من حق شعوبنا أن تمتع بالحريات الدينية والعقائدية، وحرية التنقل واختيار مكان السكن، واختيار شريك الحياة، واختيار من يحكمها أو يمثلها في مؤسسات الدولة، كما هو من حقها أن تكون لها صحافة حرة تتسع للرأي والرأي الآخر، وهذا يتطلب أن تكون لنا دولة مدنية لها قوانينها، التي تضمن مساواة المواطنين فيها، وفصل واستقلالية السلطات الثلاث وهي التنفيذية والتشريعية والقضاء. ومن حق المواطنين أن تكون لهم أحزاب وتنظيمات تعبر عن اتجاهاتهم الفكرية والسياسية، وصيانة الحريات تتطلب القناعة والايمان بتبادلية السلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة، واحترام نتائج هذه الانتخابات بأن تقبل الأقلية الحزبية بحكم الأكثرية، بما يخدم الشعب والوطن، ويعمل على رفعتهما، ويصون وحدة الشعب والوطن، ويبني للدولة مكانة تليق بها بين الأمم، فما يجمع أبناء الشعب الواحد أكثر بما لا يقاس بما يفرقه.
فهل هذا ما يجري في بلداننا؟ وهل عندنا فهم راق لمفهوم الحريات؟ وهل فهمنا للتعددية الحزبية والثقافية تربية وسلوك أم مجرد صندوق اقتراع؟ ولكي نكون صادقين مع أنفسنا قبل غيرنا، علينا أن نتذكر دائما أن أحزابا في دول عربية تزعم أنها ثورية وطلائعية ووحدوية وديموقراطية، وصلت الى الحكم بانقلابات عسكرية، وما لبثت أن حكمت شعوبها بالحديد والنار، فقمعت الحريات واضطهدت الأحزاب الأخرى التي كانت حليفا لها في مراحل سابقة، كما اضطهدت الأقليات الدينية والعرقية.
كما شاهدنا ونشاهد أحزابا من الاسلام السياسي، لا ترى مسلمين غيرها، وهي تؤمن بالانتخابات لمرة واحدة اذا ما فازت، وبعدها تجيّر الدولة لمصلحة الحزب، وتضطهد هي الأخرى مخالفيها سواء كانوا أفرادا أو أحزابا. واذا لم تفز بالانتخابات فانها تلجأ الى العنف للوصول الى الحكم.
ويلاحظ أيضا أن الأحزاب الوطنية والدينية اذا ما كانت في المعارضة فانها لا تحترم رأي الأغلبية الحاكمة التي أفرزتها صناديق الاقتراع، ولا تسعى الى اسقاط الحكومات التي تعارضها من خلال البرامج الواقعية والصحيحة التي تقنع الشعب كي ينتخبها بناء عليها، وبعضها يتذيل لجهات أجنبية ويخدم أجندتها ويقبل تمويلها له على حساب شعبه ووطنه.
ونتيجة لعدم الاستقرار في منطقتنا، وما يترتب عليه من مشاكل على مختلف الأصعدة، ولأننا لم نبن الدولة المدنية المستقلة حتى الآن، ولم نجرب حلاوة الاستقلال الحقيقي، فان ذلك أدخلنا ويدخلنا في مشاكل لها أوّل وليس لها آخر. ولنأخذ مثالا على ذلك الحالة الفلسطينية، كون فلسطين تعيش تحت احتلال كولونيالي أهلك البشر والشجر والحجر، وكون شعبنا العربي الفلسطيني يسعى الى تقرير مصيره، بالتحرر والاستقلال وبناء دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف بعد كنس الاحتلال وكافة مخلفاته. فتنظيماتنا وأحزابنا وحدّها الدم المسفوك من أبناء شعبنا عبر عقود طويلة وفي جبهات وخنادق مختلفة، لكننا نلاحظ الصراعات الحزبية التي أضرت بالقضية وبالشعب، والتي وصلت الى انقلاب حماس في العام 2006 لتفصل قطاع غزة عن شطره الثاني المعروف بالضفة الغربية، واذا كنا نتفق على عَلَم دولتنا العتيدة ذي الألوان الأربعة، وهو علم الوحدة العربية، وعلم دولة الخلافة العباسية لمن لا يعلم. وهذا ما يدعو الى التمسك به أكثر مما يجب حتى يُرفع خفاقا فوق سور القدس ومأذن مساجدها وأبراج كنائسها، لكننا نشاهد تنظيماتنا وأحزابنا تقوم بمظاهرات ومسيرات واحتفالات ترفع فيها الأعلام الحزبية، وكأن للعلم الحزبيّ قدسية تفوق قدسية العلم الوطني، علم الدولة العتيدة، رمز الحرية والاستقلال. أفلا يدل هذا على ثقافة حزبية عمياء؟
11-5-2014