ومن عجائب عصور الانحطاط والتّخلف ومعاداة التّطوّر الحياتيّ، أن يتمّ الاحتفال قبل عدّة أشهر بمناقشة رسالة ماجستير في احدى الجامعات العربيّة، عنوانها “الضراط وأحكامه” في نفس اليوم الذي نزلت فيه محطّة فضاء أمريكيّة على كوكب المرّيخ، وتأتي فتوى الأزهر قبل بضعة أيّام بأنّ الضراط المفسد للوضوء له مواصفات من حيث الرائحة والصوت وغير ذلك، وما تبقى لا يفسد الوضوء، وهذا يعيدنا إلى الجدل حول أولويّة اليد والرِّجل اليمنى على أختها اليسرى، وضرورة دخول الحمّامات بالرِّجل اليسرى، وكأنّ الجانب الأيسر من جسم الانسان نجس أو قذر ولا يمكن تطهيره وتنظيفه! وهناك من الخرافات والخزعبلات الكثير حسب ما ورد في مؤلّفات الأقدمين، واتّخذت طابع القداسة دون أن يشغل أحد عقله وفكره في تمحيصها وتدقيقها*. وحسب ثقافة التّخلف وهي ثقافة لا علاقة لها بالدّين الصّحيح، فإنّ صاحب كتاب” الضراط وأحكامه” يسمّى عالما، تماما مثلما نطلق على بعض أئمّة المساجد من الأمّيّين وأشباههم لقب عالم أيضا، ومثلما نقرأ على بعض كتب الأقدمين عن المؤلّف بأنّه عالم زمانه ووحيد عصره، مع أن لا علاقة للعلم بمؤلّفه. وتماما مثلما ظهر أحد “العلماء” المعتقلين في احدى الدّول العربيّة على احدى الفضائيّات يدعو إلى إباحة قتل المسلمين أثناء استهداف أحد “الكفرة” الذي يسكن بجوارهم حسب رأيه! ويفاخر بأنّه لم يرسل أبناءه إلى المدرسة لأنّها تدرس موادّ تكفيريّة كالرّياضيات!
فلماذا تذهب جهود أبناء شعوبنا التعليميّة بحثا عن الضراط وغيره؟ ولماذا لا يتم توجيههم لدراسة علوم الدّنيا؟ فهل ختمنا علوم الرّياضيّات والفيزياء والهندسة والزّراعة والاختراعات والابتكارات والطّب وغيرها، وتربّعنا على عرشها، ولم تعد بنا حاجة إليها حتى نبتعد عنها؟ وهل تساءلنا عن مدى مساهمتنا في العلوم الحديثة؟ ولماذا؟ وهل مدارسنا ومناهجنا التعليميّة في مختلف مراحلها تواكب العصر؟ ولماذا نحتل مراكز الصّدارة في الجهل والفقر وانتشار الأمراض؟ ولماذا نسبة الوفيات عندنا أعلى من مثيلاتها في الدّول المتحضّرة؟ ولماذا لا نقبل الرأي والرّأي الآخر؟ ولماذا نخاف من كلّ جديد؟ ولماذا أوطاننا ومواردنا الطّبيعيّة لا تزال نهبا للطّامعين؟ ولماذا لا يتمّ تطوير الزّراعة وتصنيع البلدان؟ ولماذا السّبحة التي نسبّح بها والسّجادة التي نصلي عليها وملابس الاحرام في الحجيج صناعة أجنبيّة؟ ولماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ وهل يحتاج الضراط إلى أبحاث جديدة؟ ولماذا تتمحور غالبيّة فتاوي مشايخنا على الجزء السّفلي من المرأة؟ وعلى علاقة الذّكور بالاناث؟ وعلى حلق اللحى وحفّ الشّوارب! ومن أين أتتنا الأفكار التّكفيريّة والتّخوينيّة التي قادتنا وتقودنا إلى قتل مئات الألوف من شعوبنا وتدمير بلداننا؟ ولماذا نلجأ إلى التبريريّة لتجميل أخطائنا وخطايانا بدلا من الاعتراف بها ومعالجتها؟
15-4-2015