رانية مرجية:فلسفة السقوط والانبعاث في قصة الفئران تأكل الحديد

ر


تمهيد
صدرت قصة “الفئران تأكل الحديد” للكاتب جميل السلحوت عن دار الهدى – كريم عبد زحالقة (كفر قرع، القدس)، وهي موجّهة بالأساس إلى جيل الفتيات والفتيان ضمن نطاق أدب الناشئة، حيث تراوح الفئة العمرية المستهدفة بين 12–17 عامًا. ورغم توجيهها للشباب، فإن القصة تحمل طبقات رمزية وفلسفية عميقة تُتيح قراءتها أيضًا بوصفها نصًا إنسانيًا يشتغل على مسارات التحوّل الداخلي، مما يجعلها صالحة لمقاربات نقدية تتجاوز الإطار التربوي المباشر.
مقدمة
لا تقدّم قصة الفئران تأكل الحديد حكاية شعبية بسيطة كما قد يظهر في ظاهرها، بل تطرح سردًا مركّبًا يتعامل مع مفاهيم السقوط والوعي والانبعاث من زاوية نفسيّة–وجودية. فالنص يشتغل على لحظة ضعيفة في حياة البطل “سعيد”، ليفتح منها بابًا على سؤال أكبر: كيف يسقط الإنسان؟ وكيف ينهض؟
أولًا: السقوط… رحلة تبدأ بخطوة صغيرة
السقوط في القصة ليس حدثًا مفاجئًا؛ بل مسارًا تراكميًا يبدأ من الغفلة، ويتطور إلى الانخداع ثم الاستنزاف، وصولًا إلى الانهيار
١-الغفلة


تتجلّى في تجاهل سعيد لنصائح أبيه، وضربه عرض الحائط بخبرته

٢-الانخداع
يدخل رفاق السوء إلى المشهد بوصفهم صورة رمزية للجانب المظلم في نفس سعيد

٣-الاستنزاف
يخسر البطل ماله وهيبته، وتبدأ أسرته في التفكك٤-الانهيار
يبلغ السقوط ذروته في الرحلة الجبلية، حيث يتعرض للإهانة والتجويع والتخلي
ثانيًا: الأب… صوت البصيرة المستيقظة

يحضر الأب في النص حضورًا تربويًا عميقًا. فهو يمثل الوعي الخلّاق الذي يرى ما لا يراه سعيد. توصيته الصادمة ليست دعوة للموت بل صدمة تربوية مدروسة تهدف إلى إيقاظ البصيرة. إنها دعوة إلى “الموت الرمزي” تمهيدًا لولادة الذات
ثالثًا: الحظيرة… فضاء العبور من الظلام إلى الحكمة
تقف الحظيرة في النص بوصفها مسرح التحوّل. فهي المكان الذي ينهار فيه العمود، وينكشف الذهب الكامن تحته. انهيار العمود رمز لانهيار عمود الوهم الذي كان سعيد يستند إليه، بينما يمثل الذهب الحكمة الموروثة والقيم الأصيلة

رابعًا: رفاق السوء… الظلّ في أعمق تجلياته
يمثل رفاق السوء جانبين
١-الدور النفسي
هم الظل الداخلي لسعيد، حاجته للقبول وضعفه الداخلي
٢-الدور الاجتماعي
هم نموذج للعلاقات المصلحية المبنية على الاستغلال
خامسًا: الرحلة الجبلية… لحظة التحطيم النرجسي
في مشهد الرحلة الجبلية يبلغ السقوط ذروته: فقدان الكرامة، الانكسار، التخلي القاسي. هنا يفقد سعيد آخر ما تبقى من زيف القوة
سادسًا: الانبعاث… العودة إلى الذات الحقيقية
بعد اكتشاف الذهب، يبدأ سعيد رحلة مضادة لمسار الانحدار: يستعيد أسرته، يعيد بناء عمله، يتبنى قيمًا جديدة، ويصالح ذاته
سابعًا: النهاية… العدالة الرمزية
لا ينتقم سعيد، بل يضع رفاق السوء أمام حقيقتهم. عبارته الأخيرة تلخص التجربة: سقوط الوهم وصعود الوعي
خاتمة
تقدم قصة الفئران تأكل الحديد درسًا وجوديًا في كيفية انهيار الذات ونهوضها من جديد. إنها قصة عن السقوط لا بوصفه نهاية، بل بوصفه شرطًا للنهضة. قصة تؤكد أن الحكمة كنز محفوظ، وأن البصيرة لا تأتي إلا بعد الألم

١٩-١١-٢٠٢٥

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات