المراقب لما يجري في اسرائيل لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء؛ ليدرك كيف يُربّون شعبهم منذ الطفولة على الخوف، وعلى كراهيّة “الأغيار”؛ لتبقى أياديهم على الزّناد بشكل مستمرّ. واسرائيل التي يحلو للعالم الغربيّ أن يطلق عليها “واحة الدّيموقراطيّة في الشّرق الأوسط”، وتوفّر لها أمريكا الحماية على مختلف الأصعدة، -كونها قاعدة عسكريّة أمريكيّة متقدّمة في الشّرق الأوسط-ترى نفسها فوق القانون الدّولي، وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة، ولوائح حقوق الإنسان وغيرها، حتّى أنّهم يتجاهلون امتلاكها لأسلحة الدّمار الشّامل، بما فيها الأسلحة النّوويّة.
والمراقب للانتخابات البرلمانيّة الإسرائيليّة المزمع عقدها في بداية نوفمبر القادم، أي بعد أسبوعين، سيرى أنّ السّباق في الدّعاية الإنتخابيّة بين الأحزاب الإسرائيليّة يتمحور حول استباحة الدّم الفلسطيني بشكل خاصّ والعربيّ بشكل عامّ، فمن يقتل أكثر وهو على استعداد لمزيد من القتل سيحصل على أصوات أعلى، وهذا ليس مقتصرا على هذه الإنتخابات وحدها، بل هو سياسة معروفة في الانتخابات السّابقة، مع أنّ قتل الفلسطينيّين وتدمير وحرق مزروعاتهم وأشجارهم، ومصادرة أراضيهم واستيطانها، وإطلاق أيدي قطعان المستوطنين ليقتلوا وليدمّروا وليستبيحوا بوجود قوانين تحمي القتلة من أيّ مساءلة. ويلاحظ أنّ الإمعان في قتل الفسطينيّين يشتدّ ضراوة قبل أيّ انتخابات برلمانيّة اسرائيليّة، ولا يوجد خطوط حمراء أمام القتلة الذين يصوّبون أسلحتهم باتّجاه الأطفال والصّحفيّين والأطبّاء والمسعفين والنّساء وغيرهم. وإلّا كيف يمكن تفسير تصويب رصاصة قنّاص لرأس الدّكتور عبدالله أبو التّين وهو يسعف مصابا في باحة المستشفى في مدينة جنين، وكيف يمكن تفسير تصويب رصاص القنص لرأس الصّحفيّة شيرين أبو عاقلة؟ ولا يكتفون بذلك بل يمنعون اسعاف المصابين حتى التّأكد من وفاتهم، ثمّ يحتجزون جثامينهم. كما تزداد أعداد من يقتحمون حرمات المسجد الأقصى بحماية قوى الأمن كنوع من الدّعاية الإنتخابيّة، وكتأكيد على التّصميم على بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الذي هو جزء من عقيدة المسلمين.
وفي الوقت الذي يهاجم فيه المستوطنون المدجّجون بالسّلاح بقيادة عضو الكنيست ايتمار بن غفير وهو يشهر مسدّسا، وبحماية الشّرطة الإسرائيليّة، كما حدث في الليلة الماضية على سبيل المثال في حيّ الشّيخ جرّاح، وبدلا من اعتقال المعتدين تقوم الشّرطة الإسرائيليّة باعتقال الفلسطينيّين الذين يدافعون بأجسادهم عن بيوتهم وأطفالهم ونسائهم وممتلكاتهم .
في كتابه الصّادر عام 1994 بالإنجليزيّة تحت عنوان ” Aplase between nation” والذي ترجم إلى العربيّة تحت عنوان “مكان تحت الشّمس” يقول بنيامين نتنياهو بما معناه” بأنّه عندما بدأ اليهود في العودة إلى أرض الآباء والأجداد، التي كانت خالية من السّكان، وبدأت الهجرات العربيّة إليها عام 1922لعمل توازن ديموغرافي مع اليهود! لم يجد اليهود فيها شجرة خضراء واحدة”، وبهذه الأكذوبة الكبرى تجاهل نتنياهو وجود اثني عشر مليون شجرة زيتون في فلسطين يزيد عمر الواحدة منها على ألف عام، وتجاهل ملايين أشجار الحمضيّات التي كانت ثمارها تغطّي السّوق الأوروبّيّة، عدا عن ملايين الأشجار الأخرى من العنب والتّين واللوزيّات وغيرها.
لكن نتنياهو وغيره من قادة الحركة الصّهيونيّة يتجاهلون مئات آلاف الأشجار المثمرة المختلفة ومنها الزّيتون التي يقوم قطعان المستوطنين بحرقها أو اقتلاعها أو تكسيرها في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة وبحماية قوى الأمن الإسرائيليّة.
ومن اللافت للإنتباه أنّ المتباكين على حقوق الإنسان في أمريكا وتابعتهم أوروبا، وعلى القانون الدّوليّ ومنع احتلال أراضي الغير بالقوّة، ويدخلون العالم في حرب كونيّة في أوكرانيا قد تتطوّر إلى حرب نوويّة، ستنهي الحياة على الأرض في حال اشتعالها، هم أنفسهم من يدعمون الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربيّة. وهم من يغضّون النّظر عن انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.
14-10-2022