استبشرنا خيرا عندما فتحت سلطتنا باب الشكاوي حول الفساد،فالفساد موجود في دول العالم كلها،وعند جميع الشعوب،وإن بشكل متفاوت،وبلادنا فلسطين وشعبها بالطبع ليسا استثناء،فنحن شعب كبقية الشعوب،فينا الصالح وفينا الطالح،لكن الفساد الأكثر وساخة ونجاسة هو السكوت على الفساد،وهيئة مكافحة الفساد يجب ان لا يقتصر دورها على المؤسسات الرسمية فقط،بل يجب ان تتعداها الى مؤسسات المجتمع المدني،ففي هذه المؤسسات سُرّاق ولصوص ومفسدون محترفون،ويتكتلون في ما يشبه العصابات المنظمة،فبعض الجمعيات التي تدعي انها خيرية،وبعض النقابات التي تدعي انها تحرص على حقوق منتسبيها من ابناء المهنة الواحدة نجدها تحصر عضويتها في مجموعة من الشللية لتضمن الفوز دائما لأعضاء الشلّة المتجانسة،والتي آخر اهتماماتها هو خدمة الشعب،وحتى الأناس العاديين الذين من المفترض ان تدافع عنهم،وبعض من يغرروا بالآخرين ويفوزوا في انتخابات احدى الدورات يرتكبون الموبقات السبع في المؤسسة،وليتهم يكتفون بذلك بل انهم يسرقون أوراقا تحمل اسم المؤسسة وشعارها ،وينصبون ويحتالون ويكذبون على الآخرين باسم المؤسسة،حتى بعد انتهاء فترتهم في الادارة،وهم لا يكتفون بادارة واحدة في نطاق مهنتهم ،بل يترشحون لادارات جمعيات ومؤسسات أخرى خارج مهنتهم،وخارج نطاق اهتماماتهم،وهم بهذا يوسعون دائرة “مؤهلاتهم “في النصب والاحتيال،فيقدمون أنفسهم لضحاياهم على انهم شخصيات اعتبارية،فهم أعضاء الهيئة الادارية لمؤسسة كذا وكذا ،وهم أعضاء مجلس الادارة لنقابة كذا وكذا،وهم اعضاء مجلس الأمناء لهيئة كذا وكذا،وأنهم يمثلون هذا الفصيل أو ذاك،وقد يغفر المرء المطلع لبعض المؤسسات لجهلها في طبيعة ومسلكيات بعض الاشخاص لعدم معرفتهم بهم،لكنه لا يقدر أن يغفر للمؤسسات التي جرى فيها تقديم شكاوى اليها من ضحايا النصب والاحتيال من قبل اشخاص من ادارة هذه المؤسسات،بل ان زملاءه الآخرين على معرفة ودراية بسرقاته وفساده في المؤسسة،ثم لا يلبثون أن يغضوا الطرف عنه للترشح للهيئة الادارية مرة أو مرات أخرى، ويفوز في الانتخابات وكأن شيئا لم يكن،والأدهى والأمرّ هو ان الجهات التي من المفترض أن تراقب عمل هذه المؤسسات تعرف حيثيات الفساد والسرقات التي مارسها ولا يزال يمارسها بعض هؤلاء اللصوص،ويغضون الطرف هم ايضا عنهم،حتى أن الانسان العادي بات يعتقد أن الفساد أصبح هو القاعدة،وأن المصداقية والشرف هي الاستثناء.
وهنا فانني أتساءل عن كيفية بناء مؤسسات دولتنا العتيدة ما دام الفساد ينخر بنيتها وهي في المهد؟ولا تجد من يوقف هذا الفساد المستشري.