رواية “تراتيل في سفر روزانا” في ندوة اليوم السابع

ر

القدس: 19-9-2024 من ديمة جمعة السمانناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدّوريّة رواية ” تراتيل في سِفر روزانا” لنزهة الرملاوي. صدرت الرواية التي تقع في 233 صفحة من القطع المتوسط، عن دار ابن رشيق للتوزيع والنشر في العاصمة الأردنية عمان، وصممت غلافها دعاء العمري، كما قدّم لها الشّاعر والروائي أحمد الصمادي، مدير دار ابن رشيق للنشر والتوزيع.افتتحت الأمسية مديرة النّدوة ديمة جمعة السمان، فقالت:عندما ينزف القلم آلاماً من وجع غائر، في عالم جفت فيه ينابيع الإنسانية، ترى مداده يتحول إلى دماءٍ تسيل، وحروفه تئن كأنها أرواحٌ مستصرخة، تستجدي من زمن غابر بصيصَ عدالة أو رحمة. تشتعل الآمال بعودة صوت ينادي للإنقاذ، ينفخ الحياة في ضمير البشرية لتنهض وتخلص المعذبين في الأرض من قهر الظالمين. ولكن، صدى الصرخات يرتطم بجدران الصمت، ويرتد إلى صاحبه أثقل مما كان، ليضيف إلى جراحه أوجاعًا أخرى، ويعمّق شعوره بالعزلة في عالمٍ أغلق أبوابه أمام المقهورين وتركهم تحت وطأة الموت والدمار.رواية “تراتيل في سِفر روزانا” للأديبة نزهة الرملاوي، رواية جاءت لتحرك ضمائر الأمم علّها تصحو.أهدت الكاتبة روايتها للذين نالوا أوسمة إلهيّة، وفازوا بعالم لا يشبه عالمَنا. ولمن تصدّروا واجهة الشّرف والكرامة، وكانوا أسطورة صمود وبقاء.مسرح الرواية هناك في غزة، حيث تصطبغ الأرض بلون الدم، وتتلاشى ملامح الحياة تحت غبار القصف، يواجه أهلها حرب إبادة لا تفرق بين صغير وكبير. يسير الغزيون بين الأنقاض، يملؤهم شعورٌ بالغربة في أرضهم، وقد خانتهم كل الوعود، وتركهم العالم لمصيرهم، فلا أذن تسمع استغاثاتهم، ولا يد تمتد لتمسح دموعهم. الجوع والخوف أصبحا رفيقيهم الدائمين، وليلهم الطويل يزداد حلكة مع كل انفجار يهز الأرض تحت أقدامهم.في كل زاوية، ترى عيونًا تترقب الموت، وكأن الحياة لم تعد سوى انتظار مرير لقدر محتوم، حيث الظلم يسعى لابتلاع شعب بأكمله، وشبح الفناء يحوم فوقهم بلا رحمة. ومع كل طلقة تخرق صمت الليل، تتعمق الفجوة بينهم وبين الإنسانية التي غابت عن مشهدهم، ليبقى الألم صديقهم الوحيد في صراعهم من أجل البقاء.هذا ما أرادت الكاتبة أن توصله للقارىء في رواية رسمت شخوصها بعناية لينقلوا الواقع بكل ما فيه من أسى.كانت الفتاة روزانا ابنة السادسة عشرة ربيعا تروي قصة مولدها على لسان والدتها، في كانون أول 2008، إذ ولدت في فترة الحرب، فسميت على اسم جدتها روزانا المقدسية التي كانت تعمل ممرضة، وعرفت بقوتها وثباتها، والتي استُشهدت يوم مولدها، حين خرجت من المسشفى لشراء الحلويات فرحة بمولد حفيدتها، فتعرضت للقصف من الاحتلال. رحلت الجدة جسدا، إلا أن روحها بقيت تسكن قلوب كل محبيها الذين شهدوا لها مواقفها الانسانية.فارتبط اسم الحفيدة بالجدة سيدة البلاد وقامة الفكر وقدوة الحيّ، إذ كانت العائلة تتوقع منها أن تحمل شخصية الجدة القوية، وقد تسبب لها ذلك بالمعاناة الشديدة، فهي تراعي ألا تخذلهم، ولكن الحمل كان ثقيلا عليها.وعلى لسان روزانا الحفيدة تروي لنا الكاتبة الرواية بين حربي الفرقان عام 2008 وطوفان الأقصى عام 2023 ، والمستمرة إلى يومنا هذا ، من خلال العائلات الغزّيّة، فتطرح القضايا المختلفة، على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والوطني والصّحي والنّفسي والعاطفي، خاصّة في ظل وضع غير مستقر يعيش حالة حرب غير متكافئة، يسعى فيها الاحتلال إلى إبادة الآخر، ومحو عائلات كاملة من السّجل المدني.استطاعت الكاتبة ان تدخلنا إلى مشاعر الشخوص التي رسمتهم في روايتها من خلال تقنية جميلة استخدمتها بدلا من الراوي العليم، وهي المذكرات التي أولتها أهمية كبيرة، عادت بنا إلى سنين مضت تسترجع أحداث قديمة على ألسنة الشخوص أنفسهم، ومن خلال الرسائل الفيسبوكية أيضا التي اعتمدتها في روايتها السابقة: ذاكرة على أجنحة حلم.تطرقت الكاتبة إلى هجرة الغزّيين الشّباب بحثا عن لقمة العيش، وأشارت إلى توجه مرضاهم للقدس لتلقي العلاج في مشفى المقاصد لعدم وجود بعض التّخصصات في مشافي قطاع غزة، وتحديدا “السّرطان”، ووصفت مشاعر القلق والتوتر للمرضى ومرافقيهم، وهم بعيدون عن أهاليهم في غزة، خاصة في فترة الحرب التي طالت عددا كبيرا من العائلات قاصدة إبادتهم دون رحمة ولا رأفة.وقد غاب عن الكاتبة أن مشفى المقاصد يفتقر الى قسم لعلاج مرضى السّرطان، إذ يتوجه مرضى السرطان الى قسم متخصص في مشفى المطلع في القدس.كما تناولت أساليب “العمالة” ، ومحاولة إسقاط الشباب والصبايا من أجل استقطابهم وتجنيدهم ليكونوا عيونا للاحتلال. لقد نجحت الكاتبة في “أنسنة” القضية الفلسطينية، من خلال القصص الانسانية التي تداخلت لترسم لوحة بؤس وشقاء يعيشها حوالي مليونين ونصف غزّي، في مساحة لا تزيد عن 365كم مربع.بالواقع، أرى ان الكاتبة خاضت تحديًا جسورًا مع ذاتها حين اختارت أن تكتب “رواية” عن مرحلة لم تكتمل بعد، في زمن تسيطر عليه الفوضى والموت. فليس من اليسير أن تروي حكاية عن غزة التي تُحاصر بالموت والدمار، دون أي أمل في نهاية قريبة، خاصة في ظل تعنت الاحتلال وشروطه التعجيزيّة التي نعرف جميعا أسبابها. وأظن أن هذا هو سبب تسجيل الرواية على أنها صدرت في نهاية 2023، مع أن بعض الأحداث التي تناولتها الكاتبة جرت في العام 2024 الجاري.قد تكون القصيدة الجنس الأدبي الأكثر ملاءمة في مثل هذه الحالات، فهي لسان الروح المكلومة والمعبرة عن وجع اللحظة.أو ربما القصة قد تكون الخيار الأفضل، إذ أنها تقنص جانبًا من المشهد وتضعه تحت المجهر.أما الرواية، فهي فضاء أوسع، تلتقط الصورة الكاملة، تغوص في تفاصيل المرحلة، لتستخلص الجوهر من وسط الفوضى، وتقدمه كتجربة حيّة تُرينا العبرة من بين سطور المعاناة.كنت آمل أن أرى الوجه الآخر للحكاية، كنت أنتظر طيلة قراءتي للرواية أن أرى مشهد تمسك الغزيين في الحياة وإيجاد حلول لكل عقبة كانوا يصطدمون بها.. فالحاجة أمّ الاختراع.في الختام، لا شك أن أي حرف يتم خطه عن القضية الفلسطينية هو مكسب لصالح القضية، ويكون إضافة للمكتبة العربية.خاصة أن لغة الرواية متميزة، مليئة بالصور الأدبية الجميلة، والوصف المتقن بحرفيّة عالية. كما أن الكاتبة أبرزت قضايا انسانية في غاية الأهمّيّة، تخدم قضية شعب مقهور يتوق إلى الحرّيّة.وقال جميل السلحوت:من تابع إصدارات الكاتبة نزهة الرّملاوي سيجد أنّ الكاتبة قد استفادت كثيرا من تجربتها في كتابة الرّواية، فمن “كرنفال المدينة” إلى” تراتيل في سفر روزانا” ميدان سباق طويل تربّعت الكاتبة الرّملاوي على عرشه في روايتها الأخيرة هذه، فقد طوّرت أدواتها الكتابيّة بشكل ملحوظ وقدّمت لنا رواية بحبكة متينة وسلسة ومشوّقة.وإذا كان من المطلوب أن يعرف القارئ شيئا عن حياة الكاتب وعن البيئة التي يعيش فيها وعن الواقع الّذي يحياه؛ كي يستطيع فَهْم المراد في نصوصه، ويجدر التّذكير هنا بأنّ الكاتبة الرّملاوي ولدت ودرست وتعلّمت وتزوّجت وأنجبت وعملت وعاشت ولا تزال في القدس الشّرقيّة المحتلّة، وهذا التّذكير يبعد القارئ عن الكثير من الأسئلة عن مضمون الرّواية، فالرّوائيّة عكست الواقع الّذي تعيشه وعايشته، وبالتّالي فنحن أمام رواية واقعية.تضمّنت الرّواية عشرات الأحداث والقصص والحكايات عن حياة الفلسطينيّين في الأراضي المحتلة، خصوصا في قطاع غزّة. فهناك العديد من الحكايات عن الحروب المستمرّة والقصف والقتل والدّمار، والجرحى والشّهداء والجوعى والمشرّدين والمعوزين، ومصادرة الأراضي والاستيطان والسّقوط والاسقاط في مستنقع العمالة. وإذا كانت “روزانا” الحفيدة تمثّل الرّاوي العليم فهذا لا ينفي وجود رواة آخرين. الرّواية طرقت أبواب معاناة الشّعب الفلسطينيّ تحت الاحتلال، ولم تتوقّف عند ممارسات الاحتلال فقط، بل تعدّته إلى بعض النّواحي الاجتماعيّة مثل “الخلافات بين الحماة والكنّة” وقذف المحصنات، وما يترتّب عليها من مشاكل قد تهدم الحياة الزّوجيّة وتصل إلى الطّلاق وما يترتّب عليه من أطفال ضحايا.من الأمور الّلافتة في الرّواية أنّ الفلسطينيّ إنسان عاديّ يخطئ ويصيب، يحبّ ويكره، ويطمح بالحياة الحرّة الكريمة مثل غيره من البشر.وقال محمود شقير:1تكتب نزهة الرملاوي رواية فيها تداخل بين الخاص ممثلًا في قضايا حب رومانسي بريء وحياة يظهر فيها عنف الأزواج وقسوة المرض، وبين العام ممثلًا في حروب الإبادة التي تعرض ويتعرض لها قطاع غزة.وهي تعتمد في سردها للأحداث على اللغة الشاعرية وتداخل الأزمنة وعلى ضمير المتكلم الذي يقرب المسافات ويجعل التعاطف أجلى وأوقع في النفوس مع شخوص الرواية وبخاصة مع روزانا التي ولدت في شهر ديسمبر 2008 حين كانت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تندلع تحت اسم الرصاص المصبوب ما تسبب في جرائم شتى من ضمنها جريمة قتل الجدة روزانا المحتفية بولادة حفيدتها.لذلك أخذت روزانا اسمها من جدتها، وهي الآن في السادسة عشرة من عمرها وتقوم برصد كل شيء من حولها وتسجيل ما تراه وما تدركه في مذكرات توحي بأنها ستحمل العبء ذاته الذي حملته جدتها، وستواصل مشوارها مع الحياة ومع قسوة الاحتلال وجرائمه، ومع حبيبها عاهد الذي لم تلتق به بالمرة، بحيث يمكن أن نضع هذا الحب في إطار الرومانسية التي تكلل حياة فتاة مراهقة متفتحة على الحياة محبة لها برغم الحرب وويلاتها وشرورها.2تلعب المذكرات دورًا مهمًّا في هذه الرواية، بحيث تتيح للنص المسرود أن يتبدى جليًّا من خلال تعدد الأصوات الساردة، ولكي لا يضيع الدور المركزي لروزانا، فإن المذكرات يتم الكشف عنها من خلال روزانا ذاتها، فهي التي كشفت مذكرات ندى ابنة عمها التي استشهدت على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكانت تحب باسل الذي غادر قطاع غزة ولم يعد، وهي التي كشفت مذكرات خالتها زهرة التي قتلها مرض السرطان، وذلك حين ذهبت إلى بيت الخالة لإنقاذ مكتبتها من الضياع، وتعرضت هناك لمشهد مأساوي مثير حين تواصل القصف العنيف، لكن الأقدار أنقذتها من موت محقق، لكي تكشف لنا عن حب رومانسي آخر كانت بطلته خالتها زهرة التي أحبت إبراهيم الذي اختفى بعد معاقبة أبيه المخمور له، ولم يظهر إلا مؤخرًا وهو لا يعلم أن زهرة كانت تحبه من دون أن تلتقيه ومن دون أن تكشف له شيئًا من مظاهر هذا الحب.وأما السؤال الذي ظل معلقًا على امتداد صفحات الرواية: لماذا تشابه مصير الحب غير المكتمل في كل هذه الحالات؟ هل للبيئة المحافظة علاقة بذلك؟ وهل يعد حب موسى الموغل في الملذات لمعشوقته هنادي خروجًا عن القاعدة؟3ولكي تعطي الكاتبة صدقية وحميمية لما تغطيه من أحداث قديمة وأخرى راهنة، فهي لم تسرد هذه الأحداث إلا وهي مجبولة بمشاعرها هي أولًا ثم بمشاعر شخوص الرواية وانطباعاتهم وتأثرهم بها ثانيًا.تبدى ذلك من خلال الربط بين القدس وغزة في الحوارات التي كانت تدور بين روزانا وعمتها لطيفة التي جاءت إلى القدس مرافقة لابنتها لينا للاستشفاء في مستشفى المقاصد الخيرية المقدسي قبيل الحرب بأيام، كانت لطيفة تواصل الاتصال بابنة أخيها روزانا، تخبرها عن القدس وأزقتها وأجوائها، وتستسفر منها عن أحوال غزة في الحرب، وعن مصائر الأهل والناس فيها. وهكذا دخلت القدس في إطار السرد الروائي بشكل منطقي ومن دون افتعال.ولأن الكاتبة أحسنت ضبط حبكتها الروائية فقد مهدت لخيانة فريد وشقيقته فريدة منذ الصفحات الأولى للرواية من دون أن تكشف كل التفاصيل. تلك التفاصيل التي كشفتها نورا التي تعرضت لتحرشات من فريد، تبدت على حقيقتها في شكل صور فاضحة زورها فريد ووضعها في يد رجل الشاباك الإسرائيلي الذي راح يتصل بنورا لابتزازها، لكن هذه الأخيرة تنبهت للفخ المنصوب لها وفضحت العميل وشقيقته العميلة.4ربما كان ضبط الزمن في الرواية بحاجة إلى تدقيق، فهي وكما هو مسجل على صفحتها الداخلية صادرة في العام 2023، لكن بعض المعلومات المذكورة فيها تشي بأنها تغطي وقائع في العام 2024، إذ على صفحة 15 تأكيد على أن عمر روزانا ستة عشر عامًا، وعلى صفحة 85 تأكيد على الحصار الذي امتد ستة عشر عامًا منذ الحرب التي اندلعت عام 2008، وهو العام الذي ولدت فيه روزانا، وهي الآن في السادسة عشرة، وهذا يعني أننا احتسبنا العام 2024 لكي تظفر روزانا بهذا العمر الفتي.ثم إن الكاتبة تخبرنا بنص صريح على الصفحة 149 أن وقائع الحرب التي ترصدها في روايتها تعود إلى فترة الحرب الرابعة التي شنها المحتلون الإسرائيليون ضد قطاع غزة، وهي التي وقعت في العام 2019 .هذا يعني أن روزانا كانت في ذلك العام في الحادية عشرة من العمر، ولذلك لا يستقيم الحديث عن علاقة حب، ولو في الخيال بينها وبين عاهد. القصد من هذا الكلام أن ثمة خللًا في توزيع الزمن وفي ضبطه بحيث يتلاءم مع الأحداث الموصوفة.وبالطبع كان يمكن للكاتبة أن تكرس سردها لوصف الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وقد فعلت ذلك بوضوح في المشهد الأخير من روايتها.وكتبت د. روز اليوسف شعبان:الاسم روزانا مستمدّ من التراث وقد ورد هذا الاسم في أغنية” على الروزانا” عالروزانا عالروزانا كلّ الهنا فيها وشو عملت الروزانا ألله يجازيها تختلف الروايات في قصّة الروزانا، لكنّ أغلبها تدور حول قصة سفينة تدعى “روزانا”.. وهنا روايتان:الأولى تقول إنّها كانت سفينة عثمانيّة محمّلة عنبا وتفاحا، وجيء بها إلى بيروت لتبيع كلّ إنتاجها، بدل إنتاج المزارعين اللبنانيّين… وهو ما حصل، فكسد الإنتاج اللبنانيّ، ليأتي تجّار حلب ويتضامنوا مع اللبنانيّين ويشتروا كلّ محصولهم، وينقذوهم من الفقر والعوز.أما الرواية الثانية فتقول إنّ السفينة التي تدعى “روزانا” هي سفينة إيطاليّة، أرسلتها إيطاليا إلى لبنان وسورية وقت المجاعة الكبرى عام 1914، محمّلة بالقمح. لكن عندما وصلت تبيّن أنها محمّلة عنبا وتفاحا؛ ما أصاب اللبنانيّين والسوريّين بالخيبة. ورغم ذلك قام أهالي حلب بتأمين القمح اللازم للبنانيّين؛ لإنقاذهم من المجاعة.فالروزانا التي كان من المفروض أن تحمل الخلاص لسكّان بيروت، خيّبت الآمال، فرغم المجاعة التي حلّت باللبنانيين، إلّا أنّ السوريّين قاموا بمساعدتهم وإنقاذهم. ولعلّ اختيار الكاتبة لهذا العنوان يحمل دلالات رمزيّة، فالتراتيل هي استعارة للأصوات الحزينة التي تخرج أثناء الحرب، وقد تكون روزانا رمزا لسفينة الخلاص، التي خيّبت آمال أهل غزّة، الذين يعانون من الجوع، وويلات الحرب. فهل رمزيّة العنوان تراتيل روزانا، إيحاء بعدم اليأس، وانتظار الأمل في خلاص الشعب الفلسطينيّ المنكوب؟ وهل في ذلك نداء مبطّن للشعوب العربيّة في إنقاذ شعب غزّة؟تعالج هذه الرواية، وضع سكّان غزّة أثناء حرب إسرائيل في ما أسمته” عمليّة حارس الأسوار” في حين أطلقت عليها المقاومة “سيف القدس”، وهي بذلك تصوّر ما حلّ بغزّة من دمار وقتل، وتدمير للمباني والبنى التحتيّة، وتشريد الناس، وقصفهم في أماكن لجوئهم: في المدارس، المساجد، أماكن الإيواء التابعة للأونروا، في المستشفيات، في البيوت وفي الشوارع وفي كلّ مكان.في نهاية الرواية تتطرّق الكاتبة إلى طوفان الأقصى والحرب الدائرة في غزّة، والتي لا زالت تحصد وتزهق أرواح الآلاف من السكّان. فالمأساة تتكرّر، وما تمّ بناؤه بعد عملية “حارس الأسوار” تمّ هدمه في الحرب الحاليّة التّي حدثت بعد طوفان الأقصى في السابع من تشرين أوّل 2023. سردت أحداث الرواية بلسان روزانا، التي سميت باسم جدّتها روزانا، التي استشهدت أمام المستشفى الذي كانت تعمل فيه، حين خرجت لشراء الحلوى بعد ولادة حفيدتها روزانا، في أوّل يوم من حرب الرصاص المصبوب على غزّة عام 2008، كما يسمّيها المحتلّون، أو معركة الفرقان كما يسمّيها المقاومون. كانت الجدّة روزانا إنسانة معطاءة قويّة، قدوة لسيّدات الحيّ، ونساء العائلة. ولدت روزانا الحفيدة في نفس اليوم الذي اندلعت فيه الحرب، والذي فيه توفيّت جدّتها، لذا قرّرت روزانا الحفيدة أن تكون قويّة كجدّتها. من خلال سرد روزانا وكتابتها لسيرتها اليوميّة في دفتر مذكّراتها، نتعرّف على شخصّيات عديدة، منها شخصيّات وطنيّة، ومنها الخائنة للوطن مثل فريد وأخته فريدة(زوجة والد نورا وبيسان)، ومنها المعطاءة المضحيّة مثل الجدّة روزانا، والخالة زهرة، منها الطموحة مثل ثائر، وهو أخو الراوية/الساردة، الذي تعلّم الهندسة الإلكترونية، قرّر السفر والخروج من القطاع بحثا عن عمل، وبقيت روزانا تنتظر عودته. وقد يكون الاسم ثائر، وغيابه وانتظار عودته، يشير إلى الثورة الحقيقيّة، المسلّحة بالعلم والابتكار، التي تنتظر الكاتبة عودتها. كما تعرّفنا على عائلة روزانا، وعلى خالتها زهرة، التي ضحّت بشبابها كي تعيل أخوتها بعد موت والدها، فبقيت دون زواج، ثم مرضت بمرض السرطان الذي أودى بحياتها، وقد تعرّفت روزانا على سيرة حياة خالتها، من خلال قراءتها في دفتر يوميّات خالتها زهرة. بيسان صديقة روزانا، عاشت مع أمها وزوج أمّها، بعد طلاق والدتها بسبب اتّهام حماتها لها بخيانة زوجها، يأخذ الزوج الابنة الكبرى نورة، فتعيش مع زوجة والدها فريدة التي تنكّل بها وتعاملها بقسوة، وتجعل أخاها فريد، يزورهم يوميّا ليتقرّب من نورة، ويتحرّش بها، فتقع في حبّه، لكنها تكتشف تورطه مع أخته(زوجة والدها) في خيانة الوطن، والوشاية بأماكن تواجد المقاومين، فيتمّ قصفهم، لقاء أجر يتقاضاه من المخابرات الإسرائيليّة، وصل به الأمر الى تركيب صورة لها وهي عارية، وهددها بنشر صورتها، وكان يهدف من وراء ذلك تشغيلها مع المخابرات للإيقاع بالطالبات الجامعيّات، تهرب نورة من بيت والدها؛ بعد أن تتعرّف على أختها من خلال الفيس بوك، وتلتقي بوالدتها وأختها بيسان في مخيّم الشاطئ.والاسم بيسان يرمز إلى مدينة بيسان المهجّرة، فهل عودة بيسان إلى أمّها، إشارة إلى عودة الفلسطينيّين المهجّرين إلى أوطانهم؟أما شخصيّة روزانا الساردة فهي من قامت بتدوين أحداث الحرب الرابعة على غزّة في دفتر يوميّاتها، عمليّة حارس الأسوار، أو سيف القدس، وقد تميّزت بإنسانيّتها، وعفويتها وحبّها لصديقاتها ولوطنها. جاء السرد ذاتيّا، لذا تمكنّا من الاطّلاع على نفسيّتها، واضطراباتها ومخاوفها، تخلّل السرد حوارات خارجيّة بين شخصيّات الرواية، وحوارات داخليّة(مونولوج)، كما تخلّله الكثير من التناصّ المستمد من التراث الفلسطينيّ، أغان شعبيّة، أناشيد الثورة، وغيرها.. كما تميّز السرد بلغة أنيقة، وقد أجادت الكاتبة في وصفها إلى حدّ يجعل القارئ يتماهى مع الحدث وكأنه يشاهده بأمّ عينيه.ولعلّ أكثر المشاهد تأثيرا، كان وصف روزانا للقصف الذي أودى بأسرة عمّها محسن، ومن بين القتلى كانت ندى ابنة عمّها وصديقتها، وكانت ندى قد بدأت تكتب في مذكّراتها وصفا للقصف على حيّهم، لكنّ القذائف لم تمهلها حتّى تكمل وصفها للأحداث، فقُتلت وسالت الدماء على دفترها. تقول السّاردة روزانا:” وصل عمّي الحيّ منهكا، وصعد أدراج بيته المنهدم، سمعت صراخه الجدران والأشلاء المبعثرة، شلال الدم يتسلّل من بين الحجارة، يسري تحت جثث الراحلين، اقتربت من عمّي رأيت شلّالا من الدمع في عينيه والناس تشاركه الحزن والبكاء، كان يبكي ويصرخ عاليا” يا ربي دخيلك، يا ألله راحوا العيال”(ص 96-97). كما وصفت روزانا ما تعرّض له بيت خالتها زهرة حين كتنت فيه، من قصف عنيف، وما اعتراها من مشاعر الخوف. تقول روزانا:” يا إلهي كيف أمنع تمدّد الخوف وافتراسه لهدوئي؟ تبّا لهذا الوحش الكاسر في داخلي، يؤجج انفعالاتي ويجرّني إلى الكتابة، من الصعب أن أكتب تحت القصف، ومن الإجحاف أن لا أدوّن شهادتي على الأحداث، وألا أبكي وأن لا أخاف. من قال إنّي لن أبكي في هذه اللحظات”(ص 85).:” يا إلهي أشعر بخوف عميق، صاروخ واحد سيهدم الحيطان المتبقيّة، عادت الطائرات وأسقطت من بطنها صواريخ أكثر قوّة فانهار الحائط على درج المكتب(مكان اختبائي)، تدمّرت الأشياء من حولي، الغبار يملأ الغرفة، أكاد أختنق”.(ص 85).فالرواية إذن واقعيّة، وربّما يفسّر هذا، اختفاء عنصر الخيال فيها، فجاء السرد رتيبا ثقيلا متماهيا مع ثقل الأحداث والكوارث التي حلّت بغزّة وأهلها.أهميّة الروايةتُعدُّ الرواية وسيلة فعّالة لنقل الذاكرة من جيل إلى آخر، فرواية تراتيل روزانا توثّق الحرب على غزّة، بكل مآسيها ومجازرها ودمارها. إلى جانب المعاناة، تقدم هذه الرواية أيضا، قصصًا عن الصمود والمقاومة، وهو جزء مهمّ من الذاكرة الوطنيّة. هذه القصص تؤكد أن الفلسطينيّين ليسوا مجرد ضحايا، بل هم أيضًا مقاومون يصارعون للحفاظ على أرضهم وكرامتهم. ممّا يساعد في حفظ الذاكرة الجماعيّة للشعب الفلسطينيّ، كما أنّها تفتح نافذة أمام القارئ غير الفلسطينيّ للتعرف على معاناة الفلسطينيّين وآمالهم وتطلّعاتهم. وقد يؤثّر ذلك في وعي العالم بالقضيّة الفلسطينيّة.وقالت د. رفيقة أبو غوش: اختارت الكاتبة عنوانّا مُركّبًا للرّواية، ولكلّ كلمة تحمل معنى مميّزًا؛ بدايةً تناولت كلمة تراتيل؛ والّتي تحمل معنى جميلًا؛ فمعنى تراتيل في معجم المعاني الجامع: “تراتيل جمع ترتيل – رتِل الكلام: تناسق، انتظم وحسُن تأليفه. رتّل القارئ القرآن: جوّد تلاوته وتأنق فيها ولم يعجل”. بينما المعنى الثّاني: كلمة سِفر، بكسر السّين، وتسكين الفاء. سِفْر: “هي كلمة سريانية وقيل نبطيّة دخلت اللّغة العربيّة من الآراميّة وتعني الكتب”: “هو الكتاب – الجمع أسفار: وهي لفظة قرآنيّة”.لو تأمّلنا المعنى الثّالث لإسم روزانا فهو ” روزانا هي فتاة عاقلة ورزينة دائما ما تتخطّى مشكلة في حياتها بالحكمة والتّفكير الجيّد؛ ولبقة بحديثها وأنيقة في مظهرها؛ لذلك هي مميّزة في مكان تواجدها”. ويكبيديا ومصادر إلكترونيّة أخرى). برأيي الشّخصي: أجد بأنّ الكاتبة، أحسنت اختيار العنوان؛ نظرًا لمعناه المعبّر والجميل.ِ خلاصة الحديث رواية ” تراتيل في سِفر روزانا” عنوان مُلفت للإنتباه، ويستدعي القارئ بالبحث والاستنتاج، وربط الأحداث لأهميّته؛ لِما يحمل من قدسيّة وهالة خاصّة؛ نظرًا لِما تحتويه الرّواية من سرد لذكريات وأحداث دارت رحاها أثناء الحرب على غزّة، والمعاناة الّتي واجهت الفلسطينيين من تهجير، وتجويع، وإبادة جماعيّة؛ لأهميّة تفاصيله؛ والتّركيز على الشعور بالإيمان بالنّصر والصّمود، والتّضحيات، والبطولات، كل ذلك يستحق تخليده في كتاب خاص؛ ليكون شاهدًا أمام العالم أجمع. كلّ أحداث الرّواية تستحق القراء بطريقة ترتيل، بتأنٍّ وبتمعّن.. تحلّت الرّواية بلغة عربيّة فصحى بليغة، وبلغة شعريّة جميلة، وهي غنيّة بوسائل التّعبير، وحسن البلاغة؛ وتبدو المُغالاة في استخدام المُحسّنات البديعيّة أحيانًا. احتوت الرّواية على بعض القصائد الشّعريّة المنثورة، من تأليف الرّوائيّة نفسها. هذه القصائد أضافت متعة القراءة للنّصوص الأدبيّة. نهجت الرّوائيّة نزهة الرّملاوي تقنيّة أسلوب الاسترجاع الفنّي (الفلاش باك). كما ورد صفحة 79 و 158. Flashback اعتمدت الكاتبة على توثيق احداث الحرب على غزّة في دفتر مذكّرات خاص، على لسان البطلة روزانا، وكذلك تضمّن السّرد قراءة مُذكّرات البطلة زهرة خالة روزانا؛ كما ورد صفحة 75، بالإضافة لقراءة مذكّرات ندى ابنة عم روزانا كما ورد صفحة 134؛ بالإضافة لسرد كتاب مُذكّرات (آنا فرانك) “مذكّرات فتاة صغيرة” صفحة 84 هذا الكتاب وقع بين يدي روزانا، عندما اختبأت ووقعت المكتبة أمام روزانا، حيث سردت فرانك حول تجاربها في الاختباء أثناء الاحتلال الألماني لهولندا في الحرب العالميّة الثّانية؛ برأيي هذا السّرد والمقارنة بين اختباء روزانا وآنا فرانك، خلق حوارًا ذاتيًّا ممتعًا، فيه نوع من المفارقات. مما أعجبني بهذه المفارقات: عندما حاورت روزانا نفسها أثناء محاصرتها قائلةً: “أريد أن أتبوّل لا أستطيع خلع البنطال أو التّحرّك، أخاف على الكتب الملقاة عند أقدامي أن يصيبها البلل، إن بلت على نفسي لن أستطيع حملها. أفضل حل أن أبال على مذكّرات (آنا فرانك) لتصبح أكثر شهرة، فهي بنظر العالم مضطّهدة، وأنا بنظره إرهابيّة، إرهابيّة”. لم تكتفِ الكاتبة بتلك التذقنيّات فحسب، بل استخدمت الصّور، بوصف بعض اللّوحات المُعلّقة على الحائط ، وطريقة التّصوير، وكتابة التّقارير حول الأحداث، وانتهاكات الاحتلال في القدس؛ متزامنة مع الحرب على غزّة، كما ورد صفحة 130 ” أرجوكِ عمّتي، صوّري واكتبي لي ما يجري في القدس”. استعملت الكاتبة تبادل الرّسائل، وكتابة الأشعار عند الحنين للمحبوب، ناهيك عن الاتّصالات الهاتفيّة، والحوارات الخارجيّة. كلّ تلك التقنيّات كانت ناجحة في سرد متسلسل وشيّق؛ بالتّعبيرعن المشاعر الصّادقة والأفكار المتصارعة في العقل . استخدمت الكاتبة بعض التّناص الدّيني كما ورد صفحة 216 من سورة (القارعة:10 ) ” تمنيت لو أخفيه وقت سقوط الهاوية، وما ادراك ماهي”. كذلك صفحة 158 “إذا ما اللّيل عسعس. (سورة التّكوير:17)… إذا ما الصّبح تنفّس سورة التّكوير: 18). يبدو التّأثير الرّوحاني، والدّيني واضحًا في متن السّرد، وهذا يعكس المعتقدات الدّينيّة والرّوحانيّة لدى الكاتبة. نجحت الكاتبة بوصف المشاعر الحقيقيّة ومعاناة النساء الفلسطينيّات، اثناء الحرب الدّائرة، هذا الوصف يعجزعن وصفه الأدباء الذّكور؛ لأن الكاتبة امرأة، ولا يفهم المرأة إلّا امرأة تماثلها، فهذا الأمر لصالح إنجاح الرّواية. كما ذكرت ” أنا والوجع يفتك بي كالعادة في هذه الأيّام من كلّ شهر، لست الوحيدة لأتمرّد على طبيعتي الأنثويّة”. صفحة 225. باللإضافة لوصفها معاناة النّساء أثناء المخاض وألم الولادة اثناء السير على الأقدام فيجنح الظّلام، وصعوبة السير في طرق مُدمّرة وغير سالكة، تحت زخّات المطر في الطريق المؤدّي للمستشفي، عانت النّساء من الظروف القاسية والمأسويّة تحت القصف؛ وبدون إشراف طبّي يُذكر. وصفت الكاتبة أدوارهن المتميّز في حمل المسؤوليّة، والمُشاركة الفعّالة بالحفاظ على أسرهن بإيمانهن بالانتصار والصّمود. ” يليق بنا النّصر، فنحن الباقون” صفحة 127 ” النسوة تدور حول البيوت المهلهلة والبنايات المهدّمة بأدعية الثّبات، تستنهض عزائم الرّجال. (والله بنموت ما منطلع من دورنا، هدّوا الدّور؟ معلِش، شو يعني .. منحط خيمة على رجمها وما منطلع، المال بتعوّض، والله كريم، وين نروح؟”. برأيي الشّخصي: أجد بأنّ الرّوائيّة نزهة الرّملاوي أبدعت بوصفها الدّقيق والمُقنع لمعاناة النّساء النّفسيّة والجسديّة، كالواقع الأليم. حظيت النّساء بقيمة عالية في الرّواية، لدرجة بأنّ معظم بطلات الرّواية من النّساء الفلسطينيّات، وكانت روزانا هي الرّاوية الساردة الرّئيسيّة في الرّواية، والمُتحدّثة بضمير (الأنا) ؛ روزانا هي بطلة الرّواية الّتي سجّلت، ووثّقت أحداث الرّواية أثناء الحرب، هذا الاسم يحمل معاني ومواصفات البطلة روزانا، والّتي ورثتها عن جدّتها روزانا، لِما تتحلّى بمواصفات الحكمة، والرّزانة، والذّكاء.ومن ثمّ سردت أحداث الرّواية على لسان النّساء البطلات الثّانويّات مثل: روزانا – زهرة خالة – ندى بنت عمها – روزانا الجدّة – ام روزانا – ندين – ليلى – فريدة – نورا – بيسان – هنادي – أم باسل – أم سمير -لطيفة عمّة روزانا؛ حرّكت الكاتبة الشّخصيّات النسائيّة، في تطوير اأحداث، ولعب أدوارًا هامّة في متن السّرد. شخصيّات ثانويّة ذكوريّة أيضًا، لعبت أدوارًا بارزة مثل: العم محسن – أب روزانا – الأسير رائد – إبراهيم وولده راني – أحمد – فريد الجاسوس – ثائر أخو روزانا – عاهد – باسل ابن الجيران . من خلال تلك الشّخصيّات المتعدّدة، طغت قوّة الأدوار الّتي قامت بها النّساء الفلسطينيّات على أدوار الذّكور، بقوّة الحراك، والتّأثير في تطوّر أحداث الرّواية، وتحريك خيوط الرّواية منذ البداية حتّى النّهاية.استخدمت الرّوائيّة الرّملاوي أسلوب الحوار الخارجي والحوار الذّاتي بشكل خاص؛ ممّا أضفى متعة ومصداقيّة على سيرورة السّرد. ما يميز هذه الرّواية هي العاطفة المشحونة بالحزن، والألم، والفقدان، والخسارة؛ والعاطفة الوطنيّة، والتّعاون، وعاطفة الأمومة، والتّضحيّة. نجحت الرّوائيّة، في التّعبير عن كافّة المشاعر المذكورة سابقًا؛ بصدق وبدون مبالغة لدرجة تضع القارئ أمام صور حقيقيّة، لأحداث دراميّة مؤلمة. هذه الرّواية تكاد أن تخلو من عاطفة الفرح والبهجة. المكان الرئيسي لسرد الأحداث في الرّواية، هو غزّة والقدس، حيث ربطت الكاتبة أحداث الحرب على غزةّ مع أحداث التّنكيل والاعتداءات على الفلسطينيين في القدس؛ “القدس نادت، فلبّت غزّة النداء” صفحة 131. “عمليّة سيف القدس، كما سمّاها المقاومون”. رواية “تراتيل في سفر روزانا” رواية واقعيّة بامتياز، فهي رواية دراميّة ملحميّة، ووطنيّة، تشبه التّغريبة الفلسطينيّة؛ بحيث تتماشى مع الاحداث والحرب الطّاحنة في غزّة منذ عام 2018، ولغاية الآن 2024 بما تُسمّى حرب (طوفان الأقصى) كل الوقائع والأحداث تنطبق على كل الحروب الّتي خاضها المحتّل في غزّة. برأيي الشّخصي: تعتبر الّرّوائيّة نزهة الرّملاوي من الأدباء السّبّاقين، بسرد الحقائق والمعاناة أثناء الحرب، بجرأة ومصداقيّة دون مغالاة في الوصف رواية “تراتيل في سفر روزانا” رواية واقعيّة بامتياز، فهي رواية دراميّة ملحميّة، ووطنيّة، تشبه التّغريبة الفلسطينيّة؛ بحيث تتماشى مع الاحداث والحرب الطّاحنة في غزّة منذ عام 2018، ولغاية الآن 2024 بما تُسمّى حرب (طوفان الأقصى) كل الوقائع والأحداث تنطبق على كل الحروب الّتي خاضها المحتّل في غزّة. برأيي الشّخصي: تعتبر الّرّوائيّة نزهة الرّملاوي من الأدباء السّبّاقين، بسرد الحقائق والمعاناة أثناء الحرب، بجرأة ومصداقيّة دون مغالاة في الوصف. هنيئًا للرّوائيّة نزهة الرّملاوي، وأتمنى لها متابعة الجزء الثّاني للرّواية؛ نظرًا لاستمرار حرب (طوفان الأقصى) على غزّة.وقالت نزهة أبو غوش:تعدّ رواية ” تراتيل في سفر روتانا” رواية في أدب الحرب؛ وهي عبارة عن رواية توثيقيّة. نحو رواية غسّان كنفاني” رجال في الشّمس” وإبراهيم نصر الله “زمن الخيول” والطريق إلى عين شمس” ل صانع الله إبراهيم؛ الّتي تتحدّث عن حرب 67.في روايتها، تراتيل في سفر روتانا” حملت الكاتبة المقدسيّة، نزهة الرّملاوي قلمها العريض، الحادّ كالسّهم؛ لتصنع رواية فلسطينيّة واقعيّة فريدة، وجديدة صوّرت بها الواقع القائم منذ سنوات، حتّى يومنا هذا؛ فهي الأديبة السّباقة؛ لأنّها أوّل لاقطة ومصوّرة ومعبّرة للأحداث النازفة، الّتي تجري اليوم في فلسطين، وحرب” طوفان الأقصى” في قطاع غزّة المحتلّ.حملت رواية الرّملاوي صرخة مدوّية في وجه العالم. صرخة مجبولة بكلّ أنواع البؤس: الحزن، والألم، والخوف، والمرض، والفقر، والجوع، والقهر؛ والموت.كانت هناك صرخة أخرى، وهي صرخة العتاب في وجه العالم المتخاذل؛ فكانت كبيرة مرتفعة وصلت حدّ السّماء. أكّدت صرخة الّراوية روزانا على معنى الإنسانيّة المفقودة؛ الّتي خلقها الصّراع المستمرّ ما بين الحريّة الّتي يطالب بها الشعب الفلسطيني المحتلّ منذ حوالي سبعين عقدا من الزّمن؛ وبين المحتلّ نفسه.الشّخصيّة الرّئيسيّة في الرواية – روزانا – هي رمز للقوّة والتّحدّي وامتداد الحاضر بالماضي؛ حيث رمزت الجدّة روزانا الماضي، أمّا حفيدنها روزانا فقد رمزت للزّمن الحاضر.لغة الكاتبة الرّملاوي، لغة شاعريّة عاطفيّة، تحمل العاطفة الجيّاشة بما يتناسب مع الحدث والموقف؛ فقد أبكت القارئ بحرقة؛ لأنّها صوّرت واقعا يدركه تماما ويجري أمام عينيه. بلغتها العاطفيّة أيضا استطاعت أن تخلق الكاتبة جوّا عامّا من المشهد العامّ للرواية ككلّ؛ سواء كان ذلك مشحونا بالتوتر، أو مملوءا بالحبّ والدفء؛ لذلك نلحظ صورة الحبّ بين الجنسين في الرواية حبّا عذريّا أغلبه من طرف واحد؛ حيث أضاف للشخصيّات عمقا في المشاعر، وأبرز مشاعر المعاناة والألم. بلغتها النحويّة المنمّقة السّلسة، الّتي حملت المحسّنات البلاغيّة والاستعارات والتّشبيهات؛ استطاعت الكاتبة الاستمرار في تعبيرها الإيقاعي على طول مساحة الرّواية، ممّا أضاف بعدا أدبيّا زخما للغة الرّواية. في لغتها خلقت الأديبة نزهة الرّملاوي حالات من التّوتّر – حزن، تضامن، الصبر؛ خوف، قلق… – ممّا زاد من حالة التّشويق وامتداد الدّفقة الشّعوريّة لدى القارئ.استخدمت الأديبة الرّملاوي أساليب فنّية مختلفة؛ كي توصل للقارئ فكرتها وفلسفتها، ومن هذه الأساليب:- استخدام المذكّرات، نحو روزانا بطلة الرّواية الّتي كتبتها أثناء الحرب، كذلك مذكّرات ندى ابنة عمّها الّتي وثّقت في الحيّ الّذي تسكن فيه؛ ومذكّرات زهرة وصديقتها هنادي الّتي وثّقت حياة الأسرة ومعاناتهم في السّجون الاسرائيليّة.- استخدام أسلوب كتابة المذكّرات، نحو مذكّرات الخالة زهرة، ومذكّرات اليهوديّة الناجية من المحرقة ( آنا فرانك) والّتي من خلالها استطاعت أن تعقد مقارنة ما بين ما يجري اليوم من إبادة، وبين معسكرات الإبادة الّتي كانت في ألمانيا. – أسلوب الاسترجاع والعودة إلى الوراء، والّتي أثّرت بشكل كبير على تطوّر الحبكة؛ ومن خلاله استطاعت الكاتبة الربط بين المدن الفلسطينيّة، وخاصّة مدينة القدس، الحاضرة دائما في أدبها بشكل عامّ، ورواياتها السابقة.- أسلوب لإسقاط على الطّبيعة – البحر، الأمواج، الرّمال، البيوت المدمّرة…- كافّة الهموم والأوجاع.- أسلوب الحوار الذّاتي، الّذي ساعدت على استكشاف دواخل الشخصيّات الروائية.- استخدام الرّموز الدّينيّة، والتّاريخية، والشعبيّة؛ فقد ضمّنت روايتها رموزا من القرآن الكريم، ومن الانجيل؛ ممّا أضافت المصداقية والتّأصّل والواقعيّة المقنعة للرواية.- أسلوب التنوّع في المخاطبة، فقد خاطب الروّائيّون في الرواية المخيّم والأجداد، والشهداء تحت الرّدم والطّبيعة…. ” صباح الخير أيّها المخيّم الساكن في قلبي/ يا صوت جدّي الغالي خلف شبابيك لجوء مشهورة. ص39- أسلوب التّساؤلات، فقد أكثرت فيها المؤلّفة؛ دلالة على الغموض الّذي يكتنف حياة الانسان الّذي يعيش تحت عصا الظلم؛ كما أنّ هذه التّساؤلات قد أبرزت الصّراعات القائمة بين الشخصيّات، وأبرزت المتناقضات في التّفكير، وساهمت في مشاركة القارئ في التفكير والتّأمّل.نهاية الرّواية كانت مفتوحة؛ لأنّها انعكاس للوضع الفوضوي الرّاهن، كذلك الصّراع الّذي ما زال مستمرّا؛ لكنّ الكاتبة فتحت بابا للأمل: “من فضلكم، لا تتعجّلوا نهايات تراجيدية بائسة، اكتبوا نهايات أكثر سعادة، أدخلوا الفرح من واسع أبوابه، كما النّصر بعد حرب تحرير قاسية”.وقالت هدى أبو غوش:تراتيل الأديبة نزهة الرّملاوي،هي تراتيل وطن ينتظر ميلاد الأمان في ظلّ الحرب المجنونة،تراتيل ذكريات أليمة كانت، وما زالت،فهي تُجلد على مرأى العالم ولا حياة لمن تنادي،تراتيل مفعمة بالصرخات،الأهات الفقد،والوجع،تراتيل واقعية توثقها الرّملاوي كي لا ننسى.تراتيل تقرأها لنا الحفيدة روزانا التي سميت على اسم جدّتها.”جدّة رسمتها في خيالي،حُمّلت اسمها دون إذن أو تذمر “.تقوم روزانا الحفيدة التي ولدت في أيام الحرب (2008)بقراءة التراتيل من خلال قراءة عدّة مذكرات،مذكرة الجدّة روزانا،مذكرة الخالة زهرة،مذكرة ندى.يتمّ سرد المذكرات من خلال السّاردة العليمة روزانا الحفيدة بالإضافة السّاردات النسائية (بيسان ونورا وأخريات)تكشف المذكرات عن حالة وظروف الحرب القاسية من المجازر وصور الرّكام والجوع الكافر،الخوف، القلق،التوتر ،الصراع النفسي،وتعرّي العالم من أقنعته المزيفة في موقفه الصامت الغريب تجاه العدوان على قطاع غزّة.كما ونجد في تراتيل الرّملاوي نقدا لاذعا تجاه العملاء والجواسيس وأثرهم السّلبي في المجتمع كما في شخصية فريد العميل.تطرقت الأديبة نزهة الرّملاوي إلى الناحية الاجتماعية،فقد بيّنت أثر الطلاق على تفكك الأسرة وسيطرة الشّر في بعض النفوس المريضة،وذلك من خلال شخصية زوجة الأب الحاقدة في محاولتها لتدمير نورا وتشويه سمعتها.في الرّواية تشتد أمواج الحرب العاصفة بكثافة فعواصفها تؤثر على الحالة النفسية للشخصيات.نجد التأثير النفسي على روزانا الحفيدة؛بسبب ارتباط اسمها باسم جدّتها،وعليه كانوا يتوقعون منها أن تتحلّى بصفات جدّتها روزانا.”كنت اشعر بالقسوة حتّى النخاع لأني حُملت فوق طاقتي ولا أستطيع التّحمل”ص18.تصور الرّملاوي الحالة النفسية تحت القصف،وتأثيرها على الأبرياء،بالإضافة إلى روح العطاء في إظهار الحقيقة رغم صعوبتها،تقول روزانا الحفيدة:”يا إلهي كيف أمنع تمدّد الخوف وافتراسه لهدوئي،من الصعب أن أكتب تحت القصف ،ومن الإجحاف أن لا أدوّن شهادتي على الأحداث”ص85.كما وارتبط يوم ميلادها بأيام الحرب؛ولذا كانت روزانا تشعر بالحزن لأنهم يذكرونها بالشهداء الأبرياء.”أكره أن يكون يوم ميلادي تاريخا لبدء الحرب”146.كما تظهر حالة روزانا الحفيدة من قلق،وتوتر في بحثها المتواصل عن ثائر،وعاهد.نحد أيضا الأثر النفسي الجماعي،فالحالة النفسية تمطر في الرّواية بحزن،فنجد العائلات في حالة فقد ووجع،شتاء القهر يسيطر على حالاتهم،فهم عاجزون عن إيقاف الحرب رغم نداءاتهم.أطفالهم يرحلون نحو السّماء والصبر رفيقهم رغم صعوبته.فقد بيّنت الأديبة الرّملاوي قسوة الحرب من خلال استشهاد الأطفال.والحالة النفسية نجدها أيضا عند أمّ ثائر التي لا تهدأ أحلامها وكوابيسها في بحثها عنه في ظلّ الحرب المجنونة ،ومدي اشتياقها له”أمي كانت في ملحمة مع الأحلام”.جاء أسلوب الأديبة بتنوع الرّواة،واستخدام أسلوب الكتابة الأدبية المذكرات للكشف عن الحقائق وتصوير أدق التفاصيل،كما استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي(فيس بوك) ,(الواتس آب)،وطرحت قضية الابتزاز الإلكتروني.أحسنت الأديبة في وصف مشاعر الشخصيات،والاسترسال بالسرد، جاء الحوار بالعامية،وقد ذكرت بعض الجمل التي ذكرت على لسان أطفال غزّة في الحرب الجارية اليوم بما يتعلّق بكتابة أسماء الأطفال على الأيادي والأرجل.كما استخدمت الأغاني الثورية،واستخدمت أسلوب المناجاة والتساؤلات.أظهرت الأديبة براعة الشباب الغزّي في الابتكار من أجل إيجاد الحلول المناسبة لظروفهم القاسية.”منعونا من استخدام الحجارة؛ فابتكر شبابنا حجارة بناء بلاستيكية صديقة للبيئة”.كما أبرقت بنقد ومفارقة حزينة كيف تزغرد أم الشّهيد على لسان روزانا الحفيدة.استخدمت أسلوب المقارنة بين مذكرات “آنا فرانك” ومذكرات روزانا بأسلوب ساخر حين قامت بالتبول على مذكرات “آنا فرانك” احتجاجا على الصمت العالمي وعدم اكتراثهم لمعاناة الشعب الفلسطيني. فمذكرات آنا فرانك تحظى بأهمية عند الغرب التي تعبّر عن الإضطهاد،بينما مذكرات روزانا يعتبرونها إرهابية.جاءت النهاية مفتوحة؛لأن الحرب ما زالت مشتعلة،وهناك مذكرات لم تكتمل بعد.مبارك للأديبة المبدعة نزهة الرّملاوي،وإلى تراتيل أخرى تحمل الفرح في سفر الوطن.وكتب بسّام داوود:رواية اجتماعية سياسية واقعية وصفت بدقة ما يجري في قطاع غزة .الاسلوب جميل يشد القارئ واللغة سهلة وواضحة وقد وفقت الكاتبة في طرح افكارها ورغم واقعية المشاهد الا ان الكاتبة استخدمت الخيال لتخفف من قسوة الحرب والمشاهد وذلك عندما تخيلت روزانا حبيبها عاهد وراحا يرقصان والمخيم على جنباته الورود والازهار مع ان الركام كان يفوق الوصف .تبدأ الرواية بولادة الطفلة روزانا سنة 2008 اثناء حرب الرصاص المصبوب وسميت بهذا الاسم لانها تشبه جدتها روزانا المقدسية التي استشهدت في نفس يوم ولادة حفيدتها روزانا .تكبر روزانا وتكبر انوثتها وتنتقل من الطفولة الى سن البلوغ واخذت تدون كل ما يدور حولها في مفكرتها لتوثق الاحداث بدقة .واهم ما كتبته روزانا :كيف سيكون لنا دولة ونحن مفككون محاصرون مقيدون باتفاقيات مجحفة بحقنا لا مطر بها يسقي جفاف ارضنا اتفاقيات زادت الطين بلة . وجاء انقسام الفصائل الفلسطينية ليزيد الامر تعقيدا ويؤدي لانفصال شطري الوطن ليصبح هناك سلطة تدير القطاع وسلطة تدير الضفة ليفرض بعد ذلك حصارا مشددا على كل قطاع غزة ولا يزال مستمرا ليتحكم الاحتلال بكل مصادر الحياة من كهرباء ومياه ووقود وطعام وادوية وغيرها من مقومات الحياة لتزيد معاناة شعبنا مما ادى تفاقم الحالة الاقتصادية سوءا وازدياد معدلات البطالة لتبدأ اعدادا كبيرة من الشباب بالهجرة من القطاع باحثة عن فرص عمل امثال ثائر وباسل وعاهد وغيرهم .ولم يكتف الاحتلال بهذه العقوبات بل شن اكثر من حرب مدمرة علينا شملت البشر والشجر والحجر ولم تسلم المدارس والجامعات والمساجد والكنائس وبيوت السكن ليصبح الناس كلهم مشردين في العراء يعانون من برد الشتاء وحر الصيف ومن مختلف الامراض اضافة لما يعانون به من قصف وتدمير لمختلف انواع الاسحلة لتوقع عشرات الاف من الشهداء والجرحى والمعاقين معظمهم من الاطفال والنساء ومما زاد الامر تعقيدا هو سلاح التجويع الذي فرض على شعبنا ليموت العديد من الاطفال جوعا وعطشا وانتشار الاوبئة بينهم .كما قام الاحتلال بسرقة المياه العذبة ليسقي بها المستوطنات ولم يبق لشعبنا سوى المياه المالحة التي تفتك باجسادنا .وعلى الرغم مما ذكر يبقى شعبنا صامدا وصابرا ومبدعا ومن منطلق ان الحاجة هي ام الاختراع قام شبابنا المبدع فاخترعوا سيارة تعمل بالطاقة الشمسية واستخرجوا الغاز من المخلفات العضوية والنجارة ومخلفات الطعام فكان حلا لمشكلة القمامة وبرك المجاري وبسبب منع دخول الاسمنت خوفا من بناء الانفاق للمقاومة صنعوا اسمنتا اكثر قوة وحولوا الحرارة الى كهرباء بعد ان قطعوا التيار الكهربائي والاتصالات التكنولوجية الحديثة لنتواصل مع فضائنا الازرق وابتكر شبابنا حجارة بناء بلاستيكية صديقة للبيئة بعد منع استخدام الحجارة , كل هذا لنثبت للعالم اننا صناع للحياة نبحث عن ما هو افضل ونبتكر ما يبقينا بكرامة .كما ان كثير من الشباب رغم كل المصاعب والمعيقات الا انهم يطمحون لتحقيق حلمهم فروزانا مثلا تفكر ان تسخر طاقة الشمس لاضاءة القطاع وندى ابنة عم روزانا تحلم ان تصبح خبيرة باطراف متحركة لتساعد من فقدوا اطرافهم في الحرب لكنها الآ ن في اعداد الشهداء رحمها الله , وثائر اخ روزانا نجح بتحلية مياه البحر بالتعاون مع اصدقائه الخبراء ولو وجد تمويلا لمشروعه لحقق نجاحا كبيرا ولم يكن مضطرا للسفر خارج الوطن . اما زهرة خالة روزانا فهي المراة القارئة عندها مكتبة خاصة بها فقد اوصت قبل وفاتها بان تنتقل هذه المكتبة لعهدة روزانا التي حولتها لمكتبة عامة لابناء الحي ليستفيدوا منها , كما ان عمها محسن كان يغامر ويعبر البحر بمركبه من اجل ان يصطاد بعض السمك لاطعام اسرته وجيرانه واصدقائه هذا هو نموذج التعاون بين ابناء شعبنا لمواجهة الصعوبات .وقد اشارت روزانا لبعض السلبيات في المجتمع كوجود العملاء الذين يبيعون ضمائرهم من اجل حفنة من الفلوس وقيامهم بالتعاون مع مخابرات الاحتلال لمحاولة اسقاط الشباب والشابات ويعبتر هذا تحذيرا للجميع لاخد الحذر من هؤلاء الاشرار .اما يوم المؤن فتبدو وحشيته حين يقوم المسؤولون المخولون بتوزيع بطاقات التموين على الاحبة والاقرباء والباقية حسب الاهواء والميول . هذا يوم سعادة للكثير من اهل المخيم ينتظر الجميع صدقات المتبرعين من اغذية وملابس واحذية وقد تكون قديمة ومستعملة من مخلفات المتبرعين يقدمونها تكفيرا عن ذنوبهم بتهجير اجدادنا واقتلاعهم من ارضهم وتشتيتهم .تقول روزانا انها اطلقت لعينيها العنان لتتجول في المكتبة التي ورثتها عن خالتها زهرة ليقع بصرها على رواية انا فرانك اليهودية الهولندية كتبتها في الفترة 1942 -1944 حملت معاناة الشعب الهولندي تحت الاحتلال الالماني حيث شاهدت الحرب واختبأت عن عيون الالمان لمدة سنتين ثم اقتيدت مع مثات اليهود الى معسكرات النازيين .تضامن العالم مع معاناة اليهود واهداهم وطني فلسطين ليعيشوا بامن وسلام . وتقول اما انا ولدت مع الحرب والعالم سلب وطننا واعان عدونا في قتلنا وتهجيرنا وحول القطاع لمعسكر ابادة لم يبك العالم على قطاع يسكن فيه مليونا انسان محاصر منذ ستة عشر عاما . رواية انا فرانك تشبه روايتي فهي كتبتها وقت الحرب وكذلك انا دونت واقع الحرب والحصار في القطاع. سؤالي : هل العالم سيقرأ روايتي ويبكي تجويع القطاع وابادته كما قرأ رواية انا فرانك عن اضطهاد اليهود في معسكرات النازيين , من سيكترث لموتنا او بقائنا لو كنت مكاني يا انا ماذا ستكتبين وهل ستشعرين بالفرق بين النازية والصهيونية , فقد بدأ الهدف من الابادة عند كليهما واضحا معاناتنا لا تختلف عن معاناتكم ولا تختلف عن طريقة تعذيبنا لكن من يعذبنا يترأس حقوق الانسان ويدعي ملاحقة الارهابيين وهو نفسه من يرهبنا . في نظر العالم انا فرانك مضطهدة وأنا ارهابية لقد ثبت تواطؤ العالم لما يجري لنا فالعالم ابكم اصم لما يجري في غزة وبالقدس ايضا .صمت العالم قاسي كالحرب مشاعر انسانية مفقودة متى نتساوى مع العالم بشيء من الامن والاستقرار الناس تصرخ من يفتح المعابر وينهي حصارنا . يارب باي وجه يلقاك العرب والمسلمون الكفار والمؤمنون اسألهم عن انسانيتهم اين دفنوها وعن اخبار ابادتنا كيف استقبلوها . الجوع والعطش يهتك اجسادنا اولادنا ماتوا جوعانين وعطشانين قوافل الشهداء تواصل صعودها للسماء وقوافل المساعدات تواصل دعم القتلة .اولادنا ولدوا كبارا نحن اسياد الصبر والكرامة وليعلم الظالمون اننا على قيد البقاء .والله لو بنموت ما بنطلع من دورنا كلنا فداء للاقصى والقدس .وكتب عفيف قاووق:كعادتها في معظم نتاجها الأدبي والروائي، تواصل الأديبة نزهة الرملاوي الحفر في الهمّ الفلسطيني والغوص في يوميات ومعاناة ذاك الشعب الرازح تحت نير الإحتلال.”تراتيل في سفر روزانا” لو أردنا تجنيسها نجدها أقرب ما تكون إلى الأدب السياسي المقاوم،كُتِبت بلغة سهلة وأنيقة في آن وبأسلوب سردي إنسيابي تجعل القارىء مشدودا لمتابعة مجرياتها وتشعره بأنه في قلب المشهد الروائي لا بل أحد شخوصه لما يطالعه من أحداث وتفاصيل سبق وأن تابع معظمها إن لم نقل عاشها في يعض المراحل والمحطات.جاءت هذه الرواية لتؤرخ لا بل لتوثق ما جرى ويجري على سكان فلسطين عمومًا وقطاع غزّة ومخيماته على وجه الخصوص، هذا القطاع الذي عاش سكانه العديد من المآسي والحروب التي جعلت سبل الحياة فيه أقرب إلى المستحيل نتيجة ما يتعرض له من أخطار وحصار.وللدلالة على تواصل الأجيال وتوارثهم للقضية الواحدة والجامعة إرتأت الكاتبة ان تبدأ روايتها هذه بالإشارة إلى الجدّة روزانا والتي حملت مشعلها وإسمها فيما بعد حفيدتها روزانا لتقدم لنا هذه الرواية “تراتيل في سفر روزانا”.روزانا الجدّة كما وصفتها حفيدتها بأنها تلك المرأة المقدسية، الآتية من عبق الحارات ومن تكبيرات المآذن وأجراس الكنائس،وإذ كانت تعتبر أن كلّ المدن مدنها، لكنّ يبقى للقدس ربيعًا آخر، وما يميزها أنّها حفيدة شهيد وأخت أسير ما زال جسده مدفونًا في مقبرة الأرقام.ولإبعاد شبح الملل عن القارىء، لم تشأ الكاتبة ان تولي مهمة السرد إلى شخصية واحدة هي السارد العليم روزانا الحفيدة، بل لجأت إلى إيكال مهمة السرد أيضا إلى شخصيات أخرى مثل نورا وأيضا خالتها زهرة إضافة إلى بعض الشخصيات الثانوية الأخرى .وكأن ميلاد الأطفال أصبح يؤرخ بتواريخ الحروب المتكررة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ، تشير الرواية إلى أن روزانا قد ولدت في شهر كانون الأول من العام 2008، مع بدء الحرب التي يسميها المحتلّ “حرب الرّصاص المصبوب”ويُسميها المقاومون بمعركةالفرقان، أو بقعة الزّيت اللاهب . ولقد أسهبت الكاتبة في الإشارة إلى ما يعانيه هذا الشعب من قهر وإذلال وحصار خاصة فيما يتعرض له سكان قطاع غزّة. كما سلطت الضوء على الأوضاع الضاغطة التي تعيشها المخيمات متخذة من مخيم الشاطىء وقطاع غزّة مسرحًا لأحداث روايتها. لتبرز الممارسات التي يقوم بها الإحتلال الذي أقدم على تفجّير الأرصفة والشّوارع بحجة هدم الأنفاق، فتكوّمت الأبراج على رؤوس ساكنيها،وأصبحت “حارات المخيم تضجّ بصياح السّاكنين، وآهات المجروحين. فالحرب لا تفرق بين الصالح والطالح، حتّى الأجنّة يقتلون قبل الولادة، والمساجد تهدّم،والمدارس تمسح دماء أطفالها عن الأدراج والمقاعد، ويحمل الآباء جثامين صغارهم، يصفّونهم كأشتال جميلة، تزهر في كل الفصول ذكريات واشتياق. ومئات الراكضين نحو مدرسة الوكالة، حفاة ينتعلون الخوف ويتألمون. يحملون أولادهم وكتبهم وأقلامهم ليكتبوا تراتيل بقائهم وتاريخ صمودهم. وللدلالة على همجية الإحتلال تسأل روزانا ما إذا كانت مكتبة الكتب التي أتلفها العدو كانت تقاوم وتطلق الصّواريخ؟ وهل كانت العائلة التي تتناول طعامها تقاوم أوتطلق المدافع؟ وهل أضحت زجاجات الحليب بين يديّ الأطفال قنابل؟ وتستطرد لتقول :كم نحتاج من الوقت كي نستريح من مشاهد القتل والدّمار؟ متى نتساوى مع العالم بشيء من الأمن والاستقرار؟ كيف نعتلي مراكبنا، ونمضي في البحر، دون أن تضربنا القذائف؟”. وتُبرز الرواية المعاناة التي يعيشها سكان المخيم بعد أن سرق الإحتلال المياه الجوفية العذبة، و حوّلها لآبار ارتوازية لريّ مستوطناته، وأبقى لهم مياه مالحة تفتك بأجسادهم وتبيد مزروعاتهم. كما تشير الى الوضع المهين والمُذلْ للسكان عند انتظامهم في طابور يوم المؤن، حيث يصبح العاطي إلهًا تركع له البطون، وتسجد له أوقاتًا طويلة من الانتظار، والمحاباة المعتمدة في توزّيع بطاقات التّموين.تشير الرواية فيما تشير إلى ما يشبه المقاومة المدنية وإصرار السكان على العيش بكرامة، تقول روزانا “علمتنا الحرب أن نخرج من تحت الركام بقوة، إبنة عمّي ندى تحلم أن تصبح خبيرة في صنع أطراف متحرّكة، لتمنح من فقدوا أطرافهم في الحرب أملًا بالتّحرك والنّشاط، وأنا أحلم أن أسخّر طاقة الشّمس في إضاءة القطاع ليلًا؛ كي لا تُرهب ظلمته نور الحياة. كما ان شبابنا ابتكروا حجارة بناء بلاستيكية صديقة للبيئة، ساهمت في حلّ مشكلتيّ نقص مواد البناء وازدياد النّفايات البلاستيكية، لنثبت للعالم أننا صنّا ع للحياة، نبحث عما هو أفضل، ونبتكر ما يبقينا بكرامة”.بجرأة لافتة قد يتحاشاها الكثير من الكُتّاب قاربت الكاتبة بلسان شخوص روايتها الوضع السياسي وتعريته مشيرة إلى الخلافات القائمة بين الفصائل، بحيث أن التوافق فيما بينهم أشبه بمعجزة، فالكل يتربّص لفكر يعارض فكره، أو توجّه لا يمتّ لتوجّهاته بصلة. اللهمَّ عندما يوّدع المخيّم المقاومين في كرنفال يليق بتضحياتهم، تنام خلافات الفصائل، ويلتئم شملها لفترة لتعود وتصحو في نهار آخر. وفي موضع آخر تدعو للتمسك بحق العودة التي تعتبر أن “إتفاقية اوسلو” لم تشر إليه، وهذا ما يولّد الشعور بالتّخاذل والعتب والاستنكار. لقد استشرفت الكاتبة كما يبدو الحرب الأحدث التي يشنها الإحتلال على قطاع غزّة ، بعدما تعرضت هيبته العسكرية والإستخباراتية إلى نكسة لا بل إلى نكبة نتيجة عملية طوفان الأقصى.وعن هذه العملية تقول روزانا وبلغة شعريّة “من الأنفاق خرج ثائر، طلع مع الأحرار، كطوفان غمرنا بالانتصار، فجروا سياج القهر، ألغوا حدود الذّل، دمّروا الجدار، حلقوا بطائرات شراعية، عبروا بزوارق بحرية، باغتوا المستبدين، كسروا شوكتهم، هتكوا شرف تخيلاتهم، ذلّوا هامات أسيادهم، وما توقفوا”. كما تشير الى الدعم اللامتناهي الذي حظي به الإحتلال سواء من الأبعدين او الأقربين فأمعن في عدوانه متفلتًا من كل ضوابط وقوانين الحروب المعترف بها. فبينما كانت قوافل الشهداء تواصل صعودها إلى السماء، كانت قوافل المساعدات تواصل دعْم القتلة، بمليارات الدولارات وجنود وخبراء ودبابات وعتاد، وأقمار صناعية وسفن حربية وصواريخ تبيد العباد.وفي إنتقاد صارخ لصمت معظم الأنظمة العربية تصرخ والدة روزانا في وجههم قائلة:” وينكم يا عرب، وينكم يا أمة المليار، هذه مش حرب، هذه مجازر، إبادة، غزة تدافع عن شرف الأمة، عن الأقصى، عن القدس، وين النّخوة؟”. وللأسف فإن الرد العربي على هذه الصرخة جاء على شكل مركبات جاءت بآلاف الأكفان، وبعض الأرز والعدس، وعلب السّردين والحمّص والفول وبسكويت منتهي الصّلاحية .وتنتقل الكاتبة لترسم بقلمها صورة مأساوية شاهدها العالم أجمع عن هؤلاء الأطفال الذين تزاحموا لكتابة اسماءهم على اطرافهم حتى يتم التعرف عليهم عند إستشهادهم، وتنقل لنا الرواية طلب أحد هؤلاء الأولاد عندما قال: “اكتب اسمي الرباعي على يديّ ورجليّ، إذا مت شهيدًا يعرفوا أنا مين وابن مين عشان إذا اتقطع جسمي يجمعوني” ويكمل بسخرية من لا يخشى الموت، “بلاش يحطوا إيدك بدل إيدي، أو رجلك بدل رجلي، أنت قصير وأنا طويل، ما ينفع بصير أعرج في الجنة”. وقد ترجمت لنا الكاتبة هذه الحادثة وحولتها إلى نشيد مستوحى من نشيد بكتب إسمك يا بلادي فكتبت:”أكتب اسمي يا هادي ، على رجلي وعلى الإيديمكن نال الشّهادة وألحق أخي الشّهيديا غزة الأحرار بلبقلك الانتصاروتبقي مزروعة عالداير إكليل ورد وغار ونعيّد عيدك والفرحة تزيدك قوة وعزم وإصرار.” .بواقعية وبدون روتوش تشير الكاتبة إلى ظاهرة العمالة والخيانة التي عرفها المخيم نتيجة لتجنيد ضعاف النفوس من شبابه هؤلاء الخونة خطرهم أقسى على السكان من الأعداء، ينخرون عظم الانتماء، ثمّ يتوارون بالخفاء”، تقول روزانا “رأى أبي جسّاسًا في زاوية، كان يراقب المشهد، ويخابر العدوّ من أجل بعض الشّواقل، ينجح ويخفق في ضبط أبطال المقاومة، وأيضا ما كشفته نورا عن تورط فريد وفريدة في تفجير الطّابق السّادس الذي يقطنه أحد المقاومين في البناية المقابلة، ورصد تحرّكات المقاومين، وتعاونهم مع العدوّ لتصفيتهم.وكانا يخابران العدوّ، ويعملان على نقل المعلومات له للقضاء على المقاومين من أجل الحصول على بعض النقود.لقد وفقت الكاتبة في التطرق إلى كتاب يوميات آنّا فرانك اليهودية الهولندية، ومذكراتها حول معاناتها تحت الاحتلال الألماني،وكيف أن العالم تضامن مع معاناة اليهود، ولإبراز ان العالم يكيل بمكيالين تقول روزانا : “يبكي العالم على موت (آنّا فرانك) بفايروس وهي في معسكر الإبادة ، ولا يبكي على قطاع يسكن فيه مليونا إنسان محاصر منذ ستة عشر عامًا ؟ وفي موقف سياسي مُعبّر تقرر روزانا التبول على كتاب آنّا فرانك وكأنها بذلك بالت على كل كتب التاريخ المزيف الذي يتلطى به الآخرين والذي يعتبر آنا فرانك مضطهدة في حين ينظر إلى روزانا على انّها إرهابية كما غالبية شعبها.ربما لأن الكاتبة إمرأة وبالرغم من ان روايتها كما قلت تنتمي للأدب السياسي، إلا أنها لم تشأ إغفال بعض القضايا التي تتعرض لها المرأة ، سيما وان العنصر النسائي إستحوذ على مساحة لا بأس بها من الأحداث ومجرياتها وهذا ما يقربها أيضا من ألادب النسائي بشكل أو بآخر. وما يعزز هذا الرأي ما لمسناه من طرح الكاتبة لبعض القضايا التي تهم المرأة ومنها قضية الطلاق والتفكك الأسري كما هي قصة نورا التي انفصل والديها بالطلاق عن بعضهما وبدأت معاناتها مع زوجة أبيها فريدة واخوها المتحرش فريد.الذي لم يتورع أن يفبرك لها صورا فاضحة بغية إبتزازها ودفعها للرضوخ له ولمطالبه الدنيئة.حالة نسوية ثانية أبرزتها الرواية تتمثل بالخالة زهرة التي نذرت نفسها للتعلم ولتعليم أخوتها، ونسيت نفسها بلا زوج وأولاد لأنها بقيت على عهد قطعته على نفسها أمام أمها ساعة الاحتضار، بأن تجمع شمل أخوتها كلّما اجتاحهم تيار القطيعة لأسباب واهية، وتقدّم لهم الدّعم الماليّ والمعنويّ ما استطاعت إليه سبيلًا .في إشارة ولو بسيطة تشير الرواية لمسألة العنف الذي تتعرض له المرأة كما حصل مع والدة ابراهيم ونادين ومعاملة زوجها المخمور لها حيث كانت تتلقّى صفعة ترديها الأرض وتصيح من ألم: الله لا يسامحك، وينهض الأولاد من نومهم مذعورين، يتحلّقون حول أمهم التي تكوّرت في الزاوية، وقد أنهكت جسدها الرّكلات.ولم تغفل الكاتبة الدعوة إلى التعامل مع أصحاب الإحتياجات الخاصة بكل أنسانية وتعاطف في إشارتها إلى ليلى إبنة نادين فتقول روزانا “ازداد عطفي عليها، رحت أعاتب أيّ شخص يضحك على كلماتها غير المفهومة ولسانها الكبير المتدلي خارج فمها، أخبره أنها لا تستطيع التّنفس دون إخراجه”.لا يمكن مغادرة الرواية دون التنويه بالجانب الفنّي الذي نلمسه في أكثر من موضع، والذي يتمثل في تلك الأناشيد والأهازيج المعبرة والتي تخدم النص. كما ان بعض الأشعار امتازت بشىء من التناص الديني كما جاء في هذا المقطع:”سأقتحم خلوة روحك إذا ما الليل عسعس..وأكتب لك دهشتي .إذا ما الصّبح تنفّس.. وأرتّل عليك رقيتي.. إذا ما القلب توجّس خيفة،إن أغمست حروفي بزيت عشقك المقدّس.”ولأن الحرب لم تضع أوزارها بعد في قطاع غزّة ولم تزل تعبث بأمن القطاع وسكانه، فإن تراتيل في سفر روزانا لم تنته فصولاً بعد ، لذا إرتأت روزانا ان تترك النهاية مفتوحة وان تشارك القارىء في وضع ما يرتأيه من نهاية لهذه المعاناة، من هنا جاءت دعوتها لكل من سيتسنى له الإطلاع على هذا السِفر بأن لا يتعجّل نهايات تراجيدية بائسة، وتدعوه لكتابة نهايات أكثر سعادة، ويزيّنها بالصمود المدهش” . ورداً على دعوة الكاتبة هذه فنحن بدورنا ندعوها لأن تواصل الكتابة لتترجم ألم ومعاناة هذا الشعب المقهوركما فعلت في هذه الرواية وفي غيرها من الكتابات التي ننتظرها.ختامًا مبارك للأديبة نزهة الرملاوي هذه الوثيقة وإلى المزيد من التألق والنجاح في مسيرتها الإبداعية. وقال المحامي حسن عبادي:استشهدت جدّة بطلة الرواية (روزانا) يوم ولادتها، حيث كانت تعمل ممرضة في المشفى الغزيّ الذي ولدت فيه، ذهبت لتشتري الحلوى لتوزيعها بمناسبة ولادة حفيدتها، نتاج القصف الإسرائيلي على غزة، خلال معركة الفرقان، (في شهر كانون الأول من العام 2008)، وورّثتها نكبتها واسمها.ولدت روزانا خلال الحرب وسلبت طفولتها، مثلها مثل مجايليها الذين ولدوا في ظل الحصار المستمرّ على قطاع غزة لعشرات السنين وعانوا الأمرّين من الذل والحرمان والقهر وويلات الحروب، ورثت المخيّم واللجوء والقصف، الذي يقتل الحجر والشجر، والأجنّة في بطون أمّهاتهم.ترسم الكاتبة بحروفها معاناة أهل غزة؛ ما شاهدناه على شاشات التلفاز وما تابعناه في وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا من قتل ودمار، وفتّشتُ بإبرة وفتيلة عن الحبكة عبر صفحات “الروائية” ولم أجدها.رسمت الكاتبة بجميل حرفها ما شاهدته من مشاهد يندى لها الجبين؛تصوّر هدم المساجد والكنائس، قصف المدارس، قتل الصغار الأبرياء، فيضطر آباؤهم حمل جثامينهم، السطو على المياه الجوفيّة وسرقتها لصالح المستوطنات وحرمان أصحابها منها… وطابور المؤن.تتناول ظواهر سلبيّة؛ المحاباة المتعمدة في توزّيع بطاقات التّموين، الانقسامات والخلافات القائمة بين الفصائل المختلفة (يوحّدها وداع مقاوم شهيد)، آفة العمالة والخيانة “رأى أبي جسّاسًا في زاوية، كان يراقب المشهد، ويخابر العدوّ من أجل بعض الشّواقل، وينجح في ضبط أبطال المقاومة”، وكذلك دور فريد وفريدة في رصد تحرّكات المقاومين ونقل المعلومات للعدو مقابل حفنة نقود مما أدى لاغتيال أحد المقاومين، معاناة نورا إثر طلاق والداها وتفكك أسرتها ومعاملتها بقسوة من زوجة والدها وتسخيرها.تتساءل الكاتبة ساخرة بسوداويّة قاتلة: هل كانت مكتبة الكتب التي أتلفها العدو تقاوم وتطلق الصّواريخ؟ هل كانت العائلة التي تتناول طعامها تقاوم أو تطلق المدافع؟ وهل أضحت زجاجات الحليب بين يديّ الأطفال قنابل؟تتساءل الكاتبة على لسان أبطالها؛ كم نحتاج من الوقت كي نستريح من مشاهد القتل والدّمار؟متى نتساوى مع العالم بشيء من الأمن والاستقرار؟كيف نعتلي مراكبنا، ونمضي في البحر، دون أن تضربنا القذائف؟تتناول الكاتبة التمسّك بحق العودة الذي تنازلت عنه “اتفاقية أوسلو”، حرب الإبادة البربرية ضد غزّة، الحصار المقيت وإغلاق المعابر، شحّ المعونات، القصف الدائم بالصواريخ والقذائف الفسفوريّة وغيرها من وسائل الدمار الشامل ليل نهار، قصف وتدمير مرافق “الأونروا”، وغيرها من المرافق التابعة للأمم المتحدة ومدارس الوكالة مما يجعل روزانا تقول: “أمي تصيح للمرة المائة: غارة، غارة، اركضي، اركضي لمدرسة الوكالة، اختبئي هناك”. “المدرسة؟ أما قصفوا المدارس والعوائل النازحين؟ أما قصفوا المساجد على رؤوس المؤمنين؟ أما قصفوا المشفى وقتلوا أطفالًا بساحته آمنين؟”تنتقد بحرقة الصمت والخذلان العربي: “وينكم يا عرب، وينكم يا أمة المليار، هذه مش حرب، هذه مجازر، إبادة، غزة تدافع عن شرف الأمة، عن الأقصى، عن القدس، وين النّخوة؟”، وتقتصر نخوتهم على تزويد أهل غزة بآلاف الأكفان، وبعض المؤن منتهية الصّلاحية، وتقول بسخرية: “لا تهدونا ألعابا… اهدونا أطرافا اصطناعيّة لنعمل، وخبراء وماء ودواء. ليعلم الظالمون أننا على قيد الحياة”.ترسم الكاتبة بقلمها صورة مأساوية مؤلمة شاهدها العالم أجمع عن هؤلاء الأطفال الذين تزاحموا لكتابة اسمائهم على أطرافهم حتى يتم التعرف عليهم ساعة استشهادهم، وتنقل لنا طلب أحدهم قائلاً: – “اكتب اسمي الرّباعي على يديّ ورجليّ، حتى إذا استشهدت، يعرفوا أنا مين وابن مين.- خلص. راح أكتب لك على يد واحدة، أو رجل واحدة، راح يعرفوك.- لا يا حبيبي، بدّي تكتب لي على يديّ ورجليّ؛ عشان إذا اتقطع جسمي يجمعوني، بلاش يحطوا إيدك بدل إيدي، أو رجلك بدل رجلي، إنت قصير وأنا طويل؛ ما ينفع بصير أعرج في الجنة”.يحلم أبناء غزة بالحياة؛ فحلم ندى أن تصبح خبيرة في صنع أطراف متحرّكة، وروزانا تحلم بتسخير طاقة الشّمس في إضاءة القطاع ليلًا، وشباب غزة ابتكروا حجارة بناء بلاستيكية صديقة للبيئة، ساهمت في حلّ مشكلتيّ نقص مواد البناء وازدياد النّفايات البلاستيكية.راقت لي العناوين الفرعيّة؛ أوراق من مذكرتي، صفيح يضيء الشمس، جوع كافر، ما بين الحبّ والذكرى، زمن يصحو من جديد، رقص تحت المطر، خالتي زهرة، سُطور من الحبّ، رسائل من تحت الركام، قرابين لآلة الحرب، رحلة صعبة، مذكّرات ندى، أعياد تحت الحصار، نورا، رقص في ملاجئ الخوف، هروب في هدنة الحرب، عودة إبراهيم، ما قبل الطوفان؛وكذلك الأهازيج الشعبيّة التي استعانت بها.وراق لي الإهداء: “لمن نالوا أوسمة إلهيّة، وفازوا بعالم لا يشبه عالمنا، لمن تصدّروا واجهة الشّرف والكرامة، وكانوا أسطورة صمود وبقاء”.ملاحظات لا بد منها؛وقعت الكاتبة في فخّ النمطيّة ومخالب الدعاية الصهيونيّة وأنسنة الهولوكست؛ وتبنّي أسطورة آنا فرانك (“كتبت “أنّا فرانك) مذكراتها (الصحيح: يوميات وليس مذكرات)، في الفترة من الثاني عشر من حزيران 1942 (الصحيح: 14) حتى الأول من آب 1944 (ص. 81) “أنا فرانك روت اضطهاد في معسكرات النازيين”، (الصحيح هي يوميات تدوّن اختبائها في أمستردام الهولندية وليس الاضطهاد في المعسكرات)، فالضحية اليهوديّة مختطفة لصالح مشروع ينكر حقّنا في الوجود، ولا يجوز لنا أن نلعب لعبة الشعور كضحيّة الضحيّة، فالضحايا ضحايا لا مبرّرات لمن جعلها ضحايا.(أخذتني لمخطوطَتي كتابين لأسيرين يصوّران، كلّا على حدة، تجنيد العملاء، وأهم مرحلة هي أخذهم لجولة “تثقيفيّة” في “ياد فاشيم”، المركز العالمي التوثيقي والبحثي والتعليمي لتخليد ذكرى الهولوكوست). وكذلك الأمر شرعنه المسميات الصهيونية لتصير جزءًا بنيوياً من الرواية وتبنّيها في خطابنا؛ “حرب الرّصاص المصبوب” عوضاً عن معركة الفرقان، أو بقعة الزّيت اللاهب، “حارس الأسوار” عوضاً عن “سيف القدس” وغيرها.ووردت بعض الأخطاء التي كان بالإمكان تجاوزها، “الحمد لله الذي وهب (بيل غيتس) اختراع الهواتف” (ص. 46) الصحيح: مارتين كوبر عام 1973 وغيرها.لغة “الرواية” جميلة وانسيابية ولكن تنقصها الحبكة الروائية فاللغة وحدها لا تبني رواية، فوجدتها نصاً سردياً مفتوحاً، تصوير مشاهد ومناظر عشناها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزيون، دون حبل روائي يربطها. وجدتها تقريريّة تصويريّة موجعة ومؤلمة وحبّذا لو لم يتم تجنيسها برواية.جاءت النهاية جميلة متفائلة تنبض بالحياة:”من قال إننا سنفنى؟مستحيل. مستحيلهنا باقون… متجذّرونوكأننا مليونا جيل…نخرج من خلف العتمةنشعل ملياري قنديللا تطفئنا العواصفلا تمحينا المجازر،لا تهزمنا الأساطيل”.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات