من اللافت هو السباق غير المنضبط في المناسبات المختلفة في أيّهم سيقدّم طبيخا أكثر، بل من يفاخر بكميات الطعام التي يلقيها في حاويات القمامة، أو بعدد رؤوس الأغنام والأبقار التي ينحرها في حفل زفاف ابنه مثلا، وهذه قضايا لا علاقة لها بالكرم وقرى الضيف، بل هي نوع من النفاق الاجتماعي الذي لا ضرورة ولا مبرر له، والذي قد يفرض نفسه على الفقراء ليتماشوا مع ما يقدّمه الميسورون، وبالتالي سيعيشون ردحا من الزمن وهم يسدّدون ديونا استدانوها في حفل زفاف أبنائهم. أعرف أشخاصا في قريتي تفاخروا بأنهم نحروا أكثر من خمسين رأس غنم في عرس كلّ ابن من أبنائهم، في حين كان عدد المدعوين لا يصل المائتين، هذا عدا الأرز والخبز لاعداد المناسف، وغالبية هذا الطعام يستقر في حاويات القمامة. ومن الملاحظ أنّ هناك من يدعو شخصا ذا نفوذ أو مكانة معينة لزيارته وتناول الطعام في بيته، مؤكدا عليه بأن يأتي هو ومن يريد من أقاربه وأصحابه، وبالتالي فان الدّاعي يدعو هو الآخر عددا من أقاربه ومن الوجوه الاجتماعية لتناول الطعام على شرف “الضيف المدعو” وقد لا يزيد عدد الحضور عن العشرة أشخاص، لكن الخراف التي نحرت قد تكون عشرين أو يزيد، وبما أن هذا خارج عن نطاق الكرم واكرام الضيف، ويدخل في باب الرياء الاجتماعي لتحقيق مصلحة ما، لأن الداعي يفاخر بأنه ذبح كذا خاروفا عندما زاره فلان! وبما أن هذه الولائم لا داعي لها، وليست ذات مصداقية حتى عند من يقومون بها، فاننا نجد بعض الأشخاص يدعو عددا من الاشخاص، كأن يكونوا عشرة مثلا، وهذا عدد يكفيه خاروف واحد بل ويزيد، لكن الداعي يريد أن يحملهم جمائل كرمه الزائف، فيشترى من الجزارين عددا من رؤوس الماشية المذبوحة، ويقدم خمسة مناسف بدلا من اثنين، وعلى كلّ منسف رأس خاروف ليوهم المدعوين أنه نحر لهم خمسة خراف….وهكذا.
والبذخ في تقديم الطعام يندرج أيضا على المؤسسات الشعبية والرسمية، فبعض حفلات العشاء التي تقام مكلفة جدا، مع أن المدعوين ليسوا جياعا، وليسوا بحاجة الى الطعام، ولو تمّ توفير تكلفات حفلات البذخ لكان بالامكان صرف تكلفتها على مواطنين هم بحاجة حقا الى المساعدة، أو القيام بمشاريع تفيد الشعب.
والمحزن أن المبالغة في تقديم الطعام، والذي يبدو كأنه ميدان سباق غير معلن قد أصبح سلوكا وثقافة، بحيث أن من لا يتماشى معه يتعرض للانتقاد والاتهام بالبخل والتقتير.
4- ايار-2014