يعتبر الانغلاق الفكري والثّقافي واحدة من الأمور التي تعاني منها شعوبنا، وتجعلنا متقوقعين على أنفسنا، لا نعرف كيف تعيش الشّعوب الأخرى، تماما مثلما لا نعلم ماهيّة دورنا في الحياة الدّنيا، وبهذا نبقى ندور في حلقة مفرغة نأبى الخروج منها. حتّى أنّ البعض منّا يرى أنّ المجتمعات غير الاسلاميّة مجتمعات إباحيّة! دون أن يكلّف نفسه بالتّساؤل حول أسباب التّفوّق العلميّ والاقتصاديّ وغيرها عند تلك الشّعوب، ولا يعطي لنفسه حرّيّة التّفكير والتساؤل إذا ما كانت تلك الشّعوب كما يفكّر فلماذا سادت العالم بعلومها واختراعاتها وقوّتها في مختلف المجالات؟
ومن ضمن الانغلاق الفكريّ، والتّمسّك بنصوص كتبها بشر يخطئون ويصيبون في عصور سابقة، لكنّها أخذت طابع القداسة عند المنغلقين فكريّا، مع أنّهم يعلمون أن القداسة فقط للقرآن الكريم، وللسّنّة النّبويّة الصّحيحة. حتى أنّ البعض يرى أنّ مقولة “الدّين لله والوطن للجميع” مقولة علمانيّة، ويرى في ذلك طعنا في النّصّ الدّينيّ! فهل في هذا القول طعن في النّص الدّينيّ؟ وإذا كان الأمر كذلك فلمن الدّين؟ أليس لله؟ ولمن نصلّي ونصوم ونزكّي ونحجّ، وبمن ولمن ننطق بالشّهادتين؟ وهل أصحاب الدّيانات السّماويّة الأخرى يؤمنون بغير الله؟ وكذلك الوطن، أوليس الوطن لمواطنيه جميعهم؟ وهل تعدّد الدّيانات في الوطن الواحد يثري ثقافة وحضارة الشّعوب أم لا؟ وهل أتباع الدّيانات الأخرى من مواطني البلدان العربيّة والاسلاميّة يحرمهم دينهم من حقّ المواطنة؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل مسلمو هذا الزّمان يفهمون الدّين أفضل من مسلمي عهد الخلفاء الرّاشدين ومن تبعهم من الخلفاء؟ وهل عدنا إلى العهد الرّاشديّ لنرى كيف تعامل الخلفاء مع أتباع الدّيانات الأخرى في البلاد التي فتحها المسلمون؟ وهل نعود إلى تاريخنا لنقرأ كيف تعاملوا مع الأقباط في مصر ومع مسيحيّي بلاد الشّام؟ وهل نقرأ العهدة العمريّة في فتح القدس؟ وإذا لم يكن الوطن لجميع مواطنيه فكيف عاش اليهود والمسيحيّون في دولة الخلافة الاسلاميّة؟ وهل يغيب عن عقول البعض منّا أنّ اليهوديّة والمسيحيّة موجودتان قبل الاسلام؟ وأنّ المسلم الذي ينكر نبوّة موسى وعيسى عليهما السّلام كافر؟
في الهند أكثر من ألف دين وآلهة لكنّهم يعيشون في وطن واحد، وأمريكا الدولة الأعظم في عصرنا تتكوّن من مهاجرين من مختلف شعوب الأرض، وفيها أتباع لمختلف الديانات السّماويّة والوضعيّة، والقانون يحفظ ويحمي حرّيّة المعتقد للجميع، لذا فهم يعيشون بأمان تامّ، وجميعهم يعملون لمصلحة وطنهم.
وفي بلداننا العربيّة غالبيّة المواطنين العظمى من المسلمين، وهناك مسيحيّون عرب، توارثوا حقّ المواطنة في بلدانهم من قبل الاسلام وحتّى أيّامنا هذه، ووجدنا في القرن الحادي والعشرين من ينكر عليهم حقّهم بالتّمسّك بدينهم وديارهم، بل هناك من أمعن فيهم قتلا وتشريدا وسبيا. وتعدّى العمى الفكريّ والفهم الخاطئ للنّصوص الدّينيّة، واخراجها عن سياقها ذلك إلى قتل المسلمين لبعضهم البعض، ولكلّ جماعة فتاويها وأفكارها ومرجعيّاتها، ووجدنا فرقا وجماعات يصعب على المرء حصرها، وبعضها يحمل فكرا تكفيريّا يبيح لها قتل وسلب واستباحة من يخالفها الرّأي! فمن المسؤول عن ذلك؟ وإلى متى سنبقى على هذه الحال؟
ونجد من يتمسّك ببعض المصطلحات فينكر ما يريد ويتمسّك بما يريد أيضا، مثل أن ينكر البعض مصطلح”الوطن” ويستبدله “ببلاد المسلمين” لكنّ ذلك لا يغيّر من جوهر الموضوع.
وهل هناك من يفرّق بين الدّولة الدّينيّة والدولة الاسلاميّة؟ وهل يعلم المتعصّبون أنّ الدّولة الدّينيّة لم توجد في التّاريخ الاسلاميّ، وأنّه منذ عهد الرّسول صلى الله عليه وسلّم حتى آخر عهد الخلافة العثمانيّة كانت الدّولة اسلاميّة ولم تكن دينيّة؟ وهل يعلمون أنّ الشّاعر “أبو تمّام” الذي تغنّى بفتوحات المعتصم كان مسيحيّا؟ وحل يعلمون أنّ الشّاعر الأخطل جليس عبد الملك بن مروان كان مسيحيّا أيضا؟ وأنّ الشّاعر السّموأل كان يهوديّا؟
ونعود ونسأل: ما الخطأ أو ما الكفر في قولنا”الدّين لله والوطن للجميع”؟
30-1-2016