الزّيارات المكوكيّة بين مسؤولين سعوديين ومسؤولين أمريكيّين تشي بأنّ التّطبيع العلنيّ بين السّعوديّة واسرائيل بات قريبا، في حين أنّ التّعاون العسكريّ والأمني جار منذ سنوات وبشكل شبه خفيّ، كما جرى التّمهيد للتّطبيع بأمور بسيطة مثل السّماح لشركة الطّيران الإسرائيليّة بالمرور عبر الأجواء السّعوديّة. ويلاحظ من خلال تطبيع بعض الأنظمة العربيّة رضوخا للضّغوطات الأمريكيّة مثلما فعلت الإمارات والمغرب والبحرين، واعتبرته الجامعة العربيّة ودولها قرارات سياديّة! جاء كإعلان عن وفاة ما يسمّى المبادرة العربيّة التي أطلقها الملك عبدالله بن عبد العزيز عام 2002 عندما كان وليّا للعهد. وهذا التّهافت على التّطبيع جاء ويجيء في ظلّ التّطرّف اليمينيّ العنصريّن وكأنّه مكافأة له، مثلما هو مكافأة لمرشّحي الرّئاسة الأمريكيّة الذين يزاود كلّ منهم على الآخر بدعمه اللامحدود لإسرائيل، التي تواصل احتلال فلسطين والجولان السّوريّة ومزارع شبعا اللبنانيّة.
ومن حقّ المواطن الفلسطينيّ بشكل خاصّ والعربيّ بشكل عامّ أن يتساءل عن إحجام الأنظمة العربيّة عن الضّغط أو “التّوسل” لأمريكا، كي تضغط على اسرائيل لأنهاء احتلالها على الأقلّ للأراضي العربيّة المحتلة في العام 1967، ولتطبيق قرارات الشّرعيّة الدّوليّة التي سبق وأن وافقت عليها أمريكا واسرائيل.
ويلاحظ من خلال ما يرشح في وسائل الإعلام أنّ محمّد بن سلمان وليّ العهد السّعوديّ يناور لتحقيق بعض المطالب الفلسطينيّة، لكنّنا لم نسمع ولم نقرأ عن طلبات لإنهاء الاحتلال الإسرائيليّ، ولتمكين الشّعب الفلسطينيّ من حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة بعد كنس الاحتلال ومخلّفاته كافّة، مع أنّ الأنظمة العربيّة كانت تتبجّح بمقولة “نقبل بما يقبل به الفلسطينيّون”!
ويجدر التّذكير هنا أنّ السعوديّة بما تمثّله من ثِقلٍ اقتصاديّ وسياسيّ ودينيّ في المنطقة، إذا ما انجرفت إلى مستنقع التّطبيع، فإنّ مسبحة الصّمود العربيّ والإسلامي في وجه الأطماع التّوسّعيّة الإسرائيليّة ستفرط بشكل نهائيّ، وستزداد السّياسة الصّهيونيّة تغوّلا في الاستيطان والعنصريّة والتّطهير العرقيّ، تماما مثلما فعلت بعد تطبيع المطبّعين في صيف العام 2019.
واللافت هنا ما يرشح من معلومات حول موقف السّلطة الفلسطيّنيّة التي تعيش تحت حصار اقتصاديّ إسرائيليّ أمريكيّ وعربيّ لإرغامها على القبول بسياسة الأمر الواقع، والتي تتمثّل بطروحات نتنياهو حول الحلول الإقتصاديّة، واستباحة الأراضي الفلسطينيّة للإستيطان، وأنّ الفلسطينيّين لن يحصلوا إلا على إدارة مدنيّة على السّكان دون الأرض، وقد يتعرّضون للقتل والتّشريد كما يدعو الوزيران بن غفير وسموتريتش.
ومعروف أنّ الحلّ الإقتصادي يدور في فلك مشروع “الشّرق الأوسط الجديد” الأمريكي، الذي يدعو إلى إعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعّيّ “من النّيل إلى الفرات”، والذي مهّدت له أمريكا باحتلال العراق وهدم دولته وقتل وتشريد شعبه عام 2003، وغزو اسرائيل للبنان عام 2006، وتقسيم السّودان، وإسقاط نظام القذّافي في ليبيا عام 2011، وإشعال نار الفتنة في ليبيا حتّى يومنا هذا، وحرب الإرهاب الكونيّة على سورية منذ العام 2012، والحرب على اليمن منذ العام 2015. وحصار سوريا ولبنان وإيران، وغيرها كثير.
وبالتأكيد فإنه لن يغيب عن فكر وعقل القيادات الفلسطيّنيّة أنّ القضيّة الفلسطينيّة هي قضيّة صراع على الأرض وعلى الوجود، وهي قضيّة عادلة حلّها هدفها التّحرّر والاستقلال. وليست قضيّة اقتصاديّة أو خدماتيّة، مع أنّ الأنظمة العربيّة ملزمة قوميّا وأخلاقيّا ودينيّا بالوقوف مع الشّعب الفلسطيني في مختلف المجالات، كون القضيّة الفلسطينيّة قضيّة العرب الأولى، ومن العار أن تشارك أنظمة عربيّة بالضّغوط الإقتصاديّة والسّياسيّة على السّلطة الفلسطينيّة، كي تقبل بسياسة الأمر الواقع، وهي تعلم هي وأمريكا واسرائيل والعالم جميعه جيّدا أنّ المنطقة ستبقى بؤرة صراع دائم ما لم يحصل الشّعب الفلسطينيّ على حقوقه المشروعة وحقّه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف.
5-6-2023