القدس:1 كانون أول-ديسمبر-2011استضافت مؤسسة يبوس الثقافية في القدس الشريف ندوة اليوم السابع ، التي خصصت أمسيتها لمناقشة ديوان:”حروف مقدسية على السور الجريح” باكورة الانتاج الشعري للمهندس رفعت زيتون،.
بدأ الحديث ابراهيم جوهر فقرأ تقديمه للديوان قائلا:
هذه باقة من الورود الشعرية التي خطها قلم شاعر مقدسي يعشق القدس لأنها القدس ولأنها المدينة الجميلة بكل ما تعنيه ، من قيم وجمال وتاريخ وحضارة وبهاء . ولأنها رمز السلام والعدل والجمال الروحي يغني لها الشاعر رفعت زيتون ويرفض أن تكون شيئا آخر غير الذي يجب أن تكون عليه وأن تكونه ؛ القدس ؛ مدينة الروح .
في باقته الشعرية هذه (حروف مقدسية على السور الجريح ) يغني الشاعر المهندس رفعت زيتون للقدس ، والحياة ، والقلب ، والروح . يغني للإنسان المقهور وهو يتوق لحريته المشتهاة ، وللعامل الكادح المظلوم وهو يجري خلف رغيف خبزه المغموس بدم التعب والمعاناة .
وقد وفّر الشاعر لقصائده هنا موسيقى متدفقة رقراقة هادئة أحيانا حيث يجب الهدوء والتأمل ، حانية تطرب وتشجي وتثير الأشجان والمواجع لتنتزع ال (آه …) إعجابا وتأسيا وحنينا . وقد تعلو موسيقاه لتستفز وتحرّض وهي تتحدى ، أو تواجه .
ولغته في هذه القصائد تتقدم بخفر عذريّ ساحر في ألفتها وبساطتها وبعدها عن الإغراق في التعقيد والترميز والغموض لأنها جاءت قريبة من لغة من يخاطبهم لأنه يكتب لهم ويهمه أن يفهموه ليطربوا ويفعلوا ، ولتصلهم الرسالة بوضوح الشعر ولغته وموسيقاه بعيدا عن تحدي وعيهم والتلاعب بالمفردات ذات الإيقاع الخالي من الانفعال والشعور .
إنه يتوجه مع قارئه ، يأخذ بيده الى نهاية نهره المتدفق شعرا وجمالا وأملا …إلى المصب المأمول حيث البهاء والنقاء والأحلام المحققة .
في باقته هذه (حروف مقدسية على السور الجريح) يلوّن الشاعر المهندس رفعت زيتون أزهاره ؛ فمن الحنون البلدي الربيعي الشفاف الجميل ، إلى الجوري ذي الأشواك التي تقف بكبرياء تحرس خمرة التاج ، إلى الزنبق ، إلى الاقحوان ذي الأوراق الطفولية اللاهية وهي توفّر متعة للصغار في عالم البراءة والتوقعات …إلى أن يصل بقارئه إلى جداريته الطويلة وهو يحاور فيها معنى الحياة ويقدّم رؤيته الخاصة مجاريا بذا تجربة الشعراء الصوفيين وشعر الزهد العربي .
لهذا كله نجده وقد طعّم لغته بلغة قرآنية رزينة ، وبلغة العصر العباسي الذهبي ، وراح يتناص مع قصة سيدنا يوسف في السجن ، ويأخذ من صاحبيه مثلا يستحضره إلى أرض القصيدة وواجهة الذاكرة وعتبة الواقع .
إنه يهمس حينا همسا ناعما قريبا من النفس فتحس بالكلمات وقد بدأت أحرفها توشوش وتوسوس وسوسة دافئة … حين يتغزل بالوطن والمرأة على حد سواء .
وحين يخاطب قارئه ليستحثه على الإقدام والتبصّر أو النظر في مرآة واقعه المشروخة علّها تعيد للصورة نقاءها واكتمالها ، وللروح حياتها ودورها فإن لغته تعلو وتقسو فتكثر فيها حروف الجد والتقطيب .
ومن واقع مهنته الهندسية جاءت هندسة القصيدة لافتة مقصودة وقد رسمت بعناية واقتدار . لذا كان البناء الهندسي في قصيدة الشاعر المهندس رفعت زيتون شكلا ومضمونا مما وفّر لها كينونتها الخاصة التي تستمد روحها من موسيقى منتقاة بعناية لتناسب غرضها في إيقاع مؤثّر ، وفي أحرف الكلمات والصور الفنية وهي تتضافر في رسم عالمه الفني الأليف ذي الخصوصية (الزيتونية ) وهو يرفعها بيارق على جروح السور الصامد في قدس الأقصى والقيامة .
رفعت زيتون لم يتعجّل النشر ، بل انتظر حتى استوى قصيده واستقام فنه ، وأبى الإقدام على تجربة النشر الورقي قبل أن يضمن تقديم ما يسهم به في مسيرة الشعر الفلسطيني ، ويضعه في مرتبة متقدمة من الإبداع .
هذه قصائد شعرية ؛ واثقة من نفسها ، وقارئها . تعيد الثقة بالشعر الذي تربت ذائقة القارئ عليه .
إنها تسهم في بناء مدماك متميز في هيكل شعرنا الفلسطيني والعربي .
وفي نظرة تحليلية لقصائد الديوا سيجد الدارس اتجاهات صوفية ذات نكهة عذرية في العشق استمدها الكاتب من مطالعاته في الأدب العربي وظواهره الأدبية ؛ الشعر الصوفي ، وظاهرة الشعر العذري . سيجد الدارس قاموس العشق الصوفي التالي في القصيدة الأولى كنموذج : عينيك / تعاتبني / همت / شوقا / الشوق /عيني/ صبّاالعفاف /أحبك /هام /غرامي /العشق /التولّه /قبلة عشق أمسي /حب غدي /خلّي في المنافي /قلبي مخلص في الحب /هي الأوطان عشقي وانشغالي /يحلو طوافي /قرّة عين /الشغاف /وسيجد الدارس أجواء الشعراء العشاق العذريين في الصفحة 14 وما بعدها ، كما سيجد ذكرا لليلى وقيس وإن كان في مواضع أخرى . وفي قصيدة يوسف الفلسطيني نجد قاموس السجن ومفرداته : الأغلال /كفّار /أعمى البصيرة /الأسر /قبر …
ومما يلفت الانتباه في القصائد التي احتواها الديوان اهتمام الشاعر بالتصريع في مطالع قصائده ، بما يوفره من انتباه للسامع وترحيب بالقارئ .
وفي الصفحتين 34 و 46 استعان الشاعر بعناصر الطبيعة وأمرها بغرض التمني ، واستعان بها على الخلاص .أما في قصيدة ( سأعزف لحن خلودي) فقد اهتم الشاعر بالمستقبل الذي يثق من قدومه بما يحقق له الأحلام ولشعبه . من هنا نجده وقد أكثر بشكل لافت من استخدام الفعل المضارع ، كما أوجد من يخاطبها على طريقة الشعراء القدامى الذين كانوا يوجدون شخصا أو اثنين لتوجيه الخطاب اليهما ، كما فعل امرؤ القيس مثلا مع صاحبيه في معلقته .ويتصاعد صوت الغضب القوي في قصيدة (سئمت القصر والوالي) بما فيها من غضب ثائر تراكم حتى أوصل الشاعر وهو يعبر بلسان قومه الى الثورة وعدم الرضوخ ، والصراخ الغاضب .
وسنجد شيئا من السخرية في الصفحات 71 و 74 و 76 ،
ونجده وقد كرر نداءه للعامل الحزين المقهور بقوله : يا ابن أمي ، و : يا ابن همّي و : يا ابن ذلّي . وهو نداء في قرب وتعاطف وتوحّد في الهموم والمعاناة .
وقال جميل السلحوت:
في باكورة انتاجه الشعري (حروف مقدسية على السور الجريح)يؤكد لنا المهندس رفعت يحيى زيتون من جديد أن المبدع ابن بيئته، فشاعرنا المقدسي مسكون بحبه للقدس كبقية أبناء شعبه وأمته، فالقدس ليست مساحة جغرافية فحسب، بل هي من صلب العقيدة، بمساجدها وكنائسها، وفي مقدمتها الأقصى الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأحد المساجد الثلاثة التي تشد اليها الرحال، وبكنيسة القيامة أقدس مقدسات المسيحية، والقدس ذات التاريخ العريق منذ أن بناها اليبوسيون العرب قبل ستة آلاف عام وهي عروس المدائن ومنارة علم وحضارة، فلكل حجر ولكل بناء فيها قصة تُروى، لذا فان قلوب المؤمنين تهفو اليها دائما، وشاعرنا رفعت زيتون الذي يعرف جيدا مكانة القدس، خصوصا في قلوب وعقول أبناء شعبه وأمته، لا تغيب القدس عن وجدانه فقال فيها شعرا وتغنى بها، ويتعذب لعذاباتها، ويفديها بالغالي والثمين، ويبدو ناسكا متعبدا يلعق جراحه وعذاباته في محراب القدس، وهو هنا منخرط بعذابات شعبه الذي ابتلي باحتلال لم يرحم البشر والشجر والحجر، وتفنن في تعذيب شعبنا الرازخ تحت هذا الاحتلال البغيض، فيكتب عن الحواجز العسكرية الاحتلالية التي تعزل القدس عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربي، وتمزق أحشاء الضفة الغربية، ممتهنة كرامة الانسان الفلسطيني، ومتحكمة بحركاته وكأنها تحصي عليه أنفاسه….ولا ينسى شاعرنا تدمير الاحتلال لاقتصادنا الوطني، والحاقه باقتصاد دولة الاحتلال، ليتحكم برغيف الخبز المرّ الذي نأكله، فيصف عذابات العمال الذين يعانون في الحصول على تصاريح عمل، وفي عبور حواجز الاحتلال العسكرية….وهو هنا لا ينسى نكبة الشعب الفلسطيني، وتشرده في أصقاع الأرض، تماما مثلما لم ينس هزيمة حزيران 1967 التي أسماها الاعلام العربي نكسة، بالرغم من ضياع ما تبقى من فلسطين، وأراض عربية أخرى، وكأن التشتت واللجوء قدر للشعب الفلسطيني.
ويبقى شاعرنا الانسان الرائع الذي يعيش هموم الآخرين يكتب في الحب أيضا، وكأني به يؤكد بأن من لا يحب المرأة ومن لا يحب الناس لا يحب وطنه.
وقال موسى أبو دويح:
في الكتاب ست قصائد من الشعر العمودي الموزون والمقفى، واحدى عشرة قصيدة من الشعر الحر.
أهدى المهندس كتابه إلى أهله وأصدقائه بخاصة، وإلى عشاق اللغة العربية بعامة.
وقدم الاستاذ ابراهيم جوهر الكتاب تقديما أدبيا رائعا سماه:(ورود شعرية على جراح الروح). فقصائد المهندس ورود، والقدس وسورها روح ألـّمت بها الجراح. وسمعت المهندس يهمس في أذن ابراهيم _مستحسنا التقديم_ (إنّ من يقرأ التقديم ليس بحاجة إلى قراءة الديوان). أوقريبا من هذا.
وابراهيم الذي قلت عنه يوم تكريمه، إنّه لا يحابي في نقده ولا يجامل أبدا، بالغ في التقديم، متأثرا بصحبة رفعت، وبحسن خلقه ودماثته، وطيب معاملته للآخرين، وهذا ما حتّم على ابراهيم أن يكون رقيقا في تقديمه.
ونقد الديوان –أيِّ ديوان– أمريحتاج إلى دراسة مستفيضة، بل إنّ كل قصيدة في الديوان بحاجة إلى نقد مستقل عن غيرها من القصائد.
وعليه، فاني أختار قصيدة واحدة من الديوان، وأحاول الكتابة عنها وحولها، والقصيدة هي أول قصيدة في الديوان بعنوان (إلى عينيك حبيبتي).
هذه القصيدة هي إنسان عين الديوان، ووضعُها أول قصيدة فيه، اختيارٌ موفق ولولم يقرأ القارئ من الديوان، سوى هذه القصيدة لكفتْه.
القصيدة واحد وعشرون بيتا من الشعر العمودي الموزون والمقفى، وهي من البحر الوافر، وهذا ما أضفى على القصيدة ايقاعا مميزا ونغما راقصا رائعا جمبلا.ومن القديم قالوا :(بحور الشعر وافرها جميل).
بدأ الشاعر القصيدة بقوله:
إلى عينيك تسبقني القوافي وتعرف دربها دون انحراف
تعاتبني اذا ما هِمْت شوقا وليس الشوق في عيني بخاف
القصيدة كنهر رقراق، ينساب انسيابا لطيفا، ولولا بعض هِناتٍ في القصيدة لكانت غُرَّةً بين قصائد فحول الشعراء. ومن هذه الهنات قوله في البيت الخامس:
بأني في غرامي موج بحر وكالطوفان في العشق انجرافي
فالغرام والعشق رقيقان ناعمان لا يناسبهما موج البحر ولا الطوفان ولا الانجراف.
ومنها قوله في البيت السابع: (وأنتِ الشهد كأسي وارتشافي)
والارتشاف من الكأس من الرشف وهوالمصّ، والرشيف تناول الماء بالشفتين. وقيل: الرشف والرشيف فوق المص، كما جاء في لسان العرب. وسماع صوت الرشف فعل مستقبح.
ومنها قوله في البيت الثامن: (ومثلَ النهر) والصحيح ومثلُ النهر –بضمّ لام مثل لا بفتحا-؛ لأنها معطوفة على الشهد وهي مرفوعة.
ومنها قوله في البيت العاشر: (وبعدك جمرة تحت الأثافي) والصحيح بين الأثافي، لأن الجمر يكون بين الأثافي لا تحتها.
ومنها قوله في البيت الثالث عشر: (وكيف يلين للأحباب صخر) والأحسن وكيف يلين للأحباب عود، بدل كلمة صخر بدليل قوله في عجز البيت: (وينمو الزرع في ترب الجفاف).
ويختم الشاعر قصيدته بقوله:
هي الأوطان عشقي وانشغالي وفي روضـاتها يحـلو طـوافي
هي الأوطان قرة عين عيـني وان القدس تسكن في الشغافِ
وهذه خاتمة رائعة للقصيدة ما بعدها خاتمة.
وختاما، مع كلّ ما ذكرت من هنات وهفوات فإنّ قصيدة (إلى عينيك يا قدس) تبقى دُرَّةَ الديوانِ.
وقالت نزهة ابو غوش:
جاءت القصائد على النّحوين: النّحو العمودين والشعر الحر.عزفها الشاعر بألحان عذبة سلسة للسمع، مستعينًا بالبحور الشعرية المختلفة، فجاءَت القصائد العموديَّة على النحو التالي: قصيدة عينيكِ على البحر الوافر. وقصيدة، يا قدس صبرًا، البحر البسيط. سأَعزف لحن خلودي، المتقارب؛ أَمَّا قصيدة، يا ليل فاحذر فجاءَت على البحر البسيط، وقصيدتا، سل ما تريد، ويا حاملا همِّي، جاءَتا على البحر الكامل؛ أَمَّا القصائد ذات الشعر التَّفعيلي الحر، فجاءَت تفعيلاتها على البحر الكامل، والمتقارب، ومجزوء الوافر.
انتماء الشاعر لوطنه ومدينته القدس بدا واضحًا في معظم قصائده.
عشق رفعت زيتون القدس فغنّى لها. نظر في عينيها السَاحرتين؛ فخرجت من روحه كلمات رقيقة حسّاسة صادقة، وكيف لا وقد ولد وترعرع في حاراتها، وشوارعها، وأزقَّّتها، وبيوت عبادتها؟
قال لها:
وأَغدو حارسًا حتَّى تنامي وأَسهر كالنجوم فلا تخافي
هي الأوطان عشقي وانشغالي وإِنَّ القدسَ تسكن في الشغاف
(من قصيدة “إِلى عينيك حبيبتي”ص13).
يغار شاعرنا على معشوقته القدس إِلا من آلاف العاشقين:
ولست أَخاف أَن يلقاك أَلف من العشّاق في سحَرٍ خلافي ( نفس القصيدة ص15). في هذا البيت يبرز الشاعر نقطة مهمّة يبرز فيها الفرق ما بين عشقه للمحبوبة المرأة، وعشقه الآخر لوطنه. لن يتوانى شاعرنا رفعت من تقديم روحه ونفسه من أَجل قدسه( حبيبة قلبي/ خذي الدمَ منِّي/ مقدَّمَ عشق بدون شروط/ وأَكتب روحي ونفسي وعمري/ لأجلك يا قدسُ مهرًا/ مؤجّل ” من قصيدة: صباحك أَجمل ص23 )
بعد أَن تغزَّّل الشاعر زيتون بالوطن، راح يرسم واقعه المرَّ الأليم في ظلِّ احتلال ظالم؛ فبكى، وتألّم وتحسّر
( يا دهر إِنّا شربنا الكأس ممتلئًا مرًا وقد، نال من أَحلامنا السَّكر
ستون عمرًا وأوراقي مبعثرةٌ في كلِّ عاصمة، والكلُّ يتَّجر” من قصيدة: يا قدس صبرًا ص27 )
استنجد الشاعر رفعت بالأُمّة – لم يذكر أَيّة أُمّة- من أَجل الخلاص من الظُّلم والقهر( يا أُمَّةً من خلال القهر أَسألكم عن ماء وجهٍ، وعن أَسيافكم كفروا/ ماذا دهاكم؟ أَلم يئنِ المسيرُ، ولم يصحُ السِّلاحُ؟ ألا تنهاكم النُّذرُ؟ )”يا قدس صبرًا ص29″.
كاّنَّ الشاعرَ المقدسيَ لم يقتنع من رجائه وتوسُّلاته واستفزازه للأُمّة؛ من أَجل حريّة الوطن، فراح يستجير بالقدر علَّه يحقق الإنصاف.
(جئناك نطرق باب العدل ينصفنا فافتح كتابك، واحكم أَيُّها القدر)” ص29″
بدت ظاهرة التشاؤم واضحة في بعض قصائد الشاعر، وخاصّة عندما كتب عن الحاجز العسكري( حنانيك تالله/ هذا الجنون ونحسُ القضاء)ص33 أَمّا في قصائد أُخرى فقد بدا الأَمل فيها جليَّا( فقد عاد نصفي لنصفي، وعادت/ إِلى الجسم روحي، وجاء البريد) ص35.
تنوَّعت المواضيع في ديوان حروف مقدسيَّة حتَّى شملت التّاريخ الأَليم للأُمّة: النكبة، ثمَّ النكسة، ثمَّ الانتفاضة، ثمَّ اقتتال الأُخوة في نفس الوطن.
( هنالك الذَّبح للآمال محتدمٌ/ وأُخوة رحمٍ ذات الأُمِّ/ متَّهمًا لمتَّهِمِ.
أَظهر الشاعر سخطه، وغضبه على الحكَّام في قصيدته” سئمت القصر والوالي، فجاءْت كلماته قاسية معبِّرة تنقد الواقع العربي الآني بكل سلطة وجبروت حكَّامه.( أَجبني أَيُّها القاضي الّذي امتلأَت/ خزائنَ بيته ذهبًا وأمتعةً وأرصدةً،/ أَبعتَ مواجع الفقراءِ أَشلاءً/ لينمو رأْسُ الحيَّةِ الكبرى) ص48.
كان في ديوان الشَّاعر نصيبٌ للغزل فجاءَ غزله رقيقًا ملتزمًا هو أَقرب إِلى الشِّعر العذريِّ الجميل( حبيبي إِن تغب عنِّي،/ تجِفُّ الأَرضُ من تحتي/ تمت في الخدِّ أَزهاري/ فلا تبخل برؤياكا) قصيدة أَنيس الرُّوح ص93.
في الجزء الثاني من الكتاب ” إنسانيات” كثرت مواعظ الشاعر وحكمه وكأَنَّها صادرة عن شاعر ناهز التسعين من عمره يحمل على كاهله الكثير من التجارب، فقد تشابهت بحكم ومواعظَ الشاعر القديم زهير بن أَبي سلمى.( والعلم يرفع من مقامك للعلا/ والجهل يأْتي بالمهانة والصَّغار) (لا شيء يبقى والنعيم مودِّعٌ/ كلَّ الأَنامِ إِلى فناءٍ واندثار) من قصيدة، يا حاملًا همَّ الحياة، ص،110و112.
اللغة:
جاءَت لغة القصائد في ديوان” حروف مقدسيَّة على السور الجريح، سَلِسَةً فيها العمق والبساطة. والكلمات شعريَّة منتقاة بدقّة بما يتناسب المعنى.
استخدم الشاعر الكثير من الرُّموز نحو: هولاكو، وفرعون رمزًا للقوَّة والسيطرة، والاستعمار. القاضي، رمزًا للحكَّام.
كثر استخدام التشبيهات والاستعارات في معظم القصائد نحو:
هنالك أُمِّي تزيل الغبار عن الصُّبح فجرًا/ وتدعو الغيوم لتغسلَ وجهي/ فتأتي الغيومُ/ هناك وتهطل.
كثر التنصيص القرآني: الياجوج والماجوج، من سورة يوسف” سرق الصِّواع. واحدة تراودني. يوسف والسجّان منهمك.
القافية: أَرى أَنَّ القافية كانت أَجمل عندما كانت محرَكة غير ساكنة.
لم يرق لي اتِّكاء الشَّاعر على الحظ والقدر، حتَّى نراه يستجير به من الظلم والقسوة، والغدر في معظم قصائده. حبَّذا لو استعاض عنه بعبارات التَّحدي، والمواجهة.
وقال محمد خليل عليان:
كلمات على سور يطاول السماء
يكتب عنها ويتغزل بها ويحزن لحزنها ويفرح بفرحها ولسان قلبه يلهج بحبها .. ويأخذنا عبر كلماته الى رحلة مقدسية في شوارعها وحواريها وأزقتها وكنائسها ومساجدها .. انه رفعت زيتون الذي ارتفع وتألق، وهي القدس التي أسرت قلبه وامتلكت روحه وتفردت بحبه وبشعره . في باكورة اعماله الشعرية يكتب الشاعر المقدسي بامتياز بحروف مقدسية نابضة ، صادقة ، نابعة من القلب وبلغة شاعرية بليغة جميلة، عن القدس الجريحة، النازفة، التي لا تزال تئن تحت وطأة المحتل الغاشم الذي عاث بها فسادا محاولا تهويدها وطمس معالمها. غير ان شاعرنا البليغ لا يتغنى فقط ولا يندب وحسب ولا يبكي على اطلال القدس ويكتفي، بل انه يبعث فينا الأمل ويبشر بغد مشرق ولا بد يوما ان تقرع أجراس الكنائس فرحا ويصدح الآذان ابتهاجا بالنصر والتحرير، اذ ان القدس كما يراها الشاعر االمسكون بحبها لن تكون لغير الفلسطينيين الذين لن يتنازلوا عنها وهي مدينتهم المقدسة بمساجدها وكنائسها.
لا أجيد نقد الشعر وان كنت أتذوقه، ولكنني اقول في هذا المقام ان الشاعر أسرني بجمال صوره الشعريه ومتنانة لغته وانسجام الموسيقى الداخلية للقصيدة والايحاءات العميقة التي تتولد لديك لدى قراءتك الاولى للقصيدة . مما يعطي الانطباع القوي اننا امام شاعر موهوب يتمتع بذائقه شعريه وحس شعري كبير يترجم احاسيسه بلغه سهله جميلة ومتينة.
لقد انشغل الشاعر المبدع رفعت زيتون في باكورة اعماله بهموم القدس وأفرد جانبا كبيرا من ديوانه لينقل رسالته الى العالم وهي ان القدس محاصرة ومنكوبة ومدنسة يضيق الاحتلال الخناق عليها شيئا فشيئا فيعزلها عن محيطها واكنافها ويحاصرها بالجدار العنصري والحواجز اللعينة مخالفا كل الاديان السماوية والاعراف الدولية . وهذه الرسالة التي تبدو جلية في معظم قصائدة المعذبة تؤكد ، فيما تؤكده ، ان هذا الشعب ، الذي يغني رغم آلامه ويفرح رغم احزانه ، ويحب رغم قساوة حياته سيتعيد يوما كرانته وينال حريته حينها سيكتب حروفا مقدسية اخرى على سور يطاول السماء . هنيئا للقدس بشاعرها الواعد المبدع العاشق والمقدسي بامتياز .
وقالت رفيقة عثمان:
وحلَّق بها عاليًا في سماء القدس.
قدَّم لنا شاعرنا المقدسي من أجمل القصائد التي خُطَّت عن زهرة المدائن، التي تغنَّى بها شعراء، ومغنُّون، وكتَّاب، وروائيُّون كثر، سواء من داخل الوطن، أو خارجه.
ما يميِّز إبداع شاعرنا عن غيره، حبّه وشغفه للقدس، مما أضفى صدقا ومصداقيَّة على مشاعره، والتي كانت له إيحاءً في رسم لوحاته الفنيَّة، بأسلوب رائع، ومميَّز، في زخرفة كلماته المتقنة، والمُنمَّقة بدقَّة متناهية، وانتقائه لها بحيث تتناغم قوَّتها مع المواقف، والأماكن، والأحداث، حيث تخلَّلت قصائده كلمات غير مألوفة، وصعبة على مسامع القرَّاء غير المثقَّفين، بحيث تستلزم استخدام المُعجم لتفسيرها، وفهمها. ازدانت قصائده بالديكورات الفخمة: من بيان بديع، وجناس، وطباق، ومجاز واستعارة، والتلاعب بجمالياتها في مواضيع مختلفة، ولا تخلو قصائده من الحكمة والمواعظ، وغيرها من أفكار فلسفيَّة عميقة، كما تجلَّى ذلك في قصيدة “يا حاملا هم الحياة” صفحة: 107-113.
ارتقى الشاعر رفعت بقصائده الملتزمة كاملة، بقدر جمال القدس، والتي تليق بعظمتها، وقدسيَّتها، ومكانتها العالية في نفوس الجميع. تألَّق شاعرنا في استخدام أجمل التعابير،والصور الشعريَّة التي تُحلِّق بالقارئ، في فضاء الشعر الرومانسي الحالم، والشعر الرمزي، والواقعي، واهتمَّ في تصميم بناء ضبط الإيقاع، والأوزان المُهندَسة، كتصميم قصر مُرصَّع.يبدو أن تأثير شاعرنا واضح في موضوع الهندسة، التي ساهمت في وضع الأمور في زواياها بدقَّة، وإتقان، ناهيك عن اللغة الرصينة، والقويَّة، وقوَّة الأسلوب.
نهج الشاعر نهج الشعراء التقليديين للشعر الكلاسيكي العامودي في معظم قصائده، وبناء القصيدة بشكل ثابت بالتزامه بالقوافي مضبوطة الحركات، وبيت القصيد، وعجزه، ملتزمًا ببحور الشعر الأدبيَّة؛ كما برز جليًّا في قصيدة: “يا قدس صبرًا” صفحة 24-29، “إلى عينيك حبيبتي” صفحة 13-16.”سل ما تريد لكي تعود” صفحة 89-94، وغيرها. يُذكرنا الشاعر رفعت زيتون عندما نقرأ ديوانه، بأنه شعر للمتنبِّي أحيانًا، أو للبحتري أحيانا أخرى.
نهج الشاعر أيضًا نهج الشعر الحديث، الشعر التفعيلي الحر، كما تجلَّى ذلك في قصيدة ” لا شيء أهديه إليك حبيبتي” صفحة 58- 77، وغيرها.
خلاص القول: يعتبر شاعرنا رفعت منتميًا للتيارين الشعريين معًا: التيار الإحيائي، والتيار الذاتي في آن واحد.
تناول الشاعر زيتون مواضيع متعدِّدة من واقع القدس، وهموم أهلها، من آلام وآمال، وكان اختياره موفَّقًا للعنوان: “حروف مقدسيَّة على السور الجريح”، حيث عبَّر عن المصائب، والصعاب التي عاشها، وما زال يعيشها الأهالي المقدسيُّون؛ لأنه لا يعبِّر عن الآمال، والآلام الحقيقيَّة، إلا صاحب الشأن، والشاعر رفعت هو سيد الموقف، وخير من عبَّر عنها، بفكره المتيقِّظ، وحسِّه المرهف.
عبَّر شاعرنا عن الظلم، والشعور بالهوان بقوَّة احساسه، الذي يشد القارئ لقراءته، وبنفس الوقت لا تخلو قصائده من الأمل، والتفاؤل كما ظهر في قصيدة “عامل فلسطيني” صفحة: 76، ” هيا نبتسم … هذا أوانك كي تجرب الابتسام!
فقط أتاك الحظ يسعى… ليس يسبقه الغمام، .. وقد نجحت وكنت أول عابر… هيا ابتسم”…
تضمَّنت قصائد شاعرنا نفحاتٍ من الإيمان، والـتأثير الديني إلى حدٍّ كبير، كما تجلَّى ذلك في قصيدة ” صباحك أجمل” صفحة 17-29،
” وأرضك معراج …
وحي السماء، وفيها على كل باب ملاك،…
وآثار خطوٍ لكل عظيم”.
“يصلي لربٍّ كريم عظيم.. بمحرابٍ ذكرٍ.. يسبح ليلا، ويسجد طوعًا قبيل الشروق،…. ويرفع نحو السماء يديه.. فيدنو من الملكوت .. ويسأل”، إلا انني أتوقَّف عند بيت شعر لفت انتباهي صفحة: 22، نفس القصيدة ” فحبُّك حتَّى كتابُ مُنزَّل أشير هنا بالتنويه لشاعرنا، منعًا للالتباس فقط، لو استغنى عن هذا التعبير، نظرًا لنزول الكتب السماويَّة، التي هي وحدها منزَّلة من عند الله، حتَّى وإن كان قصد الشاعر السمو بالحب إلى درجة العبادة. في قصيدة “يا حاملا همَّ الحياة” صفحة 111، كذلك تحتوي على المعاني الدينيَّة.
“يا حاملا هم الحياة وناسيًا..
أنَّ الذي رفع السماء بلا جدار…
وقضاؤه في الكاف ثمَّ بنونه..
إن شاء ينم الزرع من دون البذار…
فاقنع بكل قضائه .. اين المفرُّ..
من القضاء، وهل ستملكُ من قرار.
واخضع لحكم جلاله طوعًا وإياك
الصدود حذار من هذا حذار”.
صفحة 94، قصيدة “أنيس الروح رحماكَ”،
” فسبحان الذي من أجملِ
الأوصافِ أعطاكَ…
ومثل البدر في الأنوار…
عند الخلق سوَّاكَ.”.
صفحة 76، قصيدة “عامل فلسطيني”: “ارفع يديك مكبِّرًا، ومهللا”.
يعتبر الديوان تاجًا ذهبيًّا يزيِّن مدينة القدس، أتمنى لشاعرنا المقدسي، رفعت زيتون، مزيدًا من العطاء، والإبداع؛ لإثراء مكتباتنا العربيَّة، والفلسطينيَّة على حدٍّ سواء. ننتظر الديوان الشعري القادم بفارغ الصبر.
وقالت ديمة السمان:
“حروف مقدسية على السور الجريح ” للشاعر رفعت زيتون.
كلمات نابعة من القلب.. تشهد الله والعالم أجمع أننا والقدس روح وجسد.
بدأ شاعر الحروف المقدسية ديوانه بإهداء شامل واف.. بدأ بوفائه للوالد والوالدة.. ثم بالمحبة للزوجة والأبناء.. والأهل والأصدقاء.. ولم ينس كل من علمه حرفا.. فهو الأصيل المتجذر .. ليمضي متدرجا بالشكر والعرفان لزملائه في ندوة اليوم السابع..ولم يفته أن يعرّج على الملتقيات الأدبية التي تعلم منها الكثير.. لينتهي بعشاق الضاد في كل مكان.
تسلسلٌ يحكي سيرته الأدبية.. خطوة خطوة.. وكأنها الشجرة الأم ( شجرة الأدب)..التي استقى منها كل إبداعاته.. فبدا وكأنه الغصن المثمر المعطاء .. الذي تغنى بأشعاره كل عاشق لمدينة القدس وسورها الشامخ العظيم.
تسلسلٌ يعكس شخصية مهندسنا الشاعر.. في قصائد ديوانه .. مرتبة.. بديعة.. مباشرة.. مؤثرة.
اختار الشاعر رفعت زيتون سور القدس لينقش عليه قصائد .. حروفها من نار.. توقظ كل غافل .. تذكر بتضحيات أجداد أحبوها.. ونسجوا من أرواحهم سورا حول أقصاها ومقدساتها.. لتبقى القدس لها الخلود.. مسلمة عربية.
مبارك هذا الديوان على صاحبه.. وعلى قدسنا الحبيبة.. دائما يذكرها أبناؤها بمثل هذه الكلمات النابعة من القلب .. ليشهدوا الله والعالم أجمع.. أننا نحن والقدس روح وجسد.
.
وقال طارق السيد:
بدا الشاعر (رفعت زيتون) حديثه عن القدس،تلك الحبيبة التي أطال الشاعر كثيرا في التغزل فيها….كصبية خجولة لا زالت تستحم بماء الصبا الأبدي الذي ينعش جسدها برائحة الأيام الخالدة لكل من عاش أو سار في دروبها..
فتغزل بها وأهداها الصباح،وشاركها الصبر على الجراح، وتحدث عن النكبة والنكسة والنهار والظلمة …والحاجز والإنسان.
فكانت مواضيعه تحاكي الروح الإنسانية التي وقع في فخها دون إن ينتبه إلى انه لم يدخل أزقتها ،ولم يتمشى في حاراتها ،وترك الحديث عن جبالها من (الزيتون) إلى (المكبر) من عين (سلوان) إلى (وادي جهنم).
فاقتصر حديثه عن القدس تلك الفتاة التي أطال في غزلها المجازي وذاب عشقا في حبها.
وعلى الرغم من جمال كلماته وسعيه الحديث لانتقاء وارق الكلمات إلا انه أهمل ذكر ما يميز القدس من أسواق …مساجد…كنائس……زيتون وكل اللوحات التي زينت وما زالت تزين هذه المدينة….
واستوقفتني بعض الأبيات…مثل قصيدة (إلى عينيك حبيبتي)
فكان لا بد من ذكر الأتي:
1-في صدر البيت الرابع يقول الشاعر (احبك مثلما قد هام) فالحب درجة والهيام درجة أخرى.
2-في عجز البيت الخامس يصف الشاعر عشقه بالطوفان ،والطوفان يجرف ويهدم ولا يجوز إن يوصف العشق الذي يجرف ويهدم بالطوفان.
3-أما في صدر البيت السابع كان من الأفضل أن يقول الشاعر(نهاري وليلي) بدل من أن يقول(يومي وليلي).
وعند قراءة قصيدة (صباحك أجمل) يقول الشاعر (مثل اكتمال البدر وأكمل) ولكن ما هو الأكمل في رحلة القمر الشهرية من البدر؟
وفي نفس القصيدة يصف الشاعر ليل القدس ب(خمر الجنان) الذي يدفعه إلى الثمالة ولكن هل هناك ثمالة في خمر الجنة؟
أما الأساليب الفنية فكانت متعددة نذكر منها :
1-استخدام الشاعر الأسلوب المباشر البعيد عن الغموض ولم يترك للقارئ مساحة كافية في فك أي رمز.
2-المعاني امتازت بالجمال وهذا دليل على جهد الشاعر في انتقاء أروع الكلمات وانتقائها بعناية من المعاجم العربية .
3-ويظهر بوضوح الالوان الطبيعية المستمدة من الطبيعة والتي استعملها الشاعر بكثرة.
4-العاطفة الصادقة والقوية وتظهر جيدا في إنكار الشاعر للظلم أو التمرد على الاحتلال.
وشارك في النقاش آخرون منهم سمير الجندي ،جمعة السمان وراتب حمد .
ومسك الختام كان مع صاحب الديوان المهندس الشاعر رفعت زيتون فقال:
في هذا المساء من الشتاء كنتم أيها الأحبة مدفأة ودّ .
وفي هذا الليل كنتم نجوما أدبية منيرة وكنت أنا كوكبا صغيرا بعيدا غيرَ ذي نور يستمدّ منكم الضّياء طمعا في اشراقة فجر أدبيّ جديد .
وكنتم سحابة نقد رقيقة القت رذاذ ملاحظاتها فوق يباب أرضي حتى تونق فيه ياسمينة أدبية شعرية أخرى بلون أكثر جمالا فإذا تفتح وجهها ذات خظّ فاعلموا أنها إنما أينعت لأنها ارتوت من معين دعمكم و سلسبيل محبّتكم
فشكرا لكم .
أيتها الأخوة الكريمات والأخوة الكرام :
لقد كان حلما ، وربّما كان أكبر تلك الأحلام التي رافقت سنيّ عمري،
أراه الليلة يتحقّق وأشعر اليوم بثوب الإنصاف يغطي جسد حياتي.
أحلامنا كبيرة وكثيرة، ولكن عندما يتحقّقُ أحدها نشعر بكرم القدر علينا وبالرضا ونسيانِ نسياننا عبر السّنين .
لقد كان طريقا طويلا تعلمت فيه الكثير ومن أهمّ ما تعلمتُ ، أن لا شيء مستحيل مع الإرادة ومعرفة الهدف ، وإن الإنسان إذا مشى إلى حلمه جاءه الحلم يسعى إليه بخطى أسرع ، وأنه ما كان عليه سوى أن يبدأ ، ولكنّ ذلك لم يكن ليتمّ دون لافتات على الطريق ودون ضُبّاط مرور . وقد كنتم يا إخوة الحرف جزءا أساسيا ومهما في هذه التجربة ، وكلما كنتُ أبتعدُ عن سواء السبيل كنتُ أجد يدا منكم تمتد عبر ضباب الموقف لتأخذ بي إلى جادّة الصّواب .
محظوظ أنا بكم و ممتن لكم وللأقدار التي وضعتني في طريقكم. ولا أنسى إذ أتيتكم أحمل بعض الحروف المبعثرة هنا و هناك تتخبط في دروب الضاد , فلملمتم شعث الحروف لتصبح ديوانا مقدسيا مكتوبا على السور الجريح
فشكرا لكم .
كتبت هذه القصيدة على عجل لأهديها إلى كلّ عضو من أعضاء ندوتنا التي تحتفل هذه العام بعيدها العشرين وأخاطبُ فيها كلّ أصمعي فيهم .
أضئ السّراجَ
فوجهُهُ يحتاجُ حبركَ كيْ ينيرَ
فكنْ لهُ زيتَ الضّياءْ
وارمِ الظّلام بسهمِ حرفِكَ
خذْ بنا يا مقدسيّ إلى العُلا
وافتحْ هناكَ طريقنا
للمجد في بطنِ السّماء
أنتَ السّفينةُ , أنتَ طوقٌ للنّجاةِ
منارةٌ في عتمةِ الليلِ البهيمِ إذا ارتخى
و اشتدَّ في بحرِ الهُراءْ
في ندوةِ اليومِ الجميلِ
أما ترى يا مقدسيّ بأنَّ غرسَك مثمرٌ
هي روضةٌ فيها الموائدُ منْ حروفٍ زاكياتٍ
و القصائدُ حُلْوُها , والفكرُ أحلى جدولٍ
منْ عذبِ ماءْ
عشرون حبًا عمرها
تزهو كأجملِ زهرةٍ ،
منْ حولها كلُّ الفراشِ تجمّعوا
فغدا الجمال رحيقَهمْ
أهدوا إلى الدّنيا البهاءْ
ذي ندوةُ العشقِ المقدّسِ
إنها قصرٌ منيفٌ شامخٌ
يا أصمعي أراكَ عدتَ إلى المدينة
فوقَ راحلةِ السناءْ