اعتقال النائب المقدسي محمد أبو طير تمهيداً لابعاده عن القدس، ولجوء ثلاثة نواب مقدسيين الى مقر الصليب الأحمر في القدس للحماية من الاعتقال والابعاد، لا يعطي اشارات واضحة بأن اسرائيل غير جادة في الوصول الى سلام عادل ودائم فحسب، بل يؤكد من جديد أن اسرائيل تريد حسم قضية القدس من جانب واحد، فلم يعد الأمر مقصوراً على الاستيطان والتهويد وهدم البيوت، وسياسة التطهير العرقي التي تمر بصمت منذ سنين من خلال قوانين جائرة في المدينة المقدسة، بل تعدتها الى العلنية في تنفيذ سياسة التطهير العرقي، فحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية التي تعتبر الاستيطان في القدس كالسكن في تل أبيب، وتريد دولة يهودية نقية، تريد القدس نظيفة من الأغيار-غير اليهود– فالنواب المقدسيون منتخبون بطريقة ديمقراطية جرت بناء على ضغوطات أمريكية – اسرائيلية وعربية ودولية، وتميزت بالنزاهة بشهادة العالم أجمع، والقدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة عام 1967، بل هي جوهرة هذه الأراضي حسب القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن الدولي، ولا يمكن تصور أيّ حل قادم بدون عودة هذه المدينة الى أصحابها الشرعيين، كونها العاصمة السياسية والدينية والثقافية والتاريخية للشعب الفلسطيني ولدولته العتيدة.
غير أن اسرائيل التي لم تحترم يوماً القانون الدولي، ولا قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا قرار الهيئات الدولية المختلفة، تتصرف من جانب واحد وكأنها خليفة الله في الأرض، ولا دولة في الكرة الأرضية غيرها، ولا حقوق انسان الا لليهود، وهي تتعامل مع المقدسيين الفلسطينيين كمقيمين لا كمواطنين، حتى حصولهم على جنسية أخرى، وترحيلهم الى دولة الجنسية التي يحصلون عليها، غير أنها لم تكتف بذلك، بل تعدته الى طرد المقدسيين وفلسطيني الداخل اذا لم يعلنوا الولاء لدولة اسرائيل، انها تريد من ضحاياها الواقعين تحت احتلالها والمسلوبة حقوقهم أن يعترفوا بأن اسرائيل وليّة حياتهم ووجودهم، وإلا فإنه لا مكان لهم في ديارهم التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ آلاف السنين. وقضية ابعاد النواب المقدسيين ليس لأنهم منتخبون في قائمة كتلة “الاصلاح والتغيير” التي شكلتها حركة حماس في انتخابات العام 2006 التشريعية، بل لأنهم مقسيون فلسطينيون، فهل تريد اسرائيل أن تكون مؤسسات السلطة بما فيها المجلس التشريعي الفلسطيني، حسب المقاسات والمواصفات الاسرائيلية؟
واذا كانت اسرائيل ترى في حماس حركة “متطرفة” لمطالبتها بحقوق شعبها الفلسطيني، فهل التطرف الاسرائيلي مسموح به؟ وهل حزب “اسرائيل بيتنا” التي يتزعمها وزير خارجية اسرائيل ليبرمان حزب معتدل ؟ وهل كان هناك اعتدال في تهديدات ليبرمان بقصف السد العالي واغراق مصر بمياهه وقصف سوريا لدرجة تعيدها الى العصر الحجري ؟
وهل أحزاب الترانسفير – الطرد الجماعي – في اسرائيل أحزاب معتدلة، وهل هناك اعتدال في رؤية نتنياهو للحل بما يسميه ” تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين ” ومنعهم من تقرير مصيرهم واقامة دولتهم المستقلة كبقية شعوب الأرض؟
وهل هناك اعتدال في مطالبة حماس بالاعتراف بخارطة الطريق، وشروط الرباعية والمبادرة العربية في نفس الوقت الذي تضع اسرائيل شروطاً أفرغتها من مضمونها؟
ان قضية محاولة ابعاد النواب المقدسيين الفلسطينيين عن مدينتهم لا تقتصر أسبابها على أنهم نواب عن حركة حماس، بل مقدمة لتفريغ القدس من مواطنيها الفلسطينيين، ولن يقتصر الابعاد في حالة تنفيذه عليهم، فقد تحدثت وسائل الاعلام عن اعداد قائمة بأسماء 315 مقدسياً تمهيداً لابعادهم، وبالتأكيد ستلحقها قوائم أخرى، فهل المقدسيون الفلسطينيون رهائن بأيدي اسرائيل؟ وهل يمكن الرهان على تحقيق نتائج ايجابية من المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل؟ وهل يمكن الرهان على نجاح مهمة المبعوث الأمريكي ميتشل ما دام لم يستطع الغاء قرار ابعاد أربعة شخصيات مقدسية؟
واسرائيل المعروفة بقدرتها على ادارة الصراع، وصرف الأنظار عن القضايا الأساسية في الصراع والمتمثلة بالاحتلال، تريد تصدير أزمتها السياسية بعد اقتحامها في المياه الدولية لأسطول الحرية الذي جلب مساعدات لقطاع غزة المحاصر، وما نتج عنه من قتل تسعة متضامنين أتراك، وتريد صرف الأنظار عن قضية عدم جديتها في المفاوضات غير المباشرة، الى افتعال قضية ثانوية على أهميتها البالغة من خلال ابعاد مواطنين مقدسيين فلسطينيين.
ومن حق الانسان أن يتساءل عن موقف الرأي العام العالمي ومنظمات حقوق الانسان، والدول التي تتشدق بالديمقراطية، وموقف دول الجامعة العربية، ودول المؤتمر الاسلامي بهذا الخصوص؟ أفلا تستحق هكذا قضية طلب اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي؟ أم أن قرارات الحكومة الاسرائيلية قد أصبحت هي الشرعية الدولية.
3-7-2010