عن منشورات مكتبة كل شيء في حيفا صدرت قبل أيّام قليلة رواية المطلقة للأديب المقدسي جميل السلحوت، وتقع الرواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التشكيليّ المعروف محمد نصرالله في 192 صفحة من الحجم المتوسّط.
يأخذ الأديب “جميل السلحوت” على عاتقه رسالة قيّمة، من شأنها أن تنهض بواقع الأمّة، وهي محاربة الجهل والتّخلف، فالأمّة الجاهلة تضيع بين الأمم، يطوّع السلحوت اللغة لسرد أحداث مشوّقة، وإيصال الرّسالة .
الجهل والتّخلف والبدع أغلال تشدّ وثاق الشّعوب وتقيّد عقولهم، وتتحكّم بتصرّفاتهم ومسلكيّاتهم، يتساءل الكاتب والرّوائي الإنكليزي كولن ويلسون: هل يصنع الحياة أولئك الذين يحبّون صنع الكلمات، أم الذين يحبّون صنع الحياة؟ وأضاف إنّ المجتمع يموت برأسه وليس من قدميه.
يحارب السلحوت بسيف الصّلاح هذا الموت، في روايته “المطلقة”الجزء الثّاني من رواية “الخاصرة الرّخوة” التي لاقت صدى واسعا وشهرة جعلتها في صدارة روايات العام 2020، فقد أثارت ردود فعل إيجابيّة واسعة، وكُتبت عنها عشرات المقالات في مختلف المجلات والجرائد والصّفحات والمواقع الأدبيّة، يضيف السلحوت إلى محاربة الجهل والتّخلف محاربة البدع، باسم الرّقية الشّرعيّة ومن مدخل دينيّ، ويفضح ألاعيب المشعوذين، عندما يذهب إنسان متعلّم إلى مشعوذ ليسأله عن أمر واضح له، لكنّه ينكره ويبحث عن مخرج ليتهرّب منه، معنى ذلك أن الشّهادة ليست مقياسا للعلم، وأن الجهل المعشعش في العقول، والقناعات الضّاربة في الفكر العربيّ، أشدّ ضررا على الإنسان من الأوبئة كافّة، تجعل الإنسان عدوّ نفسه فيخسر المال وينحدر إلى مستوى الجهل رغم شهاداته الجامعيّة.
بقدر ما يفضح الكاتب مظاهر التّخلف ينصف المطلّقة “إن لم يكن وفاق ففراق ” ببساطة هذه المقولة، يكتب قصّتها بشغف، والكثير من الرّحمة، نكاد نرى أنامل سعيد الصّغيرة تمسح دموع والدته جمانة، وتداعب خصلات شعرها، وتفتح عينيها على غد جميل، المطلّقة والأمّ جمانة شابّة جميلة ومرغوب بها وأمنية لخيرة الشّباب؛ ليرتبطوا بها، يقول الكاتب: الطّلاق لم ينقصها شيء فقط زاد وعيها، وعرّفها بضرورة أن تنال العلم الشّرعيّ الحقّ، وتثقّف نفسها دينيّا لتحارب الخرافات والبدع والجهل التي لا تمتّ لديننا بشيء. أصبحت أكثر قدرة على اختيار شريك الحياة، فلم تعد الخاصرة الرّخوة للمجتمع، ولم تعجز الكاتب طريقة السّرد المشوّق في إيصال ذلك الشّعور للقارئ.
الإنسان الفلسطينيّ الحقّ لا تكتمل صورته بلا أرضه، فهي دائما هاجسه رغم معاناته ومكابداته الكثيرة، وفي أشدّ الأوقات فرحا يذكرها ولا ينساها، الأرض السّليبة غصّة في نفس كلّ فلسطينيّ.
تتذكّر جمانة بيت وأرض والديها في يافا، وتبكي في ذروة لحظاتها فرحا، تبقى فرحتنا بلا تحرير الأرض منقوصة.
جميل السلحوت في روايته المطلّقة جريء جدّا، يكتب حاجات الأنثى، ويصف اللحظات الحميمة التي تشتهيها، ويطرق بابا لم يطرقه من قبل، وكأنّه يتحدّث بلسانها؛ ليُشعر الآخرين بما كبتته بسبب حيائها، وبأسلوب رقيق في سياق الأحداث، ليس فظّا ولا فاحشا، حتى عندما يتحدّث عن التّحوّل الجنسيّ يستشهد بأحاديث نبويّة؛ ليطرح موقف الدّين من ذلك، ويترك الباب مفتوحا؛ لينطق الحدث في صميم المجتمع، بلا تدخّل من الكاتب الذي لم يبد رأيه، وترك شخوص روايته يتحرّكون ويعبّرون عن ذواتهم بحرّيّة، وكأنّه مشاهد للحدث مع القارئ.
النّساء في رواية المطلّقة قويّات، نلاحظ تطوّر الشّخصيّات بشكل جليّ، لم تتحمل جمانة وعائشة ظلم الزّوج، فقالتا كفى، وواجهتا المجتمع ببسالة محارب.
ترفض عائشة الرّجوع لزوجها الأوّل بعد أن فضحها دون ذنب اقترفته، ولم تقبل اعتذاره، ورغم ذلك، ترفض جمانة الحديث عن الأسباب التي أدّت بها إلى طلب الطلاق، مراعاة للعشرة ومحافظة على سمعة والد ابنها.
“المطلّقة” عنوان الرواية، عنوان شفّاف لمرحلة، وليست لصفة لصيقة بالأنثى المنفصلة، فرق بين أن ينظر المجتمع للطّلاق كحالة تمرّ بها الأنثى، أو يجعل الطلاق صفة لصيقة بالأنثى المنفصلة، تسحبها للأسفل وتعلّق على كاهلها فشل العلاقات.
22-9-2020