قرار السلطات الاسرائيلية منع أية مظاهر احتفالية في القدس على هامش احتفالات ” القدس عاصمة الثقافة العربية عام 2009 ” ومنع الشرطة الاسرائيلية أيّ تجمهر بهذه المناسبة ، حتى وصل تعسفهم الى اغلاق معرض فني تشكيلي في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ، مما يؤكد من جديد ضيق وبؤس الاحتلال الذي يعتمد على القوة العسكرية في استمراريته .
وبؤس السلطات الاسرائيلية ينبع من معرفتهم التامة بأن كل حجر وكل مَعلم في القدس يصرخ في وجوههم قائلا بأنه عربي ، وأن بُناته عرب ، وأن تاريخه عربي ، وأنه لا يمكن أن يكون إلا عربيا . فالمدينة بناها اليبوسيون العرب قبل ستة آلاف عام ، وبقي التواجد العربي مستمرا في المدينة لم ينقطع عنها يوما واحدا ، رغم كل الغزوات والمذابح التي تعرضت لها المدينة ومواطنوها العرب ، وعروبة المدينة ترسخت وأصبحت اسلامية عقائدية بمعجزة الاسراء والمعراج ، حيث صعد الرسول الأعظم – صلوات الله عليه – الى السموات العليا من المسجد الاقصى فاصبحت اسلامية عربية ، وجزءا هاما من عقيدة المسلمين ، ففيها المسجد الأقصى قبلتهم الأولى وأحد المساجد الثلاثة التي تشد اليها الرحال ، والقدس مدينة التعددية الثقافية مهد المسيح عليه السلام ، فيها طريق آلامه وكنيسة القيامة وغيرها ، والقدس هذه المدينة الصابرة الكاظمة غيظها ترفض ان يسطو عليها من ينكرون حتى حرية المعتقد لغيرهم ، وتفتح ذراعيها لمواطنيها الشرعيين ولأبناء جلدتهم الذين عرفوا بالتسامح الديني ، وحِفظ حقوق الغير .
واذا كان المحتلون هذا ديدنهم في سياساتهم القمعية فإن تصرفاتهم الرعناء الى حد الحماقة تثبت ان قناعاتهم الداخلية الراسخة بأن القدس لن تكون لهم ، وأنها لن تكون الا عربية ، وهذا ما يصيبهم بالرعب الشديد حتى من القاء قصيدة أو أغنية أو رقصة شعبية ، أو لوحة فنية تـُعرض في القدس ، وهذا الانغلاق الثقافي سيكون مردوده سلبيا عليهم هم أنفسهم قبل غيرهم ، فالمقدسيون الفلسطينيون رغم عسف المحتلين ، ورغم الحصار والخنق الذي يعيشونه ، ورغم سياسة التطهير العرقي التي يتعرضون لها ، ورغم مصادرة اراضيهم ، ومنعهم من البناء لحل ضائقتهم السكنية ، ومحاصرتهم بالبناء الاستيطاني ، وبالمستوطنين ، الا أن أحدا لم ولن يستطيع منعهم من التحدث بلغتهم العربية وأن يغنوا بالعربية ، وأن يرقصوا الرقصات الشعبية العربية ، وأن يحافظوا على تراثهم العربي ، وان يتمسكوا بديانتيهم الاسلام والمسيحية ، ولا يمكن أن تندثر الحضارة العربية العريقة الراسخة الجذور امام ” حضارة ” الفانتوم والأباتشي والمركفاة ، لكن سياسة القمع العسكري والقوة العسكرية لن تنتصر الا على المحبة والسلام ، وستنجب الأحقاد.
واذا كان وزراء الثقافة العرب قد اتخذوا قرارهم باعتبار “القدس عاصمة الثقافة العربية عام 2009 ” فلا أحد يعلم ان كانوا هم وحكوماتهم يعلمون أن القدس مدينة التعددية الثقافية ، والمنبر الحضاري عبر التاريخ ، وعروس المدائن بلا منازع ، هي العاصمة الثقافية للعرب عبر التاريخ، عدا عن كونها العاصمة السياسية والدينية والثقافية للشعب الفلسطيني الذي هو جزء لا يتجزأ من هذه الأمة العربية ، وكان عليهم ان يتذكروا ان هذه المدينة محتلة بالقوة العسكرية ، وانها تتعرض لاستلاب ثقافي بعد سلب جغرافيتها ومحاولة سلب تاريخها ايضا ، وهي تتعرض منذ اثنين واربعين عاما الى سياسة تهويدية تسارعت بشكل جنوني هذا العام تحديدا ، فماذا كانت ردود فعل الحكومات العربية على منع سلطات الاحتلال لأيّ مظهر ثقافي احتفالي في القدس بمناسبة احتفالية ” القدس عاصمة الثقافة العربية عام 2009 ” ؟؟ وما هو الحراك الدبلوماسي الذي قامت به الحكومات العربية والجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي لتحريك قضية القدس؟؟
وهل تستحق القدس وهذه المناسبة تحديدا طلبا عاجلا لعقد جلسة لمجلس الأمن الدولي لطرح قضية القدس من جديد على الساحة الدولية ، واتخاذ القرارات المناسبة بهذا الخصوص ؟؟
وألا تستحق القدس المهرجانات الثقافية المتواصلة في كافة العواصم والمدن العربية ولاسلامية والصديقة ؟؟ وأين دور المثقفين العرب بهذه المناسبة ؟؟
وهل حماية الثقافة العربية تقع على عاتق الفلسطينيين وحدهم ؟ أم انها جزء من مكونات شخصية كل فرد في الأمة العربية ؟؟
ويبقى أن نقول أن المحتلين الذين يفرضون سلطتهم بالقوة العسكرية على القدس ، فإن السيادة والثقافة في المدينة هي للمقدسيين الفلسطينيين رغم ظلمة نهارهم وطول ليلهم