الحرب المفتوحة التي أعلنتها اسرائيل على قطاع غزة في 27 شباط الماضي ، ليست حرباً جديدة ،وليست اعلان حرب جديد ، كما أنها ليست مقصورة على قطاع غزة فقط ، فاسرائيل اختارت طريق الحرب على الشعب الفلسطيني خاصة ، وعلى العرب بشكل عام منذ قيام الدولة العبرية في منتصف شهر أيار عام 1948 . وواصلت حربها بطرق مختلفة حسب الظروف المواتية ، وحسب الدور الموكول اليها . فمثلاً قامت عام 1954 بمهاجمة قرية قبية غرب رام الله ودمرتها، وقتلت العشرات من مواطنيها لمنع اللاجئين الفلسطينيين من التسلل والعودة الى بيوتهم وأملاكهم ، وفي تشرين أول 1956 قامت مع فرنسا وبريطانيا بمهاجمة مصر لاجبار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على التراجع عن قرار تأميم قناة السويس ، وقد صاحب هذه الحرب مذبحة قرية كفر قاسم المسالمة ، والواقعة داخل اسرائيل، لاجبار من تبقى من الشعب الفلسطيني داخل حدود الدولة العبرية على ترك وطنهم، والرحيل الى الشتات خوفاً من أن يلقوا نفس المصير ، ولتبقى الدول العبرية دولة يهودية نقية من “الأغيار” غير يهود .
وفي الخامس من حزيران 1967 قامت اسرائيل بمهاجمة الأردن ومصر وسوريا واحتلت ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية ، اضافة الى الجولان السورية وسيناء المصرية ، ثم جاءت حرب تشرين أول 1973 ، وبعدها اجتياح جنوب لبنان عام 1978 ، ثم اجتياح لبنان في حزيران 1982 حتى احتلال العاصمة اللبنانية بيروت،وبعدها شنت حربها التدميرية على لبنان في تموز 2007
لكن حرب حزيران 1967 كانت بمثابة حرب مفتوحة على الشعب الفلسطيني خصوصاً من بقي منهم في بيته، وعلى تراب وطنه ، وتمثلت هذه الحرب بتكريس الاحتلال من خلال سياسة مصادرة الاراضي، والبناء الاستيطاني، وهدم بيوت الفلسطينيين ، ومن خلال سياسة القتل والتدمير التي تستهدف البشر والشجر والحجر،وسياسة الحصار والتجويع،وتشتيت العائلات .
غير أن اسرائيل ارتأت أن في مصلحتها التخلي عن قطاع غزة وتبعاته ، نظراً لضيق مساحته التي تقل عن 400 كيلو متر مربع، وكثافة سكانه التي تزيد عن مليون وربع مليون شخص ، وهي أعلى كثافة سكانية في العالم ، وقد بدأ ذلك واضحاً قبل الاعلان عن اتفاق أوسلو في أيلول 1993 عندما قال اسحق رابين رئيس وزراء اسرائيل في حينه ، ” فليذهب قطاع غزة الى البحر ” ، ومع أن اسرائيل فككت مستوطنات القطاع، وانسحبت منه الا أن احتلالها له لم ينته، لأنها بقيت تحاصره ، وتسيطر على معابره وعلى بحره وأجوائه .
وجاء الجنرال ماتان فلنائي رئيس أركان الجيش الاسرائيلي في حربه الجديدة ليهدد مواطني قطاع غزة ” بالمحرقة ” وكأنه لم يكتف بقتل أكثر من الف وخمسمائة فلسطيني أكثر من نصفهم مدنيون أطفال ونساء وشيوخ ، والمحرقة أو ” الهولوكوست ” هي حرب الابادة الجماعية التي شنها النازيون ضد يهود أوروبا في الحرب الكونية الثانية .
وبالتأكيد فإن الجنرال فلنائي لم يقصد المحرقة النازية ، لأن الاسرائيليين ويهود العالم يرفضون ان يشاركهم أحد في هذا المصطلح، لتبقى مذابح وجرائم النازيين محتكرة ضحاياها على اليهود فقط ، وأن أحدا من غير اليهود لم ولن يتعرض لمثل هذه الجرائم البشعة ، لكن الجنرال فلنائي أراد ايصال رسالة لفلسطينيي قطاع غزة تفيد أن ردّ الفعل الاسرائيلي على القذائف الفلسطينية على مدينة ” سديروت ” الاسرائيلية سيكون جهنمياً وقاسياً بشكل شديد ، وهكذا كانت نتائج الحرب المفتوحة ، فقد كان من بين الضحايا الفلسطينيين أطفال عمر أحدهم يومان وآخر شهر ،وأخرى عشرون يوما وآخر سبعة شهور وهكذا .
ومع أن الهجوم لم يقتصر على قطاع غزة، بل تعداه الى مناطق في الضفة الغربية ، فقد سقط في نفس الفترة ضحايا في مخيم بلاطة قرب نابلس ، وفي رام الله وفي الخليل، إلا أن استهداف جباليا في قطاع غزة كان بطريقة أكبر وأشمل وأوسع ، واستعملت فيه الدبابات والطائرات والمدفعية وغيرها من الأسلحة .
وكانت حجة اسرائيل في شن حربها على قطاع غزة هو حماية المدنيين الاسرائيليين من الهجمات الفلسطينية على ” سديروت ” وتهديد المدنيين الاسرائيليين فيها ، وقد لقيت هذه الحجة تأييداً من البيت الأبيض، ومن وزيرة الخارجية الأمريكية في زيارتها للمنطقة، وغيرهم ممن يساندون اسرائيل في كل الاحوال وفي كل الظروف .
فهل هذا هو السبب الحقيقي ؟؟ وهل حقاً أن الفلسطينيين يعتدون على المدنيين الاسرائيليين ؟؟ ففي الواقع أن من حق جميع الشعوب – بمن فيهم الاسرائيليون- أن تعيش في سلام وأمان ، ولكن أحدا لم يتساءل عن أسباب اطلاق القذائف الفلسطينية البدائية من قطاع غزة على سديروت ، ولم يتساءل أحد أو بالأحرى لم يجيبوا ، ولم يقلقهم تحديد من هو الشعب الذي يفتقد الأمن والسلام ؟؟ ومَن يعتدي على مَن ؟؟ فالاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية، واستمرار هذا الاحتلال هو سبب كل المصائب ، وهو المسؤول الأول والأخير عن اراقة دماء الاسرائيليين قبل الفلسطينيين ، وأن الشعب الفلسطيني هو الذي يفتقد الأمن والسلام ، وهو المسلوبة كرامته ، وهو المعتدى عليه وهو الذي تُنتهك حرماته ، وتدمر ممتلكاته على أيدي المحتلين ، وهو المحاصر والمُجوع، واذا ما اعتبر الآخر حماس متطرفة ولا تعترف باسرائيل ، فإن في اسرائيل أحزاباً ممثلة في الكنيست – البرلمان – الاسرائيلي، وبعضها يشارك في الحكومة الاسرائيلية، وترفض هذه الاحزاب التنازل عن أي شبر من الأراضي العربية المحتلة،أو الاعتراف بأي حق للشعب الفلسطيني ، بل ان بعضها يطالب بالطرد الجماعي للفلسطينيين ، ولا نجد من يحاول لجم تطرفهم ، فهل من حق اسرائيل أن يكون فيها هذا التطرف ، ويعاب على الفلسطينيين أن يكون فيهم حماس ؟؟ ومع أن حماس وافقت وتطالب بهدنة طويلة المدى مع اسرائيل لكن أحداً لم يستجب لها .
ويبقى أن نقول أنه اذا عرف السبب بطل العجب ، فسبب الحروب والمصائب في الشرق الأوسط هو الاحتلال الاسرائيلي ، وأنه اذا انتهى هذا الاحتلال ومخلفاته فسيكون الفلسطينيون والاسرائيليون وجميع شعوب المنطقة في أمن وسلام .