الباحثون أو المنتظرون أو المتوقعون أو المراهنون بإمكانية تحقيق السلام مع حكومة بنيامين نتنياهو واهمون كالظمآن الباحث عن الماء في صحراء جدباء.
فالرجل أوضح فهمه للسلام منذ بداية تسعينيات القرن الماضي في كتابه الذي ترجم الى العربية تحت عنوان(مكان تحت الشمس) ويتلخص فهمه للسلام بالاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة في حرب حزيران 1967، ولا يخفي أطماعه في أراضي المملكة الأردنية الهاشمية، وهو يرى أن السلام في مصلحة العرب مع احتفاظ اسرائيل بالأراضي العربية المحتلة، لأنه حسب رأيه اذا اجتمعت الانتلجنسيا الاسرائيلية مع الأيدي العاملة العربية الرخيصة فان الشرق الأوسط سيزدهر، وأن احتفاظ اسرائيل بهضبة الجولان السورية المحتلة وتحقيق السلام مع سوريا،سيكون في مصلحة سوريا، حيث ستساهم التكنولوجيا الاسرائيلية في حل مشكلة المياه وتطوير الزراعة في سوريا، أي باختصار هو يريد اعترافاً عربياً رسمياً بضم اسرائيل للأراضي العربية المحتلة مع امكانية توسيعها، وتحويل العرب الى(حطابين وسقائين) مع الجارة [المسالمة] اسرائيل.
وها هي حكومة نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف كاسرئيل بيتنا والأحزاب الدينية يعلن اضافة المسجد الابراهيمي في الخليل، ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم الى قائمة التراث اليهودي.
وهكذا وبجرة قلم فإن هذين المسجدين سيضافان الى مواقع دينية اسلامية أخرى تحولت الى كُنس.
فالحائط الغربي للمسجد الأقصى– حائط البراق– تم تحويله الى مبكى لليهود فور وقوع القدس الشرقية تحت الاحتلال الاسرائيلي في حزيران 1967،وللتذكير فقط فإن محكمة العدل العليا البريطانية قد أصدرت قراراً في العام 1929 اعتبرت فيه حائط البراق جزءاً لا يتجزأ من المسجد الأقصى الذي هو مسجد اسلامي غير قابل للنقاش.
وتاريخ دولة اسرائيل يشهد بأنها قد دمرت مئات المساجد في القرى العربية التي أزيلت عن الخريطة بعد قيام دولة اسرائيل، كما أن بعض المساجد قد حولت الى حظائر للبقر والخيول.
والأطماع الاسرائيلية في المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وأحد المساجد الثلاثة التي تشد اليها الرحال ليست خافية على أحد، والحفريات الاسرائيلية تحت أساساته قائمة على قدم وساق، في محاولة بائسة للبحث عن أي أثر يهودي دون جدوى، والايمان الصهيوني بهدم المسجد الأقصى واقامة الهيكل مكانه أمر معلن وعلى رؤوس الأشهاد، ويبدو أن قرار الحكومة الاسرائلية باعتبار الحرم الابراهيمي تراثاً يهودياً بالتزامن مع ذكرى المذبحة التي ارتكبها سيء الذكر باروخ غولدشتاين وحصد فيها أرواح تسعة وعشرين شخصاً من الركع السجود الصائمين ، ما هي الا محاولة لجسّ ردود الفعل كمقدمة لاستهداف المسجد الأقصى في الخطوة القادمة.
ومع ما يمثله الحرم الابراهيمي ومسجد بلال من تراث حضاري انساني، عدا عن كونهما مسجدان اسلاميان، فإن الزائر للمسجدين لا يخفى عليه تصميم البنائين على طراز الفن المعماري الاسلامي، ووجود محراب في كل مسجد لا يزالان قائمين حتى الآن، مع أنه تمّ تقسيم الحرم الابراهيمي في السنوات السابقة، واقتطع جزء منه ككنيس يهودي، وتغطية محراب مسجد بلال بن رباح بألواح خشبية كي يتناسب والطقوس الدينية اليهودية. وحملة الحكومة الاسرائيلية على دور العبادة الاسلامية مع أنها ليست جديدة، الا أنها مصحوبة بالاستيطان اليهودي في كافة أرجاء الضفة الغربية،وتهويد القدس دليل واضح على الموقف الاسرائيلي الرسمي الرافض لأي حلول سلمية، والهادف الى فرض حقائق على الأرض تمنع قيام دولة فلسطينية، واذا ما أصر العالم على اقامة دولة فلسطينية، فلتكن في الأردن كما ذكر نتنياهو في كتابه آنف الذكر.
غير أن استهداف دور العبادة الاسلامية ذات التاريخ العريق، والتي تمثل جزءاً من العقيدة الاسلامية، ستدخل المنطقة في حروب دينية حذر منها الرئيس محمود عباس ، فالحرم الابراهيمي والأقصى ومسجد بلال وغيرها لسيت ملكاً للفلسطينيين وحدهم ، بل هي ملك لكافة المسلمين، وعلينا أن نتصور لو أنه تم تحويل كنيس يهودي في احدى الدول الاسلامية أو غير الاسلامية الى مسجد أو كنيسة، ماذا ستكون ردود الفعل؟ ولتتجنب المنطقة الصراعات الدينية فإن قرار الحكومة الاسرائيلية يشكل سبباً كافياً للسلطة الفلسطينية، وللجامعة العربية، وللمؤتمر الاسلامي لطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، لاتخاذ قرار يلزم اسرائيل بالتراجع عن قرارها وعن سياساتها المجنونة التي تقود المنطقة الى الهاوية.
23-2-2010