تمرّ هذه الأيام الذكرى السادسة والأربعون لحرب 5 حزيران 1967 العدوانية، ونتائجها الكارثية التي أوقعت ما تبقى من فلسطين تحت الاحتلال الاسرائيلي، إضافة إلى مرتفعات الجولان السورية، وصحراء سيناء المصرية، وإذا كانت الأنظمة العربية، ووسائل اعلامها قد اعتبرت نتائج الحرب نكسة كما سماها الصحفي والمفكر المصري الكبير محمد حسنين هيكل، فإن الواقع يؤكد يوما بعد يوم أنها كانت هزيمة ماحقة، لا يزال العرب عامّة، والشعب الفلسطيني خاصّة يعانون من نتائجها الكارثية حتى أيامنا هذه، وسيعانون في المستقبل أيضا، لأنهم لم يعملوا شيئا يستحق الذكر للنهوض من “كبوتهم” في حين أن اسرائيل التي انسحبت عام 1979 بناء على اتفاقات كامب ديفيد من صحراء سيناء المصرية لتبقى رهينة لديها، قد عملت ولا تزال تعمل الكثير جدا وبدعم أمريكي -لا محدود وفي كافة المجالات- لترسيخ احتلالها للضفة الغربية وجوهرتها القدس الشريف، ولمرتفعات الجولان السورية، وذلك من خلال تكثيف الاستيطان المتواصل يوميا، والذي يهدف الى خلق وقائع على الأرض، وايجاد خلل ديموغرافي واضح، يمنع الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس المحتلة، بعد كنس الاحتلال وكافة مخلفاته، بل إن السياسة الاسرائيلية تثبت يوميا عملها على تحقيق الحلم والمخطط الصهيوني الذي تتعدى أطماعه التوسعية حدود فلسطين التاريخية بكثير، فمنذ مؤتمر مدريد في اكتوبر 1991- الذي أجبرت إدارة جورج بوش الأب اسرائيل على حضوره لاسترضاء الدول العربية التي شاركت في حرب الخليج الأولى، لإخراج الجيش العراقي من الكويت، لم تعمل اسرائيل شيئا لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، وحتى اتفاقات أوسلو مع منظمة التحرير في العام 1993 والتي تمخضت عن اقامة السلطة الفلسطينية، والتي اعتبرها الفلسطينيون وقيادتهم السياسية مقدمة لإنهاء الاحتلال واقامة الدولة المستقلة، فإن القادة الاسرائيليين هدفوا منها إنهاء دور منظمة التحرير وتفريغها من مضمونها النضالي، وإنهاء القضية الفلسطينية من خلال إدارة مدنية على السكان دون الأرض…وهذا ما يعملون على تكريسه، وحكومة نتنياهو التي تواصل الاستيطان يوميا، وترفض ايقافه ولو لمدة محدودة، تتنكر حتى لما توصلت اليه المفاوضات مع الحكومات الاسرائيلية السابقة، بما فيها حكومة ايهود أولمرت الليكودية، وتريد العودة للمفاوضات من نقطة الصفر مع استمرار الاستيطان، وما تصريحات بعضهم عن حلّ الدولتين إلّا من باب العلاقات العامّة، لعدم استعداء الرأي العام العالمي، وحتى مبادرة السلام العربية التي طرحها العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز ملك السعودية،عندما كان وليّا للعهد على مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، أفرغتها اسرائيل من مضمونها، ولم تقبل منها إلّا بندا واحدا هو(إقامة الدول العربية والاسلامية علاقات كاملة مع اسرائيل)أي أنها –أي اسرائيل- تريد اعترافا عربيا واسلاميا بها مع احتفاظها بالأراضي العربية المحتلة
حلّ الدولتين: ونتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف لن ينسحبوا من 40% من أراضي الضفة الغربية كما يتوهّم البعض، فهم يعتبرون فلسطين التاريخية جزءً من(أرض اسرائيل الكاملة) هذه الأرض التي تطلّ على الصحراء العربية-الجزيرة العربية- كما كتب نتنياهو في كتابهAplace between nations الذي ترجم الى العربية تحت عنوان(مكان تحت الشمس) الصادر في بداية تسعينات القرن الماضي. وهم يرون أن لا مكان إلّا لدولة واحدة بين النهر والبحر، وأن حلّ مشكلة الفلسطينيين تكمن في الأردن كوطن بديل، مع أن الأردن تربطه مع اسرائيل معاهدة سلام، موقعة في العام 1994 في وادي عربة. والجنون الاستيطاني جعل حلّ الدولتين مستحيلا، وهذا ما سعى اليه نتنياهو، وأقصى ما يمكن أن تتنازل اسرائيل عنه للفلسطينيين هو حكم ذاتي على السكان دون الأرض للتجمعات السكانية الفلسطينية المصنفة بمناطق”A “حسب اتفاقات أوسلو، تمهيدا لطردهم خارج الحدود في حرب مفتعلة قادمة ستحصد أرواح الكثيرين منهم.
ولا يمكن استبعاد “حلّ”يعمل البعض عليه وهو إقامة دولة فلسطينية في شمال سيناء امتدادا لقطاع غزة، وتقاسم وظيفي مع الأردن في مناطق الادارة الذاتية في الضفة الغربية، مع تأكيدات اسرائيل على “لاءاتها” الشهيرة، وهي لا انسحاب من القدس، لا انسحاب من المستوطنات وغور الأردن، لا عودة للاجئين، ويجب استمرار البناء الاستيطاني.
الدولة الواحدة: يخطئ من يتحدث عن دولة واحدة ضمن الظروف الراهنة، فالصهيونية تتحدث عن “دولة يهودية نقيّة” أي لا مكان لغير اليهود فيها. وهي من تملك خيار القوّة، بدعم لا محدود من الولايات المتحدة الأمريكية، يشجعهما اختلال موازين القوى، بعد أن أسقط العربان كلّ الخيارات باستثناء خيار المفاوضات، ويساعدهما أيضا الانشقاق على الساحة الفلسطينية وما ينتج عنه من آثار تدميرية.
وتصفية القضية الفلسطينية لحساب المشروع الصهيوني باتت قريبة بعد الانتهاء من تدمير سوريا وقتل شعبها، واقامة”مشروع الشرق الأوسط الجديد” لتجزئة المجزأ” وادخال المنطقة في صراعات طائفية”سنّة وشيعة” ستستمر لعشرات السنين حتى يبرز عقلاء بين الأمّة، وقد جرى تجنيد “علماء” من أصحاب العمائم واللحى من كلا الجانبين، لمساندة وكلاء سياسيين لتغذية الطائفية واشعال نيرانها. مما يعطيها الأولوية في حسابات الشعوب، ووكلاء أمريكا من الحكام والقادة. وصرفهم عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في وطنه.
الخراب العربي: وتمرّ ذكرى حزيران هذا العام وسوريا قد أصبحت ساحة حرب لتصفية صراعات اقليمية ودولية في المنطقة، فيجري تدميرها وقتل شعبها، من قبل نظام يتمسك بالحكم رغم غزارة الدماء المسفوكة، ومن معارضة “متأسلمة” ضلّت طريق الجهاد، ومدعومة من جهات أجنبية وعربية ما كانت يوما ولن تكون داعمة لحريات الشعوب.
في حين تعيش مصر مرحلة انهيار قد تصل الى افلاس الدولة وانهيارها بعد انفراد جماعة الاخوان المسلمين بالحكم في مصر. والأوضاع في تونس لا تقلّ سوءا هي الأخرى. كما أن الأوضاع في لبنان لا تبشر بالخير خصوصا بعد تدخل حزب الله عسكريا في الصراع الدائر في سوريا، وما سبقه من تمويل القوى اللبنانية المناوئة لحزب الله المعارضة السورية بالسلاح والمال.
وفي كلّ الأحوال تيقى المنطقة على فوّهة بركان قد تنطلق حممه في كلّ لحظة، لكنه لن يحرق إلّا العربان، بعد ان ارتضوا لأنفسهم الخروج من التاريخ، وبعد أن اعتبروا الهزائم انتصارات، وسوّقوها على شعوب أعماها الفقر والجهل. فسحقا لك يا حزيران العار.
2 حزيران 2013