جمال أسدي يستخرج لآلئ محمود شقير

ج

جميل السلحوت

عن مكتبة كل شيء حيفا-ناشرون صدر للبروفيسور جمال أسدي مؤخرا كتاب” القدس في عينيه، حوارات مع محمود شقير. ويقع الكتاب الذي نسّقه وأخرجه وصمّم غلافه شربل الياس في ٢٨٨ صفحة من الحجم المتوسّط.

 البروفيسور جمال أسدي شاعر وقاصّ للأطفال وباحث أدبيّ ومحاضر ومترجم من بلدة دير الأسد في الجليل.

من يطّلع على هذا الكتاب سيجد أن البروفيسور جمال أسدي لم يحاور الأديب محمود شقير بشكل سريع كما الحوارات الّتي شاهدناها وقرأناها في الصّحف والمجلّات بما فيها الأدبيّة، بل استغلّ ثقافته الأدبيّة الموسوعيّة لاستخراج مخزون وتجربة الأديب الكبير محمود شقير الأدبيّة الغنيّة في الكتابة، وكأنّي بالبروفيسور أسدي يتعمّد أن يكون هذا الحوار الغنيّ منهاجا يغرف الآخرون من بحره؛ لإغناء نتاجهم الأدبيّ، والاستفادة من تجربة الأديب شقير الّتي أوصلته إلى العالميّة من خلال ترجمات العديد من مؤلّفاته إلى لغات أجنبيّة.

وهذا الحوار الطّويل قسّمه البروفيسور أسدي إلى ثمانية فصول هي:” في حضرة القدس”،و” المنفى والغياب الطّويل”، و” استكشاف عالم شقير”، و ” معلّم يكتب للصّغار”، و” التّرجمات وأصوات العالم” و” شقير بلسانه”، و” الكتابات السّيريّة”، و” دراسة تحليليّة زمنيّة واستخدام نقدي”.

وهذا الكتاب يمكن اعتباره الكتاب الرّابع من سيرة محمود شقير، الّذي صدرت له من قبل ثلاثة كتب حول سيرته الذّاتيّة هي: تلك الأمكنة- ٢٠٢٠، وتلك الأزمنة-٢٠٢٢، وهامش أخير-٢٠٢٥.

وهذا الكتاب يحمل الكثير من تجربة محمود شقير الأدبيّة الّتي لم ترد في كتب سيرته الثلاثة الّتي ذكرناها. وهذا ما أدهشني أنا الّذي أزعم أنّني أعرف محمود شقير معرفة تامّة بحكم القرابة ومكان السّكن الواحد، وأنّني قرأت إصداراته كلّها، وأمضيت وإيّاه عشرة أشهر في السّجن على سرير واحد هو في الطّابق الأوّل وأنا في الثّاني، وتفاجأت عندما قرأت حوار البروفيسور أسدي معه أنّ هناك معلومات كثيرة لم أكن أعرفها من قبل.

عندما قرأت الصّفحات الأولى من الكتاب وإجاباته على السّؤال” حول الولادة والعائلة”، لم أتفاجأ بأنّ محمود شقير الّذي يتحلّى بمصداقيّة عالية، وبتواضع العلماء والعظماء لم يسهب في الحديث عن حياته الشّخصيّة وعن أسرته، ولم يتحدّث عن أحداث تعتبر مفخرة ليس له ولأسرته فقط بل لشعبه، ومنها: أنّ جدّه لأبيه الحاجّ عليان علي شقير المتوفّى عام ١٩٦١، قد كان شيخ وكبير” جال عشيرة الهلسة الّتي تتكوّن من حمائل الهلسة، والعبيدات، والزّعاترة، والشقيرات والزحايكة. وأنّ هذا الجدّ قد قام هو وابن عمّه وصهره الشّيخ إبراهيم حسن شقير بتموين فرقة الجيش العثمانيّ الّتي كانت تعسكر في الخان الأحمر بين القدس وأريحا في الحرب العالميّة الأولى، وعندما علم الإنجليز الّذين احتلّوا البلاد بذلك، استدعاه المندوب السّامي البريطانيّ وسأله: هل صحيح ما سمعناه عنك وعن الشّيخ إبراهيم حسن شقير، أنّكما ترسلون التّموين لفلول الجيش العثمانيّ في معسكر الخان الأحمر؟

فأجابه الحاج عليّان بفخر: نعم صحيح.

وعندما سأله المندوب الإنجليزيّ عن أسبابه؟

أجابه: إنّهم جيشنا.

فقال المندوب السّامي: جيشكم هُزم وانسحب.

فقال الحاجّ عليّان: جيشنا لم يُهزم وهو موجود في معسكره.

فقام المندوب السّاميّ وأدّى التّحيّة العسكريّة للحاجّ عليان وأكرم وفادته.

وهذا التّواضع وإنكار الذّات ليس جديدا ولا غريبا على محمود شقير الأديب الّذي وصل أدبه إلى العالميّة، فقد وردت في كتبه عن سيرته وفي أحاديثه مع الآخرين أكثر من مرّة قوله:” لقد أخطأت في….” و” حاولت الكتابة في كذا ولم أستطع”. وهكذا.

وفي إجابات محمود شقير على أسئلة البروفيسور جمال أسدي، نلاحظ أنّ شقير قد أجاب بأريحيّة تامّة عن تجربته في الكتابة ، وعن نجاحاته وإخفاقاته، وعن فرحه وعن عذاباته، وعن مشاعره وأحاسيسه، وعن غربته أثناء إبعاده عن الوطن بين العامين ١٩٧٥-١٩٩٣. فهو قبل أن يكون كاتبا وأديبا هو إنسان بكلّ ما تعنيه الإنسانيّة.

ويلاحظ القارئ للكتاب أنّ القدس تسكن عقل وقلب ووجدان محمود شقير تماما مثلما ولد هو ويعيش فيها، فغالبيّة قصصه ورواياته تدور أحداثها في القدس، فهي مدينته الأولى والأخيرة، حتّى أنّ سرديّته “ظلّ آخر للمدينة” هي شيء من سيرة مدينة القدس.

ومحمود شقير الّذي يطيب له أن يلقّب بالقاصّ كتب في مختلف فنون الأدب ما عدا الشّعر، كتب القصّة والرّواية للكبار وللأطفال وللفتيات وللفتيان، وكتب أدب الرحلات، والسّيرة الذّاتيّة والغيريّة، والمراثي، واليوميّات والمسرحيّة، والمسلسلات التّلفزيونيّة وكتب المقالة الأدبيّة والسّياسيّة وغيرها. وهو يتحلّى بثقافة موسوعيّة ولغة شاعريّة وشعريّة.

ولا نبالغ في القول عندما نقول بأنّ الشّعب الفلسطينيّ بشكل خاصّ واللأمّة العربيّة بشكل عامّ قد حباهم الله بالمحمودين: محمود درويش في الشّعر ومحمود شقير في السّرد.

وماذا بعد؟

استعمل الأديب شقير في إجاباته على أسئلة البروفيسور أسدي أسلوب السّرد الرّوائي الّذي يطغى عليه عنصر التّشويق.

ويجدر التّنويه أنّ هذه العجالة لا تغني بأيّ شكل عن قراءة هذا الكتاب الّذي يشكّل إضافة نوعيّة للمكتبة العربيّة.

٢٣-١٢-٢٠٢٥

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات