1
يكتب الأديب جميل السلحوت رواية للفتيات والفتيان مستفيدًا من بعض أجواء الحكاية الشعبية، ومن الظلال والدلالات التي يتركها اسم جبينة واسم الشاطر حسن في الذاكرة الجمعية التي تشبعت حتى زمن ليس ببعيد بالحكايات الشعبية، التي كانت تبرع في سردها الجدات والعمات والخالات وبعض كبار السن من الرجال في ليالي السمر.
لكننا لا نلمس أي أثر للغولة وللغول ولا للجن الذي يخطف الفتاة الجميلة للزواج بها، أو البطل المنتمي إلى عالم الإنس الذي يعشق جنية وتعشقه الجنية فيرتبطان بزواج وينجبان ولدًا أو عددًا من الأولاد.
يذهب جميل السلحوت بدلًا من ذلك إلى الطبيعة الفلسطينية الجميلة، وهذا بالطبع خيار جيد، فلا يترك اسمًا لمكان في برية القدس التي عاش فيها عرب السواحرة إلا توقف عنده، ولا يترك فرصة إلا استثمرها لإقناع ساكني المدينة بضرورة العودة إلى الطبيعة، طبيعة فلسطين، والتمتع بجمالها والتعرف إلى نباتاتها وطيورها وزواحفها وحيواناتها والتنزه في ربوعها والتخييم فيها.
2
ولكي يرسخ حب الطبيعة في نفوس الجيل الجديد، فقد جعل الكاتب الطفلة الجميلة جبينة ابنة السنوات العشر وأختها المتبناة زينب وصديقتها وضحا التي تعرفت عليها في البرية هنّ عنوان هذا الحب.
وعلى المقلب الآخر جعل الشاطر حسن معنيًّا بتنظيم الرحلات الحاشدة التي تضم مسلمين ومسيحيين من أبناء القدس لزيارة مقام النبي موسى ومناطق البرية التي نتعرف إلى أسمائها بدقة وشمول، ثم تمتد رغبة الكاتب في التعريف بالأماكن الفلسطينية إلى التوقّف عند دير أم عبيد ودير مار إلياس الواقعين في أرض العبيدية المجاورة لأرض السواحرة، وذلك من باب تعزيز عنصر التعددية في المجتمع الفلسطيني، ولإظهار الغنى الحضاري والثقافي لهذا المجتمع.
ما يلفت الانتباه في هذه الرواية أن أحداثها تقع في فترة ربما كانت في القرن التاسع عشر، حيث نعثر على بعض الإشارات الدالة على الحكم العثماني ولو من بعيد، حين يكون الشاطر حسن ابن شاه بندر التجار في القدس، وحين لا تكون هناك أي سيطرة مباشرة على تصرفات الناس وعلى حيازاتهم للأرض وللمال وللذهب.
3
حين تضرب زينب بقدمها حائطًا رخوًا في البرية فيتهاوى كاشفًا عن جرتين مملوءتين بالذهب، يعود بنا الكاتب إلى أجواء الحكاية الشعبية، حيث يصبح الكنز الذي عثرت عليه زينب ملكًا لها ولأسرة جبينة، وحيث تجعل الحكاية الشعبية مثل هذه المفاجأة المتمثلة بالعثور على كنز من ذهب فرصة للتفريج عن فقر الناس ولإدخال البهجة إلى نفوسهم، خصوصًا بعد أن يبيع كنعان، والد جبينة الذهب ويبني قصرًا في القدس له ولزوجته ولابنته جبينة ولابنه سعيد المولود حديثًا، وقصرًا لزينب وأمها الأرملة خيزرانة، التي ستصبح زوجة لكنعان بعد وفاة زوجته بثينة.
حين نحاكم موضوعة السفر إلى أوروبا لبيع الذهب بمعايير العصر الحديث فإننا سنخرج بإدانة صريحة لكنعان لارتكابه مخالفة يحاسب عليها القانون. وذلك لأنه لا يجوز التصرف بما في باطن الأرض من خيرات، لأنها ليست ملكًا لمن يعثر عليها.
أما حين نأخذ العثور على الكنز والتصرف فيه بما يعود بالوفرة والغنى على كنعان وأسرته وعلى زينب وأمها، على محمل الحكاية الشعبية التي لا تجد ضيرًا في ذلك، بل تعده أمرًا واجبًا لإسعاد المستمعين إلى الحكاية، من دون أن ينسى راوي أو راوية الحكاية تطعيمها بشيء من الحزن، فتموت الزوجة في زمن الوفرة والسكن في قصر باذخ؛ إنه تجاور الفرح مع الحزن في حياة الناس.
4
ولكي تكتمل فصول الحكاية عبر المغامرة والتشويق والبحث المستفيض، واستفادة الرواية من الحكاية الشعبية فإنه يغدو مفهومًا ومبررًا اختطاف جبينة وزينب على أيدي اللصوص، وتطوع شباب كثيرين لإنقاذهما من دون جدوى، ثم إقدام الشاطر حسن وشقيقه حسين على مهمة البحث عن الفتاتين والعثور عليهما، وموافقة كنعان والد جبينة على زواج الشاطر حسن بها، وزواج شقيقه حسين بالفتاة زينب، هذا الزواج الذي اقترح الشاطر حسن تأجيله إلى أن يتمكن من استرداد المجوهرات التي سرقها اللصوص وإلى أن ينالوا عقابهم، وآنذاك تكتمل الفرحة وتنتهي الرواية المكرسة للفتيات والفتيان بطريقة مريحة للنفس وللوجدان، وتتعزز القيم الإيجابية التي بثها الأديب جميل السلحوت عبر سطور روايته، وقدمها للجيل الذي نعلق عليه الآمال.*
*جميل السلحوت/ جبينة والشاطر حسن/ رواية للفتيات والفتيان/ 114ص/مكتبة كل شيء، حيفا-2023
28-9-2023