جاء في تقرير اليونسكو عام 2015 أنّ ما ترجم للإسبانية في ذلك العام يعادل ما ترجم إلى العربيّة منذ عصر الخليفة المأمون”786-833م” حتّى يومنا هذا. وممّا جاء في ذلك التّقرير أنّ الفرنسيّ يطالع 290 ساعة في السّنة، بينما يطالع العربيّ ستّ دقائق في السّنة.
وفي بداية العام 2020م وعندما صدرت روايتي الأخيرة “الخاصرة الرخوة” عن مكتبة كل شيء في حيفا، هاجمها وهاجمني بعض “المتأسلمين الجدد” بناء على تحريض أحد التّكفيريّين الذي يزعم أنّه من حماة الدّين دون أن يقرأ هو وهم الرّواية، فكنت أشكر “المهاجمين” على “حسن أخلاقهم!” وأرسل لهم الرواية إلكترونيّا، وأقول لكل منهم” ليتك تقرأ الرّواية أوّلا، وبعد ذلك سأقبل رأيك بها مهما وكيفما يكون.” فردّ عليّ أحدهم:” نحن لا نقرأ لأنّنا مشغولون بعظائم الأمور.”وهذا يؤكّد من جديد أنّ أمّة إقرأ لا تقرأ”. ولست هنا في مجال البحث عن أسباب عزوف أمّتنا العربيّة الإسلاميّة عن المطالعة وزيادة المعرفة، وإن كانت أسبابها تنبع من “الجهل السّائد”.
ومع أنّ العديد من الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة الشّريفة تحثّ على العلم والتّعلّم، إلا أنّ ذلك لا يحظى بما يستحقّ من اهتمام وتطبيق على أرض الواقع، حتّى أنّ خطباء المنابر يركّزون في خطب الجمعة على عذاب جهنّم، وكأنّ الله-سبحانه وتعالى – لم يخلق النّار إلا لتعذيب المسلمين الذين لا يطبّقون الشّريعة حسب فكر الخطيب! ومن يستمع لغالبيّة هؤلاء الخطباء يحسب أنّ المسلمين قادة وشعوبا ودولا هم سادة العالم في المجالات كافّة! دون الإنتباه أنّ العرب والمسلمين وبفضل القادة الأشاوس قد تفوّقوا على العالم بهزائمهم المتلاحقة، وبسيادة الجهل السّائد الذي أدخل الأمّة في حلقات مفرغة من التّخلف الذي يقود إلى الجهل حتّى في الفهم الصّحيح للدّين.
ومن أهمّ أسباب هذا كلّه هو الإنغلاق على ثقافات وحضارات وعلوم الشّعوب الأخرى. ودون إدراك أنّ العلوم والثّقافة والحضارة الحقّة هي ملك عامّ للبشريّة.
وهل ننتبه أنّ أحدا من الأمّتين العربيّة والإسلاميّة لم يكلّف نفسه عناء البحث عن الأسباب التي جعلت هذه الأمّة تسود البشريّة بحضارتها في مرحلة تاريخيّة، ولم يتساءلوا عن أسباب تراجعهم عن ذلك؟ فبعد أن حكموا العالم تراجعوا وأصبحوا مطيّة للدّول الإستعماريّة الطامعة بثروات هذه الأمّة. لكنّ هناك ما يشبه الإجماع من الخطباء ومن أتباعهم “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ”، فأين نحن من الحديث الشّريف الذي يقول:” اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا” فهل نوفّق بين متطلّبات الدّنيا ومتطلّبات الآخرة، أم نعيش للآخرة فقط؟
وبسبب الإنغلاق والجهل حول الشّعوب الأخرى فإنّ البعض منّا يعتقد وبإيمان غير قابل للنّقاش بأنّنا نعيش في رخاء ونعيم تفتقده الشّعوب الأخرى “الكافرة”! وقد يجد المرء عذرا لهؤلاء الذين يعيشون نعيم جهلهم لأنّهم يجهلون كلّ شيء عن الأمم والشّعوب الأخرى. لكن لا عذر لهم في الاستمرار بهذا الجهل. فكم منّا مثلا يعلم أنّ دولة مثل بلجيكا عدد سكّانها ستّة ملايين نسمة وثرواتها تعتمد على صناعة الأخشاب وصيد السّمك يعادل دخلها القوميّ دخل السّعوديّة أكبر منتج للبترول في العالم؟ وأنّ دولة مثل اسبانيا والتي تعد من أفقر الدّول الأوروبّيّة يعادل دخلها القومي دخل الدّول العربيّة مجتمعة؟ وهل تساءلنا عن أسباب ذلك؟
وهل فكّر بعضنا بأسباب الحروب الدّاخليّة في بلادنا العربيّة؟ وإلى أين ستقودنا هذه الحروب؟ وهل تساءلنا عن تحالفات دولنا مع الدّول الإمبرياليّة التي تحتلّ أراضينا وتنهب خيرات شعوبنا؟ وهل تساءلت شعوبنا عن أسباب تغيير التّحالفات واعتبار الأعداء أصدقاء والأصدقاء أعداء، والإستعداد للقيام بحروب بالوكالة لتحقيق أهداف الأعداء؟ وهل نتساءل كيف أخرج القادة أمّتنا من التّاريخ؟ وهل نتساءل عن كيفيّة نشوء الشّعوب والدّول وكيفيّة زوال شعوب ودول؛ لنتلافى ضياع أمّتنا؟ والحديث يطول.
3-8-2020