تثير فضائية الجزيرة جدلا واسعا في العالم العربي، بل وفي العالم أجمع منذ انطلاقتها في العام 1996، من الدوحة العاصمة القطرية، ويتمحور الجدل حول مصداقية هذه القناة، ومدى تبنيها للقضايا العربية، واللافت في فضائية الجزيرة هو شبكة المراسلين المتواجدين في مختلف دول ومناطق العالم، حتى أنه في بعض الدول التي تشهد أحداثا معينة يتواجد عشرات المراسلين للجزيرة لتغطية الأحداث بشكل مباشر، مما جعل محطات تلفزة عالمية عريقة وشهيرة مثل:
b.b.c و c.n.n.تأخذ بعض تقاريرها عن الجزيرة…وقد تبنت الجزيرة عدة قضايا اعلامية منها تغطيتها لاحتلال أمريكا لأفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ولاحتلال العراق عام 2003، ولحرب اسرائيل على لبنان في تموز 2006، ولحرب اسرائيل على قطاع غزة في ديسمبر 2007، كما انها لا تتوانى في تغطية هبات وانتفاضات الشعب الفلسطيني في الأراضي العربية المحتلة.
ويلاحظ مدى تغطية الجزيرة لثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا، وتغطيتها الخجولة لثورة الشعب اليمني على حكم علي عبدالله صالح، وأكثر خجلا لما يجري في مملكة البحرين.
فهل فضائية الجزيرة قناة اعلامية مستقلة هدفها اعلامي بحت، أم أنها تخدم أجندات أجنبية؟ وهل الجزيرة قناة عروبية تسعى الى توعية الشعوب العربية بقضاياها، أم تقوم بدور مرسوم لها؟
وفي الواقع فانه لا خلاف على أن الجزيرة فضائية ذات امكانيات فنية عالية جدا، ومع خسارتها المادية التي تبلغ مئات ملايين الدولارات سنويا الا أنها حافظت على قوتها وتقدمها فنيا واعلاميا، فهناك الجزيرة مباشر و”الجزيرة الوثائقية”و”الجزيرة الرياضية” والجزيرة للأطفال”و والجزيرة للسينما والفنون” وغيرها ، كما أن هناك الجزيرة بالانجليزية التي انطلقت في تموز 2005، وقد لقيت الجزيرة قبولا لدى المشاهد العربي الذي ملّ من محطات التلفزة الرسمية التي كانت متخصصة في نشر أخبار الحكام والترويج لسياساتهم، كما انها استطاعت الوصول الى أرجاء العالم كافة من خلال الأقمار الصناعية و”الكوابل”مثلما هو في القارة الأمريكية وغيرها.
والجزيرة التي تبث من الدوحة العاصمة القطرية، وعلى مقربة من أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج أمريكا، وبتمويل من حكام قطر الموالين لأمريكا والذين يقيمون علاقات متميزة مع حكام اسرائيل المحتلة للأراضي العربية، هدفت في البداية ولا تزال الى نقل وجهات النظر السياسية الأخرى بما فيها المعادية للمشاهدين العرب، على اعتبار أن الاعلام العربي اعلام منغلق أو عاجز، وبالتالي فان الشعوب العربية مغيبة عما يجري في العالم، واللافت أن الجزيرة ليست محايدة في ذلك، بل بالأحرى ليست بريئة، فعلى سبيل المثال عندما يكون تدخل أمريكي في بلد ما، مثلما حصل في أفغانستان والعراق وغيرهما فانها كانت تستضيف خبيرا أمريكا مختصا بالقضية، مع شخص عادي من البلد المنكوب، أو من متحذلق محلي يخدم السياسة الأمريكية، بحيث يخرج المشاهد العادي بانطباع بأن أمريكا على حق، وأن من يدافعون عن حرية بلدانهم على خطأ، وكذا الأمر بالنسبة لاسرائيل، حتى أن الجزيرة في تغطيتها لما يجري في الأراضي المحتلة، وهي تغطية جريئة وواسعة ومحقة، الا أنه بشكل وآخر ومن خلال التعليقات والتحليلات والمقابلات تروج فيما بين السطور للمشاهد العربي السياسة الاسرائيلية أكثر مما تروجها الفضائيات الاسرائيلية….والانفتاح الاعلامي والثقافي ليس عيبا أو حراما، بل هو مطلوب، لكن الانتقاد هو للتوجيه الاعلامي وما المقصود منه؟ واذا كانت الجزيرة قناة اعلامية مستقلة ومهنية في عملها، فلماذا لا تغطي على سبيل أحداث البحرين واليمن بنفس الطريقة التي تغطي فيها الأحداث في سوريا مثلا، وأنا هنا لا أدافع عن النظام السوري، وبالعكس فانا مع استجابة النظام لمتطلبات الشعب السوري بالحرية وأن ينعم بالديموقراطية في كافة المجالات، ومعه في استئصال منابع الفساد واستئصال رموزه، لكنني لست مع تدمير سوريا وحصارها ودعوة القوى الاستعمارية لاحتلالها وتدميرها والقضاء على منجزات وحضارة شعبها….ومع المواطن السوري في تشكيل الاحزاب واجراء انتخابات حرة ونزيهة للرئاسة ولمجلس الشعب وللبلديات والمجالس المحلية، وضد التوريث في الحكم.
ولعل الجزيرة هي أحد أسلحة حكام قطر لتنفيذ سياسات أجنبية في المنطقة، فقطر مع الاحترام الكبير لشعبها الشقيق، غير مؤهلة لقيادة العالم العربي كما يُعد لها، فلدى مصر والسعودية وسوريا والعراق مقومات القيادة اكثر منها، لكنها هي من قامت بالمصالحة في لبنان، وهي التي احتضنت المفاوضات السودانية التي أدت الى انفصال الجنوب السوداني، ولا تزال تحتضن المفاوضات مع معارضي اقليم دارفور السوداني الذي قد يصل هو الآخر الى الانفصال، وهي التي دعمت حركة حماس بعد انقلبها في قطاع غزة عام 2006، لا حبا في حماس وانما لايجاد بديل لمنظمة التحرير أو لإضعافها واضعاف ذراعها المتمثل في السلطة الفلسطينية، وما يتمخض ذلك من ارباك على الساحة الفلسطينية يعيق نضالات الشعب الفلسطيني الساعي الى تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس على الأراضي الفلسطينية المحتلة في حزيران 1967 ، وهي التي افتتحت مكتبا تجاريا في تل أبيب يقوم بدور السفارة، ومكتبا اسرائيليا مماثلا في الدوحة في ظل استمرار اسرائيل في احتلالها للأراضي العربية، وهي التي تدخلت عسكريا وماليا في ليبيا، -مع التأكيد أن أي بديل لنظام القذافي البائد هو أفضل من ذلك النظام- وهي التي تقود الجامعة العربية في حصار سوريا الذي سيؤدي الى طلب تدخل أجنبي لاحتلالها….وهي أيضا تتغاضى عما يجري في البحرين وبعض الدول العربية الأخرى الموالية لأمريكا، وهي ايضا التي تحتفظ على أراضيها بأكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج الأراضي الأمريكية، فهل هذه السياسات بريئة ومنطلقة من منطلقات قومية أو دينية؟ أم هي في سياق الترويج لمشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي دعت اليه ادارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، والداعي الى اعادة تقسيم الشرق الأوسط من جديد، تحت شعارات ومسميات بديلة لتلك التي استنفذت وانتهت صلاحيتها؟ والتي سيكون برنامجها القادم هو”تغذية الصراع بين الشيعة والسنة” لوقف المد الايراني المتنامي، ومن هنا يأتي الدور التركي الناشط في المنطقة، والتفاهمات الأمريكية مع جماعة الاخوان المسلمين –خصوصا في مصر- وقناة الجزيرة هي الذراع الطولى لحكام قطر في تنفيذ هذه السياسة.
30-11-2011