وربما تعرض أطباؤه لضغوطات كبيرة لعدم اصدار تقرير طبي يبين الأسباب الحقيقية للوفاة، مما يعني أن الوفاة ليست طبيعية، وبما أن الأطراف التي استهدفت حياة الرئيس الفلسطيني تدرك مكانة الرجل العظيمة، وتدرك مدى ردود الأفعال الشعبية والدولية إذا ما تمت تصفيته بشكل علني، فقد لجأت الى تسميمه لتضليل الرأي العام، ولتظهر الوفاة وكأنها طبيعية، فلجأت الى تسميمه بمادة البولونيوم كما جاء في تقرير الجزيرة المثير للجدل في اكثر من جانب، من حيث توقيت نشره، وأسباب هذا النشر، وبغضّ النظر عن الأيدي التي أوصلت السموم الى الرئيس الراحل، وهي فلسطينية المولد -مع الأسف- وولاؤها لأعداء الشعب الفلسطيني، إلا أن هذا لا يعفي من يقف وراء هذه الجريمة، وهو الجانب الاسرائيلي، كونه الوحيد في المنطقة القادر على انتاج هذه السموم في مفاعلاته النووية، كما أنه الوحيد الذي كان يسعى للخلاص من الرئيس الشهيد سرّا وعلانية، وتاريخ اسرائيل في الاغتيالات السياسية معروف وليس سرا.لكن الفضيحة الأخلاقية والإنسانية والسياسية العربية والدولية تتمثل في عدم تشكيل لجنة تحقيق دولية لمعرفة أسباب وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل، خصوصا وأن أجهزة مخابرات كثير من الدول ذات العلاقة لا بدّ وأنها كانت تعلم أن وفاة الرجل لم تكن طبيعية، وإذا كان الاغتيال السياسي مرفوضا على مستوى أشخاص عاديين، فانه بالتأكيد مرفوض اذا استهدف قادة سياسيين، وياسر عرفات لم يكن قائدا محليا فحسب، بل كان زعيما سياسيا عالميا، واغتياله يمثل ارهاب دولة بكل المقاييس، ومن هنا تنبع أهمية تشكيل لجنة تحقيق دولية لكشف حقائق ما جرى، ومحاسبة من خططوا ونفذوا هذه الجريمة.
11 تموز 2012